هذه دراسة عن مفهوم الرواية السياسية والتخييل السياسي، تتوقف عن عدد من نماذجها العربية المعاصرة وعلاجها للراهن بطريقة مباشرة أو رمزية لتصوير غياب الديمقراطية وانعدام حقوق الإنسان.

الرواية السياسية والتخييل السياسي

جميل حمداوي

مفهوم الرواية السياسية: نعني بالرواية السياسية Roman politique تلك الرواية التي تنصب على مناقشة الأفكار السياسية وبرامج الأحزاب النظرية والعملية، وتحديد تصورات المذاهب السياسيةK وتبيان مواطن اختلافها وتشابهها، مع رصد جدلية الصراع بين الحاكم والمحكوم والعامل مع أرباب وسائل الإنتاج، واستجلاء الفكر النقابي والنضال السياسي وما يستتبعهما من اعتقال وقمع وقهر وحبس للمواطنين والمناضلين في الزنازن وسجون التعذيب والتطهير. كما تقوم الرواية السياسية باعتبارها نزعة روائية "على أطروحة الدعوة إلى أفكار سياسية معينة وتفنيد غيرها مما يفسح المجال أكثر لحوارات تتخذ شكل مجادلات سياسية على حساب التقليل من أهمية العناصر السردية الأخرى. وتنزع هذه الرواية ذات المنحى السياسي نحو نوع من الواقعية القرارية، ولاتتميز عن غيرها من الروايات إلا بتأكيدها على الحدث السياسي. (1) كما أن الرواية التي "يتمكن كاتبها من تقديم رؤيته السياسية كقضية من قضايا الواقع السياسي من خلال معالجة فنية جيدة هي رواية سياسية." (2) هذا، وتركز الرواية السياسية غالبا على القضايا السياسية المحلية والوطنية والقطرية والقومية لمعالجتها ضمن توجهات مختلفة ومحاور متعددة، مستوعبة المراحل المتنوعة التي مرت بها القضية، مع وقفات عند أحداث معينة لها خصوصيتها المتميزة. كما تنبني هذه الرواية على تبئيرالسلطة والحكم مصورة الاستبداد ومصادرة حقوق الإنسان والزج بالمعتقلين السياسيين في سجون الظلم والقهر. وبذلك يتم التأشير على الخطاب السياسي والعقيدة الإيديولوجية والرؤية السياسية إلى العالم وعلاقة الإنسان بالسلطة ومنظوره إلى واقعه الضيق أو الواسع.
ومن النقاد الذين عرفوا الرواية السياسية نجد جوزف بلونتر Blotner في كتابه الرواية السياسية The Political Novel الذي نشر سنة 1955م، والناقد الأمريكي إيرفنج هاو Irving Howe في كتابه: السياسة والرواية Politics and the Novel الذي صدر سنة 1957م.

ينطلق بلوتنرBlotner في تعريفاته للرواية السياسية من رؤيته للمجتمع الغربي فيقول: "إذا حصرنا الرواية السياسية في نشاط بعض المؤسسات كالكونرس أو البرلمان، فهذا يعني أن نراعي بذلك الطابق العلوي للبناء السياسي، ونتجاهل الطابق الرئيسي والقاعدة التي تسانده".(3) وهذه القاعدة التي ينبغي أن تخوض الصراع السياسي هي طبقات المجتمع، خاصة الطبقة العاملة التي ينبغي أن تضطلع "بأدوار سياسية أو تتحرك في وسط سياسي". (4) ونظرا لديمقراطية المجتمع الغربي، يرفض جوزيف بلوتنر الروايات السياسية التي توظف الأقنعة التراثية والمجازية والتاريخية للتعبير عن القضايا السياسية ، بل يفضل الرواية التي تقدم الخطاب السياسي مباشرة. وهكذا يبعد بلوتنر الروايات التي تعالج القضايا السياسية بشكل مجازي أو رمزي، ويرى: "أن الرواية السياسية هي كتاب يصف مباشرة ويفسر ويحلل ظاهرة سياسية".(5)

بيد أن هذا الرأي لايمكن استحسانه في عالمنا العربي الذي مازال لم يتخلص بعد من أنظمة القهر والاستبداد والعنف العسكري وطغيان جهاز المخابرات وانعدام حقوق الإنسان. فلابد من اللجوء إلى استعمال الرموز والأقنعة والعودة إلى التراث أو اتخاذ التاريخ ذريعة للتعريض والنقد. وهذا الاستخدام الرمزي لما هو سياسي موجود اليوم حتى عند كتاب الولايات المتحدة الأمريكية التي صارت تحارب الديمقراطية والعدالة وتسكت كل من يقف في وجه الحق وينادي بالمشروعية الدولية، كما تفرض ضغوطاتها على وسائل الإعلام، وتقتل الصحفيين في كل بقاع العالم، مناصري الشعوب الضعيفة والمغلوبة على نفسها كما حدث مع العراق، ويحدث دائما مع الشعب الفلسطيني والأفغاني. ويرى جوزف بلوتنر أن "هناك أهمية لموضوعات بعينها في الرواية السياسية مثل: الحروب ـ التي يعتبرها امتدادا للسياسة ـ والأعمال المحرضة على الفتنة، وسياسات المجالس النيابية، والموضوعات المتعلقة بالانتخابات...". (6) ولابد لكاتب الرواية السياسية أن يكون معايشا للأحداث، ذا رؤية واقعية محنكة بالتجارب والأحداث السياسية، وأن يكون متصلا "بالأدوار التي تلعبها الشخصيات، وأن يكون معهم على نفس خطوطهم في الحديث، وغاياتهم التي يهدفون إليها، وإستراتيجيتهم التي يستخدمونها". (7)

