كما أشرت في افتتاحية العدد فقد جاءت القصيدتان من استراليا، لتفتحا الجغرافيا على حدودها القصوى بالنسبة لقراء (الكلمة) وكتابها على السواء.

قصيدتان

زياد آل الشيخ

 

1. أبو عبدالله الصغير يناجي وزيره

ما الذي تنقُشُهُ عيناكَ بالدمع ِ

على خاتمِ مُلْكي كلما قَبَّلْتَ كَفِّي يا وزيرْ

ما الذي تلقيهِ في نسمةِ وردٍ عَبَرَتْ ذاكرتي

وأنا أنظرُ في نافورةٍ تعْزفُ من بَهْو السفيرْ

ما الذي يسْكُبُهُ كأسُكَ في كأسي

إذا مِلْتُ بجِسْمي عنكَ كي أشربَ من ماءِ الغديرْ

ما الذي تَغْزِلُ من أهدابِ ثوبي ؟

وردةً في معْطَفي

أم شوكةً في قدمي

قصةً من حَسَك ٍ

أم شعْرَ حبٍّ من حريرْ

كيف تُخفي بسمةً بين التجاعيدِ

إذا يدخلُ للحَمْراءِ من قَشْتالةَ الآنَ رسولٌ

حاملا ًفي يدهِ عهْدي الأخيرْ

أتَرى الطيرَ التي تنقرُ "لا غالبَ إلا اللهَ " في قلبي الصغيرْ

أتَرى مُلْكَ بني الأحمرِ يجْري في العَنَاقيدِ

وفي صيحةِ ديكٍ في (البيازين)

وفي حُمْرةِ خدٍ يشربُ الدمعَ الذي نُهْرِقُهُ؟

أترى (شانيلَ) في عينيَّ

أم صحراءَ نجدٍ  وأنا أركبُ في الليلِ الضريرْ

أترى (فاسَ) على صفحةِ سيفي

عندما أشْهِرُهُ؟

أم ترى (الزهراءَ) تمتدُّ من المزنِ على تلٍ كبيرْ

ما الذي يطفئ قنديلكَ في كهْفي إذن؟

لم أعدْ أقرأ عينيكَ كما كنتُ صغيراً

لم تعدْ عيناكَ مرآةَ الينابيع ِ!

ولا نضَّاحةَ الدمعِ الغزيرْ

لم يعدْ خاتمكَ الأخضرُ بُسْتاناً جميلاً

عندما أنظرُ في لمْعَتِهِ!

لم تَعُدْ لحْيتُكَ الحَمْراءُ ظلا ًبين كَفَّيكَ ظليلا ً

يا وزيرْ !

2. أبو عبدالله الصغير طريد زفرته

لا أنادي من هنا

خشيةَ أن يرجعَ صوتي معه شبَّاكُ قصري

لأرى أمي تنادي

وأرى من مجلسي رائحةَ الريحانِ شرقاً

وأرى غرباً خلاخيلَ الجواري

بيد أني كلما أنظرُ في مرآةِ نبعٍ لا أرى شيئاً

إلى أن يتهادى ماءُ وجهي كدراً

ثم أرى غصني الذي يحرقُهُ الوقتُ

أرى مئذنةً تفلتُ مني

باب نجدٍ فاتحاً نافذةَ التاريخِ كي أخرج منها

طائراً مشتعلاً يرفلُ في زيتٍ ونار ِ

مغمضاً عينيّ من راية قشتالةَ في الحمراء أجثو

قربةُ الصمتِ تغني بفمي

إذ لحظةً أنصتُ لا أسمعُ إلا زفرةٌ تلحقني

أخلع ملكي ثم أجري

تتقفاني كظلي

أتخفى غابةً

تمتدُّ في إثري حريقاً

أرتدي خفةَ روحي قبل أنْ أقفز ظبيا ً

تمتطي خلفي حريرَ الريحِ سهماً

عابراً بين غديرين غديراً ...

أنتهي قلعة نفسي

بينما تلحقني زاحفةً جيشاً وفي رايتهِ ليلُ حصاري

وأنا أهمسُ "غرناطة لي"

يصعد غيمٌ من فمي

يصعد مني هكذا: "غر... نا... طتي"

غيناً تسلُّ الراءَ من روحي

ونوناً خرجتْ تنزفُ مني ألفَ الآهِ التي في خصرها

طاءً تجرُّ التاء أنثاها التي أعقد يائي حولها شالاً

إذا أمسكهُ تفلتُ غرناطةُ مني

بينما تحملها الريحُ بعيداً كوكباً فوق البراري

* شاعر من السعودية يعيش في كانبرا أستراليا