يترتب على مبادرة القيادة الفلسطينية الأخيرة بشأن التوجه للأمم المتحدة تداعيات كبيرة على جميع قطاعات الشعب الفلسطيني، سواء في فلسطين التاريخية أو في الشتات. و لهذه التداعيات أهمية على عدة مستويات و خاصة على المستويين التمثيلي و الدستوري، وعلاقتهما بالاعتراف الدولي والسيادة. و من منطلق التزامنا بالقضية الفلسطينية و تمسكنا بالحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني و بحقوق الانسان بشكل عام، ومن منطلق مسؤوليتنا الوطنية والمهنية كمحامين وحقوقيين وباحثين قانونيين، وبدافع المحافظة على الانجازات التاريخية للشعب الفلسطيني في مجال القانون الدولي،
نحن الموقعين أدناه نؤكد على ما يلي:
1. الفلسطينيون في فلسطين التاريخية وفي الشتات هم شعب واحد. و للشعب الفلسطيني حقوق غير قابلة للتصرف، أهمها حق عودة الاجئين الفلسطينين لأرضهم وديارهم التي هُجروا منها قسرا، وحق تقرير المصير، بالإضافة إلى الحق في الاستقلال والسيادة. وعليه، يشكل الفلسطينيون وحدة واحدة، حقوقهم غير قابلة للتجزئة وتخص الشعب الفلسطيني كجسد سياسي واحد. و لقد أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في العديد من القرارات على أن "الشعب الفلسطيني هو الطرف الأساسي في قضية فلسطين..." (القرارات 3210 (XXIX) 14 تشرين أول 1974، 3236 (XXIX) 22 تشرين ثاني 1974، 3375 (XXX) 10 تشرين ثاني 1975.) ولا تفرق الامم المتحدة في قراراتها بين الفلسطينيين على أساس مكان الاقامة، ولذلك، فللفلسطينيين ككل الحق في العودة وتقرير المصير.
2. تمثل منظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف) الشعب الفلسطيني ككل، سواء في الامم المتحدة أوخارجها. وتعترف الامم المتحدة وجامعة الدول العربية بالمنظمة كالممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. كما و تتمتع المنظمة، وفقا للقرار 3237 للعام 1974، بمكانة "مراقب" في الأمم المتحدة. وقد منحت المنظمة في العام 1998، وفقا للقرار 52\250 "حقوقا وامتيازات اضافية للمشاركة في دورات الجمعية العامة وأعمالها وفي المؤتمرات الدولية التي تنعقد تحت اشراف الجمعية العامة أو هيئات الأمم المتحدة الأخرى و كذلك في مؤتمرات الأمم المتحدة..."
3. و في قرارها 43\177 تعترف الجمعية العامة "بإعلان دولة فلسطين الصادر عن المجلس الوطني الفلسطيني في 15 تشرين ثاني/نوفمبر 1988" وقد قررت أن "يستعمل، في منظومة الأمم المتحدة، اسم "فلسطين" اعتبارا من 15 كانون أول/ديسمبر 1988 بدلا من تسمية "منظمة التحرير الفلسطينية" دون المساس بمركز المراقب لمنظمة التحرير الفلسطينية و وظائفها في منظومة الأمم المتحدة...." و على قدر كبير من الأهمية، لقد حافظ هذا القرار على مكانة منظمة التحرير الفلسطينية كالممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في الأمم المتحدة كما وأكد على هذه المكانة.
4. ينص "إعلان مبادئ القانون الدولي المتصلة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة" على ما يلي: "بحكم مبدأ المساواة في الحقوق وتقرير المصير للشعوب، المكرس في ميثاق الأمم المتحدة، لدى كل الشعوب الحق في أن تقرر وبحرية ودون تدخل خارجي مركزها السياسي والسعي لتحقيق التنمية الإقتصادية والإجتماعية والثقافية."[1] و ترتكز مكانة منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني على هذا الحق بتقرير المصير. ومع أنها لا تقوم اليوم بممارسة السيادة – متمثلة بممارسة السلطة العليا والمستقلة على أراضي فلسطين- إلا أن منظمة التحرير الفلسطينية تستمد شرعيتها من الشعب في فلسطين التاريخية وفي الشتات. تفويضها إذا ليس بالمحدود جغرافيا. في هذا السياق، و كما صرح البروفيسور جاي جودين-جيل، الأستاذ في جامعة أوكسفورد، وأحد جهابذة القانون الدولي، "ان تفويض منظمة التحرير يشمل كافة القضايا النابعة من استمرار التهجير للفلسطينيين، والصراع من اجل حق تقرير المصير، وهذا يشمل ضمن امور اخرى السؤال حول حق العودة والتعويض والذي أبرز في قرار الجمعية العامة 194 (3)، والسؤال حول الحدود الوطنية الكامن ضمنيا في قرار مجلس الامن 242.هذه بالضرورة قضايا مشتركة لكافة الشعب الفلسطيني، دون اي اعتبار لمكان سكنهم الحالي."
