في سياق انخراط المثقف المغربي في التحولات التي تعصف بكل شيء "انتهت صلاحيته" وباتَ عُنصرا مُعرقلا للتطور والحداثة و الحرية في سياسات الوطن العربي .
يُشيد المثقفونَ المغاربة بفخر وإكبار بالانتفاضات الشعبية الملهمة في تونس ومصر وليبيا وغيرها من الدول العربية الأخرى، والتي حررت العقل والوجدان واللسان وفتحت آفاقا جديدة للإبداع والتجديد .
وهي مناسبة نعلن فيها تضامننا اللامشروط مع هذه الثورات الحاملة لرياح التغيير ضد كل جيوب الفساد التي تسعى إلى إجهاضها والالتفاف على نبل جوهرها؛ كما نؤكد تضامننا مع الشعب الليبي الشقيق الذي يتعرض للإبادة الجماعية ،وكذلك المحنة التي يعانيها الشعب اليمني وهما يطالبان باختيار ممثليهم وحكامهم واجتثاث جذور الفساد وتوزيع الثروات في مجتمع حر وديمقراطي عادل .
ويؤكد المثقفون المغاربة أن كل ما قاموا به ،منذ أزيد من سنة، من احتجاجات متصلة بسيرورة ثقافية انتقادية نَفخرُ بالانتماء إليها غير مفصولة أو معزولة عن احتجاجات الشعب المغربي ومطالبِهِ العادلة ، قد أَفرز حركة ثقافية أنضجت قرارات من قبيل مقاطعة كل ما له علاقة بالفساد الثقافي والسياسي والاجتماعي وكل ما يساهم في تعطيل الديمقراطية والعدالة؛ فكانت مقاطعة الأنشطة الرسمية للمعرض الدولي للكتاب والنشر ،وكل الأنشطة الثقافية الحكومية، الأمر الذي لقيَ استجابة واسعة من قِبل المثقفين التواقين إلى مجتمع مغربي تسوده المعرفة والتدبير الجيد والحكيم، مع التأكيد أننا لا نختزل الأزمة الحالية والمركبة ،بتعقيد شديد، في شخص وزير- لا حول له ولا قدرة له - أو ضد وزارة لم تستطع أن تكون في مستوى الوعي الثقافي المغربي الراهن، ولكن الإشكالية الحقيقية تَكمنُ في السياسة الحكومية برُمتها لأنها لا تمتلك رؤية واضحة للتدبير الثقافي والإجتماعي والسياسي ، ولا رغبة لها في الإنصات أو الحوار مع المثقفين؛بيد أنها تجيد في مقابل ذلك تجاهل وتهميش كل فعل ثقافي متنوّر من شأنه أن يمدّ مجتمعنا بقيم تساعده على حلّ الكثير من المعضلات التي تقف أمام تبلور صناعة ثقافية متطوّرة مع استمرار هزالة ميزانية وزارة الثقافة وانعكاس ذلك على دعم الإنتاجات الفنية والفكرية. لذلك عوض أن ينكبّ المسؤول الوصي على القطاع و معاونيه على بلورة برنامج ثقافي متعدد الآفاق مركزيا وجهويا،نجده يهاجم رموز الثقافة والفكر بالمغرب، وينعتهم بنعوت تحقيرية وعنصرية تحطّ من كرامتهم.
أمام هذا الوضع وما يلزمه من مواقف واضحة للمثقف المغربي، فإننا نُجدد تأكيدنا ورغبتنا في التغيير والانخراط في الدينامية المجتمعية النبيلة موجهين نداءنا الى كافة الفاعلين الثقافيين للإنضمام الى هذا الفعل الاستثنائي، للدفاع عن أربعة مرافق حيوية واستراتيجية في تحصين قيم المعرفة والحرية والتعددية والديموقراطية والتقدم والحداثة:
أولا :الثقافة باعتبارها مجالا لتمتين هويتنا وحصانةً لتنوعنا الثقافي الذي تؤطره الوحدة والضامن لحقوق الإنسان والتنمية البشرية والجهوية الفاعلة؛
ثانيا : التعليم لأنه يمكن من بناء أجيال مرتبطة بثقافتنا وبالمعارف الجديدة المواكبة لروح العصرفي مختلف التخصصات، باعتبار المثقفين فاعلين ومنتجين أساسيين في مجالات التاريخ والجغرافيا والفلسفة والعلوم الإجتماعية والدراسات الأدبية والفنية؛
ثالثا: البحث العلمي ، لكونه قاطرة أساسية للتنمية، فبدونه لا يمكن استكمال تحقيق خصوصيتنا ونهضتنا المنشودة، من مقدماته النظرية وأبحاثه الميدانية يمكن للبحث العلمي أن يساهم في تصور السياسات والبرامج العامّة لقطاعات حيوية بفاعلية ومسؤولية؛
رابعا : الإعلام لأنه مِرآة الديمقراطية والوسيلة التي بها يتم تعميم الوعي وإشاعة قيم العدل والاعتزاز بالذات وبالمنتوج الثقافي المغربي ، وهو أيضا سبيل تواصل فعال ومؤثر وخلاق بين مختلف الشرائح الاجتماعية؛
دفاعا عن هذه المرافق التي تتكامل وتغني مدارات التدبير الثقافي، وتعمّق الاختيارات التي يحتاجها المغرب الثقافي اليوم،وهي غير منفصلة عن المطالب السياسية والاجتماعية الملحة؛ نُطالب كمثقفين مغاربة ب:
- إقالة الحكومة الحالية لكونها لم تنتج سوى الفساد السياسي ، ولكونها لم تستطع حلّ المعضلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتنامية في أكثر من قطاع.
- محاسبة كافة المسؤولين المباشرين وغير المباشرين عن هذه القطاعات ، وكذلك محاسبة كل الذين راكموا ثروات خيالية بطرق غير مشروعة وساهموا في تدمير قيم التكافل والتضامن والإخاء وعمموا روح الحقد والفساد الاخلاقي والجهل.
- مراجعة الدستور المغربي وكل القوانين بما يعطي الأهمية والأولوية للمطالب الثقافية والاجتماعية والسياسية لإنجاح الإصلاحات الكبرى، وتحقيق الرهانات التي يتوق إليها المغرب والمغاربة بإرساء قيم التحديث والديموقراطية.
هذه مطالبٌ تعتبر الظرفية الراهنة فرصة لتحويلها من مجرد أفكار إلى واقع ملموس، حتى لا تظل الإصلاحات التي انخرط فيها مجتمعنا متعثرة وبطيئة، وتكون في الآن ذاته عنوان مرحلة انتقالية هامّة تسمح بتجاوز عوائق التحديث والعصرنة، ويكون فيها الفعل الثقافي مساهما في إشباع حاجات المغاربة في الحياة الكريمة والخلاّقة .
للتوقيع :مراسلة العنوان البريدي التالي: bilmirssad@gmail.com