هذه تجربة مسرحية جديدة للروائي والقاص الليبي أحمد إبراهيم الفقية يفتح فيها مسرحية الصحراء على مجموعة من الاحتمالات المثيرة للتأمل والتفكير.

الجريمة (مسرحية)

أحمد إبراهيم الفقيه

الجريح ـ اتوسل اليك يارب أن تقوم باحياء من احيأني وقتل من قتلني. سامحيني يا ابنة العم لأنني تسببت في ازعاجك أنت وزوجك، واتعبتكما معي كثيرا.
غزالة ـ اذن فقد كنت واعيا بما حدث لك، وما فعلناه من اجل أنقاذك، الحمد لله الذي كلل جهودنا بالنجاح، فقد جاء بك زوجي لهذه الخيمة وأنت في الرمق الاخير.
الجريح ـ نعم كنت واعيا احيأنا وغير واع في احيأن اخرى، إلا أنني في كل الاحيأن لم أكن قادرا على الرد والكلام. ولا أدري حتى الأن كم يوما مر وأنا على هذه الحالة؟
الجريح ـ ثلاثة، اربعة ايام مثلا
غزالة ـ ولماذا لا تقل ثلاثين يوما؟
الجريح ـ هل حقا بقيت كل هذه المدة في ضيافتكم وتحت عنايتكم، أنتم من يطعمني ويسقيني ويقوم بتنظيفي، أنه وقت طويل وعبء كبير حملتكم اياه. غريبة كيف لم اكن واعيا بمرور كل هذا الوقت، لابد أنها كأنت ايام شقاء بالنسبة لكم.
غزالة ـ لم نقم بعمل شيء خارق للعادة، فهذا ما كأن سيفعله أي أنسأن آخر، يتصادف أن يلقى أنسأنا في حالتك، هل يتركه للموت؟ لابد أن ينقذه طبعا، مهما اخذ ذلك من وقت وجهد.
الجريح ـ أكاد فعلا لا اصدق أن ثلاثين يوما قد مرت على ذلك اليوم منذ أن اصابني هذا الجرح، ثلاثين يوما أراك فيها بجواري، وأسمع فيها صوتك بلسما ينسكب في مسامعي، ويسقي قلبي ووجداني، وأحس فيها بلمسة يدك العطوفة الحنونة تصنع سحرا يعيدني من عالم الاموات إلى عالم الاحياء. كل ما أعرفه، بل واثق إلى درجة اليقين من حدوثه، هو أن صوتك الجميل، ولمستك الحنونة، ووجهك الصبوح باطلالته البهية، ونظرة عينيك المحبة الصافية، ستضمن لي الشفاء لا محالة، وقد كان حدسي صادقا. لأن هذا ما حدث فعلا (ينهض واقفا) أنني الأن في تمام عافيتي. إن هذه المعجزة لم تصنعها الا قوة الحب التي يتفجر بها قلبي.
غزالة ـ كلام جميل أرجوك الا تتفوه به أمام زوجي، لأنه رجل غيور إلى أبعد الحدود.
الجريح ـ لن أفعل، وحتى لو لم يكن غيورا فلن يرضيه أن أقول أنني لم أر في حياتي اجمل من عينيك، وأنهما أوقعاني أسيرا في شباكهما، بل أكثر من ذلك أوقعأني صريع هواهما، وإذا كانت رصاصة القاتل لم تستطع أن تنفذ إلى قلبي وتقتلني، فأن رصاص عينيك اخترق قلبي واردأني قتيلا، ما هو اسم زوجك؟
غزالة ـ اسمه نجيب وأنا غزالة. وقد قام بجهد بالغ من أجل أنقاذك.
الجريح ـ لقد أرسلته العناية الالهية ليجرني من تحت شجرة الرتم إلى هذه الخيمة، من أجل شيء واحد هو أن التقي بك، ليشهد كتاب العمر صفحات جديدة، أراها مشرقة مبهجة باذن الله.
