نقدم ديوانا شعريا لشاعر مغربي صاحب "تخطيطات حديثة في هندسة الفقر" 1974. حيث نكتشف نصوصا تمتد زمنيا لفترة طويلة، لكنها ترتبط بمرحلة أساسية في تشكل مخاض القصيدة المغربية الحديثة. هي قصائد تؤسس لصوتها المفرد وتجيب على سؤالها. قصائد شاعر "صرخ" مبكرا كي يرسم عالما أفضل.

ديوان العدد

أصوات الولد الضال

أحمد بنميمون

باب للاستسلام و باب للثورة

ـ 1 ـ

في الزمن دائما يوجد ذلك المتسع

في الأرض  دائما تهبط السيوف لتحُدّّ أو تسيّج ساعات ذلك المنتهى

الذي نكون فيه هاربين اضطرارا

أو عائدين خيارا

لنلبس الأغلال أو لنسجن في جلدتنا الثوب،

خشية أن نسقط في عري الكذب.

هل كان ما توقعته فيك و حولك يقينا ؟

تشتعل المقبرة في الليلة الثانية بعد القتل،

ويبدو الصدق مصلوبا على الأفق،

خارج ملابسه و جبهة الخفاش محاطة

و موشي صدره بالورد،

في الزمن دائما يوجد ذلك المتسع –المساحة

التي تصلح أن نملأها قبورا أو حدائق-

أن نملأها بضحكة كالشتيمة أو كاللعنة

التي يمكن أن تأخذ حيزا يشبه الساحة –الغرفة- المقهى/

الساحة:

مكان مناسب للاشتغال،

لكن أين من يقوى على عذاب التوهج أو توهج العذاب؟

يتألق فينا خوف بلا حدود.

الغرفة : ندخل أو نخرج فالزنازين

لهل ملكة مطلقة في احتضان الذين يحلمون فيشتعلون في حلمهم.

المقهى نهرب أو نستسلم

فنحن عائدون إلى السجن نفسه نحمل مزيدا من الريح في المقلتين،

مزيدا من الصور الضوئية في الرئتين.

نرتجل النظر في عذابنا،

و الساحة غارقة في الموت، في الصمت،

و في الزمن دائما يوجد ذلك المتسع- المساحة

التي تصلح أن نملأها سجونا و بروجا لحراسة الفرحة المغتصبة،

و الطريق إلى ذلك المتسع لا تعرفه المحطات

و الموانئ..

.إلى اليابسة لا يسير النبع،

يبوسة حقلي الذي تمنيت ورده لا تعرف الشمس دربا إليه،

أتناسل في ذاكرة الريح مع تربة خاصم الخصب جذور نباتاتها،

هاجرها النبع،

في الزمن يوجد دائما ذلك المتسع

لمنع الأرض التي تتألق ظمأ

من تسرب الماء إلى حيث يتم الإرتواء في الرحم.

 

ـ2 ـ

اشتعال المقبرة في الليلة الثانية بعد القتل:

أراك تقتربين و تشتعلين.

كأنك المقبرة في الليلة الثانية بعد القتل

هل لحدود أفيائك الداخلية نفس التوهج

الذي لأبعاد ضواحيك كما أراك ؟

تشتعلين أمامي يا مدينة تصرخ في دماء الآخرين،

أو تغرقين معهم في الدوامة نفسها،

أو تنكرينهم إذا ارتحلوا للبحث عن عقل للاستنكار،

و في العقل دائما يوجد ذلك المتسع : نستنكر فنشعل و ننافس الشمس و النساء،

و ننتظر أن تستنير اليابسة،

أن نغير الزمن الذي يصل عبر خيوط الأشعة إلى قلب الأرض

الصور الضوئية التي في عيوننا،

و نخترع زمانا آخر و أياما أخر،

نسميها بالأسماء التي نريد،

و نسمي الزمن الذي يجري بحسبان تحت أصابعنا بالإسم الذي نكره و نستهجن:

أف... الزمن الأنثوي تحكمنا فيه رغاب النساء و أشباه الرجال،

أسرتهن إن تعرت فيهن شهوة ننزل فيها إلى حضيض المهانة.

قي الزمن الأنثوي تلمع المراحيض كما تلمع عيونهن في أبهاء الإحتفال بالمخاتلة،

في القلب متسع للقيثار،

تعزفين تنويعات عن عالم يخدع،

فأصبح الكلمة في حنجرتك، و لكن قولي:

هل يمكن أن أعتبر

شكواك من الكلام الساقط الذي تقبله في زمني بروتوكولات الصالونات

و لا مجرى له في آذان الشارع

في الشارع متسع أحمل فيه لغتي و أتصعلك كما لا تريد مراكز الأمن.

أناديك : اقتربي و اشتعلي فأنا الليلة في قمة مجدي،

و مهما ضاق المنتاى ففيه دائما متسع للإنقباض و للإنفراج،

للغياب و للحضور.

أتبكين ؟ تساقطي من عيني و تكاثري في أرحامي و محاراتي

يا زهرة النساء التي تهبط أو تطلع من سهول تسطحاتي

صاعقة تضحك فتسخر من المسافات.

فبيننا الجرح الزمن و الزمن الجرح الذي يهدم كل شهوة أو نزوة،

و لذا أرفض أن تكوني ذاكرتي لتكتبي تاريخي

و تاريخي ثياب اخلولقت على أجساد الآخرين

للقروح التي عرتها الأرض بقيحها و تفسخاتها و زلآزلها.

نشيدي فيك صيحة مسكونة بالدمع و الندم

و ندمي فيك شتاء ينهمر بدعوات القحط التي ترعب صلوات عروقي التي أستدير حولها،

و أقوم جدرانـًا تنعقد الصواعق على طلائها و حقولا تهصر الرياح أشجارها،

و بيننا يقوم دائما الفوق و التحت، الهنا و الهناك.

و مجتمعين تفرقنا مسافة يغسل كلماتها التوالد

مسقوفة بالشوك الذي يقيم في غياب الزهر

و الثمار في سلال

للتبادل دائما توجد سلال للجراح و أخر للعيون

التي تهبطين فيها زهرة على صدور الرجال

أتصبحين أختا للماضي الذي ينحدر نحوي من الأيام الآتية ؟

و صوتا أحمر أخضر يذكرني بتكاثر الأنغام في رحم لغتي

بتوالد الأيام في رحم زمني- الأنثى : أيتها الأنثى التي أضاجع

هلا أصبحت عقيما فتمنعي عني تزاحم الأبناء هذا ؟

إني أنكر مبدأ الرغبة في الأبوة و أقر الإنكار.

 

ـ3ـ

شهادة :

حينما يصبح قلب الشاعر فارغا لا تملأه إلا صور ذابلة

أوراق شحبت فيها التذكارات

حينما تصبح عين الشاعر فارغة لا تملأهاإلا الخطوط

العمودية و الأفقية و الحلزونية الشوارع

و الازانات و أرقامها

و كراسي المقاهي المتعبة

يتذكر أنه استبدل بذاكرته الخضراء ذاكرة أخرى ذابلة

و مغبرة

يمكن أن يعترف بأنه أصبح أخا للنسيان

و ذاكرته الخضراء كانت في الماضي أختا للوردة

رأس الشاعر لم تعد تملأه النسمات التي تحرك في رأس العصفور أوتارا

فيغني، تهيج في قلبه الصور الأوراق

فتغني ذاكرته التي تأخذ شكل قيثار بأوتار متداخلة الأصوات

و يعزف أنشودته فوق جدران لها في القلب غرفها التي تستدير حولها :

يا ذاكرتي، اللونُ الذي تختارينه خطير

و أنا أخشى اللون الذي يعلق بك بين سوداوية المدن الأخرى

–أتنسين ؟ أيؤنسك الكأس إلى هذا الحد ؟

يوهمك بأن السواد الذي تختارينه شبيه بالصباح .

يا ذاكرتي هل تختارين لون الإسفلت تحت العجلات

و صراخها إذا ارتطمت بدم الطفل ـ الفرح المقتول

ذاكرتي و خضرتها طفولية.

حينما لا تملأ رأس الشاعر إلا

عقارب الساعة يتمزق القلب على الأرصفة الغارقة في بحر الخطوات

التي تسير عمودية وأفقية و حلزونية حينما لا يملأ هذه الرأس :

غير الخوف            و هذه المدينة أجمل حدائقه

غير الخمر             و هذه المدينة أشهى ينابيعه

غير الكذب             و هذه المدينة أطول ألسنته

هل يستطيع بذاكرته هذه و ألوانها أن يتذكر:

الحب و السماء و الورد و الهوى

و القمر و الأشجار و الاخضرار

و الصلاة : ) الدعاء بطول العمر:التعب أحيانا(

القلب )خاتمة الرحلة إلى أدغال قلب أو رحم لم تكتشف ولم توطأ(.

حينما يصبح قلب الشاعر فارغا إلا من أروقة و أطلال دراسة،

تمر من فوق حزنها أصابع الريح من جنوب و شمال عليلة أو عاصفة،

يغدو مبررا أن يعلن حزنه،

رغبته في الهدم : الحب : الموت من أجل الثورة.

و ينكر أوراق تعريفه الشخصية الرسمية،

يأخذ من عقر الأرض خصبه و يودعه الخضرة يانع الثمار

و يسافر في الموت،يعبر خلال الموت إلى عالمه الأسنى

و الأخطر كي يشرق فجره مكتمل الفتنة يوفي مناه.

 

4-

آفاق للعصافير العائدة :

ذاك الصباح كان هناك حزن مؤقت

يملك القدرة على الاستمرار على وجه مدينتي الخائفة الآمنة،

كنت أعرف أنها تنظر باستسلام إلى الجبل

و باسترحام إلى السماء

لم يكن هناك من يقدر على إعلان النقيض

أيها النقيض

هل كان الحزن سحابة صيف

و الصيف سحابة خوف

و الخوف سحابة أمن تحاصرني و تحاصر في أقاليم

و تريد أن تمطرها وابلا من نار،

و يطارد صوت قائدها العصافير يقتل في ذاكرتها:

موسما تتناسل فيه

موسما تغني فيه

موسما تهاجم فيه

)أيها القائد لن نحضر إليك، عبثا ترسم لنل أقفاصا للإقامة و قانونا للغناء، و مبغى نسعى إليه حين نتذكر الأحباب، فسوف نذهب إلى الشاعر الذي رسم لنا شجرة و جلس متوثبا في انتظارنا، قلقا، لنغني معه من أجل مدينته التي اعتلت بروق قمعك السحاب الذي يمطرها رعبا و موتا، ذاهبون لنطرد الحزن الذي يقيم على وجه المدينة، و ستنزل أرواحنا في أجساد بشرية معافاة، و ستكون قوة الفعل لنا و يكون هزال الرد لك،فلتعل البسمة ُوجهَ العصفور المقيم في جسد الشاعر ولتعل الفرحة ُوجهَ المدينة(

 

-5     

دوائر في الأعماق:

إنني أنطوي على كثير من بساتين الإساءة التي لا تعطي ثمارا .

والتي لا تستعمل سيفا

فلا تتصوري أن اليقطين و الزقوم بعضا من أشجار هذه الجنات،

إني أسيء حين أحب،

و في رغبتي أن أتكاثر كالجمع في عينيك أو كالحمرة في خديك،

أو كالزرقة في تعلقها بأسباب السماء أو ارتمائها على أمداء البحر.

الإساءة و التفاهة بينتان .

أسيء حين أعطي للذي تلوثت رؤيته بالاستقرار

صورة طفل يدفع مركبا صغيرا في موجة صغيرة

وفي رأسه حلم كبير و مركب أكبر

و موج رائع هائل

و أسيء أو يراني تافها الذي فقدت ذاكرته

القدرة على التجول في الأبعاد.

حين أجره خارج عقارب لحظاته.

و أرسم له حلما أنسج على نوله

للحزن موتا

و لوردة الخروج من جحيمنا الكبير تفتحا

و على نول حلمي زمانا أعشقه و أحدد دورته كما أبتغي

ولكن عقرب الساعة هو نفس العقرب دائما،

سواء تألق بالإخصرار

أو غرق في بحر من صديد الإصفرار،

ينطوي على قدر لا يحتمل من التفاهة

و من الإساءات أحايين أخرى

إذا شئت فها أنذا أعلن اعتقادي :

تضحك الشمس ليبكي الإنسان

فليس من بأس إذا غرقت في

ضحك هستيري مع الليل و الكأس،

أجري أحيانا وراء  الشمس أو معها

و أنا أعرف أنها تجري بحسبان،

و مقدر سقوطي في لهاثي وراءها أو معها في الحالتين معا.

فيا ضحكة الشمس إنك تحملين قدرا لا يطاق من الإساءات،

جلدي يتورم من جرائها،

إني أعلن استنكاري،

فلماذا كانت الأيام الرمادية و السوداوية لي وحدي

و كانت الأيام الضاحكة الممتدة في الإشراق من نصيبك دائما،

أتعرف الشمس ليلا ؟

قد يبدو مغرقا في الإساءة إلى الشمس قولي هذا :

إن إشراقك الدائم ظلمة أرضنا،

قد وهبتنا خدعات متعددة :

الفجر : و فيه تبعثين إلى العصافير بنوتات الغناء الذي

لا يتطور و لا يبحث عن أشكال جديدة

الظهيرة : تتعامدين، لماذا ؟

أليلعنك الذين بلا مقيل

أم ليشكرك الذين يتجشأون الغازات ؟

الغروب : تمسين خيوط حمراء و صفراء

تتداخل لتلتقي بسوادي.

