سرود تونسية في مختبر السرديات المغربي
ورشة مغاربية: افتتحت ندوة (الرواية التونسية: الكتابة والتخييل) والتي نظمها مختبر السرديات بالتنسيق مع مركز الرواية العربية بتونس واتحاد كتاب المغرب بالجديدة. افتتحت أشغالها بعد ظهر يوم الخميس 22 فبراير07 في ورشة نقاشية مع طلبة الدراسات العليا (ماستر الدراسات الأدبية والثقافية بالمغرب) في موضوع (تأسيس الوعي المغاربي تخييليا). وقد حضر هذه الورشة وأطرها عبد الطيف محفوظ (ناقد وباحث جامعي) بحضور الطلبة الباحثين حيث تدخل كل من الأسعد بن حسين (باحث من جامعة تونس) مقدما ورقة نقدية حول مسار تطور الرواية التونسية. متوقفا عند أهم ملامح التجربة الروائية وسمات تطورها. كما تدخلت حفيظة قارة بيبان (روائية وقاصة تونسية) بقراءة فصل من رواية (العراء) والتي مازالت قيد الكتابة. أما المتدخل الثالث كمال الرياحي ( روائي تونسي) فاستعرض رؤيته كروائي للرواية، مفردا جزءا من تدخله للرواية التونسية في المرحلة الراهنة. وفي يوم الجمعة 23 فبراير تم الافتتاح برئاسة عبد الفتاح الحجمري بعدد من الكلمات التي ألقاها عبد المجيد القدوري (عميد كلية الآداب بنمسيك بالبيضاء) وكلمة اتحاد الكتاب التونسيين التي ألقاها كمال الرياحي نيابة عن رئيس الاتحاد صلاح الدين بوجاه ـ والذي حضر في الجلسة الثانية بالجديدة ـ ثم كلمة مركز الرواية العربية بقابس وألقاها الأسعد بن حسين وكلمة اتحاد كتاب المغرب وألقاها رئيس الاتحاد عبد الحميد عقار، وقد كانت كلمته بمثابة أرضية للنقاش عرض فيها لمسارات الرواية التونسية وآفاقها والعديد من خصائصها مستعرضا التجارب الروائية منذ المسعدي والبشير خريف إلى النصوص التجريبية الجديدة. وتناول الكلمة في الأخير رئيس المختبر شعيب حليفي ... وقد أجمع المتدخلون على تدعيم المبادرات الثقافية وتمتين الروابط التي تطور البحث العلمي والأفق الثقافي المغاربي. الجلسة العلمية الأولى وترأسها موليم العروسي (جامعي وباحث جمالي- الدار البيضاء) حيث تدخل العربي الذهبي (ناقد وباحث جامعي ـ بني ملال) بمداخلة بعنوان (البناء الرمزي و الأنماط الخيالية في رواية المستلبس لنور الدين العلوي) مذكرا أن رواية المستلبس تنبني عبر تشكل حلزوني لمعاقدها السردية. فالصور الروائية لا تنغلق إلا لتتراكب مع بعضها ولتفتح بداية لما يليها من تفصيلات حدثية موجهة لتمييز وجه من الوجوه المتضاعفة قصد تحقيق نمط سردي جزئي يندرج في إحدى دوائر شخصية احمد العروس باعتباره النمط الرمزي الجامع المحرك للرؤية الروائية والبطل الوحيد الذي يستقطب كل الأحداث لكن بدون فعل بطولي. ويضيف الباحث أننا أمام شخصية مركبة متعددة القيم والأوصاف يضيئها الخطاب الروائي عبر آلية التسجيل والتقرير الخارجي للسارد و تتنامى بالاستغراق الحواري الذاتي المسهب في التفصيل. وبذالك تتقاطب الدلالات لترسم أنماطا اجتماعية ووضعيات نفسية و مجازات ثقافية كبرى . وفي محور آخر حلل العربي الذهبي العالم الروائي في المستلبس والذي ينماز بنزوع وقائعي حد الإفراط الذي ينقلب إلى تأملات شعرية جوانية حيث تهيمن الفضاءات الذهنية . عمل روائي يرسم ثراء وتنوع وتناقض الإنسان العادي الطموح إلى حياة أفضل و المكابر من اجلها . المهزوم في كل شيء والحالم بلا حد . هو ذا بناء و تنميط رمزي للإنسان في المجتمع العربي ، هنا والآن ، برؤية تتراوح بين الكابوسية المرعبة حد الكارثة التي صارت قانونا للحياة، وجذوة الأمل و الحلم شبه الميئوس منها ، لكنها لا تزال حية في الأعماق على كل حال. المتدخل الثاني الناقد نورالدين صدوق (كاتب وناقد ـ الدار البيضاء ) قدم مداخلة بعنوان (بلاغة الحكاية في النص الروائي التونسي :نموذج : "الحبيب السالمي" و "محمد علي اليوسفي") ويتعلق موضوع المداخلة التي ألقاها الباحث ببلاغة الحكاية في النص الروائي، التونسي، وذلك من خلال تجربتي : الحبيب السالمي في "أوراق عبد الله" ومحمد علي اليوسفي في "دانتيلا".. مؤسسا لمعرفة قاعدة تشكل الحكاية، أي البناء المعتمد بغاية إنتاج معنى ودلالة للنص. في هذا المستوى، تم تقصي البعد النظري، في محاولة للتعريف بالحكاية وكيفية تحقق النظر النقدي إليها، وبالتالي الانتقال إلى التطبيق على التجربتين السالفتي الذكر. على أن الأساس في تدخل نور الدين صدوق، التركيز على أن النص الروائي التونسي في التجربتين، يتأسس على كتابة الحكاية، وليس حكاية الكتابة، ولئن كان ملمح التجريب يطبع نص "اليوسفي". إن هذا المقترب النقدي، لا يطول التجربة الروائية التونسية في كليتها، وإنما في ملامسة روايتين على سبيل التمثيل، وبعيدا عن التشميل والتعميم../.. مداخلة عبد الفتاح الحجمري(ناقد وباحث جامعي - الدار البيضاء) جاءت بعنوان (مرافئ الجليد أو حين تحتضن الرواية الفراغ) مقدما لمداخلته بمدخل حول الرواية المغاربية والتونسية على الخصوص والتلقي النقدي ، مبينا مكانة الرواية في الإنتاج الثقافي العام ، وحاجة المجتمعات المغاربية لهذا الجنس الإبداعي . انتقل الباحث بعد ذلك لتحليل رواية مرافئ الجليد لمحمد الجابلي مبينا كثرة التصنيفات التي ألصقت بها ليخلص إلى أنها رواية فكرية اهتمت بالعالم الملتبس وانتفاء صفة البطولة.