هذا الكتاب يقدم لنا سمات وملامح عامة ترصد راهن الأدب الإماراتي الحديث وتتقصى توجهاته في مختلف أشكال الإبداع وأجناسه التعبيرية .. لكن، اللافت فيه هو أن هذا الأمر يتم عبر عيون نقاد مغاربة في حوار خاص بين المشرق والمغرب من خلال قراءات موازية في الحراك الأدبي الاماراتي الحديث.

الأدب الإماراتي الحديث بأقلام مغربية

عبدالحق ميفراني

في إطار فعاليات منتدى أصيلة الثقافي الدولي في دورته ال32، وبموازاة انعقاد ندوة أصيلة حول الأدب الإماراتي، صدر عن سلسلة منشورات منتدى أصيلة كتاب "الأدب الإماراتي الحديث بأقلام مغربية" وهو مؤلف جماعي لنقاد وكتاب من المغرب، قام بتنسيق وتجميع لمواده الناقد الأدبي عبدالرحيم العلام، وقد ضم الكتاب الذي يقع في 270 صفحة، دراسات وبحوث تهم حقول وأجناس متعددة {في الشعر، في القصة القصيرة، في الرواية، في السيرة الذاتية، في المسرحية، في الرحلة، في أدب الطفل، في النقد الأدبي}.

الكتاب يخلق حوارا نقديا مثمرا مع المشهد الإماراتي الحديث في أجناسه التعبيرية المتنوعة، في انتمائها الى أجيال وحساسيات أدبية مختلفة. كما يسهم، يؤكد الناقد عبدالرحيم العلام، في تعميق أشكال التواصل الثقافي والأدبي بين النقاد والكتاب المغاربة وبين المبدعين والأدباء الإماراتيين. كما يفتح للقارئ العربي فرص للاقتراب من فضاءين أدبيين عربيين متميزين: فضاء إبداعي إماراتي وفضاء نقدي مغربي.  كما يسهم الكتاب في خلق حوار مثمر وبناء مع المشهد الأدبي الإماراتي الحديث، في أجناسه التعبيرية المتنوعة: شعر، قصة، رواية، مسرحية، سيرة ذاتية، رحلة، أدب الأطفال، نقد أدبي، وفي أسمائه المبدعة، في انتمائها الى أجيال وحساسيات أدبية مختلفة.

بالنسبة لمؤسسة منتدى أصيلة فالكتاب مبادرة تأتي لتملأ فراغا مهولا، لا زال قائما في مجال التواصل مع المشاهد الأدبية العربية {المشهد الأدبي الخليجي خصوصا}، مبادرة تأتي لتقرب من المسافة والفجوة الثقافيتين القائمتين في جناحي الوطني العربي.

الباحث عبدالله بنصر العلوي يقارب الفروسية الشعرية عند الشيخ زايد، فروسية تتمثل مسؤولية الحياة والوجود، وتتمسك بالقيم النبيلة إنها فروسية شاعرة أسهمت ضمن منظومتها الفكرية والإبداعية في تأسيس وعي عربي متشبث بالأصالة والمعاصرة والمستقبل. الشاعر حكيم عنكر يتوقف عند التجربة الثقافية الإماراتية اليوم، والتي تنفتح على أسئلة جديدة ولا تستقيم إلا على "مراكب تسكرها أصوات النهامين" يتوقف حكيم عنكر عند إشكالية الأجيال في الإبداع الإماراتي مسجلا غياب الحوار الإبداعي بين منتجي الأشكال الأدبية والفنية. الناقد يوسف ناوري يتوقف عند أصوات وتجارب التديث الشعري في الإمارات العربي المتحدة، فالشعر الإماراتي الحديث ارتبط بالجذور التاريخية والثقافية العربية، ويرصد الناقد اتجاهات تشكل هذا المشهد، من خلال التقليدانية الى الرومانسية الى المعاصرة وتجارب الاختلاف. "بين حوزة الذات ومهب العالم" في تهلكة الكتابة مقاربة لديوان "نحو الأبد" لظبية خميس، مقاربة الناقد الشعري بنعيسى بوحمالة محاولة في التقاط ذبذبة هذه التجربة الشعرية التي أسست فعل حضورها وسط الجغارفية الشعرية العربية. كما يستقصي الناقد استراتيجية التذويت والغيرية في الديوان والذي في نطاقهما ينهض النص الشعري. أما الشاعر والناقد عبدالحق ميفراني فيتوقف عند التجربة الشعرية الجديدة في الإمارات: ملامح عامة من شعرية التشظي. من خلال إصدارين شعريين "سراط نقي..قربك" للشاعر سعد جمعة، و"لا أحد" للشاعر عبدالله عبدالوهاب. وبعد تقديم استهلالي حول تشكل الأدب الإماراتي وحول مفارقات المشهد الشعري في الإمارات وسماته الخطابية يقارب الديوانين معا من خلال "شعرية التشظي".

