استضاف الشاعر ياسين عدنان ، في برنامجه الثقافي الأسبوعي مشارف الذي يعده ويقدمه على القناة الأولى، الكاتب شعيب حليفي حول محور "المثقف محتجاً" ، وذلك خلال حلقة مشارف الأخيرة. وفي ما يلي نص الحوار :
أعدته للنشر: نادية شفيق
ياسين عدنان: ماذا يعني أن تبادر نخبة من الأدباء المغاربة إلى تأسيس إطار ثقافي جديد على خلفية احتجاجية؟ ولماذا اليوم بالضبط يظهر هذا الإطار في مغرب ثقافي يراه العديدون حيا غنيا بالمبادرات، فيما يصفه آخرون بالتعثر و الجمود. هذا السجال بالضبط، هو ما سنحاول مواكبته في سمر هذا المساء من "مشارف" باستضافتنا للمرصد الوطني للثقافة، هذا الإطار الثقافي الجديد ذي الصبغة والخلفية الاحتجاجية وذلك في شخص رئيسه الأديب شعيب حليفي رئيس مختبر السرديات بكلية الآداب بنمسيك الدار البيضاء. وأفضل أن يكون الأدب هو المدخل لهذا الحوار. أنت تكتب الرواية و تُدَرس تاريخها وتقنيات كتابتها، وأنت أيضا ناقد متخصص في السرد. إلى أي حد يستفيد الروائي فيك من الناقد؟ بمعنى الاهتمامات النقدية للكاتب هل تخدمه أم أنها تعقد شكل كتابته.
شعيب حليفي: أعتقد أن الكتابة الروائية لا تستفيد فقط من النقد وحده ، بل من كل شيء، فهي جنس أدبي ينفتح على كل الأجناس بما في ذلك النقد. وباعتباري أشتغل في النقد الأدبي ونقد الرواية بالخصوص ، فإنني أستفيد من كل ذلك بشكل لاواعي ، وحينما أريد الكتابة أو الحديث في الإبداع..أحاول ما أمكن نسيان أني ناقد أو أكتب النقد. وأعتقد أن الأدباء في عصرنا يحتاجون باستمرار- سواء كانوا نقادا أو قراءً- إلى النقد وإلى تلك العدة النقدية بشكل مفتوح ليس بشكل آلي، حتى يؤثر على إبداعاتهم. من ثم أظن أن الرواية الحديثة تتطور بفعل هذه الدينامية وهذه الحركة النقدية الموجودة الآن، ليس في المغرب وحده، و لكن في كل أرجاء العالم.
ياسين عدنان: إذن من نقد الرواية إلى نقد المجتمع. ربما الحركة النقابية تمارس بشكل من الأشكال هذا الدور؛ أنت أصدرتَ خمسة كتب في هذا الباب.. ألا تخشى على الأديب فيك من أن يستغرقه هذا النوع من الانشغالات؟ وما الذي يغري روائيا مثلك بفضاء النقابة والعالم النقابي؟
شعيب حليفي: أنا واحد من هذا المجتمع، وانشغالاتي ليست غريبة لأن كافة المثقفين منذ الستينيات والسبعينيات حتى الآن كانوا منشغلين بما هو سياسي ونقابي مجتمعي بشكل عام، وكانت لهم اهتمامات واضحة منذ عبد الله العروي، عابد الجابري، محمد برادة، أحمد اليبوري وكافة المثقفين الذين أسسوا للثقافة المغربية في جوانبها المتعددة وبمختلف تعبيراتها انشغلوا بهاته الاهتمامات؛ واهتمامي بالمجتمع هو اهتمام كافة الكتاب أيضا.عدد منهم اشتغلوا في الصحافة، في الجانب النقابي والسياسي. انشغالي ربما يبدو مكملا للجانب الإبداعي الذي أشتغل فيه.. باعتبار أن أول رواية أصدرتها سنة1992 "مساء الشوق،" كانت حول الطبقة العاملة المغربية، من خلال رصد العنف الذي مورس عليها في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات. ثم هناك اعتبار أساسي، بالنسبة لي، وهو أن الطبقة العاملة التي تشكل لحمة المجتمع غنية بما يكفي بأن تمدني وتمد غيري بكافة الأحلام التي نطمح إليها.
