يواصل الشاعر والمترجم الفلسطيني تقديم جغرافيات شعرية من مختلف التجارب الإبداعية الكونية، هنا مختارات من القصائد لشاعر من جنوب افريقيا رحل عنا هذه السنة، ومن مجموعته الشعرية "صدَى الضَّوءِ" {الصادرة بجوهانسبرغ، 2007م} وهي التاسعة ضمن مجاميعه. وفي هذه المختارات نكتشف عوالم القصيدة الداخلية وعوالمها الآسرة من خلال قصائد يسمها الشاعر بالمكان المطهر.

المكانُ المطهَّرُ الَّذي هوَ قصيدةٌ

ستيفن واطسون

ترجمةُ: محمَّد حلمي الرِّيشة

 

رنينُ الرِّيحِ
(إِلى فيونا بايجري)

لَم يكُنْ هناكَ قطُّ أَيُّ بابٍ إِليها، سِوى عنْ طريقِ الصُّدفةِ
حَوالي الظُّهرِ. لقدْ قُمتِ بالبحثِ، بنظرةٍ خاطفةٍ إِلى فناءِ المطبخِ:
يومٌ يشبِهُ أَيَّ يومٍ آخرَ كأَنَّ الصَّيفَ ينسحبُ إِلى نهايتهِ،
لكنَّه تلاشَى مثلَ الكثبانِ الرَّمليَّةِ، وكثبانِ القشِّ وراءَ خليجِ "كالْك"،
و
ريحُ البحرِ تعزِّزُ كلَّ شيءٍ خلالَ الصَّباحِ،
ومواقفُ
السَّياراتِ علَى طولِ الشَّواطئِ كلُّها فارغةٌ الآنَ،
ولكنْ بالنِّسبةِ إِلى شاحناتِ البلديَّةِ، فإِنَّها تُجمَعُ النِّفاياتِ؛
والأَطفالُ عادُوا قبلَ ثلاثةِ أَسابيعَ إِلى المدرسةِ فِعلاً.

مَا مِن مفتاحٍ هناكَ، لكِ، سِوى فناءٍ مثلَ هذَا،
هوَ منَ الأَسمنتِ القديمِ، اجتاحَتْه الرِّيحُ أَمسِ، واجتاحَتْه مرَّةً أُخرى،
وأَوراقُ النَّباتِ مثلَ اللَّحمِ، وظلُّ الأَوراقِ
الَّتي نضجتْ سوداءَ، وفاكهةُ الظِّلِّ فِي توهُّجِ الظَّهيرةِ
خَسِرتْ داخلَها تقريبًا في غضونِ ذلكَ، ونادرًا مَا يُسمعَ فِي البدايةِ
تجاهَ هديرِ المدِّ والجزرِ، فالطَّقسُ جبَّارٌ جدًّا هُنا-

ثلاثُ نوتاتٍ فضِّيَّةٌ وأُنبوبيَّةٌ: مُوسيقَى رنينِ الرِّيحِ
تتناثرُ فِي ضوءِ الشَّمسِ، وفِي فناءٍ خلفيٍّ فوقَ البحرِ.

 
مفقودةٌ وموجودةٌ، ومفقودةٌ مرَّةً أُخرى، ويمتدُّ الخليجُ وراءَها،

ويتلاشَى، ولامبالاةٌ زرقاءُ فِي الرِّيحِ-

لكنْ هذهِ هيَ فَلسفتي، وشِعري، وبُؤسي.
يُمكِنني أَنْ أُقدِّمَ ليسَ أَكثرَ منْ فرصةِ يومٍ واحدٍ
تراختْ منْ قِبل الطَّقسِ-  لحظةَ رنينِ الرِّيحِ
كمَا تأْتي وتذهبُ، وتتمايلُ فِي هواءٍ عشوائيٍّ،
ولهَا
ثلاثُ نوتاتٍ حميمةٍ معَ السَّلوانِ الخاصِّ بِها،
ومظلَّلةٌ كمَا لَو تستحمُّ بتلاشِيها.