5. نحن نرى بـأن أي خطوة لتغيير مكانة منظمة التحرير الفلسطينية كالممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في الأمم المتحدة قد يكون لها تأثيرات سلبية على الوضع القانوني للشعب الفلسطيني، بالأخص فيما يتعلق بتمثيل حقوقهم الجماعية غير القابلة للتصرف. نحن نرى في هذه الخطوة مدعاة للقلق، ونتفق مع رأي الأستاذ جاي جودين-جيل عندما قال بأن هذه الخطوة تحمل في طياتها "خطر التجزئة- حيث ستمثل الدولة الشعب في الامم المتحدة، وتمثل منظمة التحرير الفلسطينية الشعب خارج الأمم المتحدة. تُعد هذه التجزئة في التمثيل تغييرا للوضع الحالي ولنية المجتمع الدولي الاصلية عند اعترافه بالمنظمة. والتحدي هنا هو المحافظة على الوحدة في هذه الظروف الفريدة من نوعها." و بالأخص، نحن قلقون من أن تؤثر هذه التجزئة على التمثيل الدولي للاجئين الفلسطينيين الذين يشكلون اكثر من نصف الفلسطينيين.
6. إن الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، وبالأخص، حق العودة وتقرير المصير، هي حقوق راسخة ومثبّتة في القانون الدولي، بغض النظر عن طبيعة التمثيل الفلسطيني في الأمم المتحدة. وحق العودة، بالإضافة إلى كونه حق جماعي هو أيضا حق فردي لايمكن نقضه أو التنازل عنه أو الاستفتاء عليه. و لكن غياب منظمة التحرير الفلسطينية كالممثل الشرعي والوحيد في الامم المتحدة سينتقص من قدرة اللاجئين الفلسطينيون، الذين هم جزء من الكل، على المطالبة الفاعلة بهذه الحقوق. قد تكون الحقوق موجودة قانونا، لكنها ستفتقد المعنى اذا لم يكن باستطاعة أصحاب الحقوق المطالبة بها. وعليه، فإذا تم تغيير الوضع القانوني الحالي للمنظمة في الامم المتحدة، سيؤدي هذا الى تقويض واضعاف الكفاح من أجل حق العودة وتقرير المصير بدلا من تعزيزه.
7. و بالأضافة الى ذلك، فإن تبديل تمثيل المنظمة لدى الامم المتحدة قد يعني بالمحصلة أنتهاء الصلة المباشرة بين اللاجئين الفلسطينيين وممثلهم في الامم المتحدة. فلا يمتلك أي جسم سياسي أخر غير منظمة التحرير الفلسطينية القدرة القانونية أوالتفويض الازم لتمثيل الاجئين.
8 نحن نتفق أيضا مع البروفيسور جودين-جيل على أنه "حتى يتم الاتفاق على تسوية دائمة، لن تكون للدولة الفلسطينية المفترضة أراض تمارسة السيادة الفعلية عليها. حدودها سوف تكون غير محددة أومتنازع عليها، لن يكون سكانها فعليا أو افتراضيا محددين، وسوف يستمر الكثير منهم بالعيش تحت الاحتلال أو في دول اللجوء. قد تكون دولة مراقبة في الامم المتحدة، إلا أنها لن تلبي المعايير المتفق عليها دوليا للدول. وسوف يكون لهذا تأثير جدي على الفلسطينيين عامة وخاصة فيما يتعلق بالتمثيل الشعبي للذين لا يقيمون في الارض الفلسطينية المحتلة."
9. وفي الساحة الفلسطينية، هنالك تخّوف مشروع من أن المبادرة الحالية سوف تؤدي إلى تغيير، مقصود أو غير مقصود، في وضع المنظمة كالممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في الامم المتحدة. فبالإضافة إلى التأثيرات القانونية السلبية، تثير هذه الخطوة عدة مسائل دستورية. فوفقا للمادة( 7)أ للنظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية: "المجلس الوطني هو السلطة العليا لمنظمة التحرير وهو الذي يضع سياسة المنظمة ومخططاتها وبرامجها." أضف إلى ذلك أن المادة 5 من النظام الاساسي تنص على أن أختيار أعضاء المجلس الوطني يتم بالاقتراع المباشر من قبل الشعب الفلسطيني. كما أن النظام الانتخابي للمجلس الفلسطيني الذي تم اصداره في 17 تموز 1965 ينص على أن "لكل فلسطيني حق انتخاب المجلس الوطني الفلسطيني، إذا أكمل الثامنة عشرة من عمره، وكان اسمه مسجلاً في أحد جداول الانتخاب النهائية، ولم يكن معتوهاً أو مجنوناً، ولم يكن محكوماً بجناية أو بجريمة تمس الشرف الوطني."
