ظاهرة فلسطينية: سؤال ومشهد ورسالة
رسالة فليسطين الثقافية
سؤال: هل نقوى على التأريخ الشفوي لأحداث غزة، 2006-2007؟ وهل نستطيع تسجيل حكايا الاقتتال الدامي بين إخوة السلاح؟ سؤال صفعني، حين وجَّهَته إليَّ الباحثة سناء وادي، في ردها على رسائلي الإليكترونية، المتعلقة بترتيب ندوة في عمان، حول إشهار الكتابين الذين يتناولان بالتوثيق، نضال المرأة الفلسطينية السياسي، فترة الثلاثينيات، والأربعينيات، من إصدار مركز المرأة الفلسطينية للتوثيق/ اليونيسكو. تساءلت سناء: "هل نملك الجرأة على اقتحام حكايا الثمانينيات والتسعينيات؟"، الأمر الذي جعلني أفتح السؤال على السؤال، وأجيبها: إذا كنا نتساءل عن قدرتنا على اقتحام أحداث الثمانينيات والتسعينيات، فماذا عن أحداث الاقتتال الدامي في الأشهر الماضية؟ هل نقوى على اقتحامها؟ وإذا استجبنا لنداء العِلم والضمير، فهل ثمة تعارض بين هذه الاستجابة، وتعليمات القيادة الفلسطينية، حول ضرورة التصافي، والتآخي، وتحقيق الوحدة الوطنية؟ مشهد: في مشهد مؤثر دال، عبَّر أطفال البرلمان الصغير، في مدينة غزة، عن رفضهم للاقتتال الداخلي، من خلال تنظيم مسيرة حاشدة، طافت شوارع غزة. خلع الأطفال قمصانهم، ولوَّنوا أجسادهم بلون الدم، وحملوا لافتات كتب عليها: لا للاقتتال الداخلي، نعم للوحدة الوطنية. ثم جمعوا أسلحتهم البلاستيكية وحرقوها. رسالة: "كفى هدرا للوقت، وكفى إراقة للدم، وكفى شعارات، إننا نطالب باسم دماء الشهداء، بوقفة وطنية جادة من الجميع، لوقف طاحونة الموت التي تقتلنا جميعاً، ودعوتنا للجميع دون استثناء، أن يتوجهوا لمائدة الحوار؛ لأن ما يجمعنا أكبر مما يفرقنا، وإذا كان هدفنا فلسطين، فإنها بيت الجميع، والطريق إليها يمر عبر الوحدة والتلاحم والاتحاد وإفشال الفتنة، وإلاّ، فإننا لن نرحم أو نسامح كل من يحرف بوصلتنا عن طريقها، وبوصلة الاقتتال عنوانها الفتنة، ومجرم من يثيرها أو يغذِّيها، أو يصمت عنها". الأسيرة قاهرة السعدي/ سجن تلموند للنساء- 28 كانون الثاني 2007 هزَّني السؤال من الأعماق، وأدماني المشهد، وأبكتني الرسالة. نعم أيتها المناضلة الأسيرة في سجون الاحتلال: ليس المجرم هو من يثير الفتنة أو يغذيها فحسب؛ بل المجرم هو أيضاً من يصمت عن الحقيقة. استذكرت المحاضرات ودورات التدريب، التي شاركت فيها، حول التأريخ الشفوي، والتي تناولنا فيها أهمية تسجيل الأحداث طازجة، في نفوس شهود العيان، مع الأساتذة: د. عادل يحيى مدير المؤسسة الفلسطينية للتبادل الثقافي، ود. رياض شاهين، مدير مركز التاريخ الشفوي، في الجامعة الإسلامية في غزة. أيها المؤرخون، وأيها الأكاديميون، ويا من تعملون في حقل التاريخ الشفوي: هل نجرؤ على اقتحام حكايا أحداث الأشهر الماضية المؤسفة؟ هل نجرؤ على توثيقها، إكراماً لعائلات الضحايا من الشهداء والجرحى والمعوقين؟ هل نجرؤ على تسجيل الروايات، على ألسنة شهود العيان، كي يتسنى للمؤرخين أن يدرسوها، وفق منهج التاريخ الشفوي، الذي يحلل ويقارن بين الروايات، ويصل إلى ما يقارب الحقيقة؟ ويكون عوناً لدولة المؤسسات، وبالذات للقضاء الفلسطيني، الذي يهدف إلى تحقيق العدالة، وإعادة الهيبة إلى حكم القانون. هل ننتصر لأمانتنا العلمية، ونسجل معاناة عائلات الضحايا، وشهادة شهود العيان، حتى يدرك كل من تسوِّل له نفسه رفع السلاح في وجه أخيه؛ أن للذاكرة تأثيراً أقوى من تأثير الرصاص والبنادق، وأكثر فتكاً من كل صواريخ الآربي جي. إلى رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية: إذا كان من الممكن تحديد الخسائر التي لحقت بالممتلكات الخاصة والعامة، ووضع الآليات المناسبة لحصر تلك الحالات ومعالجتها؛ وإذا كان ممكناً حصر خسائر الأرواح؛ فما هي الآليات المناسبة لدراستها ومعالجتها؟! أين بند المساءلة وحكم القضاء؟! إلى "فتح" و"حماس": شاهدنا الرايات الصفراء والخضراء، في احتفالكما بالمصالحة، أين الراية الخضراء الحمراء البيضاء السوداء؟ أين العلم الفلسطيني؟! faihaab@gmail.com
