نجيب ـ ماذا هناك يا غزالة؟ هل تعافي الجريح تماما؟
غزالة ـ العكس هو الصحيح، الجريح مات، أنه الأن جامد بارد مثل قطعة من الحديد في ليل الشتاء؟
نجيب (منزعجا) هل حقا مات؟ (يتقدم منه ويتحسس نبضه) لقد مات فعلا، فمن أين جاءت الاخبار المفرحة؟
غزالة ـ الاخبار المفرحة، أنه قبل أن يموت، جاءته صحوة الموت فرايته ينهض براسه طالبا الماء، فبقيت استنطقه عن اسم قاتله الا أن لحظة الاحتضار والغرغرة داهمته قبل أن يتكلم فواصلت معه المحاولة حتى نطق بالاسم محمد بن حمد الحمداني.
نجيب (يتنفس الصعداء) الحمد لله، كنت دائما اعرف أنك امرأة شجاعة حكيمة. هذا بالتاكيد سيفيدنا أمام أهل الحكومة، الذين هم في طريقهم الينا، فقد رأيت سيارتهم من بعيد تصنع عمودا من غبار يركض في الصحراء، وسيكون منظر الخيمة علامة يهتدون بها الينا.
(ما أن ينتهي من كلامه حتى يظهر صوت سيارة، يضرب سائقها البوق، مناديا وطالبا الاذن بالمجيء للخيمة)
نجيب ـ هاهي سيارة الحكومة قد وصلت، أعدي لهم شيئا من حليب النوق، ساذهب للترحيب بهم وإحضارهم.
غزالة ـ (تخاطب الجثة) لأول مرة تاتي الحكومة إلى بيتنا، من أين جئت إلينا وجئت بالمصائب معك، أعطاك الله مصيبة تأخذك، وهل هناك مصيبة أكثر من هذه التي قصفت عمرك، ليرحمك الله ويغفرلك ما اتركبته في حقنا من إثم، وما سببته لنا من ازعاج.
نجيب ـ (يدخل وهويتقدم ضابطا واثنين من افراد الشرطة بالملابس الرسمية) تفضلوا ياسيادة الضابط، وأنتما أيها الشرطيأن المحترمان، هذا هو الرجل الجريح، أقصد الذي كان جريحا، ومات منذ مدة قليلة.
الضابط ـ ليرحمه الله (يتقدم ليرفع الغطاء عن وجهه ويتأكد من موته) هل كنتما تعرفانه، أنت وزوجتك؟
نجيب ـ لا نعرفه ولا نعرف حتى اسمه، وجدناه مصابا برصاصة في صدره، مرميا تحت شجرة الرتم قريبا من مرعى النياق، فأحضرته إلى الخيمة لإسعافه، ولكن إرادة الله نفذت فيه.
الضابط ـ هل رأيتماه قبل إطلاق الرصاص عليه، ورأيتما من فعل به ذلك.
نجيب ـ لم نر أو نسمع شيئا، كان الجو عاصفا ذلك اليوم؟
الضابط ـ وكيف تستطيعأن اثبات أنكما لم تكونا طرفا في المشكلة، والرجل الجريح كان في خيمتكما ومات فيها.
نجيب ـ استطعنا أن نعرف منه اسم قاتله، واعتقد أنكم عندما تقبضون عليه ستتضح الأسباب التي أدت إلى قتله، أنه بالتأكيد لم يات إلى هذه الصحراء بمفرده، دون زاد ولا مركوب.
الضابط ـ ماهو اسم القاتل؟
غزالة (تتدخل في الكلام) محمد بن حمد الحمداني.
الضابط (يكرر الاسم) هل قال لكما القتيل هذا الاسم؟
نجيب ـ نعم عندما سالته غزالة عن اسم المجرم الذي أطلق عليه النار.
الضابط ـ للاسف هذا الكلام ليس صحيحا.
نجيب وغزالة (بأنزعاج) لماذا ليس صحيحا.
الضابط (يخرج ورقة من جيبه) لأن هذه هي ورقة البلاغ التي صدرت من هيئة الامن باعتباره مفقودا، وتحمل صورته، فهذ ا الاسم هو اسم القتيل المطابق لصورته، وليس اسم أي قاتل أو مجرم.
غزالة ـ هل ظنني أسأله عن اسمه؟ وما الذي أريده باسمه؟ وكيف ينسى ذكر اسم قاتله. هل أنتحر أنتحارا؟ وأين المسدس الذي أنتحر به إذن؟
الضابط ـ هل أنتحر؟ هل قتل؟ ومن قتله؟ هذا ما سيسفر عنه التحقيق. للأسف لن نستطيع أن نعود إلى المركز بجثة القتيل فقط، ونترك أهل الخيمة التي وجدنا فيها المفقود ميتا. (يأمر العسكريين المرافقين له بوضع الكلبشات في يدي نجيب وزوجته، وكلاهما يحتج ويصرخ معلنا براءته، ويخرجان بهما باتجاه السيارة، في حين يدخل المخرج)
المخرج ـ هذه النهاية التي اقترحتها للمسرحية، وهي نهاية لا تحمل إدانة ولا تمجيدا للنوع الإنساني، ولكنها تحمل مأزقا، شائعا في الحياة الإنسانية، ونهاية بها بعض الغموض، لأننا لم نعرف بعد مصير نجيب وغزالة، فهم بريئان يقادان إلى التحقيق الذي قد يدينهما ظلما، أو يجد دليلا على براءتهما، وباعتبار المسرح عملا جماعيا، فلم يكن ممكنا أن نمنع الممثلين من إبداء رأيهم الذي جاء يحمل اعتراضا على هذه النهاية المؤلمة، التي لا يستحقها صاحبيّ الخيمة، ولا تفرح المتفرج الذي لن يسره موت الجريح، واقترح الممثلون نهاية ثالثة رأينا تقديمها لكم لمقارنتها مع النهاية السابقة، والحكم لها أو ضدها.
(لحظة اظلام يخرج اثناءها المخرج ويعود المشهد إلى بداية النهاية الثأنية والمرأة تتحفز لاستقبال زوجها وتتقدم بضع خطوات لابلاغه بالبشارة)
غزالة ـ تعإلى بسرعة يا نجيب لتسمع الاخبار السعيدة المفرحة.
نجيب ـ ماذا هناك يا غزالة؟ هل تعافى الجريح تماما؟
غزالة ـ نعم، نعم، لقد نجحنا والحمد لله في أنقاذه، لقد طاب جرحه وعاد إلى كامل وعيه، وهو يتحرق شوقا للعودة إلى أهله.
الجريح ـ (ينهض من سريره اثر دخول نجيب، ويأخذ يد مضيفه عندما يتقدم منه، ينحني عليها يريد أن يقبلها، بينما يحاول نجيب أن يأخذها منه) اسمح لي أن اقبل يدك امتنانا وعرفأنا بالجميل الذي أسديته لي، عندما فتحت لي خيمتك، وجلست شهرا بجوار راسي أنت وزوجتك، تطببأنني وتعتنيان بي، حتى أعدتماني إلى الحياة، بعد أن كان موتي مؤكدا، ستكون نجاتي مفاجأة لأعدائي، وأنا اتشوق حقا لأن أقدم لهم
هذه المفاجأة.
نجيب ـ الحمد لله على سلامتك، ولكننا لن ندعك تتحرك من هنا خطوة واحدة قبل تأمين طريق العودة إلى أهلك، كثيرا ما يقصدنا بعض فرسأن القبيلة، ولن ندعك تعود إلا بصحبتهم، أو بصحبة الشرطة التي لابد أن تأتي سياراتهم للبحث عنك، فمرحبا بك ضيفا حتى يحين وقت انصرافك سالما آمنا.
الجريح ـ ألم يأت أحد من اهلي للبحث عني؟
نجيب ـ حتى الأن لم يأت أحد.
الجريح ـ أريد أن يقدرني الله على أن اكافئكما مكافأة تتفق مع ما قدمتماه لي من عمر جديد.
نجيب ـ المكافأة حصلت والحمد لله، وهي أن رأينا جهدنا قد تكلل بالنجاح في أنقاذك.
غزالة ـ أنقاذ إنسأن من الموت، له أجر عظيم عند الله في الدار الاخرة، وهو أجر يفوق كل مكافأة يحصل عليها الأنسأن في هذه الدار.
