ما بين الحلم واليقظة يشكل قصتي القاص المغربي ويكسبهما دلالات متعددة ويتبدى فيهما المجاز حدثا ترتكز عليه الكتابة وتتطور من خلاله.

قصتان قصيرتان جدا

ميلود بنباقي

مطر بــــــارد

رجل في الهزيع الأخير من العمر... يبحث عن حلم الليلة الماضية.

فوق سرير يتأهب للرحيل، يجد بقايا سجائر رخيصة، ومناشف ورقية مبللة، وحروفا ذاوية أسقطتها الريح من جريدة بائتة.

يسترجع ما رأى في ذاك الحلم... رجل كانه... يسبح في غيمة دخان، يمسح عرقا لجوجا يعبث بتجاعيد وجهه، وبين أصابعه جريدة مطوية.

÷÷÷÷÷÷÷÷

يمضي النهار سريعا وفي الليل يقرأ الجريدة، يدخن سجائره الرخيصة، يمسح عرقا لجوجا وينام على سريره الموحش... وفي منتصف النوم يحلم نفس الحلم.

يستيقظ متأخرا على غير العادة. يجد كل شيء في مكانه... بقايا السجائر والحروف الذاوية والمناشف الورقية وذاكرة تحمل بقايا حلم... لكنه لا يجد نفسه.

÷÷÷÷÷÷÷÷

في الليلة الموالية يبحث عنه الجيران. يرن جرس الهاتف في الغرفة، وتتوالى الدقات السريعة على الباب.... حلم متعب يطل من ثقب القفل في الباب. لا يرى أحدا. يسدل جفونه ويعود ليكمل نومه.

÷÷÷÷÷÷÷÷

لأيام طويلة، ظلت السجائر في علبتها والجريدة مطوية على طاولة النوم والمناشف الورقية محشوة بانتظام في صندوق خشبي صغير... ولأيام طويلة، هطل مطر بارد على المدينة، فغسل وجهها وظلت قطراته تعبث بتجاعيد ذلك الوجه.

 

الهروب إلى القمر

قمر يتدلى من شجرة سنديان...

قمر خامل يجاهد الأرق وفتور الحواس. قمر يغالب النسيان...

تحته طيور وجلة تراقب صمته وبطء خطواته الرتيبة.

÷÷÷

رجل يخفي جثته في السرير متظاهرا بالنوم... جنبه شبح يتربص به.

÷÷÷

تنتفض شجرة السنديان بعد سنين طويلة من الدعة والهدوء والاستسلام... فيسقط القمر عند قدميها، صريعا مخضبا بضوئه الباهت ويتدحرج  مهزوما إلى سفح الجبل.

÷÷÷

امرأة غضبى تهز الرجل المتظاهر بالنوم... يجفل من مرقده، يلملم نعاسه ويهرب من البيت. يهيم في الدروب المعتمة قبل أن يستوقفه مشهد القمر في السماء وهو يحمل على كتفيه رجلا هرب للتو من بيته.... يضحك ملء جفنيه ويهرب من المدينة ومن نفسه.