أتحسبين أنك تكررين الخدعة حينما

أتبين من جديد الخيط الأبيض من الخيط الأسود؟

إنني أبحث عن رفيقة تحول حزن تجوالي،

عن عاشقة تسامرني فلا أمل رفقتها كما مللتك

إني أبحث عن بطلة لملحمتي و شعري

أتمركز و أعلن :

أن البحر يهتف في البحر

والزوارق تغرق في أعماق البحارة

و أن أعماق البحارة تطفو على سطوح الزوارق

و الكل يغرق في البحث عن بحر يهدأ في البحر

حتى لا تتحدد أبعاد الرحلة يصبح

السفر غيابا في السفر

و الحب موتا في الحب

و الغناء ذوبانا في الغناء

و النجمة سكونا ضوئيا في النجمة

و الدمعة تمزقا و تحرقا في الدمعة

و أنا أصرخ في أنا

و بيننا البحر والزوارق    السفر     الحب    الغناء   النجمة   الدمعة

 

و تصبح الدمعة بحرا،

الدمعة سفرا،

الدمعة حبا،

الدمعة نجمة،

في أفق الأيام اليابسة الخرساء السوداوية،

فكل البحار من ورائنا،

و أنت أيها الزمن –سيوفنا مغلولة- أمامنا

أثـِْبت إصبعي في الأرض فأكتب القصيدة

و حين أتجذر في كل الأرض بكامل حواسي و أعضائي

أكتب ملحمتي عن الدم و الضياء

فتهتف باسمي النجوم

يهتف الضوء في الضوء و الذات في الذات

فأعلن أن الضوء يرفض

و القلب يرفض

و الشعر يرفض

هذا الموات الخراب الظلام

تطلع أجسادنا زهرات من الموت .

من الموت نبدأ الهجوم

نمد الجسوم

 

6 –

تفتح البنادق – البراعم :

وراء الأوهام و الأفكار جلست

وراء أزهار اسمي التي بلا بتلات،

و حروف الحقل الذي بلا تراب إنكفأت،

يلامس كياني الوراء الذي لا أعرف له أماما،

للوراء دائما صفات،

فمن ورائه لا ينفذ شيء لا يقف  شيء،

فكيف أجدني أصبحت وراء الوراء،

من أنوار نقائضي،

من ظلمات براهيني

أجهد جسمي الذي بلا فكر يريد أن ينقطع أو ينفذ إلى الوراء.

لكن من يغص لا يجيء،

من يطف يطف، ولا نور من سماواتي يأتي،أو يطفو

من أرصفة ميناء طرقته أقدامي، من يغص يجيئ  يطف أو يتدلّ َ

لا يصل ْ إلى أمام ما ورائي، ما أمامي،

الزهرة في الإسم

والحروف في حقول

لا أعرف مكانا لألفاظها،

من يدخل ألفاظي يتدلّ َ من سقف لغتي،

من يتدلّ من ألفاظي ينزلْ أرضي ويفارقـْـني

مستندا إلى ما أمامي، جاهلا ما ورائي،

وأنا نكرة بين المنزلتين

وراء الأوهام، أمام الأوهام .

لا أفكاري تتهرب فأستريح إذ تبعد عن مياديني،

أو تحضر أوهامي فأعيش َ،في مرآتي،

منظورتي كانت شبحا

وفوقي النجم لم يلمع،

التربة لا تنجب

و الأثمار والأمطار والشمس  والأقمار

غادرت أشجارها حقولها سماواتها ولياليها بين أصابعي،

فاصبحت الثمرة الديمة الشمس القمر وغادرتني أصابعي

وسعيت إلى الأشجار الحقول السماء الليل وفارقت جسدي،

من فارقني أقام ورائي أو أمامي،

وسبح بأجنحة ٍ،

ما خرج من جسدي وما دخل فيه طائر،

الطيور كلها جسدي،

لكنني إذ صُـلبتُ لأعدمَ  تفتـّـتُ فطارت أجزائي،

ما غادرت  ألفاظي أغنية ٌ،

غادرتُ أغنيتي، ووراءها الجبل الذي لا يتكلم،

إنما سكنت أحجاره في دائرة صمت،

ولا باب للدائرة،

ولا مخرج للمقيم في دائرة الأحجار

من صمت الأحجار،

من نظرة الأحجار،

من أمام الأحجار،

من وراء الأحجار،

من أحجار الأحجار،

وجبل الجبل، وحضرة الحضرة، ودائرة الدائرة،

من وراء الوراء، ومن لائها من لائي

التي  تعرف كل شيء  ولا تتحدث عن شيء ٍ،

لا باب للدائرة لتنفذ أقوالي،

لتخرج ألفاظي،

لتشرق أنواري،

لتلمع نجومي،

لتمطر سمائي،

لتمرّ أيامي وساعاتي،

بين منظوري  وعيني،

ومنظور منظوري،

أصحو لي  ظمأ  الحجر

فأنفجر واشتعل،

من أين أبدأ مشاهدة صحوتي

واختبار ارتوائي وانفجار اشتعالي،

أبدأ يبدأ انفجاري، لا، ميادينه تتسع

ومن هناك يبدأ خوفي،

أشتعل في قمة صحوتي،

فأنفجر كعين يابسة، وأغني كطيور ميتة .

نضب معيني ويبس عودي،

فمن أين لي الانفجار والغناء .

أغني، فتخرج عن غنائي  الخضرة في الأشجار،

تلمع عينيّ أو تنطفئان، فسيان،

فمنظوري اقتحمني واستوى في دواخلي،

وما رأيت ما رأيت،

أنت مصابيحي وأنا سرب فراش حائر،

لا أرى أضواءك

إلا بصوت للنظر في أعماقي،

بنظر للصوت خارجي،

فأحترق فيك،

ولكنك تعانين  نفس مصيري .

أنت بابي ودائرتي ومحيطي،

وما خرجت  في تكويني  وتحولاتي عن كيميائك،

فلم أتصيّـر ولم أتغيّر،

حيث ألألوان والأنواع والأشكال والأغيار .

بقيت ُ كما كنت،

فهل ضللت عن رؤيتي  وجوهري ؟

وما بقي منك فيك استمراري وثبوتي،

إذا نزلت ُ عزّ طلبي،

وإن ترفعت ضاع من لغتك قاموس افتتاح لغتي،

تضيعين في مفازة الوجد  فلا أهتدي إليك

أو أطفو  صافيا نزيها من كل شائبة،

أخرج منك ومني،

لا تخرجين في حال من فقد هواه،

وأنت الجاحدة الحاقدة المترفقة المتوددة :

فأين أجدك أم أين تعثرين على آثاري ؟

لست هناك  وهنا

كنت هناك وهنا

أنت الهناك والهنا

وأنا لا هناك  لا هنا

هل أجدك ؟ هذا سؤالي،

وبين أوهامي وأفكاري

أجلس  لا أرى لي وراء ولا أماما،

أقبل ولا أرفض،

أصفو ولا أتكدر،

أفرح ولا أحزن،

أحرن ولا أسيح :

لا ترفع القيود عن  أجنحتي،

فأغيب أبحث عنك  ولا تحضرين،

أستسلم لماضيك

فلا تثورين لحاضري

أنت باب للاستسلام

وأنا باب  للثورة

أثور وأتثوّر،

فلا أتحدد فأمتدّ  وأعدو

أتسلح فلا أنفرد

فأجتمع وأبدأ وأهدي

أطلب وأطالب

فلا يأخذني بحثي  عنك

إلى الكف عن النظر إلى حيث تقفين

أسمي البنادق

براعم زمن ٍ آت

أسمي الشارع

زهرة هذا الزمن

تفتحت غربتي فيها

أطلقي تسو يحي وترويحي

في  خطوطها وتقاطيعها

أسمي الغابات

مفازة  لم تشهد ولادة شجر

أسمي البيوت

مقابر لا تحتضن إلا الأموات

أسمي ذاتي العجز،

ولكنني أعترف بأنني

في قمة صدقي  وصفائي

أسمي الدخول الخروج قيدا

ولكنني لا أتنكر لانعتاقي الذي

بلا انشراح،

وضحكي اذي بلا جنون،

وجنوني الذي بلا فرح .

أسمي أيّامي  الضحك الجنون ( الفرح )

في غيبة الفرح،

في حضرة الفرح الذي

بلا طعم،

أسمي بيتي مساحة قبر ٍ

أو زنزانة،

أسمي نفسي

ما يتبقى من الأجسام بعد الترفـُّـت،

أو من الزهور بعد الذبول،

،ارفض أن  أرى،

فلا أرى   بابا في  دائرة تفرج،

حزمات ضوء تطفر بين الأرض ومقلتي،

يا منظوري فيما أرى

من التماع بين مقلتي والأرض،

المسافة بيني وبين مصيري الذي تحاولين معاناته.

وأسمي معاناتي باسمك  وأشرع في تعذيبي،

فهلا شرعت في تعذيبك ؟

فالمستقبل لا يعرف نقطته فيّ،

وحين تكتشفينني ستنطلق البنادق،

تتفتح البراعم

ترفع الغابات أشجارها

ينفض الشارع عن كتفيه اغترابا

فأدخل عصري

وأشرع في الاخضرار

باباً إلى الثورة يشرع في الاخضرار

أرفع عن ذاتي أوزارها، وأنادي التي

استسلمتْ للزمان الذي عبرتنا حوافر أجناده

ها  بقينا / وقد خلفتنا حطاماً

وأطفالنا فقدوا  الحنجرة

وصودر الصوت منهم،

فما عادت أغنياتهم ُ تملأ ساحاتنا

أبغي سلاحا

فلا أجد إلا البنادق ـ البراعم

واسمي البنادق أفهام الناس

فلن تتفتح بنادق

قبل أن تتفتح رغبة الانطلاق

وأسمي الانطلاق عين وجودي

أتحدد به، أتوحد فيه، فتولد أمامي شجرة

أسميها التغيّر والتصّير والتحول والتجدد

تعطي أزهارا تفتح لي باباً  إلى المستقبل .

 

الدار البيضاء 1973

(  ألقيت في أسبوع الشعر المغربي الذي نظمه اتحاد كتاب المغرب في مارس1975 بالرباط )

ونشرت بمجلة(الثقافةالجديدة) المغربية  ع (7) مع استبدال كلمة "الخروج "  بكلمة " الثورة " اجتهادا من مدير المجلة، ياه، كم أنت مصادرة أيتها الثورة، حتى وإن كنت مجرد كلمة.

 

سقوط البراءة

ــ 1 ـــ

ياسيدي ومولاي :

هاك اكتشافي الذي جعلني أدرك أنني لم أصح إلا أخيرا،

وأنني أمضيت سنوات نضارتي  طريح فراش طيبوبتي،

متنفسا برئات الضحايا،

ومفتحا حواسي على غيبوبة تصطدم بالصراع  ولا تدركه،

إذا كان صراعا حقيقيا ويعرف كيف يماهي،

هذا اكتشافي المتأخر، فعادة ما يتأخر الوحي،

وغالبا ما تكون الأربعون هي سن الرشد الحقيقية،

وما دمت لحد الآن دون ذلك، فأنا لن أظهر كبير أسف،

أنا الذي تملأني الرغبة في الانفجار،

بسبب مسلسل صدمات،

كان وقع الخيبات على القلب قويا في كل منها إلى درجة الانفجار،

وأذرف الدمع المحرق،

فرصيدي من الآلام أكثر مما يتحمله نبيّ ٌ ...

وهزائمي أوفر خزيا مما أستحيي من ذكره،

أنا الوقح الأكثر صفاقة وقسوة أمام نفسي،

والإله الأكثر تواضعا وبراءة أمام العالم،

إذ لم يسجل عليّ أني دعوت كائنا إلى عبادتي،

هذا اعترافي الذي كان عاريا كهيكل عظميّ يثير الشفقة،

ثمّ هاك أيضا سؤالي العضال،

الذي كبر عليّ حمله كبرميل بشريّ،

لماذا تمتلئ دروبي بحواجز حقد،كلما اتسعتْ رؤيتي

وأصبحتُ قاب قوسين أو أدنى من النار التي تطهرني من شوائبي،

وأحرق بها الادعاء،

النار التي أحمي بها مبادئي إذ تنطلق في إثر من يحاول النيل منها،

هكذا أحب ناري وقوتي :

سبيل الآخرين إلى الفردوس،

وإن كانت آلاما لذاتي

التي يتساقط عليّ جمرها كما أحب للادعاء أن يتساقط تحت قدميّ .