أما إيرفنج هاو Irving Howe فيعرف الرواية السياسية بأنها تلك:"الرواية التي تلعب فيها الأفكار السياسية الدور الغالب أو التحكميّ، بيد أن توضيح كيفية التحكم تبدو ضرورية؛ لأن كلمة تحكمي تحتاج إلى تحديد، وربما كان من الأفضل القول بأنها الرواية التي نتحدث عنها لنظهر غلبة أفكار سياسية أو وسط سياسي. إنها رواية تظهر هذا الافتراض دون صعوبة أو تحريف." (8) ويضيف إيرفنج هاو بعض المواضيع التي تتناولها الرواية السياسية إلى جانب ما قاله بلوتنر من حروب وفتن سياسية ومجالس نيابية وانتخابات، وهذه المواضيع هي الأفكار السياسية أو البرامج السياسية والأحزاب السياسية أو ما يسمى أيضا بالأوساط السياسية.

وإذا كانت الرواية مجموعة من التقنيات والأدوات الفنية والجمالية تساهم في إثراء التعبير الإنساني عن الأفكار والمشاعر وتجارب الواقع والذات، فإن مصطلح السياسة يعني عند دافيد إستون" مجموعة من التفاعلات التي من خلالها تتوزع السلطة، وتتخذ القرارات الأساسية في أي مجتمع من المجتمعات ... وهو بذلك يعد مجموعة من الأدوار السياسية التي يقوم بها الفاعلون في إطار بناء سياسي يحدد العلاقات بين الحكام والمحكومين. وبذا تبدو السياسة ـ باعتبارها نسقا اجتماعيا ـ عملية معقدة، تقوم على تصورات نظرية أكثر شمولا واتساعا من الفهم التقليدي لها، كما أنها لم تعد تهتم بقضية بعينها، وإنما اتسع إهابها ليتناول كل مكونات النسق السياسي مثلك أسلوب الحكم، وطريقة تشكيل الحكومة، وصنع القرار السياسي وكيفية تنفيذه، وموقف الهيئة الحاكمة من القوى المعارضة ... الخ. أما على مستوى الممارسة العملية، فتبدو السياسة عملية أكثر تعقيدا وشمولا؛ لأن حياة الفرد داخل نسق اجتماعي أصبحت حياة "مسيسة" على كافة المستويات، بل إن بعض المجالات التي قد تبدو ـ في الظاهر ـ بعيدة عن دائرة البناء السياسي، هي في حقيقة الأمر خاضعة لقرار سياسي مثل: أسلوب توزيع الثروة الاقتصادية، ونظام التعليم، وحركة القوى العاملة، وقوانين الإسكان ... الخ، بحيث يمكن القول: إن السياسة تتدخل في كل أمور الحياة المعاصرة ... وهكذا تبدو السياسة باعتبارها نسقا اجتماعيا ذات هيمنة شاملة على كل أنساق الحياة المختلفة. ونتيجة لذلك فإن الأدب حين يعكس رؤية تقدمية للواقع فإنه يعد ممارسة سياسية بمعنى من المعاني. ولاريب أن الأدب الجيد ملتزم بالضرورة والالتزام يقوده ـ تبعا لذلك ـ إلى صف المعارضة". (9)

مرتكزات الرواية السياسية:
لقد أصبحت السياسة محورا فكريا في الرواية المعاصرة ، مهما تنوعت مواضيعها، وتعددت أبعادها الاجتماعية والواقعية، وجنحت إلى الحداثة الشكلية والتنويع الفني. فإن الرواية تعبر عن الأطروحة السياسية إما بطريقة مباشرة وإما بطريقة غير مباشرة. لذلك نقول: إن السياسة حاضرة في كل الخطابات والفنون والأجناس الأدبية. وتتمظهر بجلاء ووضوح في فن الرواية التي تعكس نثرية الواقع، وصراع الذات مع الموضوع، والصراع الطبقي والسياسي، والتفاوت الاجتماعي، وتناحر العقائد والإيديولوجيات، والتركيز على الرهان السياسي من خلال نقد الواقع السائد، واستشراف الممكن السياسي. وتستند الرواية السياسية أيضا إلى بلاغة الإقناع والدعاية والتحريض والالتزام وتبليغ الأطروحة المقصودة بشتى الوسائل. لأن الغاية تبررها وتعضدها. كما تنبني على بلاغة التكرار لتحريك الشعور السياسي والإيهام الثقافي. وتلتجئ هذه الرواية إلى السرد التفصيلي، والحوار التسجيلي، والمنحى الواقعي لتسجيل المعطى وتهويله وتصويره سلبا أو إيجابا. وتشحن الرواية ذات الأطروحة السياسية بتعاليم تنزع إلى توضيح حقيقة عقائدية وسياسية، وتصبح هذه التعاليم العقائدية السياسية بؤرة تعكس مفهوم الأطروحة في الرواية.