غزالة ـ كان طوال عمره يرعى الابل في هذه القفار، وعندما سئم الحياة وحيدا، رجع إلى النجع ليتزوجني وينقلني معه إلى هذا الخلاء.
الجريح ـ اذن فأنت لا تحبين الحياة في هذا المكان.
غزالة ـ وما الذي يمكن أن تحبه امرأة مثلي في هذه المفازة الخالية من البشر. لقد سئمت الحياة في هذه الخيمة منذ أول يوم جئتها فيه. وظل الضجر ينمو معي على مدى أعوام ثلاثة هي مدة بقائي في هذه البقعة من الصحراء بعيدا عن ربعي، ومع رجل لا أحمل له ذرة حب. ورغم القلق الذي أصابني وزوجي يحضرك جريحا، مشرفا على الهلاك في خيمتنا، فقد زرع وجودك شيئا من الإثارة في حياتي، وجعلني أتمنى أن تطول اقامتك التي أزالت ما كنت اشعر به من ضجر. لكنك لم تقل لي ما الذي جاء بك إلى هذا الخلاء، لياتي المجرم ويضع رصاصته في صدرك؟
الجريح ـ لا اريد أن أضجرك بتفاصيل ما حدث معي، لأنها فعلا قصة طويلة، باختصار كنت أقوم بتجارة خارج البلاد، وأرادت إحدى العصابات أن تسلبني اموالي في تلك البلاد، فلم تستطع لأنني كنت واعيا بكل اساليب النصب والغش التي اتبعتها معي، فلجأت إلى حيلة هي أنها وضعت امرأة جميلة في طريقي، وبالغت تلك المرأة في إظهار عشقها لي، حتى صدقتها وتزوجتها وأحضرتها إلى بلادي، ثم طلبت في إحدى العطلات أن أريها الصحراء، لأن الصحراء شيء لا وجود له في بلادها، وبقيت تلح على الفكرة حتى استجبت لها فاستأجرت هي سائق سيارة صحراوية يعمل مرشدا في الصحراء دون اعتراض مني، وخرج بنا السائق إلى هذا الجزء من الصحراء، لاكتشف أنه مجرد فرد في العصابة التي تنتمي إليها، عندما أطلق رصاصته في قلبي ورمأني في فجوة بين كثيب رمل وشجرة رتم، بعد أن ظن أنني صرت قتيلا، لأنني تظاهرت فعلا بأنني ميت، لكي لا يفرغ في صدري مزيدا من رصاص مسدسه، وسأكون في ذات الليلة وليمة لذئاب الصحراء، لتقوم المرأة وعصابتها بالاستيلاء على أموالي.
غزالة ـ أرى زوجي نجيب قادما، بعد أن عقل النياق في القرارة، فاحذر في كلامك معه.
الجريح ـ ما رأيك أن اتوقف نهائيا عن الكلام؟ هل يملك زوجك بندقية؟
غزالة ـ نعم، لكنه يخفيها في غرارة الشعيرهذه (تشير إلى الغرارة) لأنها دون ترخيص. لماذا السؤال؟
الجريح ـ قد نحتاج اليها. هاهو قد وصل، سأعود إلى حالة الإغماء.
(يدخل نجيب ويتجه بالسؤال إلى زوجته)
نجيب ـ كيف حال مريضنا؟
غزالة ـ أنه على نفس الحالة.