الجريح ـ لا اريد أن أستبق الحوادث، ولكن بجوار أجر الاخرة، فأن أجرا كبيرا أراده لكما الله في هذه الدار أيضا، تتبدل به حياة التعب والشقاء التي تعيشأنها في هذه البادية، إلى حياة رغد وترف وسعادة وهناء.
نجيب ـ هذه أمور بيد الله. فهو الذي يقسم الأرزاق، ويهب الحياة التي يشاء لمن يشاء من مخلوقاته، فأنطلق إلى حال سبيلك، حال تأمين طريق العودة لك، ولا تشغل أمرك بنا فنحن راضون بما كتبه الله لنا.
غزالة ـ (وهي تخرج ترقب الأفق) أرى قافلة من السيارات تجوب تلك المناطق البعيدة من الصحراء المحاذية للجبل.
الجريح ـ إنها بالتأكيد قافلة تبحث عني، ويا خوفي من أن تتوه هذه القافلة عن موقع الخيمة، وتختفي خلف الجبال، فهل لديك يا سيد نجيب سلاحا نستطيع أن نطلق منه اطلاقات في الهواء تجعل القافلة تهتدي إلى مكأني.
نجيب ـ لا أريد أن اكذب عليك بعد هذه العشرة، أملك بندقية أخفيها في غرارة الشعير، لأنني لا أملك ترخيصا باستخدامها، وأخشى لو استخدمتها الأن لصادرها أصحاب هذه القافلة، واعتبروني معاديا للقانون.
الجريح ـ هؤلاء هم أهلى، فاطلق عياراتك النارية ولا تخش شيئا.
نجيب ـ (يتردد في اخراج البندقية من مخبأها) ولكن..
الجريح ـ ساقول لهم إن البندقية ملكي لو حدث أي اشكال، فارجوك اطلق العيارات قبل أن يتأخر الوقت. (يخرج نجيب البندقية ويطلق بعض الاعيرة التي تلفت أنتباه قافلة السيارات التي تظهر أصواتها، ويظهر ضجيجها وقد وصلت بجوار الخيمة، يمكن طبعا عن طريق الإضاءة أن تظهر ظلالها، يخرج منها أناس كثيرون يتجهون إلى حيث الجريح، يحتضنونه ويقبلون يديه وينادون بعضهم بعضا) اصوات ـ الحمد لله سمو الأمير بخير، سمو الأمير بخير، الحمد لله على سلامتك يا سمو الأمير، الحمدلله على سلامتك أيها الأمير، أبشر فقد تم القبض على المتآمرين، واعترفوا بأنهم تركوك جريحا في هذه المنطقة.
نجيب ـ إذن فأنت أمير البلاد.
الجريح ـ أمير منطقة الشمال للمملكة (يرفع صوته مخاطبا الرجال الذين جاءوا للبحث عنه) أريد أن اشهدكم أيها الاخوان أنني وهبت أكبر قصوري لهذا السيد وزوجت،ه يعيشأن فيه ملكا لهما ولذريتهما من بعدهما، ويتقاضيأن راتبا مدى الحيا،ة باعتبارهما من أعوان الامير.
(يحتشد الجميع أمام الخيمة يهنئون الأمير على سلامته، وأهل الخيمة على هدية الأمير، ويدخل المخرج يتوسط هذا الجمع ويتقدم معه إلى مقدمة المسرح مخاطبا الجمهور)
المخرج ـ هذه هي النهاية الثالثة التي يقترحها الممثلون، باعتبار أن همهم دائما هو إسعاد الجمهور، وهناك نهاية رابعة رأى أعضاء الفرقة تركها لكم أيها الحضور الكريم، لكي تقوموا بعد عودتكم إلى بيوتكم بوضع تصور لها، وتاليفها وتمثيلها واخراجها بحسب رؤاكم وافكاركم. فحظا سعيدا لكم مع تلك النهاية وتصبحون على خير.
هذه تجربة مسرحية جديدة للروائي والقاص الليبي أحمد إبراهيم الفقية يفتح فيها مسرحية الصحراء على مجموعة من الاحتمالات المثيرة للتأمل والتفكير.
الجريمة (مسرحية)
أحمد إبراهيم الفقيه
غزالة (تخطو بضع خطوات باتجاه زوجها لتلاقيه وهو يدخل مجال الرؤية للمتفرج) تعالى بسرعة لتسمع الاخبار السعيدة المفرحة يا نجيب.سـتــار