كما توقف الباحث عند الأبعاد الفكرية للرواية إن على صعيد علاقة المعنى بالشكل الفني ، أو صلته بمختلف المواقف التي تعبر عنها الشخصيات في بحثها عن هوية أضحت مفتقدة بافتقاد الوطن ذاته. بوشعيب الساوري (ناقد وباحث ـ الدار البيضاء) استهل مداخلته ( تقطيع السرد في رواية وجهان لجثة واحدة) للأزهر الصحراوي بأن التقطيع السردي هو من المداخل القرائية الإجرائية والفعالة التي تضعها أمامنا رواية وجهان لجثة واحدة. والتقطيع السردي واحد من السمات التجريبية في الأساس، تحاول التمرد على السرد الخطي التقليدي. لكن هذا التوجه الفني الخاص لا يتميز بفراغات، وإنما يفضي في النهاية إلى تكامل الأجزاء والمقاطع، التي يلزمنا إعادة ترتيبها لبناء الحكاية. وبينت هذه المداخلة أثر الانكسار التيمي البارز على شكل الرواية وبالتحديد طريقة السرد، فجاء السرد بدوره موسوما بالانكسار، من خلال تقنية التقطيع السردي. فتؤكد أن التقطيع السردي عند الأزهر الصحراوي، يعبر عن تصور فني ورؤية جمالية في استعادة واسترجاع التجربة الحياتية والنضالية بخيباتها وانكساراتها. فكان لابد من تناغم التيمة والبناء، فلا يعقل أن نسترجع تجربة الانكسار بسرد خطي هادئ ومسترسل. ليتحقق الانكسار في رواية وجهان لجثة واحدة على المستويين التيمي والسردي، إذ تطلب انكسار المضامين انكسار الشكل. وقدم إدريس قصوري (كاتب وباحث جامعي- الدار البيضاء) مداخلته بعنوان (تفاعلات الوليمة في رواية : "الجسد وليمة" لفرج الحوار) معتبرا أن هذه المقاربة التي تجمع في عتبتها بين التفاعلات وبين الوليمة وليس الجسد ترمي إلى رد الاعتبار للجسد من خلال الوقوف على الوليمة التي قد تبدو في عنوان الرواية عنصرا سلبيا من زاوية السارد ووعيه الثقافي وربما السياسي الذي يجعله يتخذ موقفا ضمنيا من تحول الجسد إلى وليمة وبالنظر إليه في حدود الوعي الاجتماعي الذي يظل عاريا من الأساسيات الثقافية والسياسية والوعي الوطني باعتبارها، نماذج متقدمة من الوعي التي لا ترقى إليه المرأة، الزوجة المغرقة في الوعي الاجتماعي المرتبط بالعادات والتقاليد والقيم والأعراف والذي لا تطال ركائز المواطنة والمدنية والتغيير الاجتماعي. وبالوقوف عند التفاعل باعتباره نمطا من الأنماط الإيجابية في التربية الاجتماعية بما هو نوع من السلوك الاجتماعي الإيجابي الذي يبحث عن انسجام العلاقات الثنائية بين الأفراد ولاسيما الزوجية المقدسة، نبرز الدور الإيجابي العالي الذي تعبر عنه الزوجة في استشارتها لسلوك الزوج وتقويم علاقته بزوجته. وبذلك تكون التفاعلات التي نسندها للوليمة ـ يقول إدريس قصوري ـ في الحقيقة تمثلات ذهنية لوعي الزوجة في علاقتها بزوجها، والذي وإن يبدو من منظور السارد وعيا سلبيا من حيث اعتماده على المرتكزين الاجتماعي والعاطفي دون الوصول إلى مرتكزي العقل والثقافة أو المواطنة، فإنه في نظرنا يعبر عن وعي اجتماعي أكثر عقلانية ومواطنة ما دام أنه يحكمه سلوك التفاعل الاجتماعي الإيجابي مع الزوج في إثارة انتباهه لكل القضايا التي تهم الأسرة وتعمل على استمرارها حتى وإن بلغت ردود الفعل حد المواجهة مع الزوج أحيانا والتي لا تخلو من تعبير عن التأثر بالزوج أيضا، وبذلك تتحول الوليمة من شيء مبتذل وساقط إلى معنى نبيل وحاجة مشروعة ولو تمظهرت في أدنى مستويات الوعي الحسي ولاجتماعي. داء العطب والرؤية الفجائعية في الجلسة الثانية التي ترأسها مصطفى النحال (باحث ومترجم ـ المحمدية) تدخل الحبيب الدائم ربي ( أستاذ باحث وروائي ـ سيدي بنور) في موضوع (أسطرة التاريخ وتأصيل اللغة في تجربة إبراهيم درغوتي الروائية) حيث سعى إلى توصيف تجربة درغوتي الروائية، من خلال نصين هما "أسرار صاحب الستر" و "ماوراء السراب قليلا"، بالوقوف على السند التاريخي الذي يرفد المتون الحكائية لدى الكاتب وما يطاول هذا التاريخ من تغريب وأسطرة في تساوق مع بناء يتوسل بالمحكي التراثي ويعيد إنتاج لغة المصنفات العربية القديمة .. للخلوص إلى كون استيحاء التراث متنا ولغة ومبنى هي إحدى الرهانات التي يخوضها درغوتي في تشييد جل عوالمه الروائية التي تستعير أقنعة الماضي لفضح مفارقات الحاضر. مهد الأستاذ محمد معتصم (ناقد أدبي ـ سلا ) لمداخلته حول سؤال المصير في هلوسات ترشيش لحسونة المصباحي بتحديد نظري للرؤية الفجائعية التي يرى أنها ظاهرة واصفة الرواية العربية المكتوبة في النصف الثاني من القرن الماضي التي تبأرت حول سؤالي أين نسير؟ وكيف سنصير؟ باعتبار الإجابة الموضوعية عنهما تفرض إجابات فجائعية. موضحا أن الواقع العربي الشارط لتلك الإجابات لم يكن يسمح بغيرها. وانطلاقا من هذه الحقيقة، قارب رواية هلوسات ترشيش التي يرى أنها اختارت لنفسها عالما متأزما مكتظاً بالآلام والأحزان، والحنين إلى الماضي الماثل في الذكريات. لتكتبُ من خلال ذلك الإحباط الذي يستشري في أوصال الذات العربية. وبعد تشريحه الدقيق لمختلف مظاهر الفجائعية في الرواية، خلص إلى كونها ، عن طريق تشخيصها المتميز للواقع، تتميز بخصوصياتها التي تؤهلها لأن تكون مؤشرا على الوعي بضرورة التنبه إلى الخلل، ومحاولة تجاوزه. وتدخل جواد هروال ( أستاذ باحث ـ الجديدة) في موضوع (الزمن في رواية الخيال العلمي"غار الجن" للهادي ثابت نموذجا) منطلقا من فرضية أساسية وهي: تغير مفهوم الزمن في رواية الخيال العلمي، حيث طرح عدة إشكالات وتساؤلات: كيف تتداخل الأزمنة: الماضي والحاضر والمستقبل في "غار الجن"؟ ولماذا؟ وهل استطاعت "غار الجن" تأسيس مفهوم جديد للزمن الروائي؟ بعد ذلك قدم مقاربة للتحولات الزمنية متتبعا أبعادها الفنية في تجربة الهادي ثابت. وفي سياق آخر مغاير قرأ لحسن احمامة (باحث ومترجم ـ الدار البيضاء) ورقة نقدية حول (تعالق الغرائبي بالمرجعي الواقعي في رواية وقائع المدينة الغريبة لعبد الجبار العش) مقاربا استكناه الأفق الدلالي الذي تستضمره الرواية ..وقد أفضت الدراسة في انطلاقتها من قراءة سيميائية للعنوان وصورة الغلاف، ومن قراءة نصية عبر حركة دائبة من الخارج إلى الداخل والعكس، إلى تفكيك الجانب الغرائبي في سياق علاقته بالمرجعي الواقعي، ومن ثمة الوقوف على هذا الأفق الدلالي بما هو دلالة مضمرة متمثلة في وأد الحريات بمختلف تمظهراتها. وإذا كانت الحرية مرتبطة بشكل قطعي بالفرد من الجوانب السوسيو ثقافية، فإن مداخلة احمامة قد استلزمت النظر إلى الشخصيات الروائية، من حيث هي بنيات نصية، من خلال تفاعلها مع الواقع التخييلي من جهة، ومن خلال مرجعياتها الواقعية خارج النص. وخلص الباحث إلى استنتاج ثلاثة مستويات من الشخصيات: شخصية صالح العوادجي الخاضعة لنظام، لا تدرك في منظومته قيمة الحرية إلا بعد أن تداهمها آفة الالتصاق بالأرض. شخصية شتل المدرك لخطورة السلطة على الفرد، يركب الصعلكة، ويعيش حريته كجسد له حريته الخاصة. شخصية الراوي، نذير الحالمي، المتماثل، القص، الذي يعرف كيف يوارب السلطة ويراوغها. أما مداخلة عبد اللطيف محفوظ (ناقد وباحث جامعي) فكانت بعنوان "التناص وانسجام الخطاب في رواية المشرط لكمال الرياحي". وقد مهد الباحث بعرض أهم السمات التي تميز رواية المشرط، حيث أشار إلى خصوصيات اللغة وحيل فعل التحبيك المتميزة، وإلى تقنية الكولاج موضحا كيفية وخلفية توظيف الكاتب لها، ثم انتقل إلى تحديد مفهومه الخاص عن التناص من خلال إعادة تعريفه انطلاقا من خلفية سيميائية، منتهيا إلى اعتباره آلية لإدراك التعالقات الخفية والجلية التي تنظم مسارات المعنى وسياقته، وتحقق الانسجام الدلالي والتناسق الجمالي لمختلف فقرات ومقاطع السرد.. ثم انتهى إلى تقديم فرضيات للمعنى العام لأهم الرموز الموظفة في الرواية مركزا على المعنى المؤطر لرموز الهدهد والمخاط والمشرط ليخلص إلى ربط علاقات أيقونية خفية دلل عليها بصوة واضحة بين ذلك المعنى ومعنى الكتابة عن سيرة المؤخرة، التي اتخذها الكاتب كمال الرياحي ذريعة استعارية لتدعيم وتمرير المعنى. المتخيل التونسي على ضفاف أم الربيع انتقل الباحثون والروائيون لمواصلة الندوة في اليوم الثاني من أشغالها إلى مدينة الجديدة على ضفاف أم الربيع في ضيافة فرع اتحاد الكتاب بها حيث استقبلوا من طرف الساهرين على هذا اللقاء بالمدينة (الحبيب الدايم ربي ـ محمد مستقيم وموسى هروال) بقاعة عزيز أمين بالأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين. انطلقت الجلسة الثالثة برئاسة الحبيب الدايم ربي حيث تدخل عبد الرحمان غانمي (ناقد وباحث جامعي) بمداخلة له بعنوان : "تشظيات المرآة وتشكلات الجسد"، نصوص الروائي التونسي مصطفى الكيلاني وهي: (نزيف الظل، مرايا الساعات الأخيرة، ثم آخر الأجراس - بدء الخطر...) وقد ركز فيها الناقد على قيمة العتبات ودلالاتها ووظائفها السردية توزيعا وتكسيرا، وأيضا ما تطرحه هذه النصوص الروائية من "ظلال هاربة" على مستوى الحكايات ومختلف التشخيصات اللغوية والحوارية التي تعكس تلك التحولات العميقة، في البناءات على مستوى الشخوص والفضاءات، كل هذا يصب في نسق محوري، تعكسه "المرآة" وعلائقها بالجسد ونتوءات أخرى ذاتية وتاريخية ومجتمعية، تتوالد فيها صور التشظي والتشكل العنيف للأشياء والتصورات والأحداث. المداخلة الموالية لمحمد مستقيم(أستاذ باحث ـ الجديدة) حول رواية بروموسبور لحسن بن عثمان أو رهان الكتابة والتي أدرجها الباحث ضمن الكتابة الروائية التخييلية التجريبية الحديثة بامتياز، حيث ترتفع الحواجز والحدود بين الواقع واللاواقع، بين الوعي واللاوعي ضمن رؤية سردية....ولغة ذات طابع احتجاجي ساخر. وقد بين الباحث تحكم المؤلف في شخوص الرواية كما يتحكم لاعب الورق في ما بين أصابعه حيث نتج عن التداخل والتفاعل بين الشخوص عوالم متخيلة جديدة ومتجددة بمثابة محكيات تتناسل كلما اقتربت من بعضها البعض. يقول عباس الشخصية الرئيسية في الرواية بأن الكاتب جعل من عقلية الرهان موضعا لروايته، وبالفعل فالرهان الرياضي هو اللعبة المفضلة لدى أبرز الشخصيات لكن هناك رهان آخر أو ميتا رهان يحكم هذا النص هو رهان الكتابة، رهان الممارسة الإبداعية. في كل رهان هناك خاسر، الخاسر في الرهان الرياضي هو اللاعب الذي يتوق كل مرة إلى الفوز والخاسر في رهان هذا النص هو القارئ، لكن أي قارئ؟ ، ذاك الذي تعود على النصوص المطمئنة والمحافظة على ثوابت الكتابة الكلاسيكية المطمئنة بدورها إلى الواقع. بروموسبور ـ كما يؤكد الباحث ـ هو نص يعصف بكل الثوابت التي يطمئن لها هذا النوع من القراء الذين يركنون إلى هذه الخدعة فيخسرون حتما رهانهم. محمد الحولاني (أستاذ باحث ـ الجديدة ) قارب موضوع تخييل الحرب في رواية"وداعا حمورابي" لمسعودة أبو بكر من خلال تداول شخوص الرواية لصور الحرب الأمريكية الثانية على العراق. وهي صور انشغالات تعتمل في نفوس هذه الشخوص، وتدفعها إلى إظهار مواقف تجاه ما يجري .... فضلا عن أن المقاربة تناولت الآليات السردية التي تقترحها الكاتبة التونسية مسعودة أبو بكر. وتناول موسى هروال تعدد الأصوات : الراوي الرواة في " حاجب المقام لظافر ناجي مؤكدا أن هذا النص الروائي يمتح من عوالم مختلفة ومتعددة تتمثل في الصوفي واليومي/ الواقعي والتاريخي من أجل تخييل راق يصبو بالقارئ إلى درجات السمو والارتفاع . وكون الراوي/ تعدد الرواة يوحي بالتشكيلات الاجتماعية ، وتعدد الأصوات في صوت واحد تأسيسا لعالم روائي جديد منفتح على أنماط لغوية وتوظيف للشخصيات من منظورات مختلفة. المداخلة الأخيرة في هذه الجلسة الثالثة قرأ فيها أحمد بلاطي (باحث جامعي ـ الجديدة) ورقة بعنوان بنية المتخيل في "حدث أبو هريرة قال " لمحمود المسعدي مؤكدا أن الحديث عن المتخيل حديث خصب، خصوصا في رواية "حدث أبو هريرة قال " التي تميزت بطابعها الإشكالي؛ إذ أثارت أسئلة كثيرة لكن الاكتفاء بالقول إن الرواية استلهمت التراث العربي الإسلامي دون تفسير الكيفية التي تم بها ذلك أو شرحها يعتبر عملا ناقصا، ذلك ما حاولت هذه المداخلة تجاوزه من خلال الوقوف على كيفية بناء المسعدي لمتخيله. الجلسة الرابعة والأخيرة والتي ترأسها نور الدين صدوق، بعد زوال يوم السبت افتتحها الشريشي لمعاشي (أستاذ باحث الدار البيضاء) وتناول رواية الكرنفال لمحمد الباردي في مداخلة بعنوان سرود بصيغة المفرد.حيث أشار فيها إلى أن هذه الرواية تحتفل بالمأساة واللامعنى..أما التيمات فقد شملت انتقاد الرقابة وصورة المرأة والجنون والهجرة وفلسطين.. والكثير من التفاصيل التي تؤثث المشهد الروائي ليخلص إلى أن شخصيات الرواية مأزومة ومهزومة، كما وقف عند إشكالية تجنس الرواية العربية برمتها وقضايا أخرى مرتبطة بالذات والذاكرة وطرائق الحكي وما تستحضره من مرجعيات وتقنيات سردية ، خصوصا صيغة ضمير المتكلم الظاهرة..والتي قد تكون مجرد صوت ضمن صيغ أخرى وبذلك فنحن أمام ضمير أنا منفلتة . وختم الباحث مداخلته بعدد من الملاحظات المتعلقة بالشكل الفني لرواية الكرنفال والإضافات الجديدة. شعيب حليفي (ناقد وباحث جامعي ـ الدار البيضاء) في ورقة نقدية عنوانها سرود النسيان: في سبع صبايا لصلاح الدين بوجاه ، قدم مدخلا أوليا لطبيعة القراءة مع رواية سبع صبايا لينتقل إلى تحديدات تهم علاقة الرواية بسرد المنسي من الحياة والتقاطه ليتحول إلى لغة وتذكرات لها قدرة على خلق مساحاتها وامتداداتها ولو على مستوى المتخيل. بعد ذلك انتقل الباحث إلى البحث في المعطيات السابقة من خلال محورين اثنين هما اللغة والحكاية وعلاقتهما بإنتاج التخييل من سرود منسية ..شفوية وشعبية ليخلص إلى وجود عدد من المحركات(سبعة) في الرواية ترد وتتراكب بشكل توالدي تكراري ضمن دينامية عامة للحكي والتي رسمت للرواية افقها الإمتاعي والمعرفي - الرمزي. وختم شعيب مداخلته بالتساؤل التالي: كيف يمكن للرواية ، اليوم، أن تكون أداة للفهم ومراجعة الكثير من المفاهيم و التحققات التي ترتبت عما قررته أشكال تعبيرية كانت سائدة من قبل؟ ثم عرض محمد اللباط ( باحث جامعي ـ الجديدة) لمداخلته بعنوان أبعاد التخييل في التجربة الروائية لعبد الواحد براهم من خلال روايته (بحر هادئ سماء زرقاء) حيث قارب الباحث بناء المتخيل وأبعاد التخييل عبر عناصر بنائية تتعلق بلغة الرواية والمادة الحكائية. كما سعى الباحث في ورقته إلى ملامسة البعد الإنساني للرواية في انطلاقها من وقائع سياسية من تاريخ تونس في لحظة تاريخية محددة.وحلل الباحث كيفيات استثمار كل هذا من طرف الروائي..وختم اللباط بعرض مجموعة من الاستنتاجات الفنية التي تميز العالم الروائي لعبد الواحد براهم. ورقة يوسف مجيدي (باحث ـ الجديدة) "الموت و البحر والجرذ" لفرج الحوار: نص يحكي سيرته.. وهي نص مسائل، يشتغل بوعي على ذاته وعلى جسده و على لغته... نص يحكي عن تكونه و تخلقه... ولما كان يتخذ من نفسه موضوعا، وقد أسس لهذه المداخلة بالسؤال: ما هو مفهوم الكتابة كما يتجسد في النص ومن خلال عتباته؟ وعنه تتفرع أسئلة جزئية تتصل باللغة والكاتب وعلاقة الكاتب بالنص وعلاقة النص بالقارئ.. و مرجعيات النص و مساراته كما تبدت للباحث من خلال تفاعله مع الرواية بعيدا عن كل نزعة اختزالية أو وثوقية ودون إغفال لطبيعة النص التخييلية.. واختتم مداخلات هذا اللقاء صلاح الدين بوجاه (روائي وباحث جامعي ـ تونس) والذي شارك الباحثين المغاربة بورقة نقدية بعنوان (المشرط .. هذا النص المحير الآسر) محللا الرواية انطلاقا من تجربة تتبع فيها النص مفككا مفاصله من خلال بعض المفاهيم والمرجعيات والقراءات، مشيرا إلى حضور البعد السريالي العبثي في الرواية. وفي ختام هذا اللقاء تحدث شعيب حليفي عن آفاق التعاون المستمر والذي يؤكده نجاح الندوة والخلاصات التي توصلت إليها بشأن الرواية التونسية وعناصر التجديد فيها كما وقف عليها الباحثون ..كما أكد على ضرورة استثمار كل هذا في التعاون مع اتحاد الكتاب التونسيين ومركز الرواية العربية وجامعات صفاقس ومنوبة والقيروان في إطار مشروع متبادل حول الأدبين المغربي والتونسي.. وأشار أن أشغال هذه الندوة ستصدر قريبا في مؤلف بكل من المغرب وتونس.