 

ــ 2 ــ

وهاك الهجاء الذي يرتدي الأسئلة ولا يقصد  شخصا أو فئة ً،

هاك سبابة للإشارة الصريحة والشجاعة،وكفا كاملة خارقة فيما تفعل،

في اللكمة والصفعة، وفي التحية والقبض كجمرة على ما تباركه،

وفي التمسك بالمبدأ الذي يجعلها تخضرّ

فتشرق بالفرح أجسامٌ هي الأقمار،

وكوكب ناضجة  بالطفولة والقوة،

هي أجسامنا نحن الذين أضعنا شبابنا،

واعتقدنا أن بإمكاننا تدارك ما مرّ،

فلم نجد في الكف إلا قبض الريح،

كفّ ٍ كانت تصوّب نحو أهدافٍ وهمية ومخاتلة،

وكف أخرى كانت لا تشير بكامل أصابعها إلا إلى فمها،

كفّ ٍلم تكن تنتج بل كانت تنقبض حينما تدعى إلى ذلك،

تصاب بالدوار وتسترخي،

وتغافل فتمتدّ في الخفاء لتعانق أكفا أخرى من نوعها،

فتتآمر وتتواطأ،

لكننا نرفع  الآن عقيرتنا بصراخ ممعن في الهدوء والعقل،

من أجل أن نفضح ما ينبغي فضحه،وتعرية ما لا ينبغي تعريته .

هذا هجاؤنا الطبقي :

لا نقصد به رجلا ولا قبيلة،

لأننا لا نرغب في بعث النقائض.

ولا نجعل مادته عارضة عابرة،

بل نجعل الجوهر  هدفا ونصوّب

مؤكدين أن للخداع أكثر من طريقة،لا نركب الآن أيّا منها،

هذا فضحنا للادعاء الذي يهاجم الشعر ويسفـّه صدقـَه،

وقديما زاحم الشيطان النبي ّ الأول،

واحتجّ بقدراته وبالعجز العنصري،

وننتصر الآن للنبوة العارية حين تختار الفضح والإدانة،

وتجأر مثلنا بالهجاء،

فهذا هجاؤنا الذي ندعوه أن يحدد موقفا،

فأعداؤنا ليسوا فئة ونحن أيضا لسنا فئة، فالكمّ للتضليل .

فيا أيها الهجاء :

خذ  من طبقتي طعما ولونا ورائحة،

وكن هجاء حقيقا لأعداء حقيقيين .

 

ــ 3 ــ

تبارك الذي بيده الملك لكنه ... ماذا ؟

لا يملك أن يرحل عتا أو أن يحيا في المستقبل،

لايملك زمنه،

ويملك المزيد من الادعاءات،

فهو على كل  شيء  قدير: النهب، القتل ... أهذا ما تعنيه قدرته الخارقة ؟

هو الواحد الأحد،

لكننا نعثر عليه مكررا في كل دعيّ ٍ،

أنت أيضا تستطيع أن تكونه حين تباركه،

أو تخاف الحديث عنه،

أو تخشى  انتقاده (اسكت،حذار، فهو علام ما أخفت الغيوب)

لكنني متيقن ألا أحد يقرأ أعماقي.

وحده من يقرأ فعلي يفهمني.

 

ـ  4  ــ

بعضهم سيتعجب من قصائدي،

لماذا لم تكتب بهيروغليفية  معاصرة،

وسيزدري بعضهم الشاعر لأنه أقل أنانية من شعراء أمراء وفرسان،

ثمّ سيقال إنه شاعر يبوح ولا يغني،

ولذلك فهو قد يؤلم ولكنه لا يسحر،

ونحن المفتونين نريد شعرا ساحرا،

ليضاعف من سعادتنا في ظل ما نعيشه،

لنا الألوان  جميعا ونحن نسقطها على من نهوى وما نهوى،

ونحارب الفن الذي لا لذة له في القلب، بحرمانه من ألوان لذيذة، فتعتم  رؤيته

ويصيح في بيداء الليل : هيا رباه، فلا نقبل استغاثته، فنضحك  في سرنا وجهرنا منه، لأنه يتظاهر بعماه حينا، وحينا  يدعي أنه يرى ما لا نرى، ونتظاهر نحن بالبراءة أو بالبلادة،وبأننا لا نعلم ما نعلم، ولا نسمع توسلاته،

فنقيم في براءتنا دولا،ونرفع صروح حضارات،

ونرسم لأجيالنا المقبلة وسائل للمحافظة عليها،  من نوع ما يصنع في مختبرات باريس، للحفاظ على الألوان والنعومة،وسنصلي من أجل أن تكون لها القدرة على أن تبصر الألوان حتى في حالة غيابها، وأن تضحك في نعومة وبراءة لتضحك معها الدنيا، كما نحب لها وتحب لنا، فهي أجيال البراءة والنعومة والتقوى .

 

ــ 5  ــ

البراءة، أهي الفطرة أم ما يتجاوزها ؟

والفرحة، أهي الوردة أم ذهب يسري في الأعماق ؟

أيها السيد الدعيّ، أنا أسأل عن فرح الأدعياء، وعن مآتم الأبرياء أيضا،

فأتشنج حين لا أرى إلا الصمت،

وأنفعل حين لا أسمع إلا الفقر يحاول أن  يرى فيفتح فما باتساع الفضاء ...

وأن يسمع فلا يجد عينا تستوعب الصراخ فارغا فارغا، فأيّ  الانفعالات  تقوى الأصابع  على احتضانها، وأيّ صراخ ستمسك به شفة واهنة، فتحول بينه وبين فضاء للاستنكار وفضاء للانتماء،

تلك أفراحهم وهذه مآتمنا

أيها الأبرياء  من بني أمي : ما هي جبلـّـتنا ؟  وهل يُغلب الطبع ؟

بالأمس كنا نؤسس للنار وللقوة كنا نضع الكمائن، فنهزم جيشا لا يحصره العدّ، ونحن فئة قليلة  بأسلحة متواضعة،

الآن جيوشهم منا ونحن من يقاتل  والذئاب وحدها تتفرج برفقة كائن خرافي، لا حيواني ولا إنساني، اختلقوا له في

كل عصر اسما، وأحاطوه  بهالات التقديس / الرعب،، الله،

الملك الحق،وحاجات أخرى للتدليس،

إني أخشى من صدق الفطرة أن تتبعني في قولي  عينا جاسوس/

أستغفره، أستغفر رأسي ورئيسي المرؤوس/

آمَـنّــا،  وبه وجب الإعلام لأختم  صكّ براءة هذا الرجل المهووس .

 

ـ 6  ــ

أيتها البراءة، من عيني خذي أجوبة  عن الحياد،

وانتزعي من لساني جسدا للغة تخلقها الأسئلة،

لغة تناضل ضد التكرار،ومن أجل محو الثابت والانتصار للصيرورة .

أيتها البراءة، مرة واحدة قولي: لا للتوقف، فلكل لحظة إيقاعها في النفس،

ولكل كلمة عمقها، قامتها وعمرها، الدمعة سؤال يسافر في الأخضر

والانتظار سؤال يسافر في الليل،

والحياد  فقاعة تعلو، لكنها سرعان ما تنحلّ وتنقشع عن شمس ساطعة، وبسيطة،لا تقاوم،

للغناء  والبكاء نفس اللون، والأقصر عمرا دائما هو الحياد،

وأفراحنا أيضا براءة في الفرح، وأعراس في البراءة

تنبض بكل الاستجابات، لكنها  لا تنضح بفعل،

هذا عيب الدين الكبير: يحمل للنفس رؤى من الغيب، بينا نحن أحوج ما نكون إلى عين لنرى ما هو أقرب، الفعل يحاصر الوهم، والبراءة تحاصر الأنفس بالجهالة،

وعيب الجهالة فيما لا تراه ظاهرا ولا باطنا، إذ لا ترحل في ذاتها فتكتشف الداخل، ولا تلمس أصابعُ حواسها  الضوء :

كل حاسة إصبع ٌ،أو معول ينبش الشاعر بها، ويهدم ُ متراكم أستار، وجدرانا تحجب الرؤيا، ويفقئ الجاهل بها ويطفئ

عينا تدله على الطريق، وتنيرها أمامه .

 

ـ 7 ـ

سأعلو وأتحدّر في الأحمر، فالبراءة ليست اللافعل،

وغيابها ليس إجبار الكائن على فعل مّا،

إنني أظل بريئا، بل وأخلق براءتي  حين أبوح بما تضيق عنه عبارتي،

فأتحقّـق في انفجار  أو سطوع  ذات ٍ،

قد تكون جسدي أو جسد من يتهيّــأ في الصيرورة  للتحول،

ويتغيّر في مخاض لا يسبّب  آلاما لأيّ ٍ كان،

كون ٍ يصحو بالفعل المغيِّر،

ويشعل شموسا جديدة  يهتدي بها جيل جديد ٌ يستنكر ألوان البراءة المحايدة،

ويُسقط معي أقنعة عن حيادٍ يدّعي البراءة،

وهو يعلم أنه يفتقد الشجاعة  التي تحرِّره،

ويكره الاعتراف الذي يقود إلى الفضيحة والتعرية،

فلنرحل  بعد التحول في الأخضر الذي ترتاح له العين،

وفي السكينة التي قد لا يجدها القلب إلا في القبر،

ولنقبّلْ أيادي حفاري القبور:

هم إذن من يرتّبون هذه التربة  لغرس أشجار الطمأنينة والسلام،

لكن دون أن يدْعوا أحدا إلى ألموت،

بل يتركون ذلك للبادرة الخاصة،

ولا يهمهم أن تظل حفرهم بدون أشتال،

وهذا الكون بلا أشجار ٍ جذورها في النفوس،

شجر طيب وشجر خبيث،

وما يجب الاعتناء به حقا هو حاضر هذا الكائن،

الفاشيست عمّقوا الحفرة وساقوا الإنسان للدفن حيّا،

وكنا أبرياء فلم نكتف بالاحتجاج والإدانة، بل رددنا كيِْــدَهم  في نحرهم،

وكنا أبرياء في الشهادة والنصر،

فانفجرْ يا جسدي شهابا ...

وأحرق الأعداء بالفعل واللافعل:

فالفعل ليس العنف دائما،وغيابه ليس اللاعنف أيضا،

فبالفعل الأقوى،

العنف الللاعنف :

بهما سنغيّر من وجه الكون .

 

شفشاون مارس 1981

(نشرت بجريدة المحرر بتاريخ10/05/1981)

 

 

نرجس القوقعة و مرايا القمة

-1-

هذا كلام يرقص في أسماله أو يتضوّرُ،

أحسبه طيرا  يرقص

ويقول׃ أنا القصيدة.

تنز الوجوه علامات استغراب،

تصرخ القصائد مستنكرة

فأقول׃ أأذهب بشعري إلى الساحات و الحقول؟

أم آكله

ثم أتقيأه  موزونا و مقفى في

مرحاض تملؤها الآذان والطبول.

غضبي الآن لا يدعي أنه القصيدة،

فأنا لا أحب أن أنفجر بلا دوي كفقاعة لا مرئية،

فقاعة ذهنية بيضاء

تتبعت تحولاتها سنين طويلة،

لكني حين استمطرتها ضوءا أصبحت سحابة،

ثم استمطرتها ثانية

فأصبحت امرأة ضمتني

حتى بلغت مني الجهد فأغمي علي

وحسبتني في كهف أو في حانة

وأن هناك شيطانا يقترب مني

ليضع بين يدي قصيدة ويقول لا تقرأ،

و لما أفقت رأيت الشمس

 وأنا في طريقي إلى العمل مسدلة جفونها،

و رفعت عن عيني أستارا كنت أسبلها

 وأخبرتها عما جرى لي مع الفقاعات

حينما أردت تنظيف أسمال الكلام

 الذي لم أرد له أن يرقص في ساحة

 بثياب عليها تسع وتسعون وصمة

ثم تكون القصيدة هي الوصمة المائة،

التي لا تدري ما تفعل، ترقص أم تتضور،

و الكلام على الضفة الأخرى يستغرب

 و يريد  أن يكون قصيدة،

و يتحرك نحو الناس فيفرون منه،

فيتحرك نحو نفسه فيتقوقع و يتنرجس،

و يعلن لنفسه أنه ملك قوقعته ويتوج هذيانه،

ترقص الحجارة في تيجانه

ولا يلد لبنة من قصيدة.

فالجبل يأتي إلى الناس

 و القصيدة تذهب إلى البحر،

فلا عاصم اليوم من أمر الأحجار،

والصخر كالماء،

 منا من يطفو ومنا من يرسب،

وأنا لن أحتاج لصنع سفينة

 إذ  أنني أرفض أن أكون نوح الطوفان الحجري،

فعلى الشاطئ سأتمدد لبعض الوقت

وسأخاطب الشمس

و لن اقذفها حبا׃

 صبي علينا نيرانك أيتها الجهنمية،

و سأنتظر ولادة  القصيدة في غليان البحر

فمن شرارات الأمواج ستخرج عارية لترتديني،

فأحفظها حتى إذا ذهبت بها إلى إنسان،

في ساحة أو حانة أو كهف

لن أقول׃ اقرأ بل سأهتف ׃ انفتح،

فنحل فيه،

فيكون زمان تتحرك فيه أجساد  القصائد

و يكون لجسدينا أن يقولا ׃ نحن القصيدة.

