في مقالتها تحلل الأكاديمية العربية التي تحرص على تأكيد أنها من الجزيرة العربية الروح الاستبدادية المهيمنة على الطغمة الحاكمة بلدها ووشائج صلتها مع الخطاب الديني التفتيشي. وتقول بأن رفض مطلب الإصلاح، واستمرار لغة العنف رسمياً ستقود إلى التقسيم الطائفي، وستفتح الباب على التدخل الخارجي.

السعودية: هل خيارنا الديكتاتور او الاقتتال؟

مضاوي الرشيد

يعتبر الخطاب السياسي مرآة للفكر والتوجه والممارسة التي يتبناها النظام السعودي منذ عقود من الزمن في تصريح صحافي لوزير الخارجية سعود الفيصل عن الاضطرابات المحتملة في السعودية نتيجة التغييرات السياسية والحالة الثورية التي تعم أرجاء الوطن العربي هدد الأمير وتوعد بقطع الأصابع وخاصة أولئك المتهمين بالتلاعب بأمن البلاد من الخارج. وقبل ذلك بفترة قصيرة هدد عالم من علماء السعودية وتوعد وطالب بتهشيم جماجم كل من تسول له نفسه بالتظاهر السلمي للمطالبة بحقوق سياسية لا يعتبرها العلامة سعد البريك حقوقاً مشروعة. لا بد لنا من وقفة تأمل في هذا الخطاب الذي أصبح معتاداً في المجال السياسي السعودي والذي تدعمه الممارسات السياسية والمواجهات بين المتظاهرين ورجال الأمن الذين يأتمرون بخطاب العنف الدموي. وإن لم نتفاجأ بمنظومة تهشيم الجماجم المعهودة والمتوقعة من رموز التيار الديني الرسمي السعودي إلا أن قطع الأصابع تعتبر بادرة إن دلت على شيء فهي تدل على حالة ذعر وتخبط قد ضربت رمزاً من رموز الدبلوماسية الخارجية السعودية وحالة انحطاط واضحة وصريحة. يعتبر وزير الخارجية السعودي ربما مثالاً للياقة والأدب والاتزان إذا ما قارناه بالبقية المتبقية من أعلام النظام فرغم اختلافنا الجذري والجوهري مع النظام الذي يمثله وزير الخارجية إلا أنه يجب أن نعترف من باب الموضوعية أنه ربما كان ليمارس السياسة بطريقة مختلفة تماماً إن كان غير مرتبط بهذه التركيبة السياسية القديمة حيث أن تربيته وثقافته ربما اختلفتا بشكل جوهري عن بقية الأسرة وربما كان ليبرز بشكل مختلف تماماً لكن الوزير سقط في مستنقع البيئة السياسية والممارسات الشاذة التي تربط بنظام الحكم السعودي. وهنا لا نبرر خطابه السياسي الدموي وما يستحضره من صور الأصابع المتهاوية التي تسبح في بحيرات دامية ولكننا نسلط الضوء على انعدام فرصة خروج خطاب مختلف تماماً عما هو معهود من رحم هذه الأسرة مهما توفرت لها معطيات ثقافية وانفتاح على العالم أو نشأة منزلية تختلف عن مبدأ السيف وتبعاته.

