عشر قصص انتشرت في فضاء المجموعة أعلاه. وطبيعة هذا الفضاء النصي تقوم على الآتي:
1- جدلية الداخل والخارج، سواء تعلق الأمر بالذات أو الموضوع( الواقع الخارجي)، الفرد أو الجماعة، النص أو المتلقي.
2- جدلية الواقعي والمتخيل. فمعظم النصوص تستند إلى لعبة الإيهام والتوهم، بما فيها النص الموشوم بإحالات واقعية واضحة( الكابوس/الجرح/كلها..) ير من الأحيان تتداخل حدود الأقنومين ليحل الواقعي محل المتخيل، والمتخيل محل الواقعي.(البيت الرمادي/ مجرد حبة قمح/القاتلة..).
3-جدلية الضمير المتوزع بين ضمير- وهو الضمير النموذجي في القصة القصيرة- المتكلم المفرد، وبين ضمير المتكلم الجمع، بين ضمير المتكلم، بنوعيه، وضمير الغائب بنوعيه أيضا، بين ضمير المتكلم، بنوعيه، وضمير المخاطب بنوعيه.
4- جدلية الوصف والسرد. فالسارد يتحكم قي الفضاء النص يعبر توزيع مساحات السرد والوصف بنوع من التوازن الدقيق بين الأداتين. ومن ثم يخدم كل منهما الآخر بنوع من التناغم الهادئ الذي يعكس وعي السارد بطبيعة المسافة القولية التي تخضع لمنطق عقلاني يوزع فيه الخطاب- وصفا وسردا- بمقادير معلومة.
فالقصة ،عند الكاتب/السارد شبيهة ب" الحولي المحكك" الذي مارس ،عبره، عبيد الشعر اللت والعجن، والتشذيب والتهذيب، قبل أن يطلع عليه المتلقي.
في القصص العشر نلمس الثيمات الآتية:
أ- ثيمة "الفردانية" ـبالمعنى الإيجابي- أي كمعادل للحرية. فالفرد يرفض أن يتحول إلى جزء من القطيع ، ولو أدى به الأمر إلى العدم(... عميقا أحس بالألم في وجهي وبطني وحجري..عميقا أحس أني أغور في التراب الذي تحتي)/قصة "الكابوس".ص،8. والفرد يرفع ـ عبر هذه النصوص- راية العصيان والتمرد(كلها/) أو يمتلك ناصية الحلم – ولو كانت أحلاما بسيطة استحالت في هذا الزمن- كما هو الشأن في قصة( بم تحلم؟) الذي قد يصبح أداة لتجاوز عطب الزمان والمكان عن طريق التماهي في شخصيات افتراضية سرعان ما تصبح هذه الأخيرة متقمصة لدور أرغمت على ممارسته، في سياق "حالة وجودية" خضعت لعقاب بسبب جريمة لا علاقة لها بها من قريب أو بعيد.(القاتلة).
ب- المفارقة التي تستند إلى اختلاف الهويات والمرجعيات، سواء تعلق ذلك بالكائن الإنساني(الفرد والجماعة/القوة والعجز/الإدعاء والتواضع/ الهدوء والقلق/العقل والجنون) أو بالزمان(الماضي والحاضر) أو المكان( فضاء العمل خاصة المدرسة أو الوزارة آو المكتب، وما يقابل ذلك من فضاءات تفرز الوهم أو العدم من علب ليلية أو ساحة إعدام ، أو شاشة للعرض السينمائي، أوسيارة أجرة، أو ساحة إدارية..)
والمفارقة تقوم، في قسم منها، على السخرية الخفية غير المباشرة(انعكاس)أو قد تقوم على السخرية المباشرة التي تفضح الجانب المضاد، من خلال إسقاط الأقنعة.( كلها).
ج- وبالرغم من انشداد معظم النصوص إلى" الحدث الواقعي" المتداول، فإن طبيعة الكتابة السردية تحاور" النص الغائب" السائد في العديد من الخطابات. وسأقتصر، في هذا السياق،على خطابين أساسيين:
1- الخطاب السينمائي(البيت الرمادي/القاتلة).
2- خطاب الحكاية الشعبية.(وردية).
في المستوى الأول، خاصة في قصة "البيت الرمادي" نلمس روائح قصص الرعب من خلال "جو كافكاوي" يمتلئ بالمفاجأة، والكوابيس، والأوهام، وهلوسات الشخصية التي عاشت رعبا متواصلا، أثناء حراستها لهذا المنزل- المنزل الرمادي- الذي ترتفع أصوات غريبة لكائنات بشرية، يتخللها صرير الأبواب والأقفال، ونباح الكلاب وأضواء السيارات الداخلة والخارجة من المنزل اللغز. وعندما حاول الدخول إلى هذا الأخير، أسقط في يده، بعد أن أصبح أسير الصمت القاتل تلفه الجدران الباردة، والقفل الذي كان( مصمما على نحو مختلف،لاينفتح إل من الخارج)ص/46. هذا العالم " الهيتشكوكي" هل كان وليد لحظة حقيقية، آم وليد ( "لخيال السوداوي" الذي لايعدو كونه خيالا منظما يتحول، بفعل ضغوط الواقع، إلى وسواس قاهر).ص،47.
في المستوى الثاني يتحول النص القصصي إلى حكاية شعبية عبر ثلاث مقاطع ، استقا فيها المقطعان- الأول والثاني- ببنية الحكاية الشعبية بدءا بالإستهلال السردي الشائع "كان ياما كان"، مرورا بالحدث المحوري الذي يتخلا له الفعل والحوار، وصولا إلى الخاتمة ، أو القفل الحكائي الذي يحسم الحدث، ويتحول إلى بنية أقرب إلى الحكمة، أو المثل، أما المقطع الثالث، فهو عودة إلى القصة الحديثة التي جسدت وضع "وردية" المأزوم، وصولا إلى نهاية غير منتظرة صنعتها شكوك الممرضة وسذاجة الشخصية.
ناقد ومبدع من المغرب
1-عبد اللطيف النيلة. قصص.مطبعة وليلي للطباعة والنشر، ط1/2008. مراكش. وللكاتب مجموعة أخرى( قبض الريح/2006) فضلا عن مساهمات عديدة.