تنظم وزارة الثقافة، في الفترة ما بين 11 و20 فبراير 2011، الدورة السابعة عشرة للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء. وقد دأبنا على اعتبار هذه التظاهرة الثقافية حدثا وطنيا يدشن عمليا الدخول الثقافي في بلادنا، ويحرك جانبا من سوق النشر وتداول الكتاب، ويتيح للقارئ المغربي فرصة الاقتراب أكثر من الكتاب والمبدعين في مختلف الحقول الأدبية والفكرية والفنية.
وكانت منظماتنا الثقافية، وفي مقدمتها اتحاد كتاب المغرب، وبيت الشعر في المغرب، والائتلاف المغربي للثقافة والفنون، سباقة إلى تنبيه مسؤولي وزارة الثقافة إلى الوضع غير الطبيعي الذي تتخبط فيه هذه الوزارة، وما يعتري طريقة تدبيرها للشأن الثقافي الوطني من هفوات وتراجعات ومنزلقات خطيرة، في ظل انعدام رؤية واضحة للسياسة الثقافية في بلادنا، واستهتار بالشركاء الحقيقيين، من منظمات ثقافية وأدبية وجمعيات للناشرين.
إن سعي هذه المنظمات الثلاث لتكون حاضرة في هذه التظاهرة الثقافية الوطنية الكبرى وفي غيرها، كان بمثابة مساهمة منها في تعزيز الصورة الثقافية لبلادنا ولمكانتها كمنتج للكتاب وقارئ جيد له، وفي تقوية مسالك الحوار الثقافي بين الدولة والمجتمع، هو ما جعلها تنخرط، بكل مسؤولية، في هذا الأفق والرهان الثقافي والتواصلي الوطني.
غير أننا لاحظنا، ونحن على بعد أيام فقط من افتتاح الدورة الجديدة لمعرض الكتاب، أن سلوك الوزارة الوصية مازال هو ذاته إزاء شركائها المؤثرين، وهو ما يتبين، على سبيل المثال، من خلال إحجام الوزارة عن إشراك إحدى هذه المنظمات الثلاث أو كلها، كما جرت العادة بذلك، في الندوة الصحفية التي نظمتها الوزارة يوم الجمعة 4 فبراير 2011، لتقديم فعاليات المعرض المقبل.
كما تبين لنا، من خلال الاطلاع على البرنامج الثقافي العام لمعرض الكتاب، أن وزارة الثقافة قد غضت الطرف عن استضافة المكونات الفعلية للطيف الثقافي الإيطالي، باعتبار إيطاليا ضيف شرف هذه الدورة، حيث اكتفت الوزارة ومسؤولوها باستضافة الجانب الثقافي الإيطالي الرسمي، مغيبة تجارب ورموزا أساسية ومؤسسة من أمثال أمبرطو إيكو، وأنطونيو تابوكي، وروبيرطو سافيانو….
هذا، فضلا عن قرارات أخرى غير مسؤولة للوزارة، من قبيل استبعادها لثمانية بلدان إفريقية عن المشاركة في الدورة السابقة لمعرض الكتاب، بحجة أن دعوتها تكلف ميزانيتها، من غير أن تنتبه إلى أن رهاننا الوطني الكبير يكمن أيضا في الحرص على استعادة الحضور المؤثر للمغرب في الفضاء الإفريقي...
ومن جانب آخر، ورغم الوعود الكثيرة التي قدمها السيد وزير الثقافة لهذه المنظمات الثلاث، حتى قبل الدورة السابقة، ورغم الاتصالات والمراسلات، فلا شيء تحقق من ذلك، بل تم، في المقابل، المس بالدعم السنوي الذي تقدمه الوزارة لهذه الجمعيات، حيث تم حذف نسبة مهمة منه برسم سنة 2010، بدعوى "سياسة ترشيد النفقات" التي أقرتها الحكومة، علما بأن تطبيق هذه السياسة يهم سنة 2011 وليس ميزانية 2010، كما أن المذكرة الحكومية لم تتناول مطلقا المساس بالدعم الثقافي الذي تعول عليه بلادنا في مواجهة أسباب اليأس والفراغ والتطرف.
يحدث هذا، في وقت لم تتمكن فيه وزارة الثقافة على عهد السيد بنسالم حميش من تنظيم ولا ندوة وطنية أو عربية أو دولية تشرف صورة المغرب الثقافي، بل تمادت في الإمساك عن دعم المهرجانات والمؤتمرات الثقافية التي يشرف عليها المجتمع المدني، وفي حذف فقرة المسرحيات والعروض الفنية الموازية لفعاليات المعرض، وكذا الإجهاز على المكتسبات الاجتماعية، وخاصة المنحة المرصودة للتعاضدية الوطنية للفنانين التي لولا تدخلات سامية لما رأت النور، فضلا عن عدم اتخاذ الوزارة لأية خطوة من أجل تفعيل قانون الفنان، وعدم استقرار ديوان السيد الوزير، مما يشكل عائقا أمام التواصل مع الوزارة.
لهذه الأسباب، ولكثير غيرها مما لم نأت على ذكره، قررنا في اتحاد كتاب المغرب، وفي بيت الشعر في المغرب، وفي الائتلاف المغربي للثقافة والفنون، الإعلان عن مقاطعتنا للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء في دورته السابعة عشرة. ويعني هذا القرار الإحجام عن المشاركة أو المساهمة أو الحضور أو التدخل في جميع فعاليات معرض الكتاب.
ونحن إذ نضطر لمقاطعة المعرض، فإننا نقدر عميقا دقة وخطورة الظروف الراهنة التي تجتازها بلادنا، والتحديات الكبرى التي تطرحها علينا جميعا قضية وحدتنا الترابية، وضرورة تعبئة جبهتنا الداخلية للنهوض بمسؤولياتها ورهاناتها التاريخية والوطنية.
اتحاد كتاب المغرب
بيت الشعر في المغرب
الائتلاف المغربي للثقافة والفنون