ياسين عدنان :صحيح .وفعلا هناك تجارب أدبية عديدة استقت مادتها من واقع العمال، أما بالنسبة إليك فقد تجاوزت استلهام المادة الأدبية من الواقع العمالي إلى إنتاج خطاب حول النقابة، يعني كتابات متخصصة حول النقابة و الحركة النقابية و الدينامية النقابية وما إلى ذلك؟
شعيب حليفي : ارتباطي بالنقابة طبيعي ولا يشوش عليَّ إطلاقا لأني أعتبرهذه الأخيرة مدرسة. فحينما جئت إلى الدار البيضاء من مدينة صغيرة، مثل سطات، كانت النقابة هي أول مدرسة تربيت فيها واشتغلت فيها وتعلمت فيها ... لذلك أعتبر- وليست وحدي بالتأكيد - أن العمل النقابي بالمغرب وخصوصا النقابة التي اشتغلت فيها وكتبت عنها كثيرا وهي "السي دي تي " ( الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ) أحمل دينا في رقبتي لهذه المؤسسة ،التي كما قلت، أعتبرها مدرسة تعلمت فيها الكثير؛ و لعل تاريخها الطويل- إلى جانب النقابات الأساسية الأخرى الموجودة بالمغرب- يؤكد أنها مارست كثيرا من التأثير على التحولات السياسية أو الاجتماعية في المغرب.
ياسين عدنان : أستنتج ، ربما ، أن هذا التشبع بالخلفية النقابية، و هذا المراس النقابي بالضبط هو الذي جعلك تساهم ، رفقة مجموعة من الكتاب، في تأسيس المرصد الوطني للثقافة الذي تواجهون اليوم ، من خلاله، الثقافة الرسمية في بلادنا؟
شعيب حليفي: هذا جزء من العمل الذي نشتغل فيه. وفي إطار التحولات والشروط التاريخية التي تُنضج شيئا ما،لا أعتبر دائما أن عاملا واحدا يمكنه التأسيس لشيء كبير مثل المرصد ، والذي نحن بصدد التأسيس له ومشاورة عدد من المثقفين في المغرب من أجل بنائه بناء صحيحا، ينخرط فيه الجميع لقول كلمته .
ومن بين هذه العوامل الانتماء والحس النقابي الذي لا يوجد عندي بل عند كافة المثقفين، وأيضا الحس السياسي بالإضافة إلى أن الشروط الآن– في ما أعتقد ، وكما قلنا للأصدقاء وفي عدد من اللقاءات- باتت ناضجة بعد فترة خمول وصمت عاشها المغرب لأزيد من عشر أو خمس عشرة سنة. الآن نضجت هذه الشروط بهذا الفعل لدى المثقفين بمختلف الأجيال، وليس مع جيلنا فقط. الجميع يساندنا من أجل أن نجعل من المرصد محطة أساسية لنكسر هذا الصمت لنعبر عن احتجاجنا باعتبار أن الاحتجاج ليس فعلا خاصا بالمثقفين لوحدهم، بل هو صيرورة داخل المجتمع منذ الستينيات والسبعينيات ..بحيث تعرض المثقفون للاعتقال ولكل أنواع التعذيب...
ياسين عدنان : أظن أن هذا الوضع لم يعد له وجود الآن
شعيب حليفي : بالفعل لم يعد له وجود .. لكن نجده بطرق أخرى وبشكل آخر .فقد صارت الثقافة هي التي تتعرض للاعتقال و التهميش
ياسين عدنان: كيف؟
شعيب حليفي: أقول لك كيف: إن الثقافة الحقيقية التي يجسدها المثقفون في مجموع المغرب بكل أشكالها وأصواتها وتلويناتها لا وجود لها في واقع التدبير السياسي الذي نعيشه. ما يوجد من ثقافة الآن هو تمجيد لثقافة البذخ وثقافة الميوعة.. الثقافة التي لا تمثل المغرب الحقيقي ولا أصواته التي نعتز بها وننتمي إليها..