ويضطر الروائي في هذا النوع من الروايات إلى اختلاق شخصيات متصارعة وتهيئة برامج سردية ذات مواقف متطاحنة خدمة منه للأفكار والولاءات السياسية آو الإيديولوجية للقارئ. وتتأرجح الرواية السياسية بين الجانب الروائي والجانب الأطروحي. وتزدهر هذه الرواية "من خلال ارتباطها بسياق تاريخي وطني مليء بالصراعات الإيديولوجية التي تلزم كل روائي بالخوض فيها ... ويظهر من خلال كل هذا ارتباط رواية الأطروحة السياسية بوظائف تلقينية وعقائدية ومنولوجية. وهي وظائف تمتلك سلطة إنتاج الأمر والتلقين والمعرفة نازعة باستمرار نحو أحادية المعنى في معاكسة لتفجر النص في الرواية المعاصرة". (10)

ببليوغرافيا الرواية السياسية:
لقد اهتم كثير من الباحثين والدارسين في الغرب والشرق بالرواية السياسية تنظيرا وتطبيقا ومن بينهم:

سيـاق الرواية السياسية وحيثياتها:
أ ـ الرواية السياسية في الغرب:
ظهرت الرواية السياسية في الغرب نتيجة للصراعات الإيديولوجية والأهواء السياسية المتطاحنة. وكان الصراع السياسي حادا بين الرأسمالية والواقعية الاشتراكية. كما تغنت هذه الرواية بموقع الإنسان الغربي ومصيره في ظل أنظمة الحكم الغربية المعاصرة حتى إن السوسيولوجي لوسيان ولدمان يعرف الرواية الغربية بأنها بحث البطل الإشكالي عن القيم الأصلية في مجتمع متدهور يتسم بالتشييء والاستلاب والاغتراب وضياع الإنسان وهيمنة القيم الكمية ومعايير السوق والتبادل السلعي والإنتاجي. بينما يرى جورج لوكـاش أن الرواية لم تظهر في الغرب إلا لتفرز تناقضات المجتمع البورجوازي وتصوير صراعه ضد الطبقات الاجتماعية المعارضة الأخرى. ومن أهم الروايات السياسية الغربية نجد (الأم) لماـسيم وركي، و(الدون الهادئ) لشولوخوف التي تمجد صراع ونضال الطبقة العاملة والفلاحية لبناء الاشتراكية، و(الجريمة والعقاب) لدوستفسكي التي تدين الواقع السائد الطافح بالتناقضات (الفقر ـ البؤس ـ الربا أ الاستغلال ...). وعرفت فترة العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين ـ بعد نجاح الاشتراكية والقضاء على النظام الإقطاعي ـ روايات تدافع عن النظام الجديد وتلتزم بتصوير إيجابياته على الرغم من وجود روايات معارضة لهذا النظام الذي استهدف اضطهاد المثقفين وقمعهم. وسار على غرار شولوخوف ألكسي تولوستوي بروايته (دروب الآلام)، كتب الجزء الأول سنة 1921، بينما كتب الجزء الثاني في سنة 1941. ومن كتاب الرواية السياسية الآخرين نذكر: مواسـان وإرنست هيمنواي في روايته الرائعة (لمن تقرع الأجراس؟)، ومالرو، ورومان رولان، وجاك لندن. وقد واكب الأدباء الغربيون كل الهزات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المختلفة داخل النظام الرأسمالي، وهناك من الكتاب السياسيين من شارك في النضال المستميت جسديا وسياسيا مثل:مالــرو وهيمنــواي آملين في تغيير فردي وجماعي.

ب ـ الرواية السياسية العربية:
لم تظهر الرواية العربية السياسية حسب حسين مروة إلا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية "مع انطلاق حركة القرار الوطني وانحسار المد الاستعماري التدريجي" (12) وقد رصدت الرواية السياسية العربية عدة قضايا وظواهر مجتمعية وسياسية كواقع الاستعمار والاستقلال والفترة السياسية ما بعد الاستقلال والصراع الإيديولوجي والحزبي والحروب العسكرية والسياسية (حرب أكتوبر، والحرب اللبنانية...)، والنكبات والهزائم (نكبة 1948، والعدوان الثلاثي على مصر، وهزيمة 1967)، والصراعات القومية (الصراع العربي/ الإسرائيلي)، والثورات المناصرة والمضادة، ناهيك عن موضوعات أخرى كمصادرة حقوق الإنسان العربي ورصد ظاهرة السجن العربي أو المعتقل السياسي واستبداد السلطة وانعدام الديمقراطية وعدم مشروعية الانتخابات بسبب التزوير والتزييف وموالاة الأحزاب السياسية اليمينية للسلطة وموالاة الأحزاب اليسارية للمصادر الأجنبية.

و يقول صالح سليمان عبد العظيم بأن اهتمام الرواية العربية بالسياسة انعكس على " طبيعة القضايا التي تناولتها، حيث اهتمت بالعديد من القضايا السياسية مثل: العدالة الاجتماعية، وحرب أكتوبر، والحرب اللبنانية، وأساليب القهر السياسي، والإرهاب الفكري، والتعذيب المادي والمعنوي، بما يعني أنها تناولت وبشكل أساسي ـ إذا استثنينا قضية الصراع العربي الإسرائيلي ـ المشكلات الناشئة عن ظلم النظام السياسي والاجتماعي" (13) . وتناول الدكتور حمدي حسين في كتابه (الرؤية السياسية في الرواية الواقعية في مصر (1965-1975) محاور سياسية مركزة تتمثل في (قضية) الصراع مع العدو من خلال هزيمة 1967، وحرب الاستنزاف، ونصر أكتوبر 1973 م، والحرب في اليمن، وقضية فلسطين، وقضية الديمقراطية من خلال التناقض بين الشعار والممارسة والعنف السياسي، وأخيرا، قضية العدالة الاجتماعية سواء في القرية أم المدينة (14) . ويمكن حصر الرواية السياسية العربية في ثلاث رؤى:
1- الرؤية السياسية المحلية (ما يتعلق بإقليم محلي معين أو جهة أو جماعة).
2- الرؤية السياسية الوطنية.
3- الرؤية السياسية القومية.