ورشة مغاربية: افتتحت ندوة (الرواية التونسية: الكتابة والتخييل) والتي نظمها مختبر السرديات بالتنسيق مع مركز الرواية العربية بتونس واتحاد كتاب المغرب بالجديدة. افتتحت أشغالها بعد ظهر يوم الخميس 22 فبراير07 في ورشة نقاشية مع طلبة الدراسات العليا (ماستر الدراسات الأدبية والثقافية بالمغرب) في موضوع (تأسيس الوعي المغاربي تخييليا). وقد حضر هذه الورشة وأطرها عبد الطيف محفوظ (ناقد وباحث جامعي) بحضور الطلبة الباحثين حيث تدخل كل من الأسعد بن حسين (باحث من جامعة تونس) مقدما ورقة نقدية حول مسار تطور الرواية التونسية. متوقفا عند أهم ملامح التجربة الروائية وسمات تطورها. كما تدخلت حفيظة قارة بيبان (روائية وقاصة تونسية) بقراءة فصل من رواية (العراء) والتي مازالت قيد الكتابة. أما المتدخل الثالث كمال الرياحي ( روائي تونسي) فاستعرض رؤيته كروائي للرواية، مفردا جزءا من تدخله للرواية التونسية في المرحلة الراهنة.
وفي يوم الجمعة 23 فبراير تم الافتتاح برئاسة عبد الفتاح الحجمري بعدد من الكلمات التي ألقاها عبد المجيد القدوري (عميد كلية الآداب بنمسيك بالبيضاء) وكلمة اتحاد الكتاب التونسيين التي ألقاها كمال الرياحي نيابة عن رئيس الاتحاد صلاح الدين بوجاه ـ والذي حضر في الجلسة الثانية بالجديدة ـ ثم كلمة مركز الرواية العربية بقابس وألقاها الأسعد بن حسين وكلمة اتحاد كتاب المغرب وألقاها رئيس الاتحاد عبد الحميد عقار، وقد كانت كلمته بمثابة أرضية للنقاش عرض فيها لمسارات الرواية التونسية وآفاقها والعديد من خصائصها مستعرضا التجارب الروائية منذ المسعدي والبشير خريف إلى النصوص التجريبية الجديدة. وتناول الكلمة في الأخير رئيس المختبر شعيب حليفي ... وقد أجمع المتدخلون على تدعيم المبادرات الثقافية وتمتين الروابط التي تطور البحث العلمي والأفق الثقافي المغاربي.
الجلسة العلمية الأولى وترأسها موليم العروسي (جامعي وباحث جمالي- الدار البيضاء) حيث تدخل العربي الذهبي (ناقد وباحث جامعي ـ بني ملال) بمداخلة بعنوان (البناء الرمزي و الأنماط الخيالية في رواية المستلبس لنور الدين العلوي) مذكرا أن رواية المستلبس تنبني عبر تشكل حلزوني لمعاقدها السردية. فالصور الروائية لا تنغلق إلا لتتراكب مع بعضها ولتفتح بداية لما يليها من تفصيلات حدثية موجهة لتمييز وجه من الوجوه المتضاعفة قصد تحقيق نمط سردي جزئي يندرج في إحدى دوائر شخصية احمد العروس باعتباره النمط الرمزي الجامع المحرك للرؤية الروائية والبطل الوحيد الذي يستقطب كل الأحداث لكن بدون فعل بطولي. ويضيف الباحث أننا أمام شخصية مركبة متعددة القيم والأوصاف يضيئها الخطاب الروائي عبر آلية التسجيل والتقرير الخارجي للسارد و تتنامى بالاستغراق الحواري الذاتي المسهب في التفصيل. وبذالك تتقاطب الدلالات لترسم أنماطا اجتماعية ووضعيات نفسية و مجازات ثقافية كبرى . وفي محور آخر حلل العربي الذهبي العالم الروائي في المستلبس والذي ينماز بنزوع وقائعي حد الإفراط الذي ينقلب إلى تأملات شعرية جوانية حيث تهيمن الفضاءات الذهنية . عمل روائي يرسم ثراء وتنوع وتناقض الإنسان العادي الطموح إلى حياة أفضل و المكابر من اجلها . المهزوم في كل شيء والحالم بلا حد . هو ذا بناء و تنميط رمزي للإنسان في المجتمع العربي ، هنا والآن ، برؤية تتراوح بين الكابوسية المرعبة حد الكارثة التي صارت قانونا للحياة، وجذوة الأمل و الحلم شبه الميئوس منها ، لكنها لا تزال حية في الأعماق على كل حال.
المتدخل الثاني الناقد نورالدين صدوق (كاتب وناقد ـ الدار البيضاء ) قدم مداخلة بعنوان (بلاغة الحكاية في النص الروائي التونسي :نموذج : "الحبيب السالمي" و "محمد علي اليوسفي") ويتعلق موضوع المداخلة التي ألقاها الباحث ببلاغة الحكاية في النص الروائي، التونسي، وذلك من خلال تجربتي : الحبيب السالمي في "أوراق عبد الله" ومحمد علي اليوسفي في "دانتيلا".. مؤسسا لمعرفة قاعدة تشكل الحكاية، أي البناء المعتمد بغاية إنتاج معنى ودلالة للنص. في هذا المستوى، تم تقصي البعد النظري، في محاولة للتعريف بالحكاية وكيفية تحقق النظر النقدي إليها، وبالتالي الانتقال إلى التطبيق على التجربتين السالفتي الذكر. على أن الأساس في تدخل نور الدين صدوق، التركيز على أن النص الروائي التونسي في التجربتين، يتأسس على كتابة الحكاية، وليس حكاية الكتابة، ولئن كان ملمح التجريب يطبع نص "اليوسفي". إن هذا المقترب النقدي، لا يطول التجربة الروائية التونسية في كليتها، وإنما في ملامسة روايتين على سبيل التمثيل، وبعيدا عن التشميل والتعميم../.. مداخلة عبد الفتاح الحجمري(ناقد وباحث جامعي - الدار البيضاء) جاءت بعنوان (مرافئ الجليد أو حين تحتضن الرواية الفراغ) مقدما لمداخلته بمدخل حول الرواية المغاربية والتونسية على الخصوص والتلقي النقدي ، مبينا مكانة الرواية في الإنتاج الثقافي العام ، وحاجة المجتمعات المغاربية لهذا الجنس الإبداعي . انتقل الباحث بعد ذلك لتحليل رواية مرافئ الجليد لمحمد الجابلي مبينا كثرة التصنيفات التي ألصقت بها ليخلص إلى أنها رواية فكرية اهتمت بالعالم الملتبس وانتفاء صفة البطولة.كما توقف الباحث عند الأبعاد الفكرية للرواية إن على صعيد علاقة المعنى بالشكل الفني ، أو صلته بمختلف المواقف التي تعبر عنها الشخصيات في بحثها عن هوية أضحت مفتقدة بافتقاد الوطن ذاته.