ياسين عدنان: لكن ما هي في رأيك الثقافة التي تمثل المغرب الحقيقي؟
شعيب حليفي: هي ثقافة المثقفين في مجموع المغرب .
ياسين عدنان: ما هي تعبيراتها؟
شعيب حليفي: تعبيراتها موجودة في كل الأشكال التعبيرية ... في الزجل، الشعر، الرواية، القصة، المسرح .. وفي أشكال شفوية أخرى ذات حضور ولا تجد لها وضعا اعتباريا داخل ثقافتنا . فما يُروَّج له رسميا وما يتم الاحتفاء به بالملايير وفي مواسم واحتفالات كثيرة هو الثقافة التي لا ننتمي إليها ولا تنتمي إلينا. لذلك نحن نطالب بأن يصبح الوضع الاعتباري لثقافتنا وضعا حقيقيا ومطروحا بجدية على الأجندة السياسية والثقافية داخل هذا المجتمع.
ياسين عدنان : هذه المطالب يطرحها الآن مجموعة من المثقفين تحلقوا حول المرصد من أجلها وبهدف الدفاع عنها، ألم يكن ممكنا مناقشتها من داخل مؤسسة مثل اتحاد كتاب المغرب، اللهم إذا كنتم تعتبرون أن المرصد الوطني للثقافة هو مؤسسة بديلة عن باقي المؤسسات الثقافية الأخرى وعلى رأسها الإتحاد؟
شعيب حليفي : هي ليست بديلة لأحد و لا يمكن أن تكون كذلك، لأن كافة الجمعيات المدنية وغيرها تعبر عن برنامجها المسطر، واتحاد كتاب المغرب له برنامجه وله مشاكله وله قضاياه التي يعبر عنها. المرصد المغربي للثقافة الذي نسعى إلى بنائه بالشكل الذي نطمح إليه وما زلنا نؤسس له بالشكل الذي يجمع كل الأصوات المغربية، فنحن على اتصال بكافة المثقفين في جميع أنحاء المغرب، نريده أن يكون شيئا مغايرا و جديدا؛ ودائما أعود إلى الشروط التاريخية التي تنتج جمعية ما .. جمعية المرصد ليست ترفا و ليست شيئا زائدا وليست تكرارا أو بديلا أيضا.. بل هي إنتاج لشرط تاريخي نما وترعرع في ظل هذا الاحتجاج الذي كان صامتا ، وفي ظل تصور نبلوره الآن مفاده أن المثقف، قبل 1998، سنة دخول اليسار إلى الحكومة، كانت له رؤية معينة وكانت لدينا اتفاقات واضحة؛ لكن بعد مرور كل هذه السنوات تغير الوضع وصارت الأسئلة الثقافية هي غير الأسئلة التي كنا نحملها.. بل خضنا في تحولات بدا لنا- ضمن هذه الشروط والسياقات التي تحدثت عنها - بأنه من الضروري الآن أن نعبر عن موقف يشكل قاعدة لإبداعنا و تفكيرنا و نقدنا أيضا.
ياسين عدنان: ولكن هناك من يقول بأن المجتمع يتحول وأسئلة الثقافة بدورها تتحول. وهناك حراك ثقافي ملحوظ في البلد يفرض على المثقف أن يجدد أسئلته ليواكبه ويساهم فيه بقوة. فهل المثقف اليوم، ونحن في ألفية جديدة، يريد طرح نفس الأسئلة التي كانت تطرح في السابق، أي في الستينات والسبعينيات ؟ ثم حينما طرحتُ عليكَ قبل قليل سؤالا عما إذا كنتم تقترحون أنفسكم بديلا عن اتحاد كتاب المغرب وبعض المؤسسات فذلك انطلاقا من أنكم تدعون ضمنيا وأحيانا بشكل مباشر إلى الاستغناء عن بعض المؤسسات الثقافية وعلى رأسها وزارة الثقافة؟ ما هو تعليقك على مثل هذا المطلب مثلاً؟
شعيب حليفي: التعليق الذي يمكن أن أقدمه هو أن المرصد جاء ضمن هذه التحولات، ونحن لا نتنكر للمواقف التي أبداها وتبناها المثقفون في الستينيات و السبعينيات.. بل طورناها مع التحولات التي نعيشها ليس محليا فقط ، بل دوليا أيضا. الأساسي بالنسبة إلينا وهو أن نضع نقطة نظام حقيقية وصائبة ، لا تمثلنا كأشخاص بل تمثلنا كإبداع و كفكر وكنقد. نطرح هذا البديل أو هذا التصور من أجل القول بنهاية فترة استعباد المثقف المغربي واستغلاله إرشائه أيضا.. بل وتحويله، في كثير من الأحيان، إلى أداة تؤدي وظائف معينة ويتم الانتهاء منها بعد ذلك .
