يكشف لنا كاتب العراق الكبير عن حقيقة الوضع المؤلم الذي يعيشه وطنه /العراق بعدما وقع في براثن عصابة من المجرمين الذين تباركهم المرجعيات الدينية والاحتلال الأمريكي الأخرق.

الهواتف الملونة: حوارية

فؤاد التكرلي

الشخصيات
1) هو
2) الخادم خيشان
3) العراق في الوقت الحاضر

(غرفة واسعة ذات أثاث مبالغ في ألوانه المتنافرة. مائدة كبيرة فخمة في الوسط وأرائك وكراسي متعددة تزدحم بها الغرفة.
هنالك من التحفيات والتماثيل الرخيصة والأشياء الأخرى ما يملأ المكان ويكاد يخنق الساكن ما يلفت النظر على المائدة الكبيرة، ثلاثة هواتف ملونة وموضوعة بشكل معين.. الأخضر والأصفر على الجهة البعيدة من الكرسي؛ أما الثالث الأحمر فهو أمام الكرسي مباشرة.
الوقت غير محدد بالضبط.

هو
يتمشى أمام المائدة والقلق بادٍ عليه بوضوح. إنه قصير القامة، بارز البطن، عريض الكتفين، ذو شعر وشارب كثيفين، مصبوغين بلون أسود داكن السواد. ملابسه غالية الثمن، بغير أناقة ولا ذوق سليم.

يرن أحد الهواتف، فتظهر عليه، مع الرنين، إشارة ضوئية. إنه الهاتف الأخضر.)
هو
الآن جاء وقتكِ يا ملعونة الأهل!
(يتجه نحو المائدة ببطء ويتناول سماعة الهاتف الأخضر)
نعم. أعرف. قلتُ لكِ ألف مرة لا تخابري في هذا الوقت ولا في أي وقت آخر. أنا غارق في الأشغال التي أنجزها بواسطة الهاتف، ليس لدي وقت لثرثرات النساء. فهمتِ؟ ماذا تريدين؟ ولِمَ تقولين لي هذا؟ أطلبي من السائق حمزة وهو يفعل كل شيء. تأخذين موافقتي؟! طز بموافقتي.
(يغلق الهاتف بشدة)

أعوذ بالله. لا عمل لها غير الطبخ والنفخ وتريد مني أن أشترك معها في ذلك.
(الهاتف الأصفر يرن ويعطي إشارة. يسرع قليلاً إليه ويرفع السماعة)
هالو.. حسن؟ لا تخابرني في هذا الوقت. قلتُ لكَ ذلك ألف مرة. ألا تعلم بأني أنتظر خبراً مهماً؟ ماذا؟ ماذا به؟ هذه أول مرة أسمع فيها شيئاً كهذا. مخطوف إبن كلب يريد أن يفحصه طبيب!؟ إبصق عليه يا أخي. قل له إن الرئيس يبصق عليك ولا يوافق. لعنة الله عليه. مخطوف مريض.. لماذا خطفتمونه إذن؟ أنا أمرت؟ من هو؟ أه.. ذلك الحمار التاجر.
إنه يتظاهر. قل له أسرع بدفع الدفاتر الخمسين وإلا فلا طبيب ولا بطيخ؛ وسنتركه يتفسخ. قل له إن الرئيس قال هكذا. مع السلامة.
(يعيد السماعة ببعض الشدة)

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ما هذه الأعمال! هذه أعمال شاقة وليست أعمالاً تليق بالبشر. تخطفهم وتطلب منهم الفدية حسب الأصول فيظنون أنفسهم في مستشفى! أعمال تحرق الأعصاب.
(يتمشى بعصبية. الهاتف الأحمر يرن ويعطي الإشارة. يركض إليه بسرعة ولهفة.)