وهذه الرؤى ما هي إلا توجهات نقدية لتعرية الفساد السياسي والفساد الاجتماعي، والفساد الاقتصادي، والاستلاب الثقافي، ومحاربة البيروقراطية والفساد الإداري والفساد الأخلاقي والتنديد بالتسلط والاستبداد والدعوة إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان. وقد بلغت تجربة الرواية العربية السياسية " شأوا عاليا في مقاربة قضايا المجتمع العربي الحساسة والساخنة كقضية الحرية والسجن والسلطة والتحزب والمشاركة السياسية وسواها، بل إن تقصي معالجة الروائيين العرب للموضوعات السياسية تفضي إلى اليأس والخذلان".(15) وقد لاحظ سماح إدريس في دراسته المهمة "المثقف العربي والسلطة" (16) ، " أن استغراق الروائيين العرب في الموضوعات السياسية قد آل إلى إخفاق ذريع، وأنه ليبدو لي أن ثمة وعيا متزايدا لدى المثقفين ـ كما تصورهم الرواية العربية ـ باستحالة تحقيق أي تغيير حقيقي في الوضع العربي الراكد باللجوء إلى سلاح الفكر وحده" (17) هذا، وقد اتخذت الرواية العربية السياسية مسارا وطنيا يتمثل في مجابهة الاستعمار الذي استهدف تغريب المجتمع العربي واستغلاله وتجهيله (عبد الكريم غلاب، مبارك ربيع، طاهر وطار..)، كما اتخذت مسارا قوميا للدفاع عن القضية الفلسطينية ومناصرة التجربة الناصرية والدعوة إلى الوحدة العربية الإسلامية. وقد أصبح الموضوع القومي هو مدار تجارب روائية برمتها لبعض أبرز الروائيين كنجيب محفوظ وفتحي غانم وعبد الرحمان الشرقاوي وجمال الغيطاني ويوسف القعيد وصنع الله إبراهيم في مصر، وصدقي إسماعيل وأديب نحوي وهاني الراهب وحيدر حيدر ونبيل سليمان في سوريا، والطاهر وطار وواسيني الأعرج في الجزائر، وعبد الكريم غلاب ومبارك ربيع في المغرب، وإلياس خوري في لبنان، ومؤنس الرزاز في الأردن ... الخ، واتخذت هذه الرواية السياسية كذلك مسارا واقعيا انتقاديا وحقوقيا وذلك بنقد الواقع والتاريخ والآخر.

وأهم موضوع انصبت عليه هذه الرواية بالمعالجة والدرس والتحليل هو موضوع السلطة والاستبداد ومصادرة حقوق الإنسان، وخير من عبر عن هذا الموضوع عبد الرحمن منيف وعبد الرحمن مجيد الربيعي في روايته (الوشم)، وصنع الله إبراهيم في (اللجنة)، وجمال الغيطاني في (الزيني بركات)، والطاهر وطار في (الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي)، وعمرو القاضي في (البرزخ)، وبنسالم حميش في جل رواياته وخاصة في (بروطابوراس يا ناس!، و(محن الفتن زين شامة)، وحيدر حيدر، وهدى بركات في (حجر الضحك)،...الخ.

و قد كانت هزيمة العرب في 1967 م وما بعد ذلك حتى نصر عام 1973م الذي آل إلى ما يشبه الهزيمة سببا موضوعيا لظهور الرواية السياسية الجديدة التي ركزت على تأمل الذات بقسوة وشرح الواقع السياسي المرير، والتعبير عن خيبة أمل الإنسان العربي بقراءتها للأخطار المحدقة به التي تتمثل في سلب الإنسان حريته وكرامته ومصادرة حقوقه الفطرية والمكتسبة، بل وحتى لقمة خبزه وحقه الطبيعي في الحياة، بعد أن كانت الرواية السياسية الكلاسيكية تجسد صراع الوطنيين ضد الاستعمار الغربي أو الصهيوني.

و يرى عبد الله أبو هيف "أن غالبية الإنتاج الروائي العربي بعد هزيمة عام 1967 يتناول الذات العربية المغيبة أو المفسدة أو المعذبة، وأن محاولات تحقق الهوية قد واجهت معوقات في التطور السياسي والاجتماعي اللاحق المشوه بتأثير خطب إيديولوجية سادت بتبني أنظمة عربية لها، ثم لم تورث إلا المزيد من الهزائم الذي توج بالانهيار الكبير مع حرب الخليج الثانية وما بعدها" (18) وبرع روائيون من مختلف الأقطار العربية في تشخيص الواقع السياسي المعاصر، وتصوير أمراض السلطة والحكم البرماتي والانتهازية الوصولية وانتهاك حقوق الإنسان والزج به داخل السجون والمعتقلات السياسية ومارستانات المجانين والبهاليل. وسخروا كذلك من أنظمة الحكم العربية القائمة على الحكم الفردي والتسلط والاستبداد "والتفرعن"، وثاروا على الواقع العربي بفضاضة قاسية. وانتقدوا الذات بوقاحة، حتى أصبحت الرواية السياسية المعاصرة لا تهاب الرقابة ومقص السلطة، وتخترق "الطابوات" السائدة في معاينة مجتمعاتنا، مثلما نجد في روايات عبد الرحمان مجيد الربيعي (الوشم 1972) و(الأنهار 1974) و(القمر والأسوار 1976) و(الوكر 1980) و(خطوط الطول....خطوط العرض 1983)، وروايات الطاهر وطار (اللاز 1971) و(الزلزال 1974) و(عرس بغل 1978) و(الحوات والقصر 1980) و(العشق والموت في الزمن الحراشي 1980) وروايات صنع الله إبراهيم في (ذات ، وتلك الرائحة 1966 ، ونجمة أغسطس 1974 ، واللجنة 1981 وبيروت بيروت 1984)، وروايات عمر القاضي ( البرزخ ، والطائر في العنق...) ، وروايات حيدر حيدر (مرايا النار ـ وليمة لأعشاب البحر 1984)، علاوة على روايات عبد الرحمن منيف، وجمال الغيطاني وبنسالم حميش.