بوشعيب الساوري (ناقد وباحث ـ الدار البيضاء) استهل مداخلته ( تقطيع السرد في رواية وجهان لجثة واحدة) للأزهر الصحراوي بأن التقطيع السردي هو من المداخل القرائية الإجرائية والفعالة التي تضعها أمامنا رواية وجهان لجثة واحدة. والتقطيع السردي واحد من السمات التجريبية في الأساس، تحاول التمرد على السرد الخطي التقليدي. لكن هذا التوجه الفني الخاص لا يتميز بفراغات، وإنما يفضي في النهاية إلى تكامل الأجزاء والمقاطع، التي يلزمنا إعادة ترتيبها لبناء الحكاية. وبينت هذه المداخلة أثر الانكسار التيمي البارز على شكل الرواية وبالتحديد طريقة السرد، فجاء السرد بدوره موسوما بالانكسار، من خلال تقنية التقطيع السردي. فتؤكد أن التقطيع السردي عند الأزهر الصحراوي، يعبر عن تصور فني ورؤية جمالية في استعادة واسترجاع التجربة الحياتية والنضالية بخيباتها وانكساراتها. فكان لابد من تناغم التيمة والبناء، فلا يعقل أن نسترجع تجربة الانكسار بسرد خطي هادئ ومسترسل. ليتحقق الانكسار في رواية وجهان لجثة واحدة على المستويين التيمي والسردي، إذ تطلب انكسار المضامين انكسار الشكل.
وقدم إدريس قصوري (كاتب وباحث جامعي- الدار البيضاء) مداخلته بعنوان (تفاعلات الوليمة في رواية : "الجسد وليمة" لفرج الحوار) معتبرا أن هذه المقاربة التي تجمع في عتبتها بين التفاعلات وبين الوليمة وليس الجسد ترمي إلى رد الاعتبار للجسد من خلال الوقوف على الوليمة التي قد تبدو في عنوان الرواية عنصرا سلبيا من زاوية السارد ووعيه الثقافي وربما السياسي الذي يجعله يتخذ موقفا ضمنيا من تحول الجسد إلى وليمة وبالنظر إليه في حدود الوعي الاجتماعي الذي يظل عاريا من الأساسيات الثقافية والسياسية والوعي الوطني باعتبارها، نماذج متقدمة من الوعي التي لا ترقى إليه المرأة، الزوجة المغرقة في الوعي الاجتماعي المرتبط بالعادات والتقاليد والقيم والأعراف والذي لا تطال ركائز المواطنة والمدنية والتغيير الاجتماعي. وبالوقوف عند التفاعل باعتباره نمطا من الأنماط الإيجابية في التربية الاجتماعية بما هو نوع من السلوك الاجتماعي الإيجابي الذي يبحث عن انسجام العلاقات الثنائية بين الأفراد ولاسيما الزوجية المقدسة، نبرز الدور الإيجابي العالي الذي تعبر عنه الزوجة في استشارتها لسلوك الزوج وتقويم علاقته بزوجته. وبذلك تكون التفاعلات التي نسندها للوليمة ـ يقول إدريس قصوري ـ في الحقيقة تمثلات ذهنية لوعي الزوجة في علاقتها بزوجها، والذي وإن يبدو من منظور السارد وعيا سلبيا من حيث اعتماده على المرتكزين الاجتماعي والعاطفي دون الوصول إلى مرتكزي العقل والثقافة أو المواطنة، فإنه في نظرنا يعبر عن وعي اجتماعي أكثر عقلانية ومواطنة ما دام أنه يحكمه سلوك التفاعل الاجتماعي الإيجابي مع الزوج في إثارة انتباهه لكل القضايا التي تهم الأسرة وتعمل على استمرارها حتى وإن بلغت ردود الفعل حد المواجهة مع الزوج أحيانا والتي لا تخلو من تعبير عن التأثر بالزوج أيضا، وبذلك تتحول الوليمة من شيء مبتذل وساقط إلى معنى نبيل وحاجة مشروعة ولو تمظهرت في أدنى مستويات الوعي الحسي ولاجتماعي.
داء العطب والرؤية الفجائعية
في الجلسة الثانية التي ترأسها مصطفى النحال (باحث ومترجم ـ المحمدية) تدخل الحبيب الدائم ربي ( أستاذ باحث وروائي ـ سيدي بنور) في موضوع (أسطرة التاريخ وتأصيل اللغة في تجربة إبراهيم درغوتي الروائية) حيث سعى إلى توصيف تجربة درغوتي الروائية، من خلال نصين هما "أسرار صاحب الستر" و "ماوراء السراب قليلا"، بالوقوف على السند التاريخي الذي يرفد المتون الحكائية لدى الكاتب وما يطاول هذا التاريخ من تغريب وأسطرة في تساوق مع بناء يتوسل بالمحكي التراثي ويعيد إنتاج لغة المصنفات العربية القديمة .. للخلوص إلى كون استيحاء التراث متنا ولغة ومبنى هي إحدى الرهانات التي يخوضها درغوتي في تشييد جل عوالمه الروائية التي تستعير أقنعة الماضي لفضح مفارقات الحاضر.
مهد الأستاذ محمد معتصم (ناقد أدبي ـ سلا ) لمداخلته حول سؤال المصير في هلوسات ترشيش لحسونة المصباحي بتحديد نظري للرؤية الفجائعية التي يرى أنها ظاهرة واصفة الرواية العربية المكتوبة في النصف الثاني من القرن الماضي التي تبأرت حول سؤالي أين نسير؟ وكيف سنصير؟ باعتبار الإجابة الموضوعية عنهما تفرض إجابات فجائعية. موضحا أن الواقع العربي الشارط لتلك الإجابات لم يكن يسمح بغيرها. وانطلاقا من هذه الحقيقة، قارب رواية هلوسات ترشيش التي يرى أنها اختارت لنفسها عالما متأزما مكتظاً بالآلام والأحزان، والحنين إلى الماضي الماثل في الذكريات. لتكتبُ من خلال ذلك الإحباط الذي يستشري في أوصال الذات العربية. وبعد تشريحه الدقيق لمختلف مظاهر الفجائعية في الرواية، خلص إلى كونها ، عن طريق تشخيصها المتميز للواقع، تتميز بخصوصياتها التي تؤهلها لأن تكون مؤشرا على الوعي بضرورة التنبه إلى الخلل، ومحاولة تجاوزه.
وتدخل جواد هروال ( أستاذ باحث ـ الجديدة) في موضوع (الزمن في رواية الخيال العلمي"غار الجن" للهادي ثابت نموذجا) منطلقا من فرضية أساسية وهي: تغير مفهوم الزمن في رواية الخيال العلمي، حيث طرح عدة إشكالات وتساؤلات: كيف تتداخل الأزمنة: الماضي والحاضر والمستقبل في "غار الجن"؟ ولماذا؟ وهل استطاعت "غار الجن" تأسيس مفهوم جديد للزمن الروائي؟ بعد ذلك قدم مقاربة للتحولات الزمنية متتبعا أبعادها الفنية في تجربة الهادي ثابت.