نعم.. سيدي. نعم، هو أنا. خادمكم أنتظر الأوامر. نعم. وزارة البيئة؟ ماهي هذه الوزارة. سماحتكم؟ لم أسمع بها أبداً. أنتم تأمرون. أنا فضلتُ وزارة المالية. هناك يمكن أن نفيد، حسب اختصاصي كما تعلمون. هذه.. لم اسمع بها أيضاً. وزارة الثقافة؟ لم أسمع بوزارة للثقافة.
لا والله. يبدو أنهم يريدون أن يلصقوا بنا ما تبقى عندهم. الفضلات، كما تعلمون. عيب، عيب عليهم وعلينا. أنا أنتظر منذ ثلاثة أسابيع، سماحتكم، دون فائدة. نعم؟ أي مخطوف منهم. هذا. نعم، موجود. لم يدفع بعد. أهله يسوفون. لم نطلب الكثير. خمسين دفتراً فقط. يستحق مائة. ماذا تأمرون؟ تنقيص المبلغ؟ أنت تأمر، سماحتكم. سأجعلها عشرين من أجل عيون سماحتكم. فقط، فكروا بالوزارة التي أستحقها. لا تظلموني سماحتكم، فانا أبنكم البار. نعم. مع ألف سلامة.
(يغلق بلطف الهاتف الأحمر. يرفع بعصبية سماعة الهاتف الأصفر)

حسن.. قل لهذا الحمار التاجر أن عليه أن يدفع عشرين دفتراً بسرعة. خابروا من جهات عليا عنه. نقصتها من خمسين إلى عشرين. نعم؟ كلا، ليس المقاول، أترك ذلك الآن. دعه حتى يصير جيفة. أتكلم عن التاجر الذي يريد أن يفحصه طبيب. قل له إن الرئيس جعلها عشرين بدلاً من خمسين. لا يمكن أن أنقصها كثر. قل له إذا لم يعجبه ذلك فهناك زوجته وإبنه.
(الهاتف الأحمر يرن ويعطي الإشارة. يسرع بغلق الهاتف الأصفر ويرفع سماعة الهاتف الأحمر)

نعم سيدي. الأخ الكبير. كلا. كلا وألف كلا. كلا والله. لم أشتم أحداً.. لا البيئة ولا الثقافة. أعوذ بالله. هل أنا مجنون؟ قلت إني لم أسمع بها، هذا هو كل شيء. هل توجد وزارة بيئة كي لم أكلف بها.. هذا بالضبط ما قلته. كذلك عن الثقافة. نعم.. أنا؟ طبعاً مثقف ونصف. ولكني.. اعذروني سيدي، لم أسمع هناك وزارة للثقافة. هذا هو كل ما في الأمر. العفو؟ نعم؟ حقوق الإنسان.. ماذا حدث لحقوق الإنسان هذه المرة؟ لها وزارة؟ عجايب! لم أسمع بها والله. أقرأ الجرائد بطبيعة الحال. كل الجرائد. ولكنهم سيدي، لا يتكلمون بصراحة. أقوالهم كلها مكتوبة بالألغاز. تحاليل وتعليقات وتصريحات فارغة وتحليل التصريحات وغير ذلك. أما الوزارات الدسمة، فلا أحد يذكرها أو يتحدث عنها.. ما هي الوزارات الدسمة حسب رأي؟ لا أدري والله. سمعتُ بها فقط. ما هي؟ أين تقع؟ لا أعرف. نعم؟ مثلاً؟ مثلاً، ماذا؟ وزارة النفط؟ كل شيء إلا وزارة النفط. هذه لا تقع في اليد أبداً ياسيدي. إنها لذوي الحظ العظيم. ماذا تقول، سيدي؟ تسخر؟ الله يرضى عنك. ظننتك تطلب موافقتي عليها. إن شاء الله. سأفكر سيدي، سأفكر. إن الله مع الصابرين. في أمان الله، سيدي.
(يغلق الهاتف الأحمر بلطف)

أما فعلاً، شغلة غريبة جداً، السياسة في هذا البلد. يسألونك أسئلة كأنك عالم ذرة أو عالم فلك. ما هي وزارة البيئة؟ وزارة حقوق الإنسان؟ وزارة السياحة الداخلية؟ وزارة المهاجرين؟ لا أدري هل كان يستهزيء بي أم ماذا؟ (يغضب فجأة ويضرب المائدة بقبضة يده) ويسألني معنى وزارة دسمة؟ ها.. ها.. ها.. ها. عجيبة والله، السياسة في هذا البلد. كأنه لا يعرف. كأنه!
(الهاتف الأصفر يرن مع الإشارة. يتناول السماعة بهدوء)