هذا هو الموقف الذي نقول به، وفي ضوئه طورنا موقفنا وقلنا بضرورة الاستغناء عن وزارة الثقافة.. لماذا؟ ليست لدينا رؤية أو تصور ضد وزارة الثقافة كأشخاص وكمشتغلين.. فلدينا العديد من أصدقائنا ممن يشتغلون هناك. نحن ضد تصور التدبير السياسي للثقافة، قلنا بالاستغناء عن التعامل مع وزارة الثقافة من أجل أن نقول لها بأن المثقفين المغاربة حينما يستغنون عنها، فإنهم قادرون على العمل في جمعيات مدنية متعددة بدون دعم ظاهرا كان أو خفيا من هذه المؤسسة الرسمية.
ياسين عدنان: هذا صحيح فهناك نماذج قوية في مشهدنا الثقافي اليوم. إذ نلاحظ أن مجموعة من الإطارات ك" مجموعة البحث في القصة القصيرة "، وأيضا مثل "مختبر السرديات" خرجت من رحم الجامعة وديناميتها تندرج في هذا الإطار. فهناك فعلا مجال للعمل عبر قنوات المجتمع المدني. لكنني أتصور أن هذا الطرح لا يلغي ذاك، والعمل الثقافي المدني المستقل لا يلغي دور المؤسسات، هذا تصوري الشخصي على الأقل. إنما دعنا نواصل. في أحد لقاءاتكم التأسيسية صرحتَ قائلا: "ونحن نخوض انتفاضتنا لا ننوب عن أحد لأن الجميع منخرطون معنا". هل تحس فعلا بأن الجميع معكم؟ ألا ينتابكم الشعور أحيانا بأنكم مجموعة صغيرة من المثقفين المُمانعين وأن المثقفين المغاربة ،بشكل عام، ليسوا بالضرورة جميعا في صفكم؟
شعيب حليفي :حركتنا ليست وليدة الأمس، أي منذ 20 فبراير الماضي، أو منذ المعرض الدولي الأخير كما يحاول البعض الترويج لذلك. بل إن اشتغالنا في هذا الأفق انطلق منذ مدة طويلة عبر عدد من الجمعيات والإطارات التي نشتغل فيها ومن داخلنا كنا نؤسس لهذا التصور. طبعا تلاحقت الأحداث خلال هذه السنة لنبرزإلى الوجود ونحقق ما كنا نريده. الآن صارت لنا عدد من الإنخراطات من أصدقائنا المثقفين، ليس من المغرب فقط بل من خارج المغرب، ومن المثقفين العرب الذين يساندوننا في هذا الطرح، ليس مزايدة علينا وعلى الآخرين، بل لأنهم أدركوا بأن هذه الحركة الاحتجاجية أو ما أسميناه بالانتفاضة جاءت في وقتها ولا بد أن تعم، ليس المغرب وحده، بل العالم العربي ككل.. لأن ما نعيشه نحن في المغرب من سياسة ثقافية وتدبيرات غير معقلنة وغير منظمة تعيشها عدد من الدول العربية وربما أسوأ. لذلك أرى أن عدد المثقفين المغاربة الذين يساندوننا هم كثر، واللقاءات التي انعقدت أو التي سيتم عقدها بمشاركة عدد من المثقفين معنا يكشف أننا لسنا نخبة معزولة عن المجتمع بل جزء عضوي وفاعل بداخله؛ و بالتأكيد فنحن نرحب أيضا بالذين لا يساندون هذا التصور لأنهم من أصدقائنا أيضا، يجلسون معنا و يناقشوننا ، وهذا هو الشكل الطبيعي لكل حركة احتجاجية وثقافية في المجتمع. فليس بالضرورة أن نلم جميع الأصوات وأن يكون الجميع في صفنا.