لقد انهارت فرص الأمل عندما نستمع الى خطابات الأصابع المبتورة التي تختم دعوات وهمية للحوار خاصة بعد أن أفرغ النظام السعودي الساحة السياسية من مفهوم الحوار وزج بالمصلحين والناشطين في السجون وإن أخرج بعضهم فيجبرهم على التوقيع على تعهدات تلجمهم وتخرسهم تحت سوط الرقيب. يوماً بعد يوم تبدو القيادة السعودية بشقيها المزعومين الرجعي والتقدمي كمنظومة منتهية الصلاحية ليس لها من شرعية إلى شرعية الأجهزة البوليسية والامنية والاستخباراتية، هذا بالإضافة إلى خطاب تهشيم الجماجم المعهود. فلا مشاريع تربوية ولا حوارات وطنية ولا إمبراطورية إعلامية ولا تنمية وهمية استطاعت أن تمتص الغضب والتململ من نظام أصبح عبئاً على المجتمع في الجزيرة العربية. أثقل كاهله وأخرجه من مسيرة التاريخ وزج به في دوامة وازدواجية رهيبة فصمت شخصيته إلى شطرين وشتتت جهوده في اتجاهات مختلفة وبذرت ثروته إلى الأبد وقمعت طموحه وقتلت فيه روح المواجهة. ولكن اليوم بدأ هذا المجتمع بإعادة صياغة شخصيته ولم شمله الفكري وتكثيف جهده ليخرج من دوامة الفرقة والتشرذم تحت شعارات مختلفة ومتباينة لكن لها وحدة واحدة وهي الاتفاق على التغيير السياسي الآن وليس غداً. وباستمرار خطاب العنف وقطع الأعضاء وتهشيم الجماجم تجد الجزيرة العربية بكافة أطيافها الاجتماعية والسياسية والفكرية نفسها في خطر كبير ومنزلق رهيب نصبه لها النظام السعودي. إن استمر هذا النظام في قمع المظاهرات السلمية واستعمال الذخيرة الحية فهو قد أعلن أنه يتبع سياسة الأرض المحروقة بعد زواله وخلال المواجهة معه. فعنف النظام سيؤدي:

أولاً، إلى بداية مشروع تقسيم السعودية إلى كانتونات طائفية وقبلية ومناطقية تتناحر وتتقاتل وتدار معاركها من غرفة عمليات سعودية خاصة ونرجو من جهاز الأمن وعناصره أن لا يكونوا جند التقسيم عندما يطلقون النار على المتظاهرين والمعتصمين بشكل سلمي صرف. لتصرخ نساؤنا في وجوههم "وطني لا تقسموه" وليسمع هؤلاء الخطاب الآخر الذي ينادي بالوحدة الوطنية والدينية في مواجهة أكثر الأنظمة تعسفاً ودموية تختبئ تحت قفازات حريرية.

ثانياً: العنف السعودي سيؤدي إلى فتح الباب على مصراعيه أمام تدخل خارجي شئنا أم أبينا، إما بشكل حظر جوي أو مصادرة أو تأمين المرافق النفطية، فالسعودية حسب المصادر الغربية هي بنك العالم النفطي الذي يضخ النفط حسب الطلب وبسرعة فائقة لتعويض السوق عن أي تناقص في الموارد النفطية. فما هو موقف النظام عندما تمارس عليه عمليات الحظر الجوي فوق المنطقة الشرقية أو فوق مكة والمدينة إن استفاق أهلها ونقضوا عنهم حاجز الخوف والتريث. وما هو موقف العالم الإسلامي عندما يعم الإرهاب السعودي مناطق مقدسة؟ لهذا يجب على نظام القمع أن يفكر أكثر من مرة عندما يطلق العنان لغرائزه الدموية ويتصدى لشباب مسالم يطالب بأبسط الحقوق المدنية والسياسية ويكف عن لغة البتر والقطع والتهشيم.

نحن لم نعد نقبل كشعب مثل هذا الخطاب ناهيك عن الممارسات الشاذة التي تدينها الشرائع السماوية والمواثيق العالمية والتي تهدف إلى اختلاس الإرادة الإنسانية وقدرتها على مقاومة الظلم والاستئثار بالسلطة والموارد الاقتصادية.