ها.. حسن؟ ماذا؟ من هو؟ ابن صاحب معمل؟ ماذا لديه؟ على وجه التقريب. هل تخرج منه خمسون؟ قل لي. نعم أم لا. لا أدري بين بين. نعم؟ حسناً، حضروا أنفسكم لعملية خطفه. سأتصل بالجماعة وسأطلب منهم أن يقوموا بالواجب. هم يتصلون بك يا حمار حين تتهيأ الأسباب. هم لا أنت.
(يغلق الخط بشدة. يرفع سماعة الهاتف الأحمر)

أبو الزوز.. هلو. كيف الحال؟ دبر لي أربعة رجال أشداء مع مقتضيات عملية خطف. ليست كبيرة جداً ولا صغيرة. حضر مكاناً جديداً. لدينا ازدحام بالمخطوفين. اتصل بحسن واشرح له الخطة. نفس نسبة الأرباح. لا تغيير. مع السلامة.
(يغلق الهاتف الأحمر. يرن الهاتف الأخضر ويعطي الإشارة. لا يرفع السماعة. يبتعد متمشياً والهاتف يرن.)
موتي غيظاً. لن أجيب.
(يتوقف رنين الأخضر. يرن الأصفر فيرفع السماعة)

ها.. حسن. ماذا؟ أجبني؟ أي نوع أجنبي؟ قلت لي إنه ابن صاحب معمل يا حمار. والآن تدعي أنه أجنبي. حرت والله معك. هل يبدو عليه الثراء أو شيء من هذا القبيل؟ لا تعلم طبعاً. أتركني أفكر.
(يغلق الخط. يتمشى)

ماذا نعمل بخطف أجنبي؟ لا شيء عنده؟ ولكن، كيف يعلم هذا الغبي بأن الأجنبي لا شيء عنده؟ لعله جاسوس تقف وراءه عشرون سفارة. نعم. نعم.
(يتناول سماعة الخط الأصفر)

حسن يا حمار، اخطفه بسرعة. لا تتأخر. الجماعة معك؟ حسناً، لا تتأخر. ماذا؟ هم، ماذا؟ أربعة؟ أربعة أجانب في سيارة؟ لعنة الله عليك. لعلهم كلهم جواسيس، خذوهم كلهم. هل عرفت هوياتهم؟ أمريكي ببينهم! الله أكبر. والآخرون؟ بريطاني واستراليان؟ جيد جداً. خذهم إلى بيت عطية. تعرف أين. بسرعة.
(يغلق الخط)

أربعة جواسيس دفعة واحدة! لقطة كبيرة هذه؟ أم لعلها ورطة كبيرة؟
(الهاتف الأخضر يرّن ويعطي الإشارة. يتردد ثم يرفع السماعة. ينصت لحظات)

هل أنتِ مجنونة؟ أين تعيشين؟ أنا أذبح وأقتل الناس يميناً وشمالاً دون تفريق بين طفل أو امرأة أو عجوز، ومناقشات الوزارة جارية على قدم وساق. وإسمي يتقافز بين أسماء المرشحين. وأنتِ، أنتِ بكل الصفاقة الموجودة في العالم، تخابريني لتقولي لي إن البصل الذي اشتراه حمزة لا يساوي فلسين؟ أنتِ مجنونة بالتمام والكمال. إرميه في المزبلة يا غبية وخلصيني.
(الهاتف الأحمر يرن ويعطي الإشارة. يغلق سماعة الهاتف الأخضر بشدة)

نعم، سماحتكم. كلا. لا خبر جديداً من الأخ الكبير. الأخ اكبر! آه، نعم، فهمت. ماذا يريد؟ نعم. أربعة أجانب بالخطأ. أمريكي وبريطاني واستراليان. نعم.
(ينصت لحظات ثم يصرخ)
أذبح الأمريكي!؟ والسبب؟ العفو، سماحتكم، خرجتُ عن طوري. هو فقط؟ هو الأول. حسناً، حسناً. الآن؟ بعد أسبوع. كما تأمر. ماذا تقولون، سماحتكم؟ علناً؟ ما معنى علناً في هذه الشؤون؟ آه.. نصور عملية الذبح بالفيديو ونرسل الشريط إلى محطة التلفزيون. هذا أمر جديد إذا سمحتم أن أقول؛ سأهتم بنفسي بتنفيذه. لا تقلق أبداً. والأخبار الأخرى، سماحتكم؟ الوزارات وغيرها؟ لا شيء. لكن الأيام تمضي بسرعة مع ذلك، سماحتكم، أليس كذلك؟ نعم؟ لم يصلكم المبلغ!؟ أهذا معقول؟ خمسون دفتراً بالتمام والكمال، لم تصل؟ أهذا معقول؟ اسمحوا لي لحظة.
(يضغط على زر على الطاولة. يُفتح الباب بعد هنيهة ويدخل رجل طويل جداً، بشع كأنه حيوان، يتكلم ببطء وبصعوبة.)