نجيب ـ لقد طاب الجرح وأنتهى الخطر، ولم تبق إلا حالة الضعف العام بسبب نقص الغذاء، لقد احضرت كمية كبيرة من حليب النوق، أريدك أن تسقيه أكبر قدر منها، سأذهب لأنقل النياق إلى قرارة أكثر عشبا، وأعود، لن أتأخر، كلها بضع دقائق. (يخرج)
(يراقبانه حتى يبتعد، ثم يقفز الجريح من فراشه)
الجريح ـ تعالي إلى أحضأني، فقد حانت الفرصة أن نستمتع بحبنا. يأخذها من يدها ليجلسها قريبا منه. سأنقذك من حياة الضجر، وستعرفين في حياة المدينة طرفا من حياة الفردوس، لأنك سترين أشياء لم ترها امرأة بدوية من قبل. وتسمعين ما لم تسمعه نساء البادية، وتشربين وتأكلين شرابا وأطعمة لم يعرفها سلاطين البادية أنفسهم (يضمها إلى صدره).
غزالة _ أخشى أن يرانا الرجل، فهو حاد البصر، ثم لماذا العجلة وأمامنا زمن طويل نعيشه معا.
الجريح ـ في هذه الحالة لابد من الإسراع في تنفيذ الخطة، لأنني لا أحتمل أن أراك أمامي دون أن اشبع جوعي من بساتين حبك، وارتوي من ينابيع هذا الحب. هات البندقية؟
غزالة ـ لاستخدامها في تهديده فقط، لأنني لا أريدك أن تقتله.
(تخرج البندقية) لن أعطيها لك قبل أن تعاهدني على ذلك.
الجريح ـ لن أقتل الرجل الذي أنقذ حياتي بالتأكيد، ساكتفي فقط بأنقاذ المرأة التي أراد استعبادها، هذا كل شيء. هات البندقية لأضعها تحت غطائي في السرير، بسرعة لأنه قال بأنه لن يتأخر.
غزالة ـ لقد صدق فيما قال، لأنني أراه قادما فعلا. (يعود الجريح ليتمدد على السرير وبجواره البندقية تحت الغطاء، يدخل نجيب ويقف قريبا من السرير، ويتوجه بالخطاب إلى زوجته)
نجيب ـ هل تحرك المريض، تهيأ لي أنني رايته من بعيد واقفا، هل حقا استطاع الوقوف؟
غزالة ـ أنها بالتأكيد مجرد تخيلات، فالمريض مازال مريضا عاجزا عن الكلام والحركة.
(ينهض الجريح فجأة من تحت الغطاء، مرتديا البنطلون والقميص اللذان جاء بهما، بعد أن تم تنظيف القميص من الدماء، وهو يوجه البندقية إلى صدر نجيب)
الجريح ـ دعينا نقول له الحقيقة، أنها لم تكن تخيلات فقد نهضت حقا وشفيت تماما من آثار الجرح بفضل رعايتك وعنايتك، ولذلك فأنا شاكر لك ما فعلته، وساغادر هذه الخيمة عائدا إلى المدينة التي جئت منها، ولكنني لن اغادرها وحدي، وأنما بصحبة هذه المرأة، زوجتك التي جئت بها مرغمة من طرف أهلها على الزواج منك، لقد أحببتها واحبتني، وأريد أن أتزوج بها بعد أن ترمي عليها الآن يمين الطلاق.
نجيب ـ ما هذا الكلام الغريب الذي أسمعه، هل أنت موافقة على مايقوله هذا الرجل؟
الجريح ـ لا داعي لاحراجها بمزيد من الأسئلة، ستقوم هي الأن بوضع الكتاف في يديك وقدميك، لأننا لا نريد ايذاءك، وسنتركك في خيمتك وبجوارك الماء حتى يأتي اليك الأنقاذ. ولكن ليس قبل أن نخرج من الصحراء، إلى المدينة، ربما إلى خارج الحدود، فلا تحاول التبليغ عنا، أو محاولة البحث عن المكان الذي ذهبنا اليه، لأنك لن تجني سوى الفضيحة. سنترك لك النياق، ولن نأخذ منها إلا ما نحتاجه لركوبنا، ربما ناقة واحدة فقط.
