يكثف القاص المصري من خلال الرقصة بالمدية أحاسيس ومشاعر الراقص إزاء العروس التي افترقت عنه منذ زمن. وتصير تفاصيل مشهد الفرح ملتبسة الدلالات لا تحدها الكلمات.

اللعبة

محمد عباس علي

 

ارتفعت الأكف بالتصفيق .. اشرأبت الأعناق .. تلاحقت الأنفاس تتابع الجسد المتمايل على الأنغام السريعة المتلاحقة، وهو يمثل بتعبيرات وجهه معنى الحركات، وقد التمع الضوء وأخذ يتراقص مع تحركات الأسطح الملساء للمدى فى كلتا يديه

كانت العروس وعريسها يقفان يداً بيدٍ وهما يتابعانه فى صمت، وقد تراقصت القلوب داخل الصدور مع إيقاع تحركاته وارتفاع يديه، بينما ارتفعت الزغاريد وتوالت فلاشات كاميرات التصوير، وملأ المكان صوت أحدهم يشدو بأحد الألحان.

ازدادت سرعة الإيقاع فازداد تمايل الجسد وتحركات يديه بالمدى،  وتلاعب الضوء المنبعث من اللمبات المختلفة الألوان أمام عينيه، وصارت الوجوه المتعطشة للمشاهدةعيوناً تبرق، وصدوراً مكشوفة تضوى، ونغمات ٍعنيفة ٍمتلاحقة ٍلاتمهله لحظة لالتقاط الأنفاس.

ارتفعت يده اليمنى لأعلى   واليسرى لأسفل، تمايلت الرأس على الجانبين، انفرجت الساقان، واندفعت مديةٌ للأمام  و الضوء يتلاعب على سطحها.. ومض السطح فغشى بعض العيون، اندفعت المدية الأخرى فلحقت بالأولى.. تراجعت الأولى.. امتدت الثانية.. قاربت من صدر العروس.. تراجعت العروس الى الخلف فى ذعر.. أحاطت بها يدا العريس، والجسد المتمايل مايزال يشد الانتباه..ضحكت العروس وعريسها ومن حولهما لما جرى..اندفعت المدى ثانيةً..اصفر وجه العروس..تخشّب جسدها..لم تستطع الحركة..مرت المدية الثانية فالأولى من فوق الصدر فالوجه مباشرة ً..اكفهر وجه العريس..ازدادت الأكف تصفيقًا ً وعلت الزغاريد.. انتشرت الضحكات أكثر والجسد الراقص مايزال يتمايل، ويداه الاثنتان تعكسان الضوء فيغشى البرق العيون. بدأ يتراجع الى الخلف فى حركاته الراقصة، وقد اتجه بنظراته الى العروس..تلقف نظراتها بعينيه.. حاولت الإفلات..لاحقتها نظراته..حادثتها عما جرى له منذ غابت عنه..منذ احتجبت فلم يرها الا اليوم..هجر الرقص فى الأفراح الى الأبد..لكنه اليوم من أجلها يعود، ولعلها المرة الولى التى يرقص فيها هكذا بكل مايملك من أحاسيس، يدور قلبه حولها..القلب يرقص ألما ..تصفق الأكف وترتفع الزغاريد وتبرق العين فى سرور. خفضت عينها عنه.. اضطربت حركة المدى بين يديه.هرب بعينيه لأعلى..ارتطمت بالأضواء المختلفة

 الأ لوان، وبالزغاريد التى زعقت فى وجهه.. رمى بنظراته الى أسفل..اسمها بجوار اسم عريسها منقوشا على النشارة الخشبية الملونة التى زينّت الأرض..لاذ بالوجوه من حوله..مشغولة بما يؤديه من حركات..لم يجد إلا المدى بين يديه..عادت اليمنى ترتفع لأعلى..هبطت اليسرى لأسفل..تسمر وجهه ناظرا ً للأمام فى مواجهة العريس..هبطت اليمنى إلى مستوى صدره..تجاوزته..انفرد الجسد على الأرض..غطى اسم العريس وصار بجوار اسم العروس..اعتمد فى ارتفاعه على اليد اليسرى..هبطت اليمنى على إسم العروس..مرت حافة المدية على الاسم فى عنف..حفرت أخدودا ً بحروف الاسم..عاد الجسد يرتفع..امتدت اليدان لأعلى وتقابلت المديتان..اصطدمت الحافة بالأخرى..ابتعدتا..انفرجت الساقان..تحركت المديتان لتتقابلا من وراء الظهر،  ثم انفردت الذراعان واعتدلت الساق..اقترب من العروس وهو مفرود الذراعين..أغمضت عينيها ورمت برأسها الى الخلف مفلتتة من فمها صيحة ذعر..نظرت إليه بعدها فى اعتذار..أدار عينيه رافضا ً معاودة النظر إليها..ازدادت حدة التصفيق..تلاحمت المدى فوق الرؤوس..تلاعب الضوء على الأسطح اللامعة.غشى البرق العيون..بدأ يرجع الى الخلف فى حركاته الراقصة وعيناه شاردتان بينما قلبه يغادر معه..ظل يتراجع رويدا ً..ثم ما لبث أن غاص فى الظلام