خيشان، ولك يا خيشان، الخمسون دفتراً لم تصل لسماحته حتى الآن، كيف هذا ولماذا؟ خيشان (بتردد) في.. الطريق.. ازدحام. هناك.. هناك ازدحام.. في.. في الطريق.

هو
يشير إلى خيشان بالخروج فيسرع هذا بالخروج. في الهاتف سيدي - صادف ازدحام في الطريق وتأخر وصول الرسول حامل الرزمة. إنها ستصل خلال دقائق إن شاء الله. لا داعي للقلق. لا حق لك بالقلق، سماحتكم، إذا كان الأمر بين يديّ. نعم؟ الحمد لله وإن شاء الله نسمع منكم أخباراً طيبة. الأخ الكبير لم يتصل بي وأنا أنتظر على أحر من الجمر. نعم، نعم. مع ألف سلامة. (يعيد السماعة برفق. يحادث نفسه)

كم ستكلفني هذه الوزارة الخرة؟ الملايين المسروقة يمكن أن نحسبها ونقيدها ونسترجعها أو لا نسترجعها. لا يهم. ولكن.. الخطف والتعذيب والقتل والذبح.. الذبح علناً، كل هذا كيف يمكن أن نعيده لحاله الأولى؟ أو بالأصح كيف نتحاسب عليه؟ لا يهم أيضاً!؟ وزارة حقوق الإنسان، يقول! وزارة البيئة، يقول! وزارة السياحة الداخلية، يقول! وزارة المهاجرين. يقول! وافقنا أخي. قل لي فقط كيف نسترجع هذه الملايين التي نصرفها؟ ممن نسترجعها؟ من حقوق الإنسان أم من البيئة؟ غريبة جداً، أحوال الناس هذه الأيام.
(الهاتف الأصفر يرّن ويعطي الإشارة. يرفع السماعة)

نعم، حسن. كلهم؟ في مكان أمين؟ كلا، لن نطلب فدية. سننتظر. هل أخذت جوازات سفرهم؟ كلهم أجانب كما قلت لي؟ حسناً، حسناً. ذلك التاجر.. هل دفع؟ والآخر؟ لم يدفعوا بعد؟ هل تعلم يا غبي أني دفعتُ خمسين دفتراً رشوة قبل قليل؟ لا شيء، إلا لكي يرضى عني أحد هولاء الوسطاء الفاسدين. من أين أسترجعها؟ الله كريم، تقول؟ لا تجعلني أضرط من الضحك. اسكت يا حمار. انتبه إلى الأجانب ولا تسيء معاملتهم. هل تسمعني جيداً؟ سأعطيك أوامري بعد حين. حافظ عليهم جيداً.
(يعيد السماعة. يرن الهاتف الأخضر. يبتعد عن المائدة كأنه لم يسمعه. يتمشى واضعاً يديه وراء ظهره. في الأثناء يرن الهاتف الأحمر فيقفز ويغلق الهاتف الأخضر برفع السماعة واعادتها ثم يرفع سماعة الأحمر)

نعم. نعم. شكراً سماحتكم. قلت لكم إن الازدحام هو الذي أخّر وصول البضاعة كما تقول. نعم. ماذا! ماذا؟ هل كلموا سماحتكم؟ الأخ الكبير بنفسه تكلم عني!؟ الحمد لله. نعم. أنا أنصت. نعم. ماذا؟ وزير بلا وزارة؟ ما معنى ذلك؟ وزير بالاسم فقط؟ وعليَّ والحالة هذه أن أجلس في البيت مع امرأتي في المطبخ ويكبر كرشي كما تعلمون. كيف يمكن هذا.. سماحتكم؟ كيف يمكن هذا؟ وكيف نسترجع..