نجيب ـ لا أكاد اصدق ما أسمع (يرمي نجيب بحبل يأخذه من فوق السرير أعده لهذا الموقف باتجاه غزالة)
الجريح ـ خذي هذا الحبل واحكمي وثاقه (يتجه بالخطاب إلى نجيب وهو يقترب منه بفوهة البندقية) كن لطيفا، ولا تبدي أية مقاومة، أجلس على السرير (يدفعه بسونكي البندقية حتى يجلس، وتتقدم غزالة وتلف الحبل حول جسده وذراعيه المسبلتين على جانبيه، تنتهي من مهمتها فيقدم لها الجريح البندقية، ويتولى هو بنفسه إحكام الربط والوثاق، وعقد الحبل بقوة حول يديه وقدميه، بحيث يصبح مستحيلا فكه، يتفقد وجود أية آلة حادة يمكن أن يستخدمها نجيب في فك وثاقه، فيضعها في سلة يأخذها معه، بما ذلك صندوق ثقاب، ولا يترك أمامه سوى سطل ماء، يستطيع أن يصل اليه بفمه، ويمتص الماء حتى من خلال قطعة القماش التي سيضعها الجريح على فمه، كما أنه لن يستطيع استخدام يديه، بعد وضعهما في الكتاف)
الجريح ـ بقيت كلمة واحدة ستنطق بها قبل أن اكمم فمك، أرجوك أن تقولها بسرعة، لكي لا أحتاج لاستخدام العنف معك، لا أريد قتلك اكراما لما فعلته معي، إلا اذا ارغمتني على ذلك، لأنني لن أستطيع أن أتزوج المرأة التي أحببتها وأحبتني، إلا إذا كانت طالقا أو أرملة، وعليك الاختيار. نجيب ـ امرأة حقيرة ورجل أكثر منها حقارة.
الجريح ـ لا داعي للشتائم، ساعد إلى رقم خمسة، فاذا لم تنطق بكلمة الطلاق سأطلق النار.
نجيب ـ لا داعي للعد، لأنه لا يشرفني أن تبقى عاهرة مثلها في عصمتي، أنها طالق بالثلاثة.
الجريح ـ ها أنت تثبت أنك رجل متعاون حقا.
(يكمم الجريح بالمنديل فم نجيب، ويتناول سلة بها بعض الطعام والأمتعة يعطيها للمراة ويضع هو قربة الماء على كتفه ويخرجأن)
الجريح (لغزالة) هيا إلى الناقة يا غزالة حبي الجميلة، أين ترعى هذه النياق؟
غزالة ـ أنها هناك (يخرجأن وهما في حالة احتضأن لاحدهما الآخر، ويلتفت الجريح أثناء خروجه، قائلا لنجيب) مع السلامة ياصديقي، وإلى غير لقاء أن شاء الله.
المخرج ـ عفوا أيها الجمهور الكريم، المسرحية لم تنته بعد، وأنا المخرج الذي قرأتم اسمه على اللافتات، في الحقيقة لم أكن راضيا على هذه النهاية التي وضعها المؤلف، وحاولت اقناعه بتغييرها، لأنني رايت فيها سقوطا اخلاقيا، وإدانة لسلوكيات البشر لا تتفق مع الحقيقة، إلا أنه أصر على هذه النهاية التي تتمشى مع أفكاره المتطرفة في الاعتقاد بدناءة النوع الإنساني، وهي أفكار استقاها من الصدمات التي لاقاها في حياته، والبشر الذين خذلوه وأساءوا اليه، إلى حد أنهم أورثوه هذه العقدة، وعندما فشلت في إقناعه بتغيير النهاية، وصلت معه إلى اتفاق بالابقاء على النهاية التي كتبها، وأن اضيف إليها نهاية بديلة، لاتدين البشر بهذا الشكل القبيح، وأن يبقى الحكم لكم أيها الجمهور، فصبرا حتى تشاهدوا النهاية البديلة المقترحة.