 

-2-

أريد آدم لحواء القصيدة يبدأ النسل و يعيده،

 ليس هناك أنسب من ضفاف امرأة يرتمي الوطن على إحدى زواياها لاغتصاب عذارى المشمش، يسترخي هذا الكوكب لينتصب، فعلى خاصرة هذه النبية –الأم انهمرت أمطار بأجيال ولدت في لحظة واحدة، و مات الأب دون حتى أن يراه الأبناء،  وحينما افتقدناه كانت المأساة الأولى׃ ولادة الذاكرة، وحينما سألنا نباتا عن أبيه فلم يجب، و سألنا صخرة  عن أبيها و إن علا  فلم تجب، و سألنا ديناصورات و حيوانات كانت تأكل مما نأكل و ترتوي مما نرتوي، و تمشي معنا في الأسواق، عن آبائها فلم تجب، كانت المأساة الثانية׃ ولادة النسيان. فالذاكرة و النسيان لم يلدا إلا معرفة و بغضاء و هذيانا تشعله الخمرة،  و في التطام موج الدم  ولدت القصيدة التي تترعرع بالجمر،هذه أناملي تشتعل، كل أنملة قارة ملتهبة بالكراهية حينا و بالشوق حين تمسك سيفا أو تضغط على زناد، وليس هناك من طريق للضفاف الذهبية  الأنسب للاغتصاب لا يمر من التهاباتي ׃ يا عذارى المشمش المحرم اسألن معي آدم و حواء هذه القصيدة عن معنى الأعراض و اللذة، و عن توالد ا لأسئلة  التي انبجست منذ البدء من مأساة ׃

يا عذارى الخوف ني  أسال ما الكلمة؟

يا عذارى عوالمنا السفلى׃ني أسال ما الثورة؟

يا عذارى الحيوان׃ ني أسال ما الخرس؟

                            يا عذارى الإنسان ني أسال ما الصرخة؟

 

 ـ 3 ـ 

هناك رأس لا تخترقها رصاصات الوقت،

و أجساد تخترقها الأنهار

و تتمنى الظمأ׃ –هيا لنتبادل العطش،

فقد جفت الأرض فلم تنبت إلا أشواكا

نريد أن تخترق الآن من يرغب في

وجبة شهية من التراب ׃ اله هذا الشعر، الذي فضل أن يقابلنا هذا العام عاريا

وهو الذي كان يكسو صدره من قبل بالورود و الاخضرار،

رأسه كان جبلا نمت به أشجار و غابات،

فاحذر أيها المسافر السعيد

إن كنت تسير بها  رصاصات الوقت،

فالماضي فيها يهاجم الحاضر،

و الحاضر يؤمن  بالعنف لكنه ليس عدوانيا.

حتى لا نتراجع

أبعث بالبرق إلى كل رفاقي،

أوامر ثورتنا ضد الماضي׃ فلنتمرس،

نحن بخير مادام الوقت بنا يتقدم

و الماضي يتراجع،

تمترسوا

و تعالوا نتبادل الفقر حتى نتقاسم الغنى فيما بعد.

تعالوا معي لاغتيال المقدس وفضح النبوة

سنرش الخل والملح في عيونهما

وندفعهما بمكانسنا إلى مجاري الماء الحار،

تعالوا لرفع أعلام الاشتراكية على طرقات القرى الموحلة،

نحن لا نمزح،

فسنرغم العمال و الفلاحين على أن يكونوا اشتراكيين،

و سنحببهم في التخلي عن الأغلال ووداع الإقطاعية غير آسفين،

تعالوا لفرقعة النضال الصامت و الدخول إلى القلب بهتاف المؤمن،

تعالوا لننظر للشعر والقيم المهمشة،

و نضع على فم الصحراء ينابيع شفشاون الثرة

و على صدرها نفرش الورد،

و نعلمها عادات الأراضي السقوية،

ونضع على جبال الريف المدافع

وفي الأنهار سيول الدم المطلول،

تعالوا معي نعلم جموع الشعب أن تنظر إلى الله نظرة فقراء المسلمين إلى قداسة البابا،

تعالوا نتبادل الكفاءات من أجل غد يبتسم فيه الجميع،

تعالوا نكنس أدمغة جيراننا وأقاربنا من الاعتقاد بوجود جنة فوق النجوم،

تعالوا نتهيأ لاصطياد الخيانات

و نتدرب على الانضباط لنظام الحكم الشعبي القادم،

تعالوا إلى حيث يسكننا التلذذ بهدم الأكواخ والقصور،

تعالوا إلى حضارة لا تبدأ

إذا نحن لم نعد النظر فيما نفكره حول الأعمار والأسعار،

تعالوا إلى نعيم لا يتحقق إذا لم نتجدد،

تعالوا إلى كلمة،

إلى حرب لن نهزم فيها اذا بدأناها بصرخة

و ستسحقنا إن فضلنا أن تستمر باردة.

هذه أيادينا من يقطف فواكهها كأشجار لا تكف عن العطاء كلها أيها التاجر المتكرش، أيها المثقف الذي ينتفخ و لا يتجشأ وضع نفسك جهاز استشعار للهزائم و لا تشارك حتى بالصراخ حين تراها مقبلة زغرد أو ضع يديك على عينيك، و أبدا العد إلى المائة، و انتظر فقد يحضر غودو، و إن تنصره ينصرك، و غودو أول القادمين.

تعالوا لنكن منذ الآن مطاردي لصوصية لم يعد بإمكانها مراقبتنا من أعلى الصفقات.

تعالوا

تعالوا لنحاكم العدالة بعد الزج بها تحت الأنقاض

حتى لا نكون أبناء نذالة  فلنبد الأنذال

حتى  نكون أنقياء فلنحارب ما يصم

حتى  نكون  القصيدة يجب ألا نتنرجس

تعالوا إلى رقصة في رئة معافاة،

 و لنبتعد عن فضائح العين و الأناشيد

 ولنناد عذارى الحيوان و لنلعن في حضورهن

 من يتكالب

 أو يستأ سد

 أيها التراب،

 اله القصائد جميعا،

 الوطن الذي ترقص الأعين المسحورة بألوانه.

امنحنا رائحتك و ألوانك

وللياسمين انفجار البياض في ليل الشجر الذي خاصمته العناصر.

 

-4 ـ

هذه قصيدة تتكسر كموجة لا مرئية،

في مرافئ يملأ فم القلب فيها ملح فينوي البكاء،

و يؤجل الضحكات إلى مواسم الصدمة،

حيث تقام الأعراس على مقربة من الجحيم،

الشيوخ لا يقوون على لفح الحب

فيطلبون رذاذا حين لا تعبر السماء غيوم،

و يحلمون بالبحار تأتي إلى سفوح جبال

لا تعرف  الرياح أبوابها،

تعلو الموجة،و لا تتدخل أيدي المنارات لإنقاذي

أنا شعب منقسم إلى نحن هم،

هم يتعملقون، و نحن

نتضاءل فنخطئ حين لا نصاحب الذرة إلى حيث نمتلك انقساماتها،

فنراقب ميلاد النار التي توجه،

النار   التي  تنطلق في العودة،

نحو الجذر لترسم لي آفاق التحرك و التحول،

و لا تنتظر أن أبدأ فهي تتحقق حين أبدأ،

أكون الصقر الذي أجنحته الأشعار النارية،

الأشعار التي أفعلها لا التي أتخيلها

أو أجلس في انتظار أن تعبر شفتي أو أصابعي،

الأشعار الدموية  للكشف لا للانتظار،

و للفضح لا للاستغاثة،

فلتأت القصيدة

و لتنفتح أذرع الأحباب كالأغصان  للقائها

 أو لتهش عليها

لانهمار الرصاص

 ضد الصرخة

 و الخرس

هذا صوت يأتي من جهة القلب الذي أسكره الإيمان  و التجلي

و هذه صفارة إنذار لن تسكت ما لم يستجب لها

فلتورق للصراخ أجنحة للاحتجاج

 تحمل الهتاف الجمعي

إلى أذن ٍ نعرف أنها ستناصرنا و تستجيب

أ ُذ ُن ِ من يتوحد معنا في الصرخة و الفرحة .

 

شفشاون في /29/5/1981

 

 

منارة لوطن في متاهة

ـ 1 ـ

وطني راحل في الضباب وسبابة الشعر فيه تشير إلى الشمس،

 وأجنة أطفال ٍ بلا ملامح تندلق من صخور جباله،

وقد أصيبت بحمى مدنية تـُنشد :

حان أوان خروجنا إلى اخضرار ٍجذوره في الغيوم،

 لنتعبّأ بين التراب،

من أجل العودة إلى فضاء ٍ لنا فيه زهو جبل

 عنده مفاتيح الماء لا يملكها إلا هو، كل عين قصيدة،

 وكل   رشفة رؤية لأحلام الدم اللاهث،

 وكل شعاع ٍ آية،

 والمنارات سور ٌ من قرآن ٍ ليليّ ٍ يرتله المد لجون في خشوع ٍ،

 ومع كل قنديل تنزل السكينة في قلوبهم،

 وخلف التراب الذي نتسلح  لحمايته بالعيون،

 والخطوات التي تتقدم،

 والآيات المشعّة ومنارات يوحي أو يفاجئنا بها الليل،

 فيعرينا إن تقاعسنا فلم نسع إلى التربة بأعضاء ذكورة حديدية

 لإخصابها بفحولة  قد تزول عنا إن أسأنا فلم نشبع ظمأها

  الذي يتوهّج في غناء جيل قادم من الفلاحين إلى بلادي الهاربة في الجدب، الخائفة  من مواجهة صريحة  مع وجوه الغد المتعددة،

 هما وجهان ليس أكثر: غاصب ومغتصب،

ونجاهد من أجل فعل لا يديننا ويدين الاضطهاد .

غصبتنا عصابة السوء أرضا ليس سهلا ضياعها،

 كيف يمسي ما نعاني من غربة عاديا ؟

 من منا الذي لا يعرف من تحدّانا بتهجيرنا جموعا،

قضى بالذل المشين علينا،

 فانكشف أيها المكان عن المدهش من فعل ٍ ممعن في التحدي،

بين أهلي متاهة، وهنا عمري الذي يذوي ورده في اغتراب ٍ،

 يسأل النبع والتراب وآيات الخروج المشعة : الفعل والأغنية،

 الفرحة الكبرى لن تأتي قريبا،

وفجرنا في البدايات سيبدو وجها مريبا،

 هل نرى في الضياء وجها حبيبا ؟

وطني ماخر عباب الدخان أين يمشي ؟ سبابة الشعر فيه،

 في طريق ٍ تشير لي نحو شمس ٍ، نحن لا نمشي نحوها،

أيّ أجيال ٍ ستنمو في ظلمة الدرب منذ الآن ؟

إني أعطيت ُ عيني لبلادي :

عين أجيالنا التي من غد ٍ سوف تجيء ُ بالأمنيات

 وأفراح شيوخ ٍ أحفادهم حققوا الحلم  بنار إبداعهم والتحدي

ها نفضت ُ عن خطوتي ألم القيد وأعطيت ُ من معي كلـْمة السر،

 تركتُ زنزانتي وأنا الآن وليدٌ في قبضتي نار حقدي .

 

ـ 2 ـ

إذ يسيل دمي نافرا بين أحجار هذي الكهوف

 تشعّ نجوم على الأرض تسعى لأسواقها،

 بعضها لا يشع :الكآبة والفقر لا يمنحان الكواكب إيماضة،

 تتمدّد نار الحروب،

 كما يتدفــّــق سحر المعادن مالا على وجه أرضي،

 يزيّــف أخبارها الأغنياء،

 إذا شاء حملي الجواسيس للسجن ها أنذا أتغنى،

 وأدفع أغنية للجماعة  نحو الرياح،

 وأهتف :إن الذي يتراكم على  موائدهم عرق الفقراء،

 وإن الذي يتوهّـج فوق تيجانهم  ضحك مغتصب .

هذه مدن الفقراء يجلـّـلها بالسواد الصباح الوشيك،

 تأهّب في رحم الليل فيهااندفاق  ٌ سينهلّ  بالأغنيات،

 ويخرج أبناؤها شاهرين سيوفا على من يزيّـف

إشراقة ً، زارعا في الجفاف بساتين أمنية غالية .

 

ـ 3 ـ

في انتظار طائر السعد نغنى نشيدا حزينا،

لا نتحرك، نتعجّب من الحزن الذي يهاجم كالفيضان

 فيهلك الزرع والضرع، فنصرخ :

 أيها الماء أتفيض احتجاجا

 أم من أجل أن تكتشف اليابسة لتمحوها ؟

 وهل يتلقى الجياع القنابل العنقودية

ليشبعوا؟

الآن نصير النار ونهاجم الأسلحة،

ونصير الجماهير ونهاجم هراوة البيروقراطية،

 ونصير الجنوبيين ونهاجم بدل أن نكون هدفا للعدوان،

 ونصبح مصر ونقمع أبا لمعة،

ونصبح التراب الهواء الماء النار ونهاجم،

من أجل أن نطرد الحزن،

من أجل أن تورق الأشجار بفرحة يقطفها الجميع،

 فرحة تنهض إذ ننهض،

 وتحرسنا حين نستريح

 في الحب

 أو الضحكة

 أو الرشفة،

 للحب نقرب الينابيع البعيدة

 التي حرمت طفولتنا من ورودها،

 ونؤسس للضحكة الإشراق والصفاء،

هذا مايستحق أن نموت من أجله

 حين نمنع من أن نفتح عينا

 بما يفعل الحرف أو برقصة اللون،

 أو بالصرخة المضيئة على طريقة الصدى لا البرق،

 ولا نخشى بعدها أن نكمّـم،

 فالصرخة المضيئة منارة،

 وصراخ الضوء

خالد،

حتى وإن أتى خاطفا خاطفا،

كذلك كلمة الصدق مدوية

 وإن كـُمِّمَتْ أو أُجهضتْ،

لا تنتظر أن تنقشع الرعونة،

 فالجبروت ظلمة لا ترحل إلا أمام قوة كالشمس

 التي يشير إليها الشعر في شفاه وطني

 الرازح غير راض ولا خاضع  تحت نير الرعونة،

 تتفتح براعم براعم من أجل التبشير بحكم العشب والسنابل،

 من أجل طرد الجفاف

 والرعب

 والعناقيد التي تورق في النار .