وفي سياق آخر مغاير قرأ لحسن احمامة (باحث ومترجم ـ الدار البيضاء) ورقة نقدية حول (تعالق الغرائبي بالمرجعي الواقعي في رواية وقائع المدينة الغريبة لعبد الجبار العش) مقاربا استكناه الأفق الدلالي الذي تستضمره الرواية ..وقد أفضت الدراسة في انطلاقتها من قراءة سيميائية للعنوان وصورة الغلاف، ومن قراءة نصية عبر حركة دائبة من الخارج إلى الداخل والعكس، إلى تفكيك الجانب الغرائبي في سياق علاقته بالمرجعي الواقعي، ومن ثمة الوقوف على هذا الأفق الدلالي بما هو دلالة مضمرة متمثلة في وأد الحريات بمختلف تمظهراتها. وإذا كانت الحرية مرتبطة بشكل قطعي بالفرد من الجوانب السوسيو ثقافية، فإن مداخلة احمامة قد استلزمت النظر إلى الشخصيات الروائية، من حيث هي بنيات نصية، من خلال تفاعلها مع الواقع التخييلي من جهة، ومن خلال مرجعياتها الواقعية خارج النص. وخلص الباحث إلى استنتاج ثلاثة مستويات من الشخصيات: شخصية صالح العوادجي الخاضعة لنظام، لا تدرك في منظومته قيمة الحرية إلا بعد أن تداهمها آفة الالتصاق بالأرض. شخصية شتل المدرك لخطورة السلطة على الفرد، يركب الصعلكة، ويعيش حريته كجسد له حريته الخاصة. شخصية الراوي، نذير الحالمي، المتماثل، القص، الذي يعرف كيف يوارب السلطة ويراوغها.
أما مداخلة عبد اللطيف محفوظ (ناقد وباحث جامعي) فكانت بعنوان "التناص وانسجام الخطاب في رواية المشرط لكمال الرياحي". وقد مهد الباحث بعرض أهم السمات التي تميز رواية المشرط، حيث أشار إلى خصوصيات اللغة وحيل فعل التحبيك المتميزة، وإلى تقنية الكولاج موضحا كيفية وخلفية توظيف الكاتب لها، ثم انتقل إلى تحديد مفهومه الخاص عن التناص من خلال إعادة تعريفه انطلاقا من خلفية سيميائية، منتهيا إلى اعتباره آلية لإدراك التعالقات الخفية والجلية التي تنظم مسارات المعنى وسياقته، وتحقق الانسجام الدلالي والتناسق الجمالي لمختلف فقرات ومقاطع السرد.. ثم انتهى إلى تقديم فرضيات للمعنى العام لأهم الرموز الموظفة في الرواية مركزا على المعنى المؤطر لرموز الهدهد والمخاط والمشرط ليخلص إلى ربط علاقات أيقونية خفية دلل عليها بصوة واضحة بين ذلك المعنى ومعنى الكتابة عن سيرة المؤخرة، التي اتخذها الكاتب كمال الرياحي ذريعة استعارية لتدعيم وتمرير المعنى.
المتخيل التونسي على ضفاف أم الربيع
انتقل الباحثون والروائيون لمواصلة الندوة في اليوم الثاني من أشغالها إلى مدينة الجديدة على ضفاف أم الربيع في ضيافة فرع اتحاد الكتاب بها حيث استقبلوا من طرف الساهرين على هذا اللقاء بالمدينة (الحبيب الدايم ربي ـ محمد مستقيم وموسى هروال) بقاعة عزيز أمين بالأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين. انطلقت الجلسة الثالثة برئاسة الحبيب الدايم ربي حيث تدخل عبد الرحمان غانمي (ناقد وباحث جامعي) بمداخلة له بعنوان : "تشظيات المرآة وتشكلات الجسد"، نصوص الروائي التونسي مصطفى الكيلاني وهي: (نزيف الظل، مرايا الساعات الأخيرة، ثم آخر الأجراس - بدء الخطر...) وقد ركز فيها الناقد على قيمة العتبات ودلالاتها ووظائفها السردية توزيعا وتكسيرا، وأيضا ما تطرحه هذه النصوص الروائية من "ظلال هاربة" على مستوى الحكايات ومختلف التشخيصات اللغوية والحوارية التي تعكس تلك التحولات العميقة، في البناءات على مستوى الشخوص والفضاءات، كل هذا يصب في نسق محوري، تعكسه "المرآة" وعلائقها بالجسد ونتوءات أخرى ذاتية وتاريخية ومجتمعية، تتوالد فيها صور التشظي والتشكل العنيف للأشياء والتصورات والأحداث.
المداخلة الموالية لمحمد مستقيم(أستاذ باحث ـ الجديدة) حول رواية بروموسبور لحسن بن عثمان أو رهان الكتابة والتي أدرجها الباحث ضمن الكتابة الروائية التخييلية التجريبية الحديثة بامتياز، حيث ترتفع الحواجز والحدود بين الواقع واللاواقع، بين الوعي واللاوعي ضمن رؤية سردية....ولغة ذات طابع احتجاجي ساخر. وقد بين الباحث تحكم المؤلف في شخوص الرواية كما يتحكم لاعب الورق في ما بين أصابعه حيث نتج عن التداخل والتفاعل بين الشخوص عوالم متخيلة جديدة ومتجددة بمثابة محكيات تتناسل كلما اقتربت من بعضها البعض. يقول عباس الشخصية الرئيسية في الرواية بأن الكاتب جعل من عقلية الرهان موضعا لروايته، وبالفعل فالرهان الرياضي هو اللعبة المفضلة لدى أبرز الشخصيات لكن هناك رهان آخر أو ميتا رهان يحكم هذا النص هو رهان الكتابة، رهان الممارسة الإبداعية. في كل رهان هناك خاسر، الخاسر في الرهان الرياضي هو اللاعب الذي يتوق كل مرة إلى الفوز والخاسر في رهان هذا النص هو القارئ، لكن أي قارئ؟ ، ذاك الذي تعود على النصوص المطمئنة والمحافظة على ثوابت الكتابة الكلاسيكية المطمئنة بدورها إلى الواقع. بروموسبور ـ كما يؤكد الباحث ـ هو نص يعصف بكل الثوابت التي يطمئن لها هذا النوع من القراء الذين يركنون إلى هذه الخدعة فيخسرون حتما رهانهم.
محمد الحولاني (أستاذ باحث ـ الجديدة ) قارب موضوع تخييل الحرب في رواية"وداعا حمورابي" لمسعودة أبو بكر من خلال تداول شخوص الرواية لصور الحرب الأمريكية الثانية على العراق. وهي صور انشغالات تعتمل في نفوس هذه الشخوص، وتدفعها إلى إظهار مواقف تجاه ما يجري .... فضلا عن أن المقاربة تناولت الآليات السردية التي تقترحها الكاتبة التونسية مسعودة أبو بكر.
