القاص المغربي يكتب عن أشياء كثيرة مؤجلة تعكس الخواء الذي يضرب أيام الراوي بإيقاعها الرتيب، ويصير التوهم سبيلا لملامسة ومقاربة حياة لم تبرح موقعها كرغبة دفينة.

أيام رتيبة

سعيد أحباط

الساعة الثانية عشرة ليلا، إذن علي أن آوي إلى فراشي. هو من سرير قطعت أسلاكه المتشابكة التي تربط جنباته وفي أطرافه بذلة زرقاء قديمة اشتريتها قبل أربع سنوات من سوق الملابس المستعملة ألبسها اتقاء البرد أثناء النوم..فكرت أن أخيط لها أزرارا لكني أهملتها، ربما لأنني متعب. وككل مرة، إذن ستظل البذلة بدون أزرار كما أني أتهاون في تنظيف جدران الغرفة..فقد طليت منذ فترة طويلة بملصقات نجوم السينما منذ كانت الصور ذات اللونين الأبيض والأسود. لكن من يدري؟ ربما هناك من سكن هذه الغرفة قبلي،..منذ أربع سنوات..طرقت أحد المنازل استقبلتني أرملة بيضاء طويلة بابتسامة خجولة قالت..

ـ أنت أعزب؟؟..

ـ...

ـ أليس كذلك؟؟؟؟..

ـ...

ـ وتبحث عن غرفة،..؟؟

ـ...

لحظتها اكتشفت للتو أن هذه المرأة عندها حاسة التقاط الغرباء للنزول عندها منذ ذلك اليوم لم أعد أراها إلا نهاية الشهر..

الساعة الثانية عشرة والربع

لقد نسيت أن أرمي علب السردين في القمامة علب فارغة منقعة بالزيت..إنه أقل تكلفة وأسهل إعدادا مجرد دقائق لفتح الغطاء المعدني، وتقطيع رغيف الخبز، هذه وجبة غذاء. أما في الصباح فإنني أكتفي بكأس شاي ساخن، ونصف رغيف خبز وأحيانا أستفيد من العلب الفارغة بعد تنظيفها واستعمالها كمرمدات للسجائر..

الساعة الواحدة إلا ثلثا

علبة معدنية مستطيلة، احتفظت بها منذ مدة طويلة بداخلها أوراق ورسائل قديمة. على وجه العلبة صورة امرأة تقف مزهوة بنفسها على جانب ورق شراعي، ذراعها الأيسر على البحر، فيما أرنو إليها والى ابتسامتها العذبة أتلمس شعرها الأسود المفحم، تنزل من الفضاء المعدني، تنزلق بهدوء على الرف الخشبي كعادتها كل يوم، تحدثني عن البحر الأزرق المتلاطم الأمواج، تصف الأسماك الصغيرة والكبيرة ذات الزعانف المتحركة، وهي تبتسم كعادتها تلمس شعري الأسود تضع يدها على خدي تضمني إلى صدرها الثلجي تبلل شفتي الجافتين بشفتيها المبللتين بالملح الأزرق، تختلط زرقة عينيها الواسعتين مع ابتسامة وجهها الوردي اللامع، تحتضن رأسي أشم رائحة صدرها الندي، تضمني إلى صدرها..

حينذاك ألم جسدي في داخلها الطري وأنام..