يُمكِنني أَنْ أَجلبَ، فقطْ، مثلَ مَا تجلبهُ الأَشياءُ
فِي الزَّوالِ: يومٌ، وفضاءٌ لاَ يزالُ مهجورًا إِلى حدٍّ بعيدٍ

أَكثرَ منْ هذهِ الضَّواحي المتوقَّفةِ والشَّاغرةِ  بجانبِ البحرِ؛
مكانٌ لكِ، مرَّةً أُخرى، يَسمحُ بالدُّخولِ،
وهُنا، حيثُ يوجدُ هناكَ مَا هوَ موجودٌ الآنَ:
ذلكَ الوقتُ نفسُه قدْ تضخَّمَ، وظلُّ فاكهتهِ
فِي
هذهِ الشَّمسِ، وهذهِ الظَّهيرةِ، ورنينُ الرِّيحِ فِي ريحِ البحرِ،
وفِي يديكِ، يديكِ الفارغتينِ، لحمُ الزَّمنِ.

 

فنُّ العُزلةِ

"منْ خلالِ الشِّعرِ فقطْ يمكِنُ للإِنسان المنعزلِ أَن يسمعَ فِي تاريخِ الإِنسانيَّةِ."
(تشارلز سيميك)

I
هُنا، فِي (كرومريفير)، وفِي فصلِ الشِّتاءِ الأَخيرِ،
يعرضُ كلَّ يومٍ يستطيعُ: سماءً
فِي أَوقات مختلفةٍ من قِبل سحابةٍ،
وبعضَ الحصَى المغسولِ في مسارِ مدينةٍ صغيرةٍ،
والمنقوشِ فِي سريرِهم بمطرِ الأَمسِ الحادِّ.

ثانيةً، ستجدُ الأَشياءَ الَّتي تُعطِيها

الجبالُ: الظِّلَّ، لاحقًا، هوَ الكمدُ

في سوادهِ، والكثيفُ في الغُروبِ
بجَلمودِ الصَّخرِ المتدَاعي في سقوطِ الحصَى
علَى طولِ جدارِ الوادِي الجنوبيِّ هذَا.

أَوْ عليكَ أَن تعرِفَ بعضَ الصِّلاتِ القديمةِ:
سعادةَ المشيِ إِلى الخلفِ في وقتٍ متأَخِّرٍ منَ اليومِ،
مِن خلالِ ظلِّ (سوغارلوف)،
مُسرِعًا لتجتازَ الجبهةَ الباردةَ التَّاليةَ

الَّتي تهبٌّ خلفكَ في نقطةِ التَّحوُّلِ -

 

ومِن ثُمَّ، علَى الامتدادِ، مِن أَجلِ بلوغِ قمَّةٍ
حيثُ يمكِنكَ أَن تَرى واديًا بعيدًا،
وطريقَ الجبلِ ذلكَ، الفارغَ خلالَ
مَا بعدَ الظُّهرِ، وأَوساخًا تلاشتْ في نهايةِ اليومِ،
هوَ الوساطةُ الوحيدةُ لنفسِها حيثُ أَنَّها ليستْ مكبَّاتٍ

أُطلِقتْ بخفَّةٍ مِن قِبلِ سطحِها الشَّاحبِ
عبرَ مرتفَعٍ، وقممٍ أُخرى،
ومنحنياتٍ مسترخيةٍ لأَنَّها ممتدَّةٌ،
وارتفعتْ وهوَتْ بعيدًا لتكسبَ تلكَ الحقولَ،
وبساتينَ الحمضيَّاتِ علَى طولِ سهولِ النَّهرِ.