10. آخذين بعين الاعتبار أن الانتخابات المباشرة للمجلس الوطني الفلسطيني لم تعقد حتى الآن، فإنه لا يمكن، في هذا الوقت، تأمين التفويض الشعبي الواسع الازم لإجراء هذه التغييرات الكبيرة في هيكلية الحكم والتمثيل التي تخص منظمة التحرير الفلسطينية. دستوريا، ووفقا للنظام الاساسي للمنظمة، لا تمتلك اللجنة التفيذية للمنظمة أو المجلس المركزي الصلاحيات باتخاذ هذه الاجراءات التي سوف التي سوف تغيّر مكانة و دور المنظمة بشكل جذري: هذه المكانة التي تم الحفاظ عليها على مدى سنين طويلة و التي تم الوصول اليها وتعزيزها عبر عقود من النضال والتضحية.
11. برأينا، لا يمكن دستوريا تغيير الوضع القانوني لمنظمة التحرير الفلسطينية كالممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في الامم المتحدة، أو استبدالها بجسد ممثل آخر ألا وهو دولة فلسطين، بدون اجماع شعبي واسع يتم التوصل إليه بعد إجراء نقاش فلسطيني شامل، يتمثل في انعقاد مجلس وطني فلسطيني منتخب بشكل مباشر من قبل كافة أبناء الشعب الفلسطيني و بغض النظر عن مكان اقامتهم. والاعتراف الدولي يجب حشده دعما لذلك، كنتيجة تنبثق عن الارادة الشعبية.
12. بناءاً على هذه المخاوف والشكوك، نطالب بما يلي:
أ. أن تقوم جميع المبادرات الدبلوماسية، بما فيها مبادرة أيلول في الأمم المتحدة، بالحفاظ على مركز ومكانة المنظمة كالممثل الشرعي والوحيد في الامم المتحدة، وأن تقوم بحماية وتعزيز الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، وخاصة حق عودة الاجئين للأراضي التي هجروا منها عام 1948.
ب. أن تقوم اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بتقديم الضمانات الازمة بهذا الصدد.
ت القيام باجراء انتخابات مباشرة للمجلس الوطني الفلسطيني بشكل فوري حتى يكون باستطاعة جميع الفلسطينين انتخاب ممثليهم، و بغض النظر عن أماكن اقامتهم. هذه الانتخابات سوف تكون الاساس الديمقراطي لوضع البرنامج السياسي الوطني ولتفعيل المؤسسات التمثيلية لمنظمة التحرير من أجل الحفاظ على التمثيل القانوني الفعلي للشعب الفلسطيني ككل وتعزيزه وتقويته.
الموقعون:
د. أنيس فوزي القاسم، المستشار القانوني للوفد الفلسطيني لمفاوضات مدريد وواشنطن
د. أنيس مصطفى القاسم، الرئيس السابق للدائرة القانونية في المجلس الوطني الفلسطيني، الأمين العام للمنظمة الدولية للقضاء على التمييز العنصري ( ايفورد)
المحامي بشير الخيري، العضو السابق في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية
المحامي ربحي قطامش، أمين سر نقابة المحامين الفلسطينيين
البروفيسور جورج بشارات، أستاذ القانون الدولي، كلية هيستنجز للحقوق، جامعة كاليفورنيا
المحامية ماري نزال البطاينة، رئيسة صندوق العون القانونيّ لفلسطين
البروفيسور محمد يوسف علوان، أستاذ القانون الدولي، الأردن
الباحثة القانونية ريم البطمة، المحرر المساعد لكتاب فلسطين السنوي للقانون الدولي
د. محمد خليل الموسى، أستاذ القانون الدولي، جامعة البحرين
البروفيسورة سامرة اسمير، جامعة كاليفورنيا في بيركلي
البروفيسورة نادرة شلهوب كيفوركيان، كلية الحقوق، الجامعة العبرية
د. لينا الملك، مستشارة قانونية
المحامي نمر سلطاني، كلية الحقوق، جامعة هارفرد
المحامية نورا عريقات، أستاذة غير متفرغة في القانون الدولي لحقوق الإنسان، جامعة جورج تاون
المحامي جميل دكور، مرافع قانوني، الولايات المتحدة الأمريكية
المحامية لين الخياط
المحامية هانية السبعاوي
المحامي مروان دلال، محامي استئناف في مكتب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا سابقا
المحامي مازن المصري، كلية أسجود هول للحقوق، جامعة يورك، كندا