ياسين عدنان: بكل تأكيد ... أنت تستوعب الاختلاف. يمكن أن يكون معك مثقفون أصدقاء وغير منخرطين في الحركة. فالانفتاح مطلوب،في جميع الحالات، وهو الأصل. لكن حينما يستند المرصد إلى نقابة عمالية عريقة ويعلن بشكل أو بآخر ولاءه لها.. ألا يوجد هناك تخوف من أن هذا الارتباط بنقابة معينة قد يحول دون التحاق عدد من الكتاب بكم، على أساس أن معظم المثقفين اليوم يفضلون الاستقلالية على الانخراط و التبعية لإطارات حزبية أو نقابية؟
شعيب حليفي: نحن لم نعلن أبدا أننا ننتمي إلى نقابة أو جهة معينة. نحن ننتمي إلى المجتمع وإلى المثقفين، وقلنا هذا صراحة، كما قلنا بنهاية عهد الجمعيات الملتبسة التي تكون لها انتماءات خفية معينة. بل نحن برفقة عدد من المثقفين الذين لهم انتماءات متعددة وهم أحرار في انتماءاتهم المختلفة.
ياسين عدنان: المرصد غير معني ب...؟
شعيب حليفي: المرصد غير معني بأي جهة من الجهات، بل هو ينتمي إلى المجتمع والثقافة..
ياسين عدنان :هذا التوضيح ضروري..
شعيب حليفي: طبعا ضروري، فنحن كما قلت.. ننتمي إلى الفكر الحر وإلى أفق جميع المثقفين الذين أسسوا للثقافة المغربية الأصيلة ، والتي تحمينا وتمدنا بكل هذه الأدوات التي نشتغل بها.
ياسين عدنان: بكل تأكيد، فالثقافة المغربية في ديناميتها الجديدة،هي التي تمدكم بكل ما يصنعه المرصد اليوم، على أساس أن هناك من يرى بأن المغرب - خلافا لما يتصوره البعض- لا يعيش تراجعا ثقافيا اليوم. وهذه الحركات الجديدة والاحتجاجات والسجالات ربما هي شكل من أشكال التطور الثقافي الذي يعرفه المغرب و الذي لا نجده في دول عربية كثيرة؟
شعيب حليفي: بالتأكيد هذه المسألة لنا فيها رأي. التراجع الذي يعرفه المغرب هو تراجع في السياسة الثقافية وفي الاهتمام الثقافي، ليس في البرنامج الحكومي فقط بل أيضا في برامج الأحزاب السياسية. لم يعد هناك ما يشكل همًّا ثقافيا يمكن أن يحمله هذا الحزب أو ذاك؛ هذه الحكومة أو تلك. في حين أن هناك حراكا ثقافيا و دينامية قوية في المجتمع على مستوى الجمعيات المدنية والجامعات .
في المغرب، بتنوع ثقافاته وأصواته، توجد عدد من الجمعيات تشتغل بإمكانياتها المتواضعة وتؤدي إنجازا أهم مما تؤديه جهة حكومية لها من الأموال الشيء الكثير. جمعيات تشتغل بإمكانات بسيطة في جنوب المغرب وشماله، كما في شرقه و غربه.. تضم أدباء يعيشون في بساطة الحياة ولكنهم يحملون أفكارا كبيرة جدا لو وجدت من يرعاها أو من يقدم لها يد العون لأعطت الشيء الكثير .. و شكلت إلى جانبنا هذه القوة.. كما أن التطور الذي تشهده اليوم الجامعة المغربية على مستوى المختبرات ومجموعات البحث والجمعيات شيء لم يسبق له مثيل، بدليل أن الثقافة المغربية اليوم هي حلقة أساسية داخل الثقافة العربية بشهادة الإخوة العرب و حتى المغاربة.