(يتوقف)
العفو، كيف نستطيع أن نخدم بلدنا وأنا وزير بلا وزارة؟ هذا معقول! وطاقاتي الاقتصادية الكبيرة التي تعرفها جيداً سماحتكم، أين أضعها إن لم أضعها في خدمة العراق؟ بلدنا، سماحتكم تعرفون، يمر بأزمة كبيرة. أزمة احتلال وأزمة جهل وفساد. كلكم تعرفون ذلك، وأنا خادمكم دائماً. نعم؟ التاجر؟ أخبرتهم عن تنزيل المبلغ إلى عشرين دفتراً. طبعاً. طبعاً. كما تشاء سماحتكم. ولكن.. إذا سمحتَ لي يا سيدي، أعني وزير بلا وزارة، هذا كمن يقول لك أمسك بقرصة الخبز وكل منها ما تشاء دون أن تقطعها! هل يجوز هذا؟ هل يجوز؟ نعم. نعم! التلوي في السياسة؟ هذه أول مرة أسمع فيها هذا التعبير. كيف أتلوى في السياسة؟ طبعاً، سماحتكم، أنا أصبر على كل شيء أتلوى.. لا أتلوى.. كما تشاؤون. ولكن.. بلا وزارة! هذه بلوى كبرى. العفو. صدعتكم. نعم. أفهم. مع ألف سلامة.
(يغلق الخط بعصبية. يقوم يتمشى ثم يضرب المائدة بقبضة يده. يتحدث مع نفسه)

وزير بلا وزارة! غريب والله. ولكن.. لعل فيها بعض التقدير لشخصيتي مع ذلك. القضية العظمى هي كيف ندبر المصاريف. هناك بقية ثمن العمارة في عمان والشقة في بيروت والأسهم ومشروع تأسيس المصرف وغير ذلك وغير ذلك. لا يمكن أن أسكت على كل هذا. هذا ظلم فادح. ظلم حقيقي. ثم.. لماذا أسكت؟
(الهاتف الأخضر يرّن ويعطي الإشارة. يرفع السماعة بتردد.)

أنتِ أيضاَ؟ ماذا تريدين؟ نعم؟ أية أخبار؟ عرضوا عليَّ أن أكون وزيراً بلا وزارة.
(ينصت لحظات)
أنتِ فعلاً مجنونة. تهلهلين هكذا كأن اليوم يوم عرسك يا مخبولة. ماذا أعمل بهذه الوزارة؟ أعرف يا غبية، أعرف أني سأصير وزيراً وصاحب معالي، ولكن.. ما القبض من ذلك؟ ما الفائدة
من وزير بلا وزارة؟ ألا تفهمين؟ من أين أجيء بالمصرف؟ من يعطيني كي أشتري لك هذه المخشلات التي تغرقين فيها. قولي؟ من الوزير بلا وزارة؟ اذهبي واتركيني.
(يغلق الخط ثم يبدأ كالعادة بالسير في نواحي الغرفة وهو يتحدث مع نفسه)

يمكن أن أقلب الطاولة على رؤوسهم.. هل أقدر؟
(الهاتف الأصفر يرن. يرفع السماعة)

ها، حسن؟ دفع العشرين؟ أطلقوه. والمقاول؟ دفع أيضاً. أطلقوه أيضا. والأجانب؟ أهم في مكان أمين؟ سأعطيك الأوامر بعد وقت قصير. ضع الدفاتر في محلها الذي تعرفه، وسأخبرك أنا.
(يغلق الخط. يتمشى)

والله، لو قلبت الطاولة عليهم فسوف أرتاح. يقول لي هذا الذي نحترمه.. السياسة التواءات. هذه أول مرة أسمع فيها بمثل هذه الخرافة. حقوق الإنسان. حقوق البيئة. سياحة المهاجرين. التواءات سياسية.. أين نعيش يا عالم؟ والطاولة، كيف أقلبها على رؤوسهم؟ أخشى أن أندفن أنا أيضاً تحتها، وتضيع عليَّ الملايين والعمارة والشقة والأسهم والوزارة. يجب أن ألعب بحذق إذن مع هولاء الأجلاف. أتلوى كالأفعى بحذر حسب قولهم. ولكن.. كيف؟
(الهاتف الأحمر يرن ويعطي الإشارة. يسرع إليه ويرفع السماعة.)