 

ـ 4 ـ

هذا اختياري أن أكون مُشعا،

وللجبال ألآن أن تحتويني قضية المؤمنون بها ليسوا طينة علوية ً،

 ودمهم ليس أزرق،

 وليسوا من سلالة النجم أو ما فوقه،

 ومع ذلك فما يشع هو إيماني،فألتهب به،

 وأجمع نثير الضوء لأنفجر،

 أجمع الوهيج في عيني،

والأجيج في فمي،

 لأرمي الحمم والقنابل  على من يؤخرون الزحف،

 ويقيمون أسوارا  بين الطبقات،

 وحين ندعو على المسرح بالسقوط،

 وعلى الرأس بالموت أو الابتعاد عنا،

 نهاجم فردى وزرافات،

 علانية ولا نعود نفاجأ بزيارات الفجر،

 بل نجلس في انتظارهم، حازمين أمتعتنا،

 فنضجر حين يتأخرون،

كما يضجر الواقفون على رصيف قطار

 يخلف الميعاد، لكنه لا بد يجيء،

 أردنا أم لم نرد،

ويتأخر ونفضل أن نعود،لكنه يأخذنا فجأة،

وبدون رغبة منا، 

مبالغة في عادة  أفضل أن أكذب الآن

 وأقول :إنها كرم متأصل ٌ،

 حتى لا أغضبه،

فللرأس أكثر من أذنين، ومن عينين

 ويعلم ما لا نعلم،ويرانا ولا تدركه الأبصار،

 وكفاني أني أزعجته بأن كنت مشعا وحليفا للمنارات،

 وكنت صدى صراخها في متاهة الوطن،

 وأن تشعّ قليلا خير من أن  لا تندّ عنك نأمة ٌ

  تنمّ عن وجودك،

 تلعن بها الظلام ن وللأعين بعد ذلك أن تصنفك :

ـ فأنت زاحفٌ،

 وهذا شرف لم يحظ  به إلا مؤمنون

 زحفوا وحققوا بدء النصر، وعلينا أن نكمل .

ـ أو فأنت طائر ٌ،

وهذا مجد لم يظفر به غير جاجارين .

ـ أو إنك راجلٌ،

 وهذا ما يجب أن تحافظ عليه لتكون إنسانا عن جدارة .

 

ـ 5 ـ

من أجل أن يفيض ضوء هذه المنارة على الشاعر نفسه،

 أحسّ بدبيبٍ في صدره،

يتحرك نحو رأسه،

 وبدوار في الرأس يحرك ليسير نحو الجسد كله،

 وتداعت إلى الذهن، وقد انتابت هذا الكائن،

 رغبة في البكاء أو ما يوازيه،

 بأن  إخوته وأباه وأمه، وأقاربه جميعا،

 يلاحظون أنه لا يحدثهم

 ـ هو وأصدقاؤه ـ

 في الشعر بما  يضيء حياتهم اليومية،

 أو يستضيء بها : ألا يقال إن كل قصيدة منارة ؟

 فكيف تكون كذلك إذا كانت لا تأخذ أو تعطي شيئا ؟

 أحس الشاعر وهو في لحظة تشبه الإغماء،

 بأصوات الأقارب والأباعد تستصرخه وتستحثه

 أن  ينغمر في الحياة  لاكتشاف جوانبها الخلفية المظلمة،

 وأن ينخرط في

أحلام الأطفال

 والراشدين والرجال المكبلين بأكثر من حبل،

 ورغم ذلك فهم يخرجون كل صباح

 من أجل أن يعودوا بشيء يحملون عليه ابتساماتهم،

حتى لا يقول طفل أنا بقرة، ويأكل من الحشائش،

 وحتى لا يلجأ راشد إلى ما يخدر عن قصد وسبق إصرار،

 قالت الأصوات للشاعر :

 يجب ألا تهمس للناس،

 بل اصرخ بما يفرقون به بين العلم والخرافة،

 دع للآخرين  أن يقولوا :إن الشعر ذو أجنحة،

 ولتقل أنت: بل هو ذو قدمين وعينين واسعتين،

يمشي بهما إلى كل شيء، ليرى، ويصرخ احتجاجا،

 فمن لا يَرَ لا يُرشدْ .

هدأت الأصوات قليلا، فسكتت ثمّ عادت لتهمس :

 إنك ترى يوميا ما يؤلم،

 فلماذا لا تكون اللسان النابض في حنجرة الرفض،

 أو الصوت الصارخ في المدينة ؟

 كن صوت الرفض وهتاف الصمت،

وتكلم طويلا طويلا  دون أن تمسك قيثارة،

كما كان المشهد يتطلب ذلك في القديم،

 ودونما حاجة إلى جوقة أطفال  أو نساء،

 يمكنك الآن أن تمسك هراوة أو بندقية وتشرح،

 أو تقف في حراسة من يشرح،

وفي عينيك بسمة تبعث الثقة في نفس من يتعلم،

 بل إنها تبعث على الرغبة في الخروج إلى الشمس،

 ورفع السواد عن جدران المدينة

 التي انغلقت أمامها  دروب الغد،

 ووجدت من يفتح لعا خط الرجعة،

 أعداؤك أيها الشعر

 يعترضون دائما طريق من يريد السير نحو الغد،

 وطرد السواد،

 و القص من أجنحتك حتى لا تصبح أسطوريا،

 ونحن نحدد لك  الآن موطئ قدم على الأرض

 من أجل أن تضئ،

 بما يجعل منك منارة نشعلها لوطننا في متاهته،

 التي لن تنهيها الرغبة أو  مجرد النية الحسنة،

 بل نهوض جماعيّ إلى قطع الألسنة والرؤوس،

 علامات الأمس بيننا،

 بدل أن تكون المنارات للأذان والصياح المنكر،

لتكن مصادر صراخ الضوء إلى فضاء تضيئه العواصف .

 

ـ 6 ـ

أيتها القرمطية التي تتجدد رؤيا ومظهرا،

 أنت أيضا كنت تشعين ولازلت،

لماذا هاجرتنا

 وأعطيت للأعداء الطبقيين الفرصة لاتهامنا

 باستيرادك من هنا وهناك،

رؤيا ومظهرا ؟

 أنشدي على وتر الكلاشن أغنيتك وقولي :

 إننا نولد تحت الضغط،

ونعلن عن الهوية بأن نشع،

تلك علامتنا الفارقة:

 أنذا أتقرمط الآن ولا أخشى من التهم الجنون والضلال،

بل أعتزّ بهما نياشين،

 وأدرك أيضا ماذا وراء وصفهم نضالنا بالإرهاب،

 وأنا لن أعيد الخطأ القاتل

 فأكرر  اختطاف الحجر

الأسود،

ولكنني أصحّـح بالتجربة ممارستي

 وأجعلهم هم من يختطفونه الآن،

 أو ينقلونه إلى الرفيق الأعلى،

 أو يخفونه كما يخفون عوراتهم وحقائق أخرى.

أيها القرامطة يا رفاقي،

 هناك أحجار أكثر سوادا يجب أن نختطفها،

 وهي ما كان يجب اختطافه من قبل،

:تلك أحجار تقيم في صدور الأعداء

 يسمونها قلوبا ونسميها مجامع أضغان  وقسوة،

 وكل ما لا يتحرك لرؤية

 الذبح

 وبقر البطون

 وسمل العيون

 والعبور على قناطر النار،

ومشاهد غير ذلك أدهى وأفظع،

أيتها القرمطية يا هويتي التي تتجدد: اشتعلي،

ويا كلماتي انفجري من أجل انتفاضة تشتتهم شذر مذر،

 ومن أجل حرب لا تبقي ولا تذر،

 نتجابه  فنضئ، نكون من يرشد إلى شط النجاة .

 

ـ 7 ـ

إخلاصا مني لنظرية من احتجّ عليّ في الشعر،

 أجلس لأحاور التاريخ واليومي،

ولأحدد النظر في ذاتي، فأقرُّ بأخطائي،

 وأعترف بأن ّ الطرق انقطعت بيني وبين بيتي،

وبين بيتي والشوارع المؤدية إليه،

 وبيني وبين الرجال  والأطفال  الذين أعرفهم اسما اسما،

 وبيني وبين شعاب الجبل ن وطرقات الأنهار،

 والبساتين المهملة،

 والأسوار،

 وبائع النعناع،

ومتاعب المهنة،

 وجوف الطقطوقة،

 وعاملات الزرابي الصغيرات،

والحيوانات التي كانت تجاور بيتنا في الطفولة،

 والباشا،

عمال القمامة،

 والأمسيات الجميلة  أمام الينابيع الثرة،

 والله،

  وحافلات السفر العمومي،

 وبضع عاهرات عاشرتهن في شبابي الأول،

 وشرطة الاختطافات،

 وزوجتي،

 ورئيس البلدية،

 والبنايات القديمة التي فقدت رونقها،

 والعمل السياسي،

 وبعض الأشعار،

والنقابة،

 والأصدقاء،

 والمسؤولية،

 وليلي السكر،

 والبطالة،

 وأيام الجامعة،

 وليالي افتقدتُ أنجمها

 لكنها رغم ذلك أمطرت خيرا وبركة،

 وبائع الثياب المتجول،

 وحفار القبور،

 وهدايا العرس،

 وآثار اختلاط الجنسين،

 ومفعول التلفزيون،

 وموسيقى اللهاث النافر الرافض،

 قرّرت ُ أن أجري إلى اجتماع

مع من يحتجّون عليّ في الشعر

 من أجل أن أقول بصدق ٍ :

( إني مع الشعر الذي من صفته كذا وكذا ...إلخ .

 وضد الشعر الذي يزيّف ويستعدي،

ولا يسمي الأشياء بأسمائها،

 فيعوي ككلب حين يخاطب النجوم  ولا نجوم،

والجداول ولا جداول،

 والبحار ولا بحار،

 وينفث سمومه كأفعى حين يهاجم الإنسان المضئ،

والمنارات التي نشعلها في متاهة الوطن )

 وأسعى إلى مدينتي

 بقصيدة فلا أعرف من أية طريق أذهب  إليها،

 فالظلمة تغطيها،

فأكتفي

ببعث

 هذا الخطاب

 كسهم ٍ،

وأتبعه

 عائدا

 قادما

 كشعاع .

 

شفشاون في 20/05/1981

 

 

في هجاء البياض و الرشد

-1-

حينما أنظر إليه

أرفض أن أبدأ من الميتافيزيقا،  فأفسح له أن يهاجمني و يصمني بما شاء

من التهم المنكرة،  أقول له أنه لم يؤثر عنه

أن البياض من أسمائه الحسنى

أو أن البياض من صفاته الواجبة،

يرسل في طلب من يختطفني

فيقذف بي إلى أعماق ليل يطول و يطول،

حتى أشرع في إرسال صراخي مستغفرا :

و طالبا أن أرى خيطا من نور يؤنسني

و يبدد وحشتي

و يهديني سواء السبيل،

فأسمع من يقول : هذه بداية الرشد

فإذا أنعمنا عليك بتمكينك من رؤية خروج الخيط الأبيض من الأسود،

أفستؤمن أن  البيضة أسبق في الوجود لأننا من سلالتها مبنى و معنى،

فأجيب من أعماق صحرائي بهدوء :

إني أرفض أن أبدأ من الميتافيزيقا،فأشهد بما لا أعرف

و بما لم أجرب الخوض فيه،

فأثبت ما أدري يقينا أنه غير حقيقي،

و لذا فأنا أعتز بسواد حظي معك

و بسواد رؤياي عندك ’

و أكتب هذه الأغنيات الفاحشة لألطخ بها نقاءك و أصواتك البيضاء،

و لأغنيها أمام كل بياض حقيقي،

و لأصدع بما يخيفك

فتعتقلني في النقيض،

فيسقط زعمك و تسقط رؤيتك و أكون بذلك قد فضحتك،

و لا يعود هاما أن تنفيني أو توجدني،

أنت الذي لا طاقة لديك على نفي ذاتك أو خلقها،

كما أفعل أنا إن أردت،

فبالفداء أثبت وجودي وبه أنفي عني الموت،

لأنه احتجاجي ضدا على أن أكون بلا هدف

و حريصا في الآن نفسه على ألا تضيع مني الحياة :

يا بياض الألوهة هذا هجائي، وأعلن

منذ البداية رفضي

وأعلن عشقي لطلعة شعبي مغبرّة ً كالحة

فبين حوا نحه للرغاب و ألوانه : إنهمار الرؤى

و اخضرار الدماء انطلاقتها الجامحة

يا بياض الألوهة

تلك نهاية خوف يُصخرنُ في خطوتي

رغبتي في المسير على الطرق الواضحة

 

