هنا شاعر سوري من حماة المناضلة، يطل من نافدة الشعر على الحياة ويترقبها ويملك مفتاحا أغلق به باب نفسه إليه. شاعر في زحمة هذا التيهان والانكسار يبحث عن كوة جحيم على الأرض.

قصيدتان

مفيد نبزو

النافذة
تطلُّ على الشمس والمطر..
أراقب من خلالها الضوء
والمطر والغبار.
أفتحها لأبدِّل هواء الغرفة..
كي أستنشق هواء جديداً..
وأحياناً أسمع من خلالها الضجيج فأغلقها..
لعنة الصمت على نوافذ الضوضاء..
أحياناً أسمع أصوات العصافير على أشجار جيراننا، فأتركها مفتوحة.
غريبة العقول التي بلا نافذة..
مَنْ وضع على الأفكار الجميلة هذه الستارة؟

نافذتي أكانت مربعة أو مستطيلة لا يهم ذلك..
الذي يهم أنها لوحة بسيطة لا تعقيد فيها..
منذ سنتين ونيف لم أعد أسمع صوت العصافير
أبداً، فأغلقتها.
منذ سنتين زارها الثلج،
ولما لم يستطع معانقتها
ذاب من القهر، وتغلغل
في شرايين الأرض بين الصخور..
كم هو ذكي ذاك الذي اخترع النافذة؟!
ماأجمل حديث النوافذ بين عاشقين!
ما أجمل نقرات المطر على
النوافذ!
نافذة القفص باب مفتوح للحرية..
نافذة الفكر باب مفتوح للعالم..
كل حضارات الأرض نافذتها الشرق..
ولكن الشرق بلا نافذة..
البيوت التي ما أزال أسأل عن نوافذها تعرضت للسقوط بدون أعاصير ولا زلازل..
لأن القرار النافذ يدخل من كل النوافذ..
حتى من النوافذ المغلقة بإحكام..
لا أريد أن يكون لي سقف في هذا العالم..
كل ما أريده أن يكون لي نافذة فقط.
نافذة فقط ولو كانت في غياهب
القبور كي لا أختنق وأموت.
الموت نافذة الحياة.
الأنترنت نافذة العالم
الثقافة نافذة المعرفة.
العقل نافذة الخوف.
الأطفال نافذة الفرح.
والشعر نافذة الجحيم على هذه الكرة الأرضية.

 

المفتاح
كان له أسنان..
ولكنه لايجوع ولا يأكل..
كنت حريصاً عليه..
فهو الوحيد الذي يفتح الخزانة الحديدية التي ورثتها من جدي ..
كان قديماً ، وصغيراً،
و لسانه قصيراً..
كان يفتح لي الخزانة الحديدية، أخبئ فيها أشعاري القديمة، وبعض الوثائق والمستندات، والأوراق التي تؤرخ لمرحلة بائدة.
ويوجد أيضاً جواز سفري،
وهويتي، وحسن السلوك،
وأشياء أخرى ماله قيمة
أشياء قديمة لا تباع في
سوق التحف ولا الانتيكات
كان المفتاح يرافقني دائماً
وكان له ميدالية علقته
وأشعر كأنني أغلقت باباً من أبواب نفسي.
سألت إن كان أحد له مفتاح،
فقيل لي: لكل إنسان مفتاح،
قلت : هل يوجد أحد له صداقة مع مفتاح مثلي؟

قيل لي : في الطعام :مفتاح البطن لقمة.
وفي الحروب صمدت المدينة وقاومت ودفعت بالعديد من الضحايا دون أن تسِّلم
مفتاحها.
سألني أحد الأغبياء متى تكتب القصيدة؟
جاوبته تكتبني القصيدة عندما يستعصي المفتاح في غال (قفل) رأسي، ما مفتاح البحر؟ جاوبته قل الزورق الباخرة السفينة المركب مفتاح كل البحور.

أرجوكم أن تساعدوني
وتتذكروها معي..
كل ما يهمني صدقاً
أن مفتاحي ضاع في زحمة
المفاتيح الجديدة.

شاعر سوري..