ياسين عدنان: بالنسبة لكم وفي هذا الإطار، بصراحة هناك إشعاع عربي ومغاربي قوي لمختبر السرديات الذي تعمل داخله. لكن، من إشعاع المختبر إلى الأسئلة الاحتجاجية للمرصد. في الفترة التي كنتم فيها في ذروة الاحتجاج، أصدر الشاعر عبد اللطيف اللعبي بيانا ينتقد فيه وضع الثقافة في المغرب ويدعو إلى إصلاح فعلي لهذا الوضع. وقد اقترح اللعبي مجموعة من الأفكار والخطوات. كيف تقرأون بيان اللعبي أولا؟ و هل تتقاطعون مع اقتراحاته؟
شعيب حليفي: أولا، الأستاذ والشاعر عبد اللطيف اللعبي هو من المؤسسين للثقافة المغربية عبر "أنفاس"و عبر عدد من الكتابات التي كتبها. هو أيضا مناضل عضوي في المجتمع المغربي، له أفكار نحترمها.. ولا أعتقد أن أحدا يختلف مع عبد اللطيف اللعبي اليوم في المغرب. الكل يحترمه كشاعر وأديب وكمثقف عضوي كما قلت كذلك. إذن لما جاء ذلك البيان ونحن نشتغل في حركية دائمة، لا يسعنا إلا أن نرحب بكل المبادرات بما فيها مبادرة اللعبي المطبوعة بنوع من العقلانية ومن التصور المبني على تاريخ هذا الكاتب وتاريخ جيل ، فهو لا يمثل نفسه فقط ، فيما أعتقد، بل يمثل جيلا يلتحم مع الجيل الجديد و يعطي للثقافة المغربية هذه النكهة القوية، نكهة المبدع العضوي الذي له صوت أساسي داخل المغرب وخارجه. بل أكثر من هذا يمكن أن أقول بأن كافة المثقفين الآن يحملون بياناتهم ومشاريعهم يضمرونها، وتلتقي مع عبد اللطيف اللعبي في بيانه ومع المرصد و مع عدد من الأصوات الجادة.
ياسين عدنان: وأيضا مع أوراقكم التنظيمية التي اطلعت عليها شخصيا وكانت تصلني تباعا، لأن لديكم دينامية إلكترونية مهمة جدا وهذا أمر يستحق الإشادة. في إحدى هذه الأوراق التنظيمية أشرتم إلى مدخلين أساسين لإنقاذ الثقافة المغربية، المدخل الأول هو الشفافية ثم مدخل المشاركة. ما المقصود بالضبط بهذين المفهومين؟ و إلى أي حد يبدو الرهان عليهما ممكنا؟
شعيب حليفي: هما فقط عنصران من ضمن عناصر متعددة يمكن أن نسأل كل جهة في كل قطاع عن المشاكل حتى يتم إيجاد حلول لها. ولكن على المستوى العام فإن المطلوب هو الشفافية في الشأن الثقافي ضمن مخططات التدبير السياسي. سياسة ثقافية تُدَبر كل هذا التنوع الخلاق الذي يصعب أن نجده في مكان آخر. نحن لدينا كنز أساسي في ثقافتنا لم نستثمره بعد ولابد من الشفافية في مناولته والتعامل معه. والشفافية هي إعطاء الاعتبار للثقافة المغربية بكل بمعنى الكلمة و ليس اعتبارا سياسيا وظرفيا عابرا لمرحلة معينة لامتصاص هذا الغضب وهذا الانتفاض. الشفافية أيضا في إعطاء الاعتبار للمثقف الذي أقصد به- ليس الشاعر أو الروائي أو المسرحي فقط ، وهم يعانون من مشاكل متعددة- بل المثقف بشكله العام بما فيه القارئ الذي لا يجد حظا مع السياسة الثقافية التي لا تعالج مشاكله ودائما نطرح مشاكل أزمة القراءة والمقروئية ولم نجد لها من الحلول ما يعطينا إمكانية التطور. وكل هذا مرتبط بالشفافية في التوزيع ، لدينا مشكل كبير في توزيع الكتاب المغربي ولا أحد يريد الحديث عن هذه المعضلة. هل هي مسؤولية الجمعيات؟ أم السياسة الثقافية التي يجب أن تعمل على إيجاد حلول فعلية لصالح الكتاب المغربي. المغرب لم يصل بعد إلى ما وصلت إليه عدد من الدول المجاورة بخصوص توزيع كتب مثقفيها. صورة المغرب خارج المغرب دائما هناك حواجز بشأنها، بل إن الكتاب المغربي داخل المغرب لا يوزع بالشكل الذي يجعله محترما وفي المتناول. هناك حقوق المؤلف وحقوق الثقافة المغربية وحقوق القارئ.