2-

ويا أيها الثلج الذي يسبق البياض إلى كل غاية

فتقتل وأنت النقي هيئة

وتسرق الدفء وتكذبنا بإيهامنا انك تأتى من السماء

وغائمة سماؤك تحتكر البكاء وتقطر بياضا،

أتوّجُهُ ولا صفة للطهارة عنده،

البياض الكريه الذي يضرم شعبي نفسه من اجل أن يدفأ من قره

لكن ما آن يحتاج نيرانه ليتحرر حتى تنهض أمامه صحارى

ونداءات من رماد لا يعرف للعنقاء شيخوخة آو بعثا،

للطفل صرخة ميلاد آو بسمة مهد،

لهو يفاعة أو مكابدة رشد،

وانحدارا إلى القمة في اللحد : الباب إلى الاشتعال

فينشر في فضائه مدارات للضوء وحقولا للرماد

وبه اكثر من منحدر يسرع عبره زمان الشيخ إلى اكثر من حضيض

يا بياض المشيب ها هي ذي أكفانك تعتز بها قبائل يحكمها شيوخ وتعبد الثار وهامات أخرى : بضعة آلهة لا قدرة لها على فعل شيء أو بعث رسول بكتاب، هي ذي أكفانك أيها البياض الكريه

–هكذا يشدون في مواكبها –

نوردها رايات بيضا)ونصدرهن حمرا(-

فيا أيها الثلج أتعرف تلك الرايات الحمر المروية بدماء الهندي الأحمر المباد،

أو بدم من وضع رهن إشارة المبيد الأبيض الذي يتسلح  لإبادتنا أولا بأول، بالسيف في يد وبالذرة في أخرى،

فيا ألوان العالم اتحدي ضد الأبيض الغاشم،

وتمترسي أينما كنت من أجل أن نخوض عليه حرب شوارع و غابات،

زرافات ووحدانا، عصابات عصابات،

ولتتساقط الشمس أشلاء و شظايا و ألوانا تحاصر الأبيض و تحتجزه،

فللشمس من النيران ما يكفي لمحوه،

حتى نتحدث في غد عن ذلك الأبيض المباد .

و نختلق القصص عنه، وعن بعث الهندي الأحمر،

متحديا بالهمجية الحضارة البيضا البريئة من دنس الألوان و رجسها،

ألوان البشر المنحدرين من سلالة لم تتقوقع على ذاتها على شكل البيضة،

التي كانت الأسبق، و التي ينكر أسبقيتها الكافرون، المارقون

و الرافضون أن يبدءوا من الصباح حساب يومهم

فيؤلهون الأسود و يبدؤونه ليلا،تعالى الأبيض عما يأفكون .

 

-3-

للأبيض كل الوجوه و لي طريق واحدة.

الخضرة تورق على سواعدي،

و تتصبب خيرات و شآبيب على جسدي ليأكل الأبيض،

الذي يجني و يدع لي الحق أن أتلمظ،

و حين يضج من الجوع صغاري،

يترك لي الحق ثانية في أن أضع القدر بضعة أحجار،

فأصدق الكذبة التي تلون أحلامي  بمشاهد اللحوم و الخضار و الفواكه .

أحلام تكره الصحو و تدعو عليه

أحلام أدعوها الموت و لا أدري ماذا يسميها عليه القوم،

كذب يعطيه الصبر جناحا ليحلق في كل الآفاق،

و يكون الصبر قبيحا حين يصير من أتباع الأبيض  ،

و للبياض ما لا يحصى من أتباع في السود و الحمر و الصفر،

حتى في الزرقة يوجد من يتبع تعاليمه، و من يبلغ الأبيض آلاف الوشايات يوميا عن البحر حين تغطيه سمرة الخمر فتسكر الأشعة

و تعربد الألوان بالعصيان،

فيغدو الجميل ساحرا و تضج بالفتنة أرجاء و أرجاء،

و لا يعود للأبيض إلا رغاء الموج و جفاء الزبد و ما لا ينفع الناس .

قلبي أيضا في هذا البحر يضج بالفتنة،

و عيوني تعب من نور الخمرة،

و من مناهلها أملأ الجرار للصغار

المتحلقين حول  قدر الأحجار

الذي يرغي و يزبد كأنما نحن الذين لم ننضج بعد على مواقد الأبيض

الذي فتح علينا نيرانه حينما تأوهنا من أعبائه، و بدا علينا أننا سنطالبه بأن نستقل عنه و بأن يبتعد عنا، فكان أن تساقطنا بأعداد هائلة ثم سكتنا، فجرت عيوننا أنهارا، قال الأبيض : فلتسقوا  منها، و لينهل أبناؤكم من دفقها

فهي لكم نعم السقيا ونعم ما تفعلون .

 

-4-

و يحضرني الرقيب إليه، و أرفض أن أجعله لوني

أنا عاشق اللون الذي يفتن

أنا عاشق اللون الذي لا يفر ولا يستسلم

أنا عاشق اللون الذي يقاوم

و أنا أيضا الذي يسخر

من جبن الأبيض في المواجهة و حينما يعدني بالقتل  كما لا أحب،

أقول لا يهم الشاة ...ألخ .فتصيح بفمي )آلام شجاعة( : أما آن لهذا الفارس أيضا أن ....ألخ أيضا . فيضع يده على شفتي محاولا كتم ما أريد إيضاحه فتهدج أوداجه إذ يصرخ أسكت ...أسكت .و لتسكت ذات النطاقين، وليسكت المأفون بريخت المشرك لأنه اشتراكي، ولأنه لم يقر بتفوق عنصري عليكم جميعا،

ويغرورق فمه بالصراخ و الرغوة، فيغمى عليه، فأختطف ثانية فلا أعاد إليه إلا حينما يعود إليه رشده،  فيطيب لي أن أضحك منه في ظلمة حبسي، و أن أهجو رشده الذي لا يعود إليه إلا ليلة حمراء يحيى فيها ذكرى الهندي الأحمر فيطمئن لمحو حضارة و وحوش،المحو المضاعف، و يتجلى في ذاته إنسانا متوحشا يغني و يرقص ثانية و ثالثة و....و....إلى أن ينسى ما يفعل فينام فينتفخ نوما فيجوع فيقوم إلى أكل الآخر بوحشية المتمدن، فأكون أنا ضحيته الذي لا يؤمن بتفوقه، و أكون من يهجو حضارته و رشده،

و أكون اللغم و أؤجل الانفجار

و أكون الفتنة و أؤجل الانتشار

و أكون الضال الذي ينطوي على ما يضمن الهداية

انشر أشرعتي .. أمخر هوج الموج فيسكرني

لوني في الموج

تكون الفتنة ساحرة شاملة، و يدوي اللغم

5 –

عندي الآن هذيان قلوب لم تعرف طعم الدمع،

حين تلوت مرثيتي أمام قبر فعلي الماضي،

ضحكت و هي تحتج ضد المطلق، و صراخها كانت تثقله ذبذبات الضحك الصافي الصادق .

عندي الآن أمطار لن أطلقها في الشتاءات من أجل ولادة يباس يرافق خطوتي إلى الجنة التي وعدت بها، دون أن تسوخ في الوحل

عندي الآن للطيور هندسة لبناء أعشاشها، في أغنية لا تسمع

عندي الآن للأشجار موسيقى حتى و إن أباد الفلاحون العصافير جميعا،

موسيقى تبكي و تحتج من أجل خضرة دائمة .

موسيقى تلد الربيع و تجادل في صفاته و تسهر عليه .

هي موسيقاي في رثائي للفعل الماضي و هي أيضا موسيقاي حين هجوت

الرشد

و البياض الكريه فانبعثت قدامي أشباح تستنكر و قد تهيأت لقتلي، و ترسل أصواتا نائحة تستعدي ضدي أهلي .

أصواتا نتنة تتسول الرثاء لا العطف .

أصواتا-هذيانا من حناجر جثث قد كفنت بالأبيض  و تنتظر الدفن

أصواتا –إشارات و رغم ذلك تضيق بها الآذان .

عندي الآن لقتل الموت، العصافير الضالة، البياض، الرشد القاصر

الأصوات –الهذيان-الإشارات،وسائل هذا جسمي إحداها

جسمي هذا الطاعن في الحرب

الطاعن في كراهية البياض و هجاء الرشد

سيشارك في إعداد قبور من أجل العلامات الأعلام .

-6 -

يغتالني الأبيض الأنيق و لا أغادر رفضي،

و أحب جاذبية الدفع التي لكفي و قدرتها على أن تجعل عيني

تكفان عن رؤية الأبيض يتألق في كل الفضاءات و أحبه منفجرا فيها كشهاب يبرر انتحاره بمطاردة الشياطين، الأبيض يغتال النهار و أفراحا بألوان محبوبة، و يحضر في الليل مدججا  بالأشباح و الفجاءات  منتظرا : أن يضبطني متلبسا بالسعي نحو

)الإقامة في الأرض (،

و أن يسمعني مرددا بطريقتي الخاصة الصرخة الهادئة الرائعة

)لن(،

و أن يراني أجتهد لإعداد

)قبر من أجل نيويورك(

حتى تكشر أناقته عن خبثها،

فأوجه الوحش المتمدن

-الذي جرب آلف الطرق لاصطياد الإنسان المتوحش–

لا صاغرا و لا مستسلما،

فأعلن عليه الحرب حتى تخضر أمنياتي بين يدي،

و يتحقق ما لا يستطيع بعض أهلي تصوره

،و أصر على الحرب

حتى أبصر ألوان الأرض جميعا في عيد

أدعو أن  ينتفض المظلومون معي و أريد

آن أفضح إصرارا غيبيا )  آن الأبيض سيد كل وجود(

هل تدري

  الميتافيزيقا /

 هل تدري

 شهب تهوي

هل تدري

 أيد بيضاء اغتالت بالأسلحة البيضاء رفيقي

هل تدري

 عاهرة فاضلة كانت تكره كل البيض و إن كانوا        أهلا

هل يدري

 الخطباء البيض الحقراء،

)و هل يدري

 ذاك الشيخ الأبيض

 و هو يراود شابا أبيض عن نفسه (

هل يدري

 أهل الرشد المخروق

عشاق عوالم خارقة في الغيب

هل يدري

 الأبيض نفسُهْ

حتى لو شمخت في هذي الأيام الجهمة رأسُهْ

هل تدرون جميعا أنتم يا ... أنتم

هل تدرون غدا من سوف يسود ?

 

شفشاون في سبتمبر 1980

 

 

مخاض للولادة في الاخضرار

هاأنذا أقترب من لحظة الولادة التي أنتظرها

وسأكتب قصيدتي الأولى بعد الألف

والأخيرة قبل الصمت، بلسان الجسد الذي لم يولد بعد

جسد كالسحاب له لغتي

جسد في قميص هتافي الذي ترتديه القصيدة

جسد ٍ للهواجس : حلم الرفاق صليل ولعلعة في اللقاء الكبير

جسدٍ للأصابع حين احتدام الحروب وحين احتراق المآدب

جسدٍ أخرجته من المقاهي وطردته من الحانات

جسد ٍ مليءٍ بالاشمئزاز من نفسه ومن السكوت

جسدٍ سأبعثه للإقامة بينكم ليعريكم

جسد سأفرغه من كل مشاعر الحرج

جسدٍ لا أتملكه، فهو ملك للغابات وليس للحواجز

جسد ينطوي على بندقية ورجل، وقنبلة وغابة

جسد يلتفّ على حلم ٍ مفتوح وعلى الحلم بما هو حلم

جسد لا يشبهني فأنا لم ينتظر ولادتي أحد

جسد يقترب مني حين يسافر نحوكم، ويوغل في العودة

جسد يصرخ من الذهول حين يملأه الحدس بمجيئكم إليه

جسد يكتب ليتمّم فيكم بالكتابة وعيا منكم استقى جذوره

جسد في الجذر

جسد بلا مستقرٍّ

جسد لا يُدرك فإلى النور شيئا فشيئا يستحيل

جسد يهرب من الدوال ويبحث عن المعاني الملقاة على قارعة الطريق

جسد يحارب من أجل الممنوع فيستباح، ومن أجل العودة فينفى

ولكنه حين يناضل من أجلكم يراهن على النصر أو الشهادة

جسد مقهور بالضوء وبالظلمة

عصفور لا يحمل قيثارا لنشيدٍ  يولد فوق شفاه الوردة

بل رشاشا أوتوماتيكيا  يدري في أي الغابات يحاربْ

يدري من أيّ الأشجار سيرسل نيرانهْ

ليدمّر بؤسا( رجلا أصبح هذا البؤس فمن يقتله)

ويسميه العالم إرهابيا

جسدي يغني للسائد بالرغم عنه : لك من وتري العاصفة ُ

ومن حنجرتي طوفان الأسئلة،فلا يسالم ولا يصالحُ

جسد يختار لخطوته موقع الذي لا يتراجعُ

ويذهب مع الذين سيصنع معهم لأطفالي مستقبلا يحمل لهم

التذكار الأكثر إثارة للاعتزاز،

وستولد القصيدة من كل جسدي، فأنا كلّي جينـُـها

الذي يؤنسنها،فتكون كلّــَنا،

فاشتعلي في شفتي رؤية وصراخا في العينين ِ

لا تأتي النار إذا لم تنفجر الأصواتُ

كعاصفة لم تسبق من هذا البركان الخامد فينا

محظور أن يعلن عن نفسهْ

ولهذا يجلس كل مساء للأحلام ِ

ويرحل في الصحو إلى كأسهْ

لكني أعرف أنّ البركان الخامد منفجرٌ بعد قليل  ٍ

ولكي آخذ منه النار لأمنح إياها شعري

 