II
لكنْ، أَكثرَ منْ ذلكَ، عليكَ أَن تعرفَ القرابةَ الأَقدمَ،
مُستمعًا لِـ (سافو)، وغنائيَّتِها المجروحةِ الَّتي نَمتْ هادئةً
فِي ابتهالِها إِلى نجمةِ المساءِ،
وهذَا قدْ يُرجِعُ الخرافَ، والماعزَ،
ويُرجِعُ الطَّفلَ إِلى أُمَّهِ.

وذاكرةُ (هوراس)، أَيضًا،
وسأَمُ (روما)، وشوقُه القديمُ
فيِ حدِّ ذاتِه لفيلاَّ صغيرةٍ فِي البلادِ،
معَ قطعةِ أَرضٍ منَ الغاباتِ، وربيعٌ
لنْ يبهتَ حتَّى فِي فصلِ الصَّيفِ.

كانتْ هُنا، فِي الواقعِ، تلكَ المرَّةُ الأُولى حيثُ التقيتُهم،
الشُّعراءَ الصِّينيِّينَ، منْ بينِهم (وانغ وي)،
وآخرينَ مثلَ (تو فو) معَ نايهِ الـ (تارتار).
فِي هذَا المكانِ كانَ هناكَ مكانٌ
آخرُ لهؤلاءِ مثلَ (هسيه لينغ-يون)

الَّذي، فِي قصائدهِ الجبليَّةِ،
تسلَّقَ وراءَ كهفِ الرِّيحِ،
وتجوَّلَ وسطَ ينابيعِ السَّحابةِ،
ليلةً واحدةً، فِي مكانٍ مَا فِي السَّنواتِ
وراءَ سقوطِ سلالةِ (شين)،

وقفَ رجلٌ وحدَهُ بظلِّهِ
مهمَلاً، تحتَ نجمةِ النَّهرِ
الَّتي حتَّى الآنَ، فِي هذهِ اللَّيلةِ بالذَّاتِ، تصبُّ
مستجمعَها الكبيرَ منَ النُّجومِ، ودربِ اللَّبَّانةِ،
إِلى الغربِ مِن جبالِ (كرومريفيو).

III
كانُوا منفيِّينَ جميعًا - (هسيه)
أَكثرَ بمرَّتينِ قبلَ إِعدامهِ
فِي 433. كانتْ نساءٌ أَيضًا،
وكانَ رجالٌ، لاَ شفاءَ أَبدًا لأَنفسِهم،
أَو لمكانِهم فِي الوقتِ المناسبِ.

لكنَّهم، أَيضًا، شهدُوا الصَّباحَ
مشكَّلاً بصقيعِ اللَّيلةِ الفائتةِ،
وولادةَ هذَا السُّكونِ العظيمِ
فِي الصَّقيعِ الَّذي شكَّلَ -

الابتهالَ الَّذي هوَ الفجرُ.

سمِعُوا فِي عالمهِم الجبليِّ
العالمَ - مثلمَا كانَ إيمانُهم، وزُهدُهم -
يُعلِن عنْ نفسِه أَعلَى وأَعلَى
فِي تصريحاتِه الهادئةِ فقطْ،
ودائمًا - كمَا اليومُ - فِي الحاضرِ:

ثَمَّ
صقيعٌ. بعضُ الظِّلالِ
صَبغتْ طريقًا حصويَّةً. ضوءُ النَّهارِ
القمريُّ يقفُ علَى (سيريس كاروو)،
والجبالُ مبيضَّةٌ بالصَّخرِ الطِّينيِّ،
وبهطولِ المطرِ الخفيفِ هناكَ.

IV
عندَ مداخلِ النَّهرِ فِي الخريفِ، وتحتَ المطرِ،
يعبُرونَ الممرَّاتِ الجبليَّةَ
بعيدًا عَن أَيَّةِ مدينةٍ، وتسلَّقوا
وراءَ صعودِ وأُفولِ
السُّلالاتِ، و"دورانِ أَحلامِهم".