أما الناقد أحمد العاقد فيرصد المعنى الشعري المضاعف والسياق الافتراضي والقصيدة التفاعلية، من خلال تحولات المشهد الشعري العربي، الشعر الوسائطي: المفهوم والأبعاد، انبثاق المعنى الشعري وسياق التواصل الوسائطي انتهاء بنصية رقمية للخطاب الشعري الوسائطي. الناقد بشير القمري يقرأ جدل الغنائي والتراجيدي في ديواني "ربما هنا" و"وحدك" لخلود معلا، حيث لغة مقطرة من معجم لايراوغ ويحتفظ بدفقه الأسلوبي، لغة "تتشكل" وتشخص. ومن تم يتقاطع الجمالي بالتراجيدي لتحقق الوجداني  مما يجعلها شاعرة قلق بامتياز. أما الشاعر محمد بشكار فينصت لديوان ميسون صقر "رجل مجنون لا يحبني" محاولة للقبض على لؤلؤ وماء أفق الديوان خصوصا لدى شاعرة لاتفكر إلا من خلال نافذة الصورة المشرعة على أثير الروح. ويستكمل الناقد محمد الدوهو مسار تأمل تجربة الشاعرة ميسون صقر من خلال ديوانها "أرملة قاطع الطريق" من خلال محكي البوح عبر مداخل الكتابة والنسق، النص والنسق. أما الكاتب هشام بن الشاوي فيستقرأ ملامح شعرية العنف وكتابة الغياب والفقدان في نفس ديوان الشاعرة ميسون صقر، التي استطاعت أن ترسم بالكلمات معاناة الذات الشاعرة وأن تذيبها في بوثقة الوجع القومي. الكاتب نورالدين محقق يعود لتجربة ظبية خميس من خلال شعرية الزمن ومرآة الكتابة في ديوان "نحو الأبد" متأملا أبعاد الزمن التعبيرية والبحث من شعرية الكتابة عن آفاقها البعيدة. الناقد أحمد زنيبر يقارب المحتمل الشعري عند الشاعر سعد جمعة من خلال ديوانه "دون مرآة ولا قفص" حيث البساطة في الطرح والعمق في التحليل، عبر لغة مكثفة تحتمل أكثر من دلالة. عزيز ضويو يكتب عن شعرية التوازنات الهشة في ديوان "قلق" للشاعر ابراهيم الهاشمي، ديوان يسبر أغوار مناطق قصية في الذات مستكشفة ومتساءلة عن كينونتها وتواشجها القوية والهشة مع وجودها الفردي والجمعي. ويبحث الناقد رشيد عبدالرحمان عن أسرار الماء والرمل في ديوان "أوراق المطر" للشاعرة ليلى مطر، أما الكاتب عبدالكبير الميناوي فيتأمل "أبراج الإمارات وأدباؤها" متوقفا عند لحظة الكتابة عن الأدب الإماراتي الحديث وما يطرحه من أسئلة.

في باب القصة القصيرة، يتوقف الناقد نجيب العوفي عند جمالية القص في القصة القصيرة النسوية الإماراتية حيث جدلية القديم والجديد، النواة الدلالية والجمالية/ الإشكالية التي تجمع بين النصوص. الباحثة رشيدة بنمسعود قاربت القصة القصيرة في الإمارات {"ماء" لمريم جمعة، و"أثار على نافذة" لفاطمة محمد نموذجان} من خلال إيقاع المعيش اليومي في الحساسية الجديدة. الناقد عبدالعالي بوطيب يرصد المساهمة النسائية في النهضة القصصية الإماراتية {سلمى مطر سيف نموذجا} والروائي مبارك ربيع يقرأ مجموعة القاصة شيخة الناخي "العزف على أوتار الفرح" حيث خاصية مونولوجية لمقاطع من كتابتها القصصية. الناقدة فاتحة الطايب تستقصي "ضجر طائر الليل" لابراهيم مبارك بين زمنين ونسقين، والقاصة مليكة نجيب تكتب عن "حلم بجناحين" للقاصة فاطمة السويدي إبداع يحلق بأجنحة الحلم وهو هنا بؤرة التفاعلات المختلفة التي تحرك عالم القص، فوق حيز مكاني محدود حيث يتمحور عالم النفس الإنسانية. الناقد محمد أقضاض يتناول شعرية التشكيل في المجموعة القصصية "علاقة خطرة" لياسمنة يونس، من تنويع جمالية الأشكال الى الاحتفاء بالموت، الى العلاقة بين المرأة والرجل، انتهاء بالمكان والزمن. ويعود الروائي عبدالركيم اجويطي لمجموعة عبدالله صقر أحمد "الخشبة" والتي جاءت قبل الآوان في زمن الإمارات الثقافي، لذلك يبحث الروائي جويطي عن ولادتها الجديدة. أما الناقد إدريس الخضراوي فيرصد شعرية الفقد والأسى في مجموعة "خطوة للحياة..خطوتان للموت" لناصر الظاهري من بنائها السردي الى الكثافة الشعرية حيث الإمتاع والالتحام العميق بالحياة. إدريس اليزامي يكتب عن ناصر الظاهري الذي ينتصر للمهمشين "جهانجير خان نموذجا"، حيث الكتابة عند الظاهري تنتصر للمهمشين والمسحوقين. أما الكاتب ابراهيم الحجري فيقارب هوس المخاطب في مجموعة "وجه أرملة فاتنة" لفاطمة المزروعي القاصة التي تتميز كتابتها بالعمق موضوعاتيا أو من خلال اعتماد طرائق سردية متميزة. الكاتب عبيد عبدالرحمان يتناول هوامش عاشقة على نص حارق، مسافة "أنت" العشق الأولى لجمعة الفيروز، ويتوقف الباحث أنور المرتجي عند مفارقات الواقع في مجموعة "على حافة النهار" لعبدالحميد أحمد أحد رواد كتابة القصة القصيرة في الإمارات.