أو آخذ منه البذرة أنتح إياها أنسالي

هذا جسدي أبعثه ُ

دجّجتـُه بالديناميت ِ

لينهض بالبركان

الدار البيضاء 1980

                              

(نشرت بجريدة المحرر عدد يوم: 18ـ19/05/1980)

 

 

أصوات الولد الضال والفراشات

ـ1ـ صوتان مني

(هل تتوقف في جذرك أم تجري ؟)

ـ ينساب الوقت وهذا هديل في صدري

لا يوشك أن يسكت حتى أسمع خلفي خطو الطعنة

إن هناك الإرهاب يطارد هذا اللاهث إذ يرحل في الفطنة

هذا الواهي لم يعرف في قفص الجسم سوى الخوف، يطارده منذ

طفولته الوحش، وإذ يسمع زأرا يتجول مضطربا بحثا

عن لغة في جهة من هذا القفص المظلم

يكتب فيها بالصرخة، تشرق بالدمعة صك ّ براءته

'رحماك...)أتمتم في سري (اللعنة) يا من أوغل في الهجران

ولا أدري في وطن الزمن الهارب أرض إقامته

(إني أتبرأ منك ...فلا تنزع عن جرحي الموبوء ضماد البحر،

لا تحرمني عري الصدق لتلبسني ديباج الوصمة

لا تجعل في شفتيّ الورد الظامئ في أفياء النعمة

إني أجري في الداخل نحو الناس

وفي الخارج نحو القلب

لا تحرمني في معتقل الأعماق عطاء الشمس

حتى أسقط عني أستار الذنب

ودليلي في عينيك قذى ً في الحلق شرقت به  كلمة

وتطاردني ـوأطارد فيك ـ لأثبت حقي، نفي التهمة

ويجيب الصوت الصارخ في بيدائي ممتلئا بالنار وبالألوان

وتنطفئ الفرحة والأقمار، شهابا ينساب على شفتيّ رمادا،

عرقا ممزوجا بيبوسة حنجرتي، تصرخ نفسي في نفسي،

يصرخ في قفص ٍ مّا جسمي:

(في الريح اللامرئية سرّ  ٌ يتحرك  هذا الموج به

في النسمة زوبعة يربدّ لها وجه العالم

لكن في الداخل ينمو ـ ويشبّ عن الطوق ـ جنين الفرحة

الريح اللا مرئية تنساب فتملأ صدري المنحور هديلا

وأنا حين أسير إلى الضوء يطاردني موال عزيف يمتدّ طويلا

أهي الريح اللامرئية  تنشد في ذات أخرى  ما أعشق أن ينداح صهيلا

خببا في صدري ؟

ها أنذا في جذري

لا أتوقف لا أجري

كالموجة أطلب أن تخرج عن تكويني الرغوة

أن أجني غير الملح،

وأنزع عن جرحي

موت زماني في الأزرق

أتوالد في الأوجاع،وأقتل في عريي لا فقر ولا ثروة

2 ــ صوت ثان[خارجي]

أتضرع للعابر ـ أيّا كان  ـ وفي أي ّ طريق

أن يأكل من ذاتي، حتى إن أنهى بهدوء أكلي

أن يتجمهر ضدّ رغاب ٍكان يراها عين العقل

أن يتجند هذا العام  مع الحاجب والسيّاف

مع العسس الليلي

لمطارد المغضوب عليه :الطفل المجنون

ذي الجسد الرخو، المطفأ  لاتشعلة إلا نار الفتنة

يا هذا العار أطفئْ  ما شبّ بقربك من أضواء حريق

أيّا كان الوقت وفي أي ّ طريق

3 ــ صوت من حجر

الذين جاءوا لقتلي  أسكرهم ضلالي، والذين رجموني

تراكمت أحجارهم فوقي روائع منحوتات  من أصابع

كل العصور، فسرى همس من جسدي إليهم :الرجم لن يهدمني

فأنا من شفافية أبهى ربيع لم ينحدر بعد من ماء  الحلم إلى أحشاء الهيولى،

أنا المصباح وأحجاركم الفراشات التي

تعبدني، أنا من يشعل الأحجار رمادا، وفي نيراني خلاصكم

تعبدونني ... هكذا تشهد فراشاتكم

تحت هذي الشهادة صوت الذي في الجبال

تكلم فاستمعت مدن الأرض للغة النارية

تحت هذي الحجارة أحلامكم

طلقة واحدة

وتفور الينابيع من حجر ٍ، تصدح الأغنية

ويسير الفراش إلى النار،تكتمل الأغنية

***

والهمس لا يشعل جسدي الرخو،الذي يعيش  شعورا

ينكر على خطواتي السير وئيدا أو سريعا مع

جداول الطفولة التي تنحدر إلى أعماٌ في جهة

ما مني، جسدي الرخو يرحل إلى حيث يطارد

الأحجار،كما يطارد طفل لعبة حية : سلحفاة

أو فراشة أ، قوس قزح، أو كما يجري مجنون وراء

شئ ٍ يحسبه ذاكرته في ماضيه، الهمس لا يشعل جسدي

الرخو ـ الطفل ـ المجنون،تبتسم الأحجار بطيبوبة

فتملأني الكآبة والاشمئزاز من جسدي الذي لا يجاري

الأحجار فيما تفعل، ولو من قبيل مجاملة

طيبوبنها،لكن الأحجار في داخلي تصرخ بما لا يدع

لي مجالا للريب في فقداني صوتي

***

                         يا لغةَ ًلا أعرف كيف أسميها

منها لغتي في الرعشة والصورة

تتداعى في ذاكرتي بمشاهد عن أزمنة

عبرتْ،عن حرب ٍ  شبّت في أرضي المغدورة

للرّيف ِ دوّيٌ ٌ في ذاتي  يملأني بهتاف ٍ

بين جبال تدعو بعتاد ٍ للثورة

لجهات أخرى خلخلة ٌ

لضلال الجسد الرخو ـ الطفل ـ المجنون الذاهل ِ

في ظل قناعات موتورة .

                                              

   الدار البيضاء: فبراير ـ مارس 1980

 

 

انفجار الخطى المقبلة

في جبل لا أدري

 أين يقوم ولكني أحمل في

قلبي ندفاً من ثلج في قمته، في جسدي

أحجاراً قدت منه ُ

جبلٍِ الصمت الفاصل ِ

 بين العاشق والمحبوب

جبل ٍينهض في الأعماق ِ

 أو الخارج لا أدري أين؟

جبلٍ ِمن أسئلة ٍ

لا تطلب أو تنكر علماً

جبل ٍِمن ألسنة ٍ

 تصدح بالأشعار المجنونة

جبل ٍلا يدركه خطوي

 حتى تُجلدَ روحي دونه

جبل ٍ يعصمني من

 طوفان التحريف وقتل الحكمة

جبل الكلمة

جبل ٍيسعفني في هذياني

 تحت ضغوط الأعباء

وحالات بصراخ الفوضى مسكونة

جبل ٍأكشف أوراق عدوي

 فيه، أفضح أسرار اللعبة

جبل ٍتمتدّ الغابات إليه ِ،

 يمحو طرق الإسفلت فلا تمشي نحوهْ

جبل ٍيحيي ويميت

 ومنه امتدّ الزمن ـ السيفُ

ويمتدّ الخلقُ وتمتدّ القوة

جبل ٍتنمو للجسم العاجز فيه الأجنحة ُ

 المدعوة للأسفار وللعودة

جبل ٍأعطى للناي الصادح في

 شفتيّ الإنشاد العذب

جبل ٍالشرق،

 الغرب،

 الأبعاد،

 الأشياء جميعاً، واللاشئ

جبل اللا سفح ولا قمة

جبل ِالدفء الموعود به قلبي بعد صقيع الرغبة

جبل ٍيعبر نحوي

 أو أجتاز إليه الأيامَ :

 فؤوس الزمن الصعبة

جبل ِالقبو ـ السرداب الرابط بيني  والآخر

جبل ٍيضؤل حتى أشربه قرصاً

 يدفع عني آلامي

يصغر حتى لا تدركه أبصاري

 إذ يتوارى خلف ضباب الرؤيا

فأسافر في نفسي إذ أرحل في الغربة

جبل ٍتتمخض فيه الأيام الحبلى

 عن مولود في حجم المُضغة

نحمله في القلب ... وندعوه الحرية

جبل ٍيتأكسد فيه حديد القضبان

جبل ٍلا ينساكم، ترعب أعدائي ذكراهُ

جبل ٍلا سيد في العالم إلاّهُ

في جبلي هذا لا تنهض قضبان ٌ

 يضؤل خلف تعامدها الإنسان

سيكلمني محبوبي

تنشق ّ ُ الأرض فأزرع فيها القلب

يُثقل أغصان  حبالي

 الصوتية فيها الإنشادُ العذبْ

فتصير الأرضُ مياديناً

 نتمترس فيها بالعصيانْ

***    ***

هاهنا الجبل النار يستفتيان الرجال

وينتظران الذي انهمرتْ

كلمات الخروج على شفتيه كتابْ

كواكب كل العصور

يتوجنه بالأكاليل، في نطفة ما رأتًْ

دربها في الثرى الخصب، سارت

إلى رحم في الحجارة دون اصطخاب ْ

فهنا للجراح التي أجهضت ثورتي

عن مخاض النبوءات والمعجزات يدُ

للعيون التي انتظرتْ بسمة من شموس

تفجّرن بالضوء،

أين النهارات من ليلها :

ظلمة ٌلا يضاء لها فرقدُ

ويجئُ الغدُ

جسداً يتشقـٌّق بين يدي،

يترفـّـت بين الدقائق في الموت،

يحتلّني الموت، ها أنذا القبرُ والجسدُ

" وأنا حين انهمرتْ ملء دمائي

قطرات الشعر الأولى "

"في الجوهر من صلصال التكوين"

"احتدّتْ في القلب  أعاصير الطين"

"اخترتُ الثورة واختارتني

مدن الأرض المغضوب عليها وجنوني"

***      ***

" ومضيتُ فكان الدفن مصيري

 حين اخترت طريقي للإنسان "

" كانت أكفاني ألويتي "

" وأعاصير الطين المترفـّـت أغنيتي "

" لكني إذ أختار الثورة أنضو عني الأكفان "

***      ***

صوتي مشتعلٌ، وأنا من كلـَّمَهُ الثلج،

تكلم من موقع أقدامي ينبوعُ مياهْ

هذي نيران الأشواق على شفتي

موّالاً في أغنيتي ...

ترحل مني نحو الأعداء الطبقيين لتنزع لي

منهم حقي بالإكراه

***      ***

هاهنا الجبل اشتعلتْ أمنياتي به ِ

ثورتي النار في خطوتي المقبله

يتفتّـح برعمُ هذا الصباح ِ

عن النور في دفقة ٍ حافله

ليخرجَ شعبيَ مما به ِ

 

الدار البيضاء 01/04/1979

 

 

إشارات الرغبة والارتواء

1ـ الصراخ... أيها الحذر

هذه القصيدة المهموسة لنا، للصباح الذي لم يولد بعدُ

بسمة ً على شفاه جراحنا التي نفضل ألا نكشفها

لنتسوّل بها، أو نستدرّ عطف الوطن الذي يعطي بصمت ٍ،

وللحذر الذي يسري من الآخرين إلينا الصراخُ

بكلّ عنف الريح وكل سخط العاصفة

حتى ينفضح الحذرون فينتفضوا  للبوح الناري وعناق الموت

أو يستروا مأساتهم كسوءة، ولهم أجرٌ من ربهم فهُمْ لا يحزنونَ

 

2 ـ الآخر... أيتها الذات

أسافر للاقتراب من ذاتي حتى تنكشفوا لي

فأنا لا أعثر عليّ َ فيّ َ حتى وإن سافرت بأضعاف سرعة الضوء

إلى أعماقي البعيدة المجهولة اللا ّ َموجودة حقاً عندي،

داخلي، إن أعماقي الحقيقية التي تنطوي على ما لا يطاق من الجمال

والخوارق توجد فيكم، في ذات وطني الحبيب ـ الحبيبة.

 

3 ـ الموت ارتواءً... أيها الظمأ

ليس للفيضان وجود، حينما يكون على النهر العظيم أن يتوزع

إلى جداولَ، منتظمة المسارات، لكنْ، لا يبعد احتمال الموت

من الغرق، حينما تصب ملايين الجداول الصغيرة في نهر واحد.

 

  ألوان الغد...أيها الحب

ها هو الحب يأتي حاملا قوس قزح في ذهن بشري، من أجل

أن نرسم الغد بالألوان التي نريد، أنا وهي: شجرتان، أو هذا

ما نفضل أن نكونه، طردنا عن طريقنا الأفاعي والأشواك،

وهو ما اخترنا القيام به، نؤمن أن البداية هي المعركة الحقيقية،

بينا يراها الآخرون في الاستمرار،

أيها الحب الذي يتوالد فينا أشهد: ل، نخشى التوقف والفراق، أو الشك والعجز

لأن ما يدفعنا يجمعنا، ولنا فيه كل مصادر الثقة والقوة،

أيها الحب اجعلْ لنا أن نلتقي فنمتلئ معا بنا،

وامنحها القدرة على سماع هذا الشعر والذوبان فيه

رغم البعد، أيها الحب: اجمعنا في المفرد الذي لا تدركه

الفرقة في ذاته حتى نتواصل ونتوحد.