عندَ مداخلِ النَّهرِ فِي المساءِ،
فِي تَجوالِهم بدونِ العودةِ إِلى الوطنِ،
فِي ذلكَ المنفَى المجهولِ الوجهةِ،
لكنْ فِي حدِّ ذاتِه، كانُوا يعلَمونَ خسارَتهم -
العزلةَ الَّتي تشهدُ الخسارةَ كلَّها.

لكنْ مِن ممرَّاتِ المشَّائينَ، والسَّنواتِ، والقلبِ
المجروحِ عندَ حلولِ الظَّلامِ،
علِمُوا اللَّحظةَ فقطْ،
ونقاءَ اللَّحظةِ،
لتلكَ الَّتي لَم تكُنْ أَخيرةً:
ذلكَ الفجرُ، بدونِ استعارةٍ،

نقَّى مجيئَهم، والقمرَ الجديدَ
الَّذي اختصارهُ وخزفهُ منَ الـ (لوسنت)
حيثُ يريدونَ أن يُسكبَ
فِي ذلكَ المكانِ المطهَّرِ الَّذي هوَ قصيدةٌ.

V
ظلالُهم مَعي، مرَّةً أُخرى، عندَما،
منْ قبلِ يومٍ، أَزرقُ هذهِ الجبالِ
يجفُّ فِي مهبِّ الرِّيحِ، وسماءٌ تتآكلُ
وتتلاشَى فِي حرارةٍ تنزلُ منْ علوِّ
الوديانِ غائصةً بالحصَى، والصَّخرِ الطِّينيِّ.

مرَّةً أُخرى، فِي القمرِ الَّذي كانَ مؤخَّرًا
حكَّ مسارَ الرِّمالِ الشَّاحبِ
معَ الشُّحوبِ السَّاكنِ، ورشحَ فضَّةً،
الرَّملُ المتجمِّدُ لضوئِه القمريِّ،
رجلٌ فِي وقتٍ متأَخِّرٍ يعودُ عبرَهُ؛

عندَما تجلبُ هذهِ الجبالُ
وحدَها برودةً فِي تلكَ اللَّيلةِ
تندمجُ باتِّجاهِ حجارةِ جانبِ الطَّريقِ،
والصَّمتُ الآنَ مُنْحنٍ باسترخاءٍ، وتأْثيرهُ
مثلَ صَدفةٍ متحجِّرةٍ عملاقةٍ فِي جوفِ الظَّلامِ -

عادُوا إِليَّ - (سافو)،
هؤلاءِ مثلَ (هْسيه). صوتٌ يعودُ
فِي فتافيتِ امرأَةٍ، وصينيٍّ

منفيٍّ. الشِّعرُ يعودُ
معَ مَا كانَ عليهِ، وسيكونُ -

الصَّوتَ المسافرَ، الَّذي لَم يزلْ
يحمِلُ عبرَ العصورِ
الأَصواتَ داخلَ صوتِ الخسارةِ
حيثُ الملاحظةُ القديمةُ: بيتُ عزلتِنا،
هوَ فنُّ تماسكِنا الأَقدمُ.

الهديَّةُ

جلبتَ لِي عوالمَ أُخرى، هُنا
حيثُ تقفُ أَشجارُ التَّنُّوبِ، كلُّ واحدةٍ ساريةٌ
تدرَّجتْ فِي حوضِ منتصفِ النَّهارِ لظلِّها،
حيثُ القشُّ كثيفٌ فِي ثباتِها،
وضعَتْ قصبًا علَى قصبٍ فِي حرارةِ عيدِ الميلادِ.

 

أَعطيتَني محطَّةَ التَّلِّ هذهِ، والعالمَ

حيثُ كلَّ يومٍ أَصْلُ الجبالِ سحابةٌ
تذهبُ ذاخرةً بظلِّ سحابةٍ
أَقلَّ بكثيرٍ، عبرَ المروجِ العاليةِ، بعيدًا
نحوَ مَا بعدَ ظهيراتِ أَفريقيا الجبليَّةِ.