ثالثاً، العنف السعودي والمتمثل بحشد قوات الأمن أمام متظاهرين مسالمين لإرهابهم سيسلط على النظام من هم حتى هذه اللحظة من مؤيديه والمدافعين عنه والتي لم تتجاوز مطالبهم حتى هذه اللحظة المطالب الممكن الاستجابة لها. لقد انفض عن النظام أكثر المؤيدين له والمعترفين بشرعيته خلال السنوات الماضية لذلك عنفه الحالي سيجعله يقف وحيداً، ليس له سوى مدرعات ربما لا تستجيب لنداء استغاثته في حالة استمرار المواجهات بين الأمن والمتظاهرين. إن كان التاريخ يعلمنا دروساً فهناك درس واحد نستحضره اليوم. لقد اعتمد النظام السعودي في عملية تأسيس جذوره على العنف منذ اليوم الأول وجاءت نهايته على يد قوة أجنبية في بداية القرن التاسع عشر ولكنه لم يستطع العودة الى حكمه إلا بمساعدة خارجية بريطانية لانعدام الشرعية، والتي على أساسها تبنى الدول والأوطان، ولكن نحن اليوم بصدد صفحة جديدة في منظومة النظام السعودي، والتي تتميز عن السوابق التاريخية حيث أن التهديد الحقيقي قد انطلق من داخل الجزيرة العربية، ومن قبل شرائح متباينة ومتجانسة، في نفس الوقت جمعتها الرغبة في التغيير الجذري السياسي، وقد تجلى ذلك بوضوح وصراحة عندما تقاربت الرؤية والتحمت المطالب تحت لواء مشروع وطني إصلاحي ينقل البلاد من حالة الفوضى والفساد إلى مرحلة جديدة تتطور فيها الأنظمة والممارسة لتصبح أكثر قرباً من هموم المجتمع وتطلعاته وتفتح باب الحوار الحقيقي في الساحة السياسية العامة، حتى لا تلجأ أطياف المجتمع إلى الخارج من أجل التعبير عن طموحاتها.

اتضح جلياً خلال الأزمة السعودية الحالية أن الأصوات المعارضة والمنتقدة اتجهت ليس إلى الإعلام العربي المرهون بالحقبة التسلطية السعودية، والذي لا يزال سجيناً للإرادة القمعية بل إلى الإعلام الخارجي فأصبح أبناء الجزيرة العربية مشدودين أمام شاشات التلفزة التابعة لدول أخرى من أهمها الإعلام الإيراني الناطق بالعربية، كقناة العالم، والإعلام الفلسطيني في المهجر، كقناة الحوار، أو القنوات الغربية الموجهة للعالم العربي، كقناة البي بي سي والحرة، وغيرهما من إعلام فرنسي وروسي وصيني. وإن كانت هناك دلالة على مثل هذا التوجه فهي تظهر مدى التعتيم والتضليل الذي يمارسه  الإعلام السعودي على عملية التغير السياسي في الجزيرة العربية فنلاحظ أن أزلام النظام نفسه مشدودون للإعلام الخارجي طيلة اليوم، يراقبون ويتعلمون كيف تكون المواجهة بين الأصوات الحرة والأنظمة القمعية. العنف السعودي بشقيه السياسي الذي يوعد المجتمع بقطع الأصابع والآخر الديني الذي يبشر بتهشيم الجماجم وجهان لعملة واحدة فقدت قيمتها في سوق الأنظمة، وإن كان الشعب قد اعتاد على الشق الديني والسياسي إلا أنه أثبت قدرته على التصدي والمقاومة في وجه أكبر آلة عسكرية مهمتها الأولى والأخيرة مواجهة الشعب وليس العدوان الخارجي، إن فشل المقاومة السلمية في التغيير السياسي سيطلق العنان لتكهنات خطيرة يكون النظام السعودي أول ضحاياها لذلك يجب أن يقف النظام وقفة تأمل وتفكير قبل أن تنطلق الشرارة التي ستجر الجزيرة العربية إلى دوامة عنف وتدخل خارجي وتقسيم مخيف وسيكون هذا النظام وليس الأصوات المنادية بالإصلاح من يحرك دوامة العنف ويجر البلاد إلى مستقبل غامض وخطير. لن يحل عنف وزير الخارجية أو دموية الخطاب الديني معضلة الإصلاح والتغيير الحقيقي.

 

كاتبة واكاديمية من الجزيرة العربية