 

5 ـ هذا اختياري ... أيها ا لشكّ

دخلتْ في إهابي البيوت القديمة ُ، فاض دمي ملء قرميدها

وازدهتْ عند بابي ورودٌ، نمتْ للحكايات أجنحة ٌ، للفراشات ِ

ألسنة ٌ، في الدواخل شعت تراتيلُ تغريدها

فـتفتـّـَحتُ تحت الدجى قمرا في كيان التراب ِ

وأسألُ : هل غادر القلبُ سكنى الرماد، ليحضرني من غيابي

فتملأني بالمواعيد أسئلة ٌ: سوف أبدأ درباً أناهض فيه اغترابي

وأهتف يا واضع الشوك في موقع الخطو والجرح ملء إهابي

سأمشي فقد أخرس العقل في داخلي همسات ارتيابِ

 

6 ـ هذا اعتذاري ... أيتها الطهارة

لن أكون متشائما في حبك، فأنظر فقط إلى نصف الكأس الفارغ،

وإلى النصف الفارغ من جسدي، فأترك لنفسي الحق في ادعاء

أنك لم تقدري أن تتجاوزي ما تحت بطني إلا قليلا ً،

في حين بقي القلب معلقا ً فوق كأنه بندول في فضاء ِ

جسد ٍ آخر، قمرا ً من عناصري لم تستطيعي

أن تجعليه مضيئا ً ظلمة نصفي الثاني الذي لم تقويْ على اكتشافه

لتمسيه بشرارة منك تلهبه، ليضئ فأ ُضاءَ أنا المعتم

باركيني أيتها العهارة ـ الفضيلة ـ الطهارة المسكونة بالجوكوكس

أيتها اللغة ـ الجسد، الموجودة على رأس قائمة مطلوبات الشعر ـ الإنسان

وعلى رأس قائمة الممنوعات في نهارات طبقة تخشى مواجهة

نفسها أمام الشمس، وتصيبها غرائزها بالشيزوفرينيا ليلا ً،

باركيني أيتها القذارة التي تسكن جسدي ـ لغتي

فسوف نرغم الله في عليائه على عبادتنا واستغفارنا

من أجل أن نعفو عن أتباعه الذين أوقعونا في حمأةِ

ما يسمونه الرذيلة، وأنكروا علينا ذلك،  فوضعونا في زنازين الأخلاق

والقوانين، أيها المتجبر: إنك الأرذل بدءا ً فسبحانك

لا رذيلة لنا إلا ما ألهمتنا،  وعليك فعل الشياطين إنك خالقها والمسؤول .

باركيني أيتها الطهارة الملغاة بجور النظر السائد،

فأنا لست متشائما ً، فقد يأتي يوم بفرغونني فيه من الرثاء  لي ولك،

فيملأني حبك فلا ترثي لهذا العاهر  الذي يتشدق

بقدرته على الاختيار إلى حد الغرور بماله من وعي  تحول مع

الأيام إلى بلادة سمّاها البدائيون بساطة ً، وسمّاها الله ُ كفرا ً

ولا تدري ماذا سيسميها أحفادنا بعد ملايين السنين.

 

7ـ أنا صامتٌ ... أيها الاحتجاج

أين أنا؟ هل تجيبني الفراشات إذا اكتشفت النار التي تصليني

أم تهرب مني البحيرات والحدائق إذا تذكرت الورد في وجنتيْ

الحبيبة فأبكي كبجعة تتأمل انهمار جراحها في غربة أليمةٍ

بعيدا عن الأ َمْسية التي تقودني إلى ذراعيها، فأجلس في

ظل أمواج ٍ من الأضواء والأنغام والحكايات، أمّا الآن،

فأنا أتساءل في ظلمتي وصمتي: أين أنا؟ فيمتد ّ ُ الجرحُ، وتنهمر حقولٌ

واسعة ٌ من الذبول، ولا يجيبني ضوءٌ أو نغمٌ أو وردٌ، أو جنونٌ

يعترف ملغيا ً كل سلطةٍ، فأغرق في بلادتي وأصمتُ،

في انتظار مرور شيءٍ ما:

قد يكون ألما ً أو دهرا ً أو تكونين أنتٍ،

فأراهن على الألم ولا أحتجّ، وأفرّ من أسئلةٍ بلا آتٍ،

ومن أيام ٍ بلا أجوبةٍ، وأماكن ما زالت تبحث عن موقع ٍ،

أين أنا؟ صرختي حائرة تذهب مني للكل، أنا المجهول في الجزءِ،

فليهرب مني صوتي حتى تملأني في يومي

أحداث غدي بالفرحة والموسيقى  في سفري نحو القلب.

ولأهربْ من أسئلتي نحو الضوء أو الظلمة

نحو الصمت أو الضجة

فأنا وحدي في اللجة.

وامرأتي حيث سأوجد لا أدري أين، ولا أدري أين أنا

هذي روحي في الخطوة ضائعة ً وجدتْ وأواها

وامرأتي هل تسكن في الرغبة أم أني لا أجري مجراها

في الرغبة حيث سنوجد ها أنذا لكني لست أراها.

 

8 ـ النظافة...أيها الملوثون

ينظر الرجل إلى الأفعال تنهمر من بين يديه كالماء

فيشرب الناس ولا يسقى هو، فيقول: أنا النارُ

أتآكـــل ليضاء الكونُ، وفنائي قادمٌ إن لم أخـرجْ

لبعض الوقت من ظلمتي،وصمتي الذي يضج بالاشتعال

اللغوي والجسدي النقيّ ويبدأ الرجل طقوس الصراخ ِ،

تنقضّ ذاته على ذاته، يتعارك مرتكبا الكبيرة والصغيرة َ،

وغير آثم في حق أحدٍ، ويهتف الرجل في

عقله الذي لا يبتسم للهتاف، بل هو إن لم ينم يشردْ،

يصرخ فيه ليوقظه في الحلم على التناقض ِ، أو لينبههُ

إلى التجاوز الذي يعني له أن يلغي روحه أو أن ينفي

الكون من حسبانه، على أنه يظل محسوبا ً على الكون

في جميع الحالات، فهو المغلوب إذن، ولهذا لم يجد ْ

أمامه إلا أن يصرخ في العناصر مجتمعة ً ومتفرقة ً:

" يجب أن أعيش، أمّا أن أرتاح إلى سبِّ العالم

وخالقه، وأركن إلى انتظار الموت، في ظلّ

ممارسة لاشيء، فذلك معناه

أن هنالك من يخدعني، ويضحك في شماتةٍ من شيءٍ

أسميه الوعي، وهو بلا وعي ٍ يصل إلى تحقيق ِ

كلِّ ما تطلبه نفسهُ،

أن أعيش هذا لا يتحقق دون أن أعطي لنفسي بعض ما تطلب،

ودون أن أخرج من حيوانيتي إلى ممارسة إنسانيتي التي

ليست انتهازية ً إلا في نظر من يكتفي بالأحلام والتنظير،

وينعت ما يحققه الآخرون، أو ما يطمحون إليه بأنه تطلع انتهازي/

 

أن يحلم الورد بالتفتح،وأحلم أنا بالغد المشرق... وبامرأة ٍ

أتفتح بها على العالم وتتفتح بي، أيكون ذلك انتهازية ً؟ "

" يجب أن أعيش" هذا ما قرره الرجل ُ اللحظة َ فقط، بعد أن فكر

منذ زمن في خروجه من رماد هزائمه، وفي تبرئة ذمته من انتصاراته

الوهمية، الماضية والآتية، وأشهر أسلحته في وجه ما نسميه التخلف،

لكنْ أن يعيش هل يعني أن يفتح رئتيه للهواء ملوثا ً كان أم نظيفا ً

وهل يعني أن يقبل بأي لون، ملوثا كان أم شريفاً

                                 وأن يتعامل مع أيّ ٍ كان شيطانا ً أم ملاكا ً

تململت ذبذباتُ على أوتار حنجرته وهو ينشر صوتا ً

مبحوحا ً للضوء والريح لتحمله حتى تأتي سمعي:

" أن أعيش يعني ألا أنتظر الموت

يجب أن أعيش، هذه فاتحة الصراخ وآخرة الهتاف

قبل أن يخرسني الجلادُ فوق كرسيّ ٍ أو تحت مقصلةٍ

أو بينَ بينَ في مشنقةٍ، أداءً مني لثمن هدفي

النظيف ِ النقيِّ

 

الدار البيضاء: أبريل 1980

 

 

خروج قلب بيكر من إشبيلية

1 ـ نداء إلى بيكر

تسقط أندلسٌ مغتصبه

تنهض أخرى من تحت رماد ٍ يتململُ فيه الفقراء ْ

( لن يُخرس أحدٌ منا بعد الآن

صوتهُ، أو يكظم غيظهْ )

يصرخ صوت النسر ـ الطفل ـ القلم المستخذي

تحت أصابع هذا الشاعر في جنته الإشبيليه

حيث الأزهار عشيقاتٌ يغرقهنّ الحزنُ ـ بأحلام ِ

الصفصاف ِ المتطاول لا

تدرك في الآفاق الله

حيث النور تربع داخله السحرُ

 المطلقُ في عين الشاعرْ

(يا ذاك الغارق في لغة الأزهارْ

أو في لغة المعدن والأحجارْ

يا فنان الأندلس المغتصبه

فلتخرج من كلماتك للعصرْ

ولتصدع ْبقيام الأندلس الأخرى

حيث الفقر وحيثُ رمادُ العنقاء

تململ فيه الإنسانُ وما أخفى غضبهْ )

 

إعلانٌ خائف من بيكر

(كانت عيناها تمد أصابع نارية ً إلى ما وراء نظرتي،

 وتتحاور مع ما

ترسب في أعماي من أساطير وحكايات الجن والسحر،

 وأنا على مقعدي

تتلاعب بي تجليات رائعة لسؤال كبير: هل أستطيع

أن أحب وألا أزيف وجودي؟

  أن أكره وأن أتوافق مع المستقبل؟

جسدي يرتجف،

 وخارج دائرتي الأوراق في الشجر ترتعش،

 داخل جسدي كان قلبي

 لا يستطيع مغادرتي خارج الدائرة،

 إلى الشجرة تتحول عيني،

 كما العصفور الذي هنالك لا يستطيع مغادرتها:

إلى الخوف ... الأفق المدلهم أو إلى عاصفة،

المطر يغسل جناح العصفور المضطرب،

 وقلبي كان قد مل أن يغتسل بالدمع،

 لكن بخطوة أو ببضع خطوات،

كان القلب في الشارع يبحث عن القلب ـ المرأة

لتمنحه القلب الطفل، لكن إن ساختْ

في العهارة قدما القلب ـ الطفل ـ الرجل، من يمنحهُ

القدرة أن تتنفس رئتاه هواءً أخضر

يحمل رائحة الصخر والتراب، الأعشاب والشمس

في بحثي عن طهارتي تشيح العيون بوجوهها عني:

"ـ هل أصبحتُ شمساً؟ " لكنّ عينيها تمد أصابع

الحديد لتطفئ اتقاداً في وجهي،فلا أراها

"ما كنتَ شمساً، فأين أمضي؟" فأنا لا أبحث

إلا عن طهارة يمكن أن تستعاد، وعن أخطاء

بإمكاننا أن نصلحها دون أن نضر بحركة العالم.)

 

البديل

هل أتحدى لغة الإقطاع بمعزوفات الجاز وأضواء النيون؟

هل أتحدى لغة الأزهار بإيماني : أن الفجر قريبٌ، أن الساعة َ

آتيةٌ لا ريب؟

لا أرتاب ولكني ألان أقول بتجديد الإيمان ِ

وتجديد المؤمن بهْ .

ليس سوى الإنسان سيأتي

وسيقبل بالساعة بين يديهْ

أنذا أتحدى لغة الإقطاع بأخرى

تكبر في شفة الإنسان

الآن وليس غدا ...الآنْ.

 

4 ـ اللغة الناهضة

أنذا تتفتح في عيني عينا العصر

يتفتح في رأسي فكر العصر

يتفتح في قلبي حلم العصر

فأقول أنا المتواجد في زحمة هذي الأعين

في زحمة هذي الأفكار

في زحمة هذي الأحلام:

حاصروا أحرفي ... إنها الشعر يأتي

حاصروا حلمي إنه الثورة المقبله

حاصروا جسدي، واقطفوا الرأس، إن بلادي

تحاورني، تنهض الآن في شفتيها حروفي

محاصرة بالرصاص، السجون،

فهل يحرسونك يا وطني

من كلامي المدان ِ

تتفتح في رأسك الآن مثقلة بالأغاني

لغة العصر والفرحة الكامله

إنها لغتي... فرح ٌ يتدفق في شفتي كالدماء

ودمٌ يتبسم في شفتي في انتشاء

ليست الكرْم معتصراً،

إنها لغتي :

اللغة الناهضه.

 

الدار البيضاء (1977)