كانتْ هناكَ مرَّةً أُخرى، فِي ذلكَ البلدِ العاليِّ،
حيثُ يمكنُ أَن نشاهدَ تلكَ الغيومَ
تذهبُ ممتطيةً ظلالَها
عاليًا فوقَ طرقِ قِطعِ الأَشجارِ، والشَّلاَّلاتِ،
وتعودُ إِلى الجبالِ المخدُودةِ بحجارتِها.

جلبتَ عالمًا حيثُ الحبُّ يعودُ
إِلينا - السُّهولُ وشاعريَّتُها، والفضاءُ

مبقَّعٌ تحتَ لعبةِ الضَّوءِ والظِّلِّ،
وذلكَ يحمِلنا كمَا لَو أَنَّ سُحبَها

المتمدِّدةَ تجرِي، وتتبخَّرُ،
بعيدًا كمَا (وينتربيرج)، المتقوِّسُ بعيدًا تجاهَ الجنوبِ،
وبعيدًا كمَا (أَماتولاس)، وجبالُ (كالف).

صدَى الضَّوءِ
كانتِ الرِّيحُ عاليةً عندَ شجرةِ النَّخيلِ الباسقةِ، وفروعُها

تتمايلُ خللَ ضوءِ قوسِ مصابيحِ الشَّارعِ، والعاصفةُ القويَّةُ،
تقذِفُ مَدى
الظِّلِّ، والضَّوءَ المتشقِّقَ، بعيدًا باتِّجاهِ
الظَّلامِ فِي تلكَ اللَّيلةِ. لقد هوَوْا خللَ إِطارِ نافذتِنا.
كنتُ نمتُ واستيقظتُ، ونمتُ مرَّةً أُخرى، وجبهةٌ باردةٌ
في الختام، وصوتُ الرِّيحِ الآنَ يوجَّهُ بالتِّلالِ،
وسحبُ المطرِ الآنَ نحوَ تلكَ التِّلالِ، تخرجُ إِلى البحرِ،
بينَما كنتَ تعملُ، في 2:00 قبلَ الظُّهرِ، فِي الغرفةِ الشِّتائيَّةِ.

وهذَا الحلمُ الَّذي استيقَظْنا منهُ مرَّةً
أَو مرَّتينِ فِي العمرِ، لنقعَ فِي حلمٍ آخرَ،
كانَ هناكَ مرَّةً أُخرى، وكانتْ هناكَ غرفةٌ، وكلُّ كائنٍ
هدأَ حيثُ تُركَ، وكُسيَ بظلِّهِ ذاتِه.
وكانَ هناكَ وجهٌ - ولكنْ كمَا لَو أَنَّهُ كانَ دائمًا
هناكَ، منتظرًا وراءَ السَّريرِ حيثُ أَستلقِي يقِظًا،
والضَّوءُ وراءَهُ، والمصباحُ تُركَ مشتعلاًً، وتوهُّجهُ
رقيقٌ، وهالةُ شتاءٍ، ولونُ الكمَّثرى النَّاضجةِ.

لَم أَنبِسْ ببنتِ شفةٍ، وذلكَ الوجهُ قريبٌ جدًّا، وحتَّى الآنَ
مِن فَوقي، يُراقبُ مِن حافَّةِ الضَّوءِ
الَّذي وضعَ حافَّةَ الظِّلِّ علَى عينَيْها، وابتسامتِها.
لَم تفعلْ حركةً للذَّهابِ، في تلكَ اللَّيلةِ الواحدةِ مِن عدَّةِ ليالٍ،
حتَّى
سهرَها دائمٌ، بينَما العاصفةُ لَم تزلْ، وتتحرَّكُ

خارجًا نحوَ البحرِ، ولَم يزلِ الظَّلامُ. لكنَّها كانتْ مثلَ موجةِ
الضَّوءِ اجتاحتِ الغبارَ الَّذي هوَ نجمُ الغيومِ،
والمسافرُ لأَشهر، بعدَ سنواتٍ، ومستمرًّا فِي حطامِ النُّجومِ