باب الرواية ساهم فيه الروائي والناقد محمد عزالدين التازي بالكتابة والعالم في الرواية الإماراتية، حيث لاحظ اهتمام الرواية الاماراتية استنادها الى تفاصيل الحياة الاجتماعية في المنطقة، وتقديم صورة عن مجتمعها، والاشتغال على التاريخي والمجتمعي، وبتجاور التقليد والتجديد في التجربة. الناقد رشيد بنحدو يقدم ملاحظات عامة حول الرواية الاماراتية، والتي أفرزت تجارب سطحية ولحنا في اللغة والرذالة، الى جانب نصوص تعبر عن عمق ونضج جدي يسعف على البحث. الناقدة زهور كرام تكتب عن "شاهندة" للروائي راشد عبدالله، من السرد التراثي الى التعبير الروائي. رواية تعيش الحالة الروائية في زمن تشكلها، كما تعبر بنيتها ونظامها السردي عن تكونها النصي. الناقد عبداللطيف محفوظ يرصد البرنامج السردي وبناء المعنى في رواية "ريحانة" للكاتبة والشاعرة ميسون صقر، راصدا خصوصيات برنامجها السردي حيث العماء الذي يسيج نظرتها الى الذات والعالم، برنامج سردي ضام وبرامج سردية مضمومة، نفس العمل كان موضوع دراسة الناقد عبدالمالك أشهبون في "سيرة العبد يرويها السيد"، نص روائي يقارب مأساة الوجود البشري الظالم. أما الرواية بالنسبة للناقد محمد آيت لعميم فهي "إعادة كتابة التاريخ والهوية المفتقدة".

في باب السيرة الذاتية، يقربنا الناقد عبدالرحيم العلام من "تجديد الكتابة السير ذاتية في "سرد الذات" لسلطان بن محمد القاسمي، سيرة تتداخل في تشييدها محكيها العام، المعرفة الذاتية بالمعرفة التاريخية والسياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية. كما يتداخل فيها المحكي الذاتي بالمحكي الموضوعي، والسيرة باليوميات والمذكرات والبورتريهات والرحلة والشعر والخبر والخطاب التراسلي وسير المدن والمعالم والأشخاص. الناقد نورالدين صدوق كتب عن التمثل الذاتي في "ورقة السرير" لأحمد راشد ثاني.

في باب المسرحية، يكتب الناقد حسن يوسفي عن مسرحة التاريخ بين الحقيقة والاحتمال حول الدراما التاريخية عند الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، ويقارب المسرحي والكاتب عبدالمجيد شكير "تكسير البنية الدرامية الكلاسيكية: قراءة في مسرحية "السدادة" لصالح كرامة" والتي يعتبرها كتابة واعية بمراحل ما بعد الكتابة {الإخراج والتمثيل}، وواعية بشروط أجرأة الكتابة {خصوصية الخشبة وخصائصها واشتراطاتها}. في الرحلة، نقرأ للناقد عبدالرحيم مؤذن قراءة في رحلة "مدائن الريح" لعبدالعزيز المسلم. في باب أدب الأطفال، يقربنا جميل حداوي من أدب الأطفال في الإمارات العربية المتحدة. ويختتم الكاتب العربي بنجلون في باب النقد الأدبي، كتاب "الأدب الإماراتي الحديث"، بتضاريس النص الشعري في "نقوش على أبواب النبط" لظاعن شاهين الكتاب الذي يغوص في ذاكرة الإنسان الإماراتي ليظهر مخزونه الفكري والأدبي والفني والإبداعي.