سؤال: هل نقوى على التأريخ الشفوي لأحداث غزة، 2006-2007؟ وهل نستطيع تسجيل حكايا الاقتتال الدامي بين إخوة السلاح؟ سؤال صفعني، حين وجَّهَته إليَّ الباحثة سناء وادي، في ردها على رسائلي الإليكترونية، المتعلقة بترتيب ندوة في عمان، حول إشهار الكتابين الذين يتناولان بالتوثيق، نضال المرأة الفلسطينية السياسي، فترة الثلاثينيات، والأربعينيات، من إصدار مركز المرأة الفلسطينية للتوثيق/ اليونيسكو. تساءلت سناء: "هل نملك الجرأة على اقتحام حكايا الثمانينيات والتسعينيات؟"، الأمر الذي جعلني أفتح السؤال على السؤال، وأجيبها: إذا كنا نتساءل عن قدرتنا على اقتحام أحداث الثمانينيات والتسعينيات، فماذا عن أحداث الاقتتال الدامي في الأشهر الماضية؟ هل نقوى على اقتحامها؟
وإذا استجبنا لنداء العِلم والضمير، فهل ثمة تعارض بين هذه الاستجابة، وتعليمات القيادة الفلسطينية، حول ضرورة التصافي، والتآخي، وتحقيق الوحدة الوطنية؟
مشهد: في مشهد مؤثر دال، عبَّر أطفال البرلمان الصغير، في مدينة غزة، عن رفضهم للاقتتال الداخلي، من خلال تنظيم مسيرة حاشدة، طافت شوارع غزة. خلع الأطفال قمصانهم، ولوَّنوا أجسادهم بلون الدم، وحملوا لافتات كتب عليها: لا للاقتتال الداخلي، نعم للوحدة الوطنية. ثم جمعوا أسلحتهم البلاستيكية وحرقوها.
رسالة: "كفى هدرا للوقت، وكفى إراقة للدم، وكفى شعارات، إننا نطالب باسم دماء الشهداء، بوقفة وطنية جادة من الجميع، لوقف طاحونة الموت التي تقتلنا جميعاً، ودعوتنا للجميع دون استثناء، أن يتوجهوا لمائدة الحوار؛ لأن ما يجمعنا أكبر مما يفرقنا، وإذا كان هدفنا فلسطين، فإنها بيت الجميع، والطريق إليها يمر عبر الوحدة والتلاحم والاتحاد وإفشال الفتنة، وإلاّ، فإننا لن نرحم أو نسامح كل من يحرف بوصلتنا عن طريقها، وبوصلة الاقتتال عنوانها الفتنة، ومجرم من يثيرها أو يغذِّيها، أو يصمت عنها". الأسيرة قاهرة السعدي/ سجن تلموند للنساء- 28 كانون الثاني 2007 هزَّني السؤال من الأعماق، وأدماني المشهد، وأبكتني الرسالة. نعم أيتها المناضلة الأسيرة في سجون الاحتلال: ليس المجرم هو من يثير الفتنة أو يغذيها فحسب؛ بل المجرم هو أيضاً من يصمت عن الحقيقة. استذكرت المحاضرات ودورات التدريب، التي شاركت فيها، حول التأريخ الشفوي، والتي تناولنا فيها أهمية تسجيل الأحداث طازجة، في نفوس شهود العيان، مع الأساتذة: د. عادل يحيى مدير المؤسسة الفلسطينية للتبادل الثقافي، ود. رياض شاهين، مدير مركز التاريخ الشفوي، في الجامعة الإسلامية في غزة.
أيها المؤرخون، وأيها الأكاديميون، ويا من تعملون في حقل التاريخ الشفوي: هل نجرؤ على اقتحام حكايا أحداث الأشهر الماضية المؤسفة؟ هل نجرؤ على توثيقها، إكراماً لعائلات الضحايا من الشهداء والجرحى والمعوقين؟ هل نجرؤ على تسجيل الروايات، على ألسنة شهود العيان، كي يتسنى للمؤرخين أن يدرسوها، وفق منهج التاريخ الشفوي، الذي يحلل ويقارن بين الروايات، ويصل إلى ما يقارب الحقيقة؟ ويكون عوناً لدولة المؤسسات، وبالذات للقضاء الفلسطيني، الذي يهدف إلى تحقيق العدالة، وإعادة الهيبة إلى حكم القانون.
هل ننتصر لأمانتنا العلمية، ونسجل معاناة عائلات الضحايا، وشهادة شهود العيان، حتى يدرك كل من تسوِّل له نفسه رفع السلاح في وجه أخيه؛ أن للذاكرة تأثيراً أقوى من تأثير الرصاص والبنادق، وأكثر فتكاً من كل صواريخ الآربي جي.
إلى رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية: إذا كان من الممكن تحديد الخسائر التي لحقت بالممتلكات الخاصة والعامة، ووضع الآليات المناسبة لحصر تلك الحالات ومعالجتها؛ وإذا كان ممكناً حصر خسائر الأرواح؛ فما هي الآليات المناسبة لدراستها ومعالجتها؟! أين بند المساءلة وحكم القضاء؟!
إلى "فتح" و"حماس": شاهدنا الرايات الصفراء والخضراء، في احتفالكما بالمصالحة، أين الراية الخضراء الحمراء البيضاء السوداء؟ أين العلم الفلسطيني؟!
faihaab@gmail.com