الَّتي لمْ تزلْ علَى مسافةٍ بعيدةٍ، والنِّيرانُ إِلى تلكَ العباءةِ الرَّثَّةِ،
والهالةُ منَ الغبارِ المضاءِ، وعلماءُ الفلكِ استدعَوا صَدى الضَّوءِ.
رأَيتُها فِي عينيكَ ذاتَ ليلةٍ حيثُ كنتَ واقفًا هناكَ
تراقبُ انتهاءَ عملِكَ، والتَّوقُّفَ عندَ حافَّةِ سريرِنا
حيثُ الضَّوءُ علَى الَّذي جاورتهُ ليسَ خُدعةَ ضوءٍ، وعاصفةَ
ضوءٍ فِي النَّخيلِ المهشَّمِ. رأَيتُها للحظةٍ، وهذهِ
الَّتي يتوقُ إِليها الرِّجالُ بطريقةٍ مَا حيثُ يُمكِنهم القولُ بصعوبةٍ،
أَو بالكادِ يجرُؤونَ علَى أَن يقولُوا:

- إِنَّهُ حتَّى واحدٌ مِثلي
يمكِنهُ أَن يدخلَ إِلى تلكَ الشَّركةِ؛ وهذَا أَنا أَيضًا، مِن خلالِكم،
فِي السَّاعةِ الأَكثر سرِّيَّةٍ منَ اللَّيلِ، وفِي مدينةٍ الآنَ لسنواتٍ خلتْ،
يمكِنُ قَبولُ دخولهِ إِلى هالةِ تلكَ الكلمةِ الواحدةِ
مثلَ مصباحٍ - للنَّومِ مرَّةً أُخرى، والحبيبِ، والاستيقاظِ،
ومِن ثمَّ عيشُ حيواتِنا، فقطْ، حتَّى وقتٍ قريبٍ لنفترقَ،
فِي صَدى ذلكَ الضَّوءِ، وغبارِ تلكَ اللَّحظةِ الواحدةِ
مِن خلالِ الضَّوءِ الَّذي مَا زالَ مسافرًا، ليصلَ إِليَّ هُنا
فِي سَهري، والعاصفةِ الأُخرى، والظَّلامِ الآخرِ، هذهِ اللَّيلةَ.

(منَ المجموعةِ الشِّعريَّةِ "صدَى الضَّوءِ"، جوهانسبرغ، 2007م)

 

* ولدَ ستيفن واطسون في كيب تاون- جنوبَ أَفريقيا في العامِ 1954م. درسَ في جامعةِ كيب تاون، ثمَّ صارَ أُستاذًا في قسمِ اللُّغة الإِنجليزيَّة. نشرَ تسعَ مجموعاتٍ شعريَّةٍ كانَ آخرُها "صدَى الضَّوءِ" 2007م، وثلاثةَ كتبٍ أُخرى. أَحدثُ مؤَلَّفاتهِ كتابٌ بعنوانِ "الموسيقَى في الثَّلجِ" 2010م، وهو عبارةٌ عن مجموعةٍ من المقالاتِ حولَ الكتابِ والكتابةِ وأَشياءَ أُخرى. قامَ أَيضا بتحريرِ عددٍ من الكتبِ، بما في ذلك "مدينةٌ متخيَّلةٌ" 2006م. وفي العام 2000م أَصبحَ مديرًا لمركزِ UCT المشهودِ على نطاقٍ واسعٍ للكتابةِ الإِبداعيَّةِ. حاز على جائزة الروائي Ceridwen Dovey وجائزةِ Tania van Schalkwyk، وفازَ مؤخَّرًا بجائزةِ Ingrid Jonker  للشِّعرِ باللُّغةِ الإِنجليزيَّةِ. توفي في 10 نيسان/أَبريل 2011م.

 

الاستماع

قراءة صوتية للكلمات

القاموس - عرض القاموس المفصل