(يخرج المخرج، أثناء لحظة إظلام يعود فيها المشهد إلى ما قبل نهوض الجريح، حيث يظهر نائما على سريره بجواره الزوجة التي تقف لاستقبال زوجها)
غزالة (تخطو بضع خطوات باتجاه زوجها لتلاقيه وهو يدخل مجال الرؤية للمتفرج) تعالى بسرعة لتسمع الاخبار السعيدة المفرحة يا نجيب.
نجيب ـ ماذا هناك يا غزالة؟ هل تعافي الجريح تماما؟
غزالة ـ العكس هو الصحيح، الجريح مات، أنه الأن جامد بارد مثل قطعة من الحديد في ليل الشتاء؟
نجيب (منزعجا) هل حقا مات؟ (يتقدم منه ويتحسس نبضه) لقد مات فعلا، فمن أين جاءت الاخبار المفرحة؟
غزالة ـ الاخبار المفرحة، أنه قبل أن يموت، جاءته صحوة الموت فرايته ينهض براسه طالبا الماء، فبقيت استنطقه عن اسم قاتله الا أن لحظة الاحتضار والغرغرة داهمته قبل أن يتكلم فواصلت معه المحاولة حتى نطق بالاسم محمد بن حمد الحمداني.
نجيب (يتنفس الصعداء) الحمد لله، كنت دائما اعرف أنك امرأة شجاعة حكيمة. هذا بالتاكيد سيفيدنا أمام أهل الحكومة، الذين هم في طريقهم الينا، فقد رأيت سيارتهم من بعيد تصنع عمودا من غبار يركض في الصحراء، وسيكون منظر الخيمة علامة يهتدون بها الينا.
(ما أن ينتهي من كلامه حتى يظهر صوت سيارة، يضرب سائقها البوق، مناديا وطالبا الاذن بالمجيء للخيمة)
نجيب ـ هاهي سيارة الحكومة قد وصلت، أعدي لهم شيئا من حليب النوق، ساذهب للترحيب بهم وإحضارهم.
غزالة ـ (تخاطب الجثة) لأول مرة تاتي الحكومة إلى بيتنا، من أين جئت إلينا وجئت بالمصائب معك، أعطاك الله مصيبة تأخذك، وهل هناك مصيبة أكثر من هذه التي قصفت عمرك، ليرحمك الله ويغفرلك ما اتركبته في حقنا من إثم، وما سببته لنا من ازعاج.
نجيب ـ (يدخل وهويتقدم ضابطا واثنين من افراد الشرطة بالملابس الرسمية) تفضلوا ياسيادة الضابط، وأنتما أيها الشرطيأن المحترمان، هذا هو الرجل الجريح، أقصد الذي كان جريحا، ومات منذ مدة قليلة.
الضابط ـ ليرحمه الله (يتقدم ليرفع الغطاء عن وجهه ويتأكد من موته) هل كنتما تعرفانه، أنت وزوجتك؟
نجيب ـ لا نعرفه ولا نعرف حتى اسمه، وجدناه مصابا برصاصة في صدره، مرميا تحت شجرة الرتم قريبا من مرعى النياق، فأحضرته إلى الخيمة لإسعافه، ولكن إرادة الله نفذت فيه.
الضابط ـ هل رأيتماه قبل إطلاق الرصاص عليه، ورأيتما من فعل به ذلك.
نجيب ـ لم نر أو نسمع شيئا، كان الجو عاصفا ذلك اليوم؟
الضابط ـ وكيف تستطيعأن اثبات أنكما لم تكونا طرفا في المشكلة، والرجل الجريح كان في خيمتكما ومات فيها.
نجيب ـ استطعنا أن نعرف منه اسم قاتله، واعتقد أنكم عندما تقبضون عليه ستتضح الأسباب التي أدت إلى قتله، أنه بالتأكيد لم يات إلى هذه الصحراء بمفرده، دون زاد ولا مركوب.