وتشهد الروايات السياسية بكل صدق على تعفن الواقع العربي وترديه على جميع المستويات ولاسيما المستوى السياسي نظرا لغياب حقوق الإنسان وغياب الديمقراطية وفشل التجارب السياسية المستوردة تفشي ظاهرة البيروقراطية والانتهازية والوصولية والتسلق المنفعي على حساب المبادئ والقيم الكيفية، وتوالي هزائم العرب وفشل الوحدة العربية واغتصاب الصهاينة لفلسطين ومرارة حرب الخليج الأولى والثانية وانتشار القمع بشكل مستمر. كل هذا جعل الرواية السياسية الجديدة تعكس هذا الواقع مباشرة أو غير مباشرة بطريقة بارودية ومحاكاة ساخرة قائمة على السخرية والنقد والفضح والهجاء وتعرية الذات والموضوع معا. ويقول أستاذي محمد منيب البوريمي في دراسته القيمة عن الفضاء السياسي في الرواية السبعينية "عندما نصل إلى روائيي العقد السبعيني: (جمال الغيطاني/ يوسف القعيد/ صلاح عيسى/ إسماعيل فهد إسماعيل/ نبيل سليمان/ شريف حتاتة وغيرهم)، أي جيل ما بعد هزيمة يونيو 1967، فإننا نجد الفضاء الروائي عندهم يتخذ شكلا آخر، وبعدا آخر مغايرين تماما، يتميز بالعداء عموما (فضاء مراكز الشرطة، والمخابرات، وفضاء القلاع والسجون، والغرف الحمراء، ودهاليز الاحتجاز، والإذلال وساحات الإعدام وقضبان الانتظار، وعتبات القلق الممض والحيرة الناهشة)، إنه الفضاء السياسي الواقعي بكل كوابيسه الدموية اليومية. هذا الفضاء المعادي أصبح يسيطر على راهن الرواية العربية كتابة وقراءة وتمثلا. إنه فضاء نمطي، أو هو في طريقه إلى التنميط، يطمح أن يختصر (بكل مكوناته الواقعية والرمزية) عذاب الإنسان المستلب والمقموع في أي بقعة من بقاع العالم الثالث ـ عبر صراعه في المجتمع ـ ضد إحباطاته الذاتية وضد قمع السلطة وعدوانية الآخرين". (19)

وظهرت روايات خاصة بفضاء السجون والمعتقلات السياسية ومارستانات الجنون التي زج فيها المثقفون العضويون ـ بمفهوم أنطونيو رامشيـ والمناضلون السياسيون وزعماء الأحزاب وأعضاؤها وأتباعها، بل زج فيها حتى المثقفون الوصوليون والانتهازيون والمهادنون للسلطة عقابا لهم على أطماعهم وطموحاتهم "التسلقية" والمصلحية. وتنبني هذه الروايات كذلك على تصوير الزنزانة، ومراحل السجن، والاعتقال السياسي وكيفية الاستقبال في الزنزانة والتحقيق والتعذيب والإيداع في الزنزانة الجماعية. هذا، وقد طرحت روايات سجن الاستعمار عددا من صور السجن السياسي أبرزها ست صور هي:
1- السجان.
2- الجلاد.
3- السجين والسجن.
4- الصامد والخائن.
5- الاتصالات السرية.
6- الفرار.

ويحاول الروائيون" عن طريق هذه الصور تحديد طبيعة السجن السياسي الداخلية، بعد أن حددوا الطبيعة الخارجية عن طريق الصور الخاصة باعتقال السجين السياسي، واستقباله، ومراحل السجن التي مر فيها. ومن الواضح ـ أيضا ـ أن صور السجن الست تحاول التكوكب حول السجين السياسي في علاقته بالآخرين، وفي أحاسيسه الداخلية، في حين انصرفت الصور السابقة إلى محاولات السلطة التأثير فيه". (20) ونسجل بكل جلاء أن السجن السياسي مظهر من مظاهر غياب الحريات الإنسانية والديمقراطية في المجتمع. ومن ثم فهو جزء من القهر، وشكل من أشكال علاقة السلطة بالإنسان العربي، تلك العلاقة القهرية التي تسعى السلطة من خلالها تطبيق ظاهرة التسلط والرضوخ.

