محمد العبد الله
في الثلاثين من آذار/مارس كل عام يحيي الفلسطينيون داخل الوطن المحتل وخارجه، ذكرى الانتفاضة المجيدة التي فجرها شعبنا العربي الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1948. خمس وثلاثون عاماً مرت على ذلك اليوم الذي روت فيه دماء أبناء وبنات هذا الشعب تربة الوطن، مؤكدة على التجذر الأبدي فيها. في ذكرى هذا اليوم الخالد من تاريخ النضال الوطني التحرري الممتد على قرن ونيف من الاشتباك، مع مشروع تهويد الأرض وصهينتها، نحاول استعادة الأسباب والعوامل التي شكلت على مدى عقود الاحتلال، التربة الخصبة التي نمت وترعرت فيها الأفكار الرافضة للكيان العدواني/الاجلائي. إن سياسات القمع والتمييز ومصادرة الأراضي، التي أعقبت سنوات عديدة من الحكم العسكري الوحشي، وفرت على مدى عقود من النضالات الوطنية والمطلبية، أسس المواجهة المنتظرة. كان الإعلان عن مشروع "تطوير الجليل" ( تقرأ : تهويد الجليل) الهادف تحقيق سيطرة ديموغرافية يهودية في الجليل الذي كانت غالبية مواطنيه (70 بالمئة) من العرب، حيث حاولت السلطة مصادرة حوالي 21 ألف دونم من الأراضي التابعة للبلدات والقرى العربية (عرابة البطوف، سخنين، ديرحنا وعرب السواعد وغيرها)، منهم أكثر من 6 آلاف دونم من الأراضي العربية، وأكثر من 8 آلاف دونم من "أرض الدولة" التي هي أصلاً منتزعة من الفلاحين العرب، بينما كان حصة الأراضي اليهودية حوالي 4 آلاف دونم فقط في منطقة صفد، أي أن المصادرة استهدفت الأراضي العربية في الأساس.
كانت هذه القرارات، الشرارة التي فجرت بركان الغضب العربي. إذ شهدت ساحات وشوارع المدن والبلدات والقرى العربية هبة جماهيرية واسعة، اشتبك فيها عشرات الآلاف من المتظاهرين العرب مع قوات القمع الصهيونية، مما أدى لسقوط ستة شهداء ومئات الجرحى. لقد أضاءت دماء الشهداء من أبناء وبنات الشعب (رجا أبو ريا، خضر خلايلة، خديجة شواهنة وجميعهم من "سخنين" و خير أحمد حسن من "عرابة البطوف"، و محسن طه من"كفر كنا"، و رأفت على زهيري من قرية "نور شمس" الذي استشهد في بلدة "طيبة المثلث" ) درب الكفاح الوطني، ورسمت عذابات الجرحى والمعتقلين، طريق النضال الطويل.
منذ الساعات الأولى لقيام كيان العدو، مارست حكوماته المتعاقبة حتى الآن، سياسة التمييز العنصري، والقمع، والحصار الجغرافي والاقتصادي، وتقليص الخدمات في مجالات "الصحة، التعليم، البناء "، وهدم البيوت، ومصادرة الأراضي. وبالاستناد للإحصائيات الموثقة، فإن العرب الذين كانوا يمتلكون ما نسبته 97% من أرض وطنهم حين الإعلان عن إقامة الكيان اللاشرعي، أصبحوا لا يملكون اليوم أكثر من 3,5% منها، من ضمنها 2,5% ضمن نفوذ المجالس العربية المحلية، و1% يخضع لنفوذ المجالس الإقليمية اليهودية، ولهذا فإن النسبة الأخيرة، هي احتياطي الأرض الوحيد للعرب. واليوم، يواجه عرب الداخل، أصحاب الوطن، سلسلة جديدة من عمليات المصادرة والاقتلاع والهدم، لا تتوقف عند قرية العراقيب، التي لم يعد ممكناً حصر عدد المرات التي تهدم فيها. بل تمتد لمتابعة جماهير الشعب الفلسطيني للأنباء التي تتحدث عن وجود حوالي 50 ألف قرار هدم بحق منازل عربية في النقب، وحوالي 45 قرية غير معترف بها مهددة بالتهجير. لم تتوقف المأساة عند هذه الحدود، بل تبرز في كل يوم أشكال جديدة من هذه الإجراءات العنصرية الإجلائية، التي يتم تمريرها بشكل "قانوني" كما في التشريعات الأخيرة التي أقرها "الكنيست" بالقراءتين الثانية والثالثة وأصبحت سارية المفعول. هذه القوانين التي تحمل عناوين عديدة، لكنها بمضمون واحد، الاستيلاء على أراضي المواطنين العرب، وحرمانهم من السكن في عدة مناطق. باختصار شديد، فإن العنصرية تتجسد مابين الكلمات والسطور في كل قانون جرى اعتماده، أو في القوانين الأخرى التي يجري العمل على إقرارها بمراحل مختلفة، وكان آخرها قانون يفرض على المواطن الذي تهدم السلطات بيته، أن يدفع تكلفة الهدم. كما جاء قرار كنيست العدو الذي أقر قبل أسبوع تقريباً، وتحول إلى قانون، يفرض الغرامات المالية والسجن على كل من يحيي ذكرى النكبة. وهنا تجدر الإشارة إلى ماأقرته اللجنة الوزارية لما يسمى «تطوير النقب والجليل»، وهي التسمية التضليلية للتهويد، قبل عدة شهور، من اعتماد مخططٍ لتهويد الجليل والنقب من خلال توطين 300 ألف يهودي لمضاعفة عدد اليهود في المناطق ذات الأغلبية العربية
رغم حزمة القوانين العنصرية الفاشية التي تتناوب على إقرارها وتنفيذها مؤسسات حكومة العدو. تقوم القوى السياسية والمجتمعية العربية داخل وطننا المحتل منذ عام 1948، بإحياء ذكرى اليوم الخالد، بسلسلة فعاليات ونشاطات تضمنها بيان لجنة المتابعة العليا للجماهير العربيّة، بضرورة العمل على إنجاح الإضراب العام والشامل والمظاهرة القطرية في عرابة، وفي الفعاليات المحلية والشبابية في العراقيب واللد، كرد عملي مباشر على سياسات حكومات العدو تجاه شعبنا.
اليوم والشعب العربي الفلسطيني يلبي نداء الأرض في كل مناطق وجوده، يؤكد على حقه بكل الأرض الفلسطينية، المنكوبة باحتلالي 1948 و 1967. هذا الحق الذي يجد تعبيراته في التمسك بوحدة الأرض والشعب، وبالمقاومة، ثقافة وممارسة، كطريق للعبور نحو حرية الوطن والإنسان.
في دلالة ومعنى الاحتفاء بنداء الأرض في هذا اليوم وكل يوم، تبرز حقائق جلية في انتماء هذا الشعب لوطنه. هذا الوطن الممتد من رأس الناقورة إلى رفح، ومن شواطىء البحر المتوسط إلى غور الأردن. هذه الأرض التي يؤكد أصحابها بأنها غير قابلة للتجزئة، أو المساومة، أو المقايضة.