هالو؟ نعم سيادة الأخ الكبير، خادمكم المطيع. كلا، كلا وألف كلا. لم أتذمر ولم.. العفو.. سمعتم أقوالاً خاطئة سيادتكم. أنا متشرف بالكلام معكم فقط، فكيف إذا تفضلتم وطلبتم مني أن أخدمكم؟ الأجانب موجودون. نعم، تحت حراسة مشددة ودون إساءة معاملة. نعم. فقط، سيدي الأخ الكبير، إذا سمحت لي، أعني وزير بلا وزارة، غير معقول بالنسبة لي. ألا ترون ذلك؟ نعم؟ نعم. أمر غريب جداً. لا توجد أية فكرة من هذا النوع فيما يخصني؟ ولكن سماحته قال لي إنكم عرضتم عليه أن يعرض عليَّ منصب وزير بلا وزارة؟ لا صحة لهذا الخبر أيضاً؟ فهمت. فهمت. سيادتكم أردتم الاطمئنان فقط على وجود الأجانب المخطوفين لدينا؟ نعم. أفهم. أشكر فضلكم. أشكركم. مع ألف سلامة.
(يعيد سماعة الهاتف الأحمر إلى مكانها. يتمشى)

هكذا إذن. لا. هذه المرة لن أتركها تمر بسلام. لا، لن أتركها سلّمتُ لهم لحد الآن ثلاثة ملايينونصف مليون دولار أمريكي، وذبحتُ من أجلهم أبرياء وأبرياء نسيتُ عددهم؛ وهاهم تراهم يبخلون عليَّ حتى بوزارة دون وزير.. أعني وزير بلا وزارة. حسناً، هل أتلوَّى سياسياً أم أهجم كالثور الهائج؟
(يضرب المائدة بقبضة يده)

لا أستطيع أن أتلوى. لم أجرب هذا من قبل. أنا إنسان مستقيم كالعصا. مجرم.. نعم، يمكن، إلا أني مجرم مستقيم لا يعرف أن يتلّوى. فليكن. لقد دفعتُ لكم.. إذن ادفعوا لي. دفعتُ ملايين الدولارات، إذن ادفعوا لي وزارة دسمة. هذا هو المنطق؟ وأنا أفهمه جيداً، أما إذا لم يفهموه هم فالثور.. سيهيج.
(يتناول سماعة الهاتف الأصفر)

حسن.. أنت يا حسن، أسمع مني جيداً. جاءت الأوامر الآن. تذهب ومعك مصور ممتهن وآلة تصوير "فيدي " فهمت؟ مصور وآلة تصوير "فيديو". تذهب أنت وهو إلى حيث يوجد الأجانب الأربعة، هل تفهم؟ هل فهمت؟ قل لي. حسناً. اسمع جيداً.. تذبحهم واحداً بعد الآخر أمام آلة التصوير. لا تصرخ بوجهي يا حمار. هذه هي الأوامر. جاءت من فوق. ستأخذ دفترين على تنفيذ هذه العملية. أنا سأعطيها لك بنفسي. كلمة شرف مني. تذبحهم وتصور العملية وترسل شريط "الفيديو" إلى المحطة التلفزيونية التي تعرفها. لا تصرخ، أقول لك. كل ما أقوله لك هو أوامر جاءت من أعلى. هل فهمت؟ قل لي هل فهمت؟ قل لي. دعني أسمع منك. جيد جداً. بعد أتمام كل شيء تأتي وتستلم دفترين مني شخصياً لا من أحد غيري. لا تتردد. نفذ وتعال بسرعة لتجد الدفاتر أمامك. هيا، اذهب بحفظ الله.

(يعيد السماعة ثم يقوم ويرتمي على إحدى الأرائك. يمضي زمن غير قصير وغير معلوم وهو مضطجع على الأريكة. يُفتح باب الغرفة بغاية الهدوء ويدخل الخادم خيشان. يقعد هو في مكانه ناظراً إلى الخادم) خيشان؟ كيف تسمح لنفسك بالدخول دون استئذان؟ ماذا تريد؟ تكلم يا حمار.

(يخرج خيشان ببطء شديد مسدساً من جيبه ويبدأ بإطلاق الرصاص عليه مع هبوط الستار.)

عمان - حزيران