و لايمكن أن يتألق الإنسان العربي أبدا في جو القمع والقهر ومصادرة حقوق الإنسان، " ولا يستطيع نبذ التخلف، والاقتراب من الحضارة، ما لم ينل حرياته العامة، الاجتماعية والسياسية. فإذا لم يستطع الإنسان العربي التعبير عن رأيه بحرية، وإذا لم تستطع السلطة الوطنية الوصول إلى مرحلة احترام الرأي الآخر المخالف لها، فان الإبداع العربي سيبقى عاجزا عن أن يخطو خطوات حقيقية نحو الحضارة الحديثة". (21)

و يمكن تقسيم السجن داخل العالم الروائي السياسي إلى:
1- سجن الاستعمار السياسي.
2- سجن الاستقلال السياسي.
وإذا أردنا أن نستحضر كتاب الروايات السياسية المتمحورة حول سجن الاستقلال فلابد من ذكر: الدكتور شاكر خصباك في (الحقد الأسود)، ونبيل سليمان في رواية (السجن)، وفاضل العزاوي في روايته (القلعة الخامسة)، وعبد الرحمن مجيد الربيعي في (الوشم)، وإسماعيل فهد إسماعيل في رواية (المستنقعات الضوئية)، نجيب محفوظ في (الكرنك) الذي يطرح العلاقة بين الشعب والثورة في الفترة الممهدة لنكسة حزيران 1967 وفي أعقاب الهزيمة، وحسن محسب في روايته (وراء الشمس)، وعبد الرحمن منيف في روايته السياسية (شرق المتوسط)، وشريف حتاتة في (الهزيمة)، ورفعت السعيد في روايته (البصقة)، وفارس زرزور في (الاجتماعيون)، وفيصل حوراني في روايته (المحاصرون)، وصنع الله إبراهيم في (نجمة أغسطس)، وغالب هلسا في (الخماسين). وتعمل الشخصية البطلة في هذه الروايات على"الدفاع عن القيم الإنسانية الخيرة والمثل العليا، ومعالجة مشكلات الشعب، وبخاصة القضاء على الظلم والفساد، وبناء المجتمع الاشتراكي الحديث الخالي من التفاوت الطبقي [( اللاز الطاهر وطار مثلا)]، وقبر الملكية الخاصة والنزاعات البورجوازية، والالتزام بحرية الإنسان والنضال في سبيل تحقيقها".

ويقول الروائي عبد الرحمـن منيف عن روايته السياسية بأن هدفها الحقيقي هو تحقيق الديمقراطية " وهي تحاول أن تعتبر هذا الهدف هاجسها الأول تبحث عنه وتسعى إليه. ولو أن الجو كان ديمقراطيا لكانت طريقة التناول الروائية مختلفة. لكن ضمن هذا الحيز الضيق، فمن غير المسموح للرواية أن تتواصل مع الآخرين. ولذلك تجد أن كل روائي هو رقيب على نفسه في الوقت ذاته، ومن ثم فإن الحرية المتاحة لا تعطي إمكانية كبيرة للتعامل مع المادة وصياغتها روائيا. لكن، مع ذلك، تحاول الرواية أن تستفيد وتوازن أمور عديدة من أجل أن تصل إلى الناس، ومع ذلك، أيضا، نلاحظ أن هناك كما كبيرا من الروايات الممنوعة والملاحقة. فعلى سبيل المثال، معظم رواياتي ممنوعة في شبه الجزيرة، بل أصبح موضوع رواية (مدن الملح) عبارة عن تهمة تجر إلى نتائج معينة في بعض المناطق، إذن، لا شك أن المناخ الديمقراطي عامل مساعد، لكن كثيرا من الروايات كتبت في مناخات لم يكن الجو فيها ديمقراطيا، وساهمت في خلق المزيد من الوعي والتحريض من أجل الوصول إلى هذا الهدف". (23)

ويرى عبد الرحمن منيف أن الرواية هي المسلك الوحيد للتعبير عن تجربة المنفى ومصادرة حقوق الإنسان وغياب المناخ الديمقراطي والتنديد بالاستبداد والتسلط العربي والسخرية من هزائم العرب المتوالية وخنوعهم المتسلب وتواكلهم الذي طال أمده وأصبح ميسما وعارا يطبعهم أينما حلوا وارتحلوا. ويقول عبد الرحمن منيف عن الرواية السياسية التي يكتبها رغبة في إرساء مجتمع ديمقراطي عادل: " لم تعد لي علاقة بالعمل السياسي بمعناه اليومي أو التنظيمي، منذ وقت طويل، لكن هذا لا يعني أنني غير مهتم بالسياسة أو ليست لي قناعات سياسية. يمكن التعبير عن الاهتمام بالسياسة وعن القناعة السياسية، أو عن أي منهما، من خلال الرواية ومن خلال السلوك ومن خلال المواقف التي يلتزم بها الكاتب. ربما يطول الحديث عن العلاقات السياسية المباشرة أو عن الالتزامات التنظيمية، لأن هذا الجرح الذي نزف خلال فترة كاملة، خلال فترة ماضية، وكاد أن يندمل، نلاحظ جزءا من نتائجه الآن من خلال الانهيارات التي تقع والخيبات التي تدوي ومن خلال الاستسلام الذي شمل معظم أو كل الحركات السياسية. لقد كنا في وقت سابق نتعامل مع السياسة بمعناها المباشر واليومي، كما يتعامل الأطفال بألعابهم، وهذا ربما ما دعاني في وقت مبكر لهجر العمل السياسي والالتفات إلى الرواية.

وإذا كانت رواياتي تتصف بالهموم السياسية فلأني أتصور أو أفترض أن السياسة بمعناها المغير المكتشف، لها أولويات معينة وجديدة ومختلفة عن المناورات أو المزايدة. ومن هنا فإن أي كاتب وحتى أي إنسان لابد وأن يكون له موقف سياسي وأن يكون سياسيا بمعنى ما. لكن هذا لا يعني بالضرورة أنه امتداد لحركة سياسية أو أنه مضطر للعمل في السياسة اليومية".(24) كما يرى عبد الرحمن منيف في مقام آخر بأن الرواية مرآة صادقة عن الواقع، وأنها الأداة الفضلى والمتميزة في توعية الجماهير وتنويرهم وتحريضهم على التغيير وتفهم واقعهم من أجل الارتقاء به إلى عالم أفضل. وليست مهمة الأدب أو الرواية تحديدا " تقديم برنامج سياسي، وليس الأدب ترديد لشعارات أو مواقف. الرواية، كما أفترض، هي قراءة حقيقية وصادقة للواقع مع كمية من الأحلام والرغبات في الوصول إلى واقع أفضل، إلى حياة أقل شقاء. ولذلك، فإن مهمة الرواية هي أن توصل كما من المعلومات والوقائع وأن تجعل الناس أكثر قدرة ووعيا لواقعهم وأن تحرض أقوى ما فيهم من المشاعر، من أجل أن يكونوا بشرا فاعلين. إن الرواية - أو أي عمل أدبي - لا يمكن أن تغير الواقع. إن الإنسان هو من يغيره، الإنسان حين يكون أكثر إدراكا وأكثر حساسية يكون بالنتيجة أكثر فاعلية، ومهمة الرواية أن تساهم في خلق هذا الإنسان. " (25)

الفرق بين الرواية السياسية ورواية التخييل السياسي:
ويمكن التمييز نقديا بين الرواية السياسية والتخييل السياسي، فإذا كانت الرواية السياسية تقدم الأحداث كما هي في الواقع بطريقة مباشرة أو عبر المرآة الجدلية لتصوير فظاعة هذا الواقع وفظاظته المأساوية باستعمال أسلوب سردي تقريري يقترب من أسلوب الأطروحة الشعارية أو أسلوب الروايات الإيديولوجية الحرفية ذات البرامج السياسية لقراءة الواقع الراهن المتردي على جميع المستويات، فإن التخييل السياسي يتعامل مع المادة السياسية من خلال الأقنعة الرمزية والاستعارية، أي بطريقة غير مباشرة. متكئا في ذلك على التاريخ، واستنطاق التراث، والموروث الشعبي، وصيغه اللغوية والأسلوبية، مستهدفا بذلك الحوارية والإسقاط والتماثل بين الماضي والحاضر. ويعني هذا أن التخييل السياسي يتعامل مع الموروث الإنساني بصفة عامة، والعربي بصفة خاصة بطريقة سياسية مقنعة تارة، أو مباشرة تارة أخرى، يتجادل فيها الحاضر والماضي. ويكون إعمال التخييل السياسي في إطار المحتمل والممكن، وذلك لملء البياضات الكثيرة في النص السياسي الموروث. كما أن لوحات التخييل السياسي متداخلة وأوعية متواصلة توحي كلها بأزمنة متقاطعة وليس بزمن واحد محدد كما هو الشأن في الرواية السياسية التي تصور الظاهر والسطحي والمباشر. بينما التخييل السياسي يرصد الممكن والمحتمل والباطن واللاشعور السياسي وأمراضه وعقده السيكولوجية وانعكاسات كل ذلك على شخصيات الرواية من خلال صيغ أسلوبية كالمقارنة والمعارضة والسخرية والباروديا واللعبية والمحاكاة الساخرة. ويستند التخييل السياسي إلى التوهيم ومخادعة المتلقي وتخييب أفق انتظاره وتضليله بصدق المعطى وتشويق القارئ بحقيقته الواقعية لتدارك تعذر الخبر أو عجز الروائي عنه وتزيين الحكاية المروية.

ويروم المبدع من هذا التخييل تقريب الهوة بين الحدث والخيال وبين الواقع والممكن، وذلك عبر الافتراض القريب إلى الاحتمال والذوق السليم، أي إلى المعقول البعيد عن التخريف والتداعيات الاعتباطية. فإذا أخذنا على سبيل المثال رواية بنسالم حميش ( محن الفتن زين شامة أو الهجرة في معمور الموت)، سنجد ملامح التخييل السياسي حاضرة في هذه الرواية التراثية على الرغم من شطاريتها [البيكارسكية]؛ لأن الرواية عبارة عن حفريات في المجتمع العربي المعاصر وخاصة السياسي والمدني انطلاقا من تصور سوسيولوجي. وتبعث الرواية من محيطنا العربي صورا متقاطعة متكاملة حول الذهنية السياسية ومحن الحب وحقوق الإنسان والمواطن ومصادرة حرياته الخاصة والعامة. لكن هذا طبعا يمر كله بعيدا عن كل أطروحة شعارية إيديولوجية أو خطابية سجالية أو تقريرية سياسية على مستوى الحكي، أي يعتمد الكاتب على السرد الإيحائي والحكي المتواتر والتخييل القائم على المفترض والممكن وسبر اللاشعور السياسي والوجودي. و إذا كانت روايات طاهر وطار سياسية محضة، فإن روايات جمال الغيطاني، وبنسالم حميش، ومبارك ربيع (بدر زمانه)، تشتغل على التخييل السياسي مستغلة في ذلك الموروث السردي الفلسفي والتاريخي والأسطوري والصوفي.