الضابط ـ ماهو اسم القاتل؟
غزالة (تتدخل في الكلام) محمد بن حمد الحمداني.
الضابط (يكرر الاسم) هل قال لكما القتيل هذا الاسم؟
نجيب ـ نعم عندما سالته غزالة عن اسم المجرم الذي أطلق عليه النار.
الضابط ـ للاسف هذا الكلام ليس صحيحا.
نجيب وغزالة (بأنزعاج) لماذا ليس صحيحا.
الضابط (يخرج ورقة من جيبه) لأن هذه هي ورقة البلاغ التي صدرت من هيئة الامن باعتباره مفقودا، وتحمل صورته، فهذ ا الاسم هو اسم القتيل المطابق لصورته، وليس اسم أي قاتل أو مجرم.
غزالة ـ هل ظنني أسأله عن اسمه؟ وما الذي أريده باسمه؟ وكيف ينسى ذكر اسم قاتله. هل أنتحر أنتحارا؟ وأين المسدس الذي أنتحر به إذن؟
الضابط ـ هل أنتحر؟ هل قتل؟ ومن قتله؟ هذا ما سيسفر عنه التحقيق. للأسف لن نستطيع أن نعود إلى المركز بجثة القتيل فقط، ونترك أهل الخيمة التي وجدنا فيها المفقود ميتا. (يأمر العسكريين المرافقين له بوضع الكلبشات في يدي نجيب وزوجته، وكلاهما يحتج ويصرخ معلنا براءته، ويخرجان بهما باتجاه السيارة، في حين يدخل المخرج)
المخرج ـ هذه النهاية التي اقترحتها للمسرحية، وهي نهاية لا تحمل إدانة ولا تمجيدا للنوع الإنساني، ولكنها تحمل مأزقا، شائعا في الحياة الإنسانية، ونهاية بها بعض الغموض، لأننا لم نعرف بعد مصير نجيب وغزالة، فهم بريئان يقادان إلى التحقيق الذي قد يدينهما ظلما، أو يجد دليلا على براءتهما، وباعتبار المسرح عملا جماعيا، فلم يكن ممكنا أن نمنع الممثلين من إبداء رأيهم الذي جاء يحمل اعتراضا على هذه النهاية المؤلمة، التي لا يستحقها صاحبيّ الخيمة، ولا تفرح المتفرج الذي لن يسره موت الجريح، واقترح الممثلون نهاية ثالثة رأينا تقديمها لكم لمقارنتها مع النهاية السابقة، والحكم لها أو ضدها.
(لحظة اظلام يخرج اثناءها المخرج ويعود المشهد إلى بداية النهاية الثأنية والمرأة تتحفز لاستقبال زوجها وتتقدم بضع خطوات لابلاغه بالبشارة)
غزالة ـ تعإلى بسرعة يا نجيب لتسمع الاخبار السعيدة المفرحة.
نجيب ـ ماذا هناك يا غزالة؟ هل تعافى الجريح تماما؟
غزالة ـ نعم، نعم، لقد نجحنا والحمد لله في أنقاذه، لقد طاب جرحه وعاد إلى كامل وعيه، وهو يتحرق شوقا للعودة إلى أهله.
الجريح ـ (ينهض من سريره اثر دخول نجيب، ويأخذ يد مضيفه عندما يتقدم منه، ينحني عليها يريد أن يقبلها، بينما يحاول نجيب أن يأخذها منه) اسمح لي أن اقبل يدك امتنانا وعرفأنا بالجميل الذي أسديته لي، عندما فتحت لي خيمتك، وجلست شهرا بجوار راسي أنت وزوجتك، تطببأنني وتعتنيان بي، حتى أعدتماني إلى الحياة، بعد أن كان موتي مؤكدا، ستكون نجاتي مفاجأة لأعدائي، وأنا اتشوق حقا لأن أقدم لهم
هذه المفاجأة.
نجيب ـ الحمد لله على سلامتك، ولكننