قصيدتان

شوقي بزيع

 

ثلج العام 1958

لا ظل للأشياء في تلك الصبيحة
لادليل علي مكان
كي يعود النسر عن طيرانه
فوق السفوح،
ولا دليل علي زمان
كي يفكر عابر بمصائر الفانين
بعد الموت

فالاشكال رغم غموضها الفتان
بالغة الوضوح
وليس للخطوات ما تخفيه
وهي تشق صدر الارض
بحثا عن معالمها التي طمست
وقد يتردد الرائي طويلا
قبل تسمية العناصر
باسمها

اذ لا ملامح للشتاء
ولا مسالك أو جهات
كي يجازف شاعر بالقول:
إن الثلج أجمل في التخيل
منه في ذاك النهار،
وقد يري الرائي قوارب
من بخور
تمحي في الصحو،

حيث بلا قوائم أو اشارات
تمد رؤوسها الاشجار
من خلف الضباب
وتختفي للتو،
في ذاك النهار الغض
حيث تزقزق اللحظات هانئة
علي كتف الهضاب البيض

كان الثلج يترك إليتيه علي الذري
ويفط نحو الذكريات
بخفة العصفور
أو يغفو علي أيدي
ملائكة سمائيين
ضلوا الدرب نحو الله وانتظروا
شروق الشمس
كي يجدوا الطريق
الي سماء ما،

وفي ذاك الضحي الثلجي
كان يطيب للنفناف
أن ينحل مثل حمائم بيضاء
في أبدية التكوين،
حيث بمستطاع المرء
وهو يسرح العينين في الافق الممدة
أن يكون كما يشاء

فلا رقيب علي الظنون
وبمستطاع الشعر
أن يتناول الشبهات طازجة
كما ولدت لأول مرة
وبمستطاع الطفل
أن يتسلق الأيام قبل أوانها
ويطير فوق الحاجز الزمني
للأعمار،

أو يكبو طويلا
تحت شارب جده المبيض
من تعب السنين..
لا ظل للأشياء في تلك الصبيحة
كما أذيلها بامضائي
كما لو انها صك اعتراف الحالمين
بأنهم عثروا علي كنز تبدد
لا دليل علي حياة بعد
كي أرفو ملامح ذلك الثلج
الذي شحبت ملامحه
كما ترفو النساء، وقد كبرن
جمالهن بابرة الذكري.......
...........
ولكن
ثم خلف مساقط الكلمات
وهي تهيم فوق الصفحة البيضاء
ثلج لا يكف عن الهطول



الأعمال الكاملة

كان لابد كي يدخل (النهر)
في الشعر
أن يفقد النهر،
لابد أيضا لكي يدخل (الحب)
أن يفقد المرأة المشتهاة،
و(الحلم) أن يفقد
الغفوة المطمئنة،
و(البيت) أن يفقد العائلة
ومن حيث لم ينتبه
كان يبهجه أن يخون المسمي
لكي يربح الاسم،

أو أن يري في الكتابة
ما لا يري
في تفجر مجري الوجود الحقيقي،
أو أن يقايض بالمفردات السقيمة
فردوس أيامه الزائلة

هكذا راح يحصي
محطات تلك الحياة التي خانها
بالقصائد
حتي إذا أصبح العمر
مقبرة من حروف
تراءي له الموت
في زي أعماله الكاملة