استنتاج تركيبي:
إذا كانت الرواية السياسية سواء الكلاسيكية منها أم المعاصرة تنصب على الحاضر وتعالج الراهن بطريقة سياسية مباشرة أو رمزية لتصوير غياب الديمقراطية وانعدام حقوق الإنسان ونقل عذاب الإنسان في السجون والمعتقلات السياسية ومارستانات التعذيب و"التجنين" و"التحميق"، وما يتعرض له السجين من نفي وإقصاء وتصفية وتنكيل وقهر من قبل السلطات الحاكمة أو السلطات المستعمرة، فان أغلب هذه الروايات سقطت في أدب الدعاية وأحادية الإيديولوجية ورفع شعارات التحريض والثورة ومحاكاة الواقع بطريق سطحية مما أوقعها في الابتذال والتجاوز الفني لها، ناهيك عن سقوطها في التقريرية وأدب الوثائق والبرامج السياسية مما جعلها بعيدة عن الخلود الفني والمتعة الجمالية وإثارة المتلقي إقناعا وإمتاعا وتأثيرا.

أما رواية التخييل السياسي فقد حققت نجاحا كبيرا في التأثير على القراء وتمتيعهم، إذ اعتمد كتابها على استلهام التراث التاريخي والفلسفي والصوفي والسياسي للتعبير عن الحاضر بطريقة فنية جميلة قائمة على التهجين، والباروديا (المحاكاة الساخرة)، والأسلبة، والمفارقة، والتناص، والمعارضة، ومحاكاة المصادر واستعمال المستنسخات. فنقل أصحاب هذه الرواية القرار إلى استغوار اللاشعور السياسي واكتشاف مكبوتات التسييس وتجلياته في "الطابوات"، كما رحلوا به إلى أجواء التراث الوسيط بالخصوص والزمن الماضي لمعايشة الأجواء السياسية وتناقضات المجتمع وصراع الإنسان مع السلطة القاهرة ليقارنوا ذلك بعصرهم المكهرب الذي يعيشون فيه، كما تخيلوا حاضرهم سياسيا وذلك من خلال الموروث الرسمي أو الشعبي.


1- د. سعيد علوش: المصطلحات الأدبية المعاصرة، مطبوعات المكتبة الجامعية، الدار البيضاء، ط1 ، 1984، ص:60؛
2- د.حمدي حسين: الرؤية السياسية في الرواية الواقعية في مصر(1965-1975)، ص:18؛
3- نفسه، ص:19؛؛
4- نفسه، ص:19؛
5- نفسه، ص:20؛
6- نفسه، صص:20-21؛
7- نفسه، ص:23؛
8- نفسه، ص:23؛
9- د. طه وادي:( السياسة والفن في الرواية المعاصرة)، مجلة كلية الآداب، مصر، جامعة القاهرة، العدد 1، المجلد 50، مايو سنة 1990، ص:59؛
10- د. سعيد علوش: (رواية الأطروحة والرواية المغربية)، الأقلام، العراق، العددان: 11/12، 1986،ص:60؛
11 - أ- المسرح:
      1- أحمد العشري: مقدمة في نظرية المسرح السياسية، طبعة الهيئة المصرية للكتاب، سنة 1989م؛
      2 - عبد العزيز حمودة: المسرح السياسي، مكتبة الأنجلو المصرية، 1971.
      3 - أمين العيوطي:( المسرح السياسي)، عالم الفكر، الكويت، المجلد 14، العدد 4، 1984، ص 79-98.
      4- أحمد العشري (المسرح التحريضي: الإثارة والدعاية)، عالم الفكر، الكويت، المجلد18، العدد 1، 1987، ص103-134.
      5- نادية بدر الدين أبو غازي: قضية الحرية في المسرح المصري المعاصر ( 1953-1967)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1989.
      6- فاطمة يوسف محمد: المسرح والسلطة في مصر 1993، الهيئة المصرية العامة للكتاب.

   ب- السينما:
      1- عصام العراقي: (السينما والسلطة في مصر)، مجلة القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، العدد 28، 1985، ص 27-29،
      2- صلاح أبو سيف: ما هي السينما؟ مركز الحضارة العربية للإعلام والنشر، القاهرة، ط1، 1990، ص 56-71.
      3- لوسيان ولدمان وآخرون: الواقع والرواية، ترجمة رشيد بنحدو، عيون المقالات، الدار البيضاء، ط1988، ص71-72.
      4- لوسيان ولدمان وآخرون: البنيوية التكوينية والنقد الأدبي، ترجمة محمد سبيلا وآخرين، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، ط1، 1984، ص107-108.
      5- جورج لوكاتش: نظرية الفن وتطورها، ترجمة نزيه الشوفي، دمشق، ط1، ص 15.
12- حسين مروة :(علاقة السياسة أديب في المجتمع العربي)،الموقف الأدبي، دمشق،سورية، كتاب العرب، العدد 171) 1985، ص 18.
13- صالح سليمان عبد العظيم: سوسيولوجيا الرواية السياسية، ص 31.
14- حمدي حسين - نفسه ص 430-432.
15- سماح إدريس: المثقف العربي والسلطة، دار الآداب، بيروت، 1992، ص 288
16- نفسه ص 288
17- نفسه ص 288؛
18- عبد الله أبو هيف: نفسه، ص:230؛
19- محمد منيب البوريمي: الفضاء الروائي في الغربة، ص 32-33؛
20- د. سمير روحي الفيصل: السجن السياسي في الرواية العربية - جروس برس ، طرابلس ، لبنان، ط 2 - 1994، ص 45؛
21- نفسه، ص: 5؛
22- نفسه، ص:133؛
23- د. عبد الرحمان منيف: الكاتب والمنفي: هموم وأفاق الرواية العربية، دار الفكر الجديد، 1992، ص 354.
24- نفسه، ص:358-359؛
25- فسه، ص: 359؛