وتناول موسى هروال تعدد الأصوات : الراوي الرواة في " حاجب المقام لظافر ناجي مؤكدا أن هذا النص الروائي يمتح من عوالم مختلفة ومتعددة تتمثل في الصوفي واليومي/ الواقعي والتاريخي من أجل تخييل راق يصبو بالقارئ إلى درجات السمو والارتفاع . وكون الراوي/ تعدد الرواة يوحي بالتشكيلات الاجتماعية ، وتعدد الأصوات في صوت واحد تأسيسا لعالم روائي جديد منفتح على أنماط لغوية وتوظيف للشخصيات من منظورات مختلفة.
المداخلة الأخيرة في هذه الجلسة الثالثة قرأ فيها أحمد بلاطي (باحث جامعي ـ الجديدة) ورقة بعنوان بنية المتخيل في "حدث أبو هريرة قال " لمحمود المسعدي مؤكدا أن الحديث عن المتخيل حديث خصب، خصوصا في رواية "حدث أبو هريرة قال " التي تميزت بطابعها الإشكالي؛ إذ أثارت أسئلة كثيرة لكن الاكتفاء بالقول إن الرواية استلهمت التراث العربي الإسلامي دون تفسير الكيفية التي تم بها ذلك أو شرحها يعتبر عملا ناقصا، ذلك ما حاولت هذه المداخلة تجاوزه من خلال الوقوف على كيفية بناء المسعدي لمتخيله.
الجلسة الرابعة والأخيرة والتي ترأسها نور الدين صدوق، بعد زوال يوم السبت افتتحها الشريشي لمعاشي (أستاذ باحث الدار البيضاء) وتناول رواية الكرنفال لمحمد الباردي في مداخلة بعنوان سرود بصيغة المفرد.حيث أشار فيها إلى أن هذه الرواية تحتفل بالمأساة واللامعنى..أما التيمات فقد شملت انتقاد الرقابة وصورة المرأة والجنون والهجرة وفلسطين.. والكثير من التفاصيل التي تؤثث المشهد الروائي ليخلص إلى أن شخصيات الرواية مأزومة ومهزومة، كما وقف عند إشكالية تجنس الرواية العربية برمتها وقضايا أخرى مرتبطة بالذات والذاكرة وطرائق الحكي وما تستحضره من مرجعيات وتقنيات سردية ، خصوصا صيغة ضمير المتكلم الظاهرة..والتي قد تكون مجرد صوت ضمن صيغ أخرى وبذلك فنحن أمام ضمير أنا منفلتة . وختم الباحث مداخلته بعدد من الملاحظات المتعلقة بالشكل الفني لرواية الكرنفال والإضافات الجديدة.
شعيب حليفي (ناقد وباحث جامعي ـ الدار البيضاء) في ورقة نقدية عنوانها سرود النسيان: في سبع صبايا لصلاح الدين بوجاه ، قدم مدخلا أوليا لطبيعة القراءة مع رواية سبع صبايا لينتقل إلى تحديدات تهم علاقة الرواية بسرد المنسي من الحياة والتقاطه ليتحول إلى لغة وتذكرات لها قدرة على خلق مساحاتها وامتداداتها ولو على مستوى المتخيل. بعد ذلك انتقل الباحث إلى البحث في المعطيات السابقة من خلال محورين اثنين هما اللغة والحكاية وعلاقتهما بإنتاج التخييل من سرود منسية ..شفوية وشعبية ليخلص إلى وجود عدد من المحركات(سبعة) في الرواية ترد وتتراكب بشكل توالدي تكراري ضمن دينامية عامة للحكي والتي رسمت للرواية افقها الإمتاعي والمعرفي - الرمزي. وختم شعيب مداخلته بالتساؤل التالي: كيف يمكن للرواية ، اليوم، أن تكون أداة للفهم ومراجعة الكثير من المفاهيم و التحققات التي ترتبت عما قررته أشكال تعبيرية كانت سائدة من قبل؟
ثم عرض محمد اللباط ( باحث جامعي ـ الجديدة) لمداخلته بعنوان أبعاد التخييل في التجربة الروائية لعبد الواحد براهم من خلال روايته (بحر هادئ سماء زرقاء) حيث قارب الباحث بناء المتخيل وأبعاد التخييل عبر عناصر بنائية تتعلق بلغة الرواية والمادة الحكائية. كما سعى الباحث في ورقته إلى ملامسة البعد الإنساني للرواية في انطلاقها من وقائع سياسية من تاريخ تونس في لحظة تاريخية محددة.وحلل الباحث كيفيات استثمار كل هذا من طرف الروائي..وختم اللباط بعرض مجموعة من الاستنتاجات الفنية التي تميز العالم الروائي لعبد الواحد براهم.
ورقة يوسف مجيدي (باحث ـ الجديدة) "الموت و البحر والجرذ" لفرج الحوار: نص يحكي سيرته.. وهي نص مسائل، يشتغل بوعي على ذاته وعلى جسده و على لغته... نص يحكي عن تكونه و تخلقه... ولما كان يتخذ من نفسه موضوعا، وقد أسس لهذه المداخلة بالسؤال: ما هو مفهوم الكتابة كما يتجسد في النص ومن خلال عتباته؟ وعنه تتفرع أسئلة جزئية تتصل باللغة والكاتب وعلاقة الكاتب بالنص وعلاقة النص بالقارئ.. و مرجعيات النص و مساراته كما تبدت للباحث من خلال تفاعله مع الرواية بعيدا عن كل نزعة اختزالية أو وثوقية ودون إغفال لطبيعة النص التخييلية..
واختتم مداخلات هذا اللقاء صلاح الدين بوجاه (روائي وباحث جامعي ـ تونس) والذي شارك الباحثين المغاربة بورقة نقدية بعنوان (المشرط .. هذا النص المحير الآسر) محللا الرواية انطلاقا من تجربة تتبع فيها النص مفككا مفاصله من خلال بعض المفاهيم والمرجعيات والقراءات، مشيرا إلى حضور البعد السريالي العبثي في الرواية.
وفي ختام هذا اللقاء تحدث شعيب حليفي عن آفاق التعاون المستمر والذي يؤكده نجاح الندوة والخلاصات التي توصلت إليها بشأن الرواية التونسية وعناصر التجديد فيها كما وقف عليها الباحثون ..كما أكد على ضرورة استثمار كل هذا في التعاون مع اتحاد الكتاب التونسيين ومركز الرواية العربية وجامعات صفاقس ومنوبة والقيروان في إطار مشروع متبادل حول الأدبين المغربي والتونسي.. وأشار أن أشغال هذه الندوة ستصدر قريبا في مؤلف بكل من المغرب وتونس.