وحول المشاركة ، فإن وزارة الثقافة الآن أو الجهات الوصية على الثقافة لها شراكات ملتبسة ومحدودة ،في حين أن المغرب ليس جمعية واحدة أو جمعيتين أو ثلاث جمعيات تتعامل معها. المغرب هو مجموع النسيج المؤسساتي الفاعل ومجموع الأصوات، سواء كانت جمعيات وأفرادا.علينا أن نضع مخططا واضحا ومعلنا، ولدينا تجارب مهمة في عدد من الدول..مصر مثلا، لديها تجربة مهمة في التعامل مع الوضع الاعتباري للمثقف ،سواء داخل الجمعيات أو بشكل فردي، في إعطائهم مثلا سنوات للتفرغ من أجل الإبداع وفي دعم كتبهم وتعميمها وتوزيعها، وجعلها في متناول القارئ في مطبوعات تصل إلى الآلاف و بقروش بسيطة.
ياسين عدنان: هناك ملفات إذن الأخ شعيب، ولديك ملاحظات واضحة . كما هناك انتقادات بناء على ملفات واضحة. لماذا لا تحمل هذه الملفات وهذه الانتقادات وتوجهها للأطراف المعنية مثل وزارة الثقافة.. باعتبارها المؤسسة الثقافية الأولى في البلد. وأنتم صرحتم ،أكثر من مرة، بأن أهداف المرصد هو خلق حوار بين المثقف والوزارة.أريد أن أعرف هل حاولت الاتصال بالوزارة؟ وهل كانت هناك استجابة للحوار من طرفها؟
شعيب حليفي: لم نحاول بعد، ولكن - كما قلت لكم في البداية- نحن نستجمع آراء العديد من المثقفين في إطار المشاورات حتى نبني ملفا متكاملا ويكتمل هذا التأسيس القانوني والثقافي والفكري والرؤيوي أيضا لهذا المرصد.. نستمع إلى كل المثقفين، ليس فقط من الدار البيضاء والرباط ومراكش بل أولائك الذين هم في أماكن قصية و بعيدة. الآن نحن في استشارة معهم وحينما نستكمل هذه الأشياء وتكون قضايانا واضحة.. آنذاك نفتح حوارا ليس فقط معنا لوحدنا بل مع المجموع. نحن الآن ندعو كل الجمعيات الثقافية الجادة بمجموع المغرب إلى العمل ضمن تنسيقيات، لكي تتحقق هذه التمثيلية وهذه القوة حتى لا تبقى كافة الجهود مشتتة وتجتمع على برامج ذات أفكار جريئة. نحن لا نريد الاشتغال لوحدنا بل ضمن مجموع الأفكار السائدة والواضحة أيضا، والتي تحمل مشروعا حقيقيا لثقافتنا المغربية أساسا وللمثقف المغربي ثانيا.
ياسين عدنان: ونحن نشكرك الأستاذ شعيب حليفي على تلبية دعوة مشارف ونتمنى للمر صد ولباقي الفاعلين الثقافيين الجادين في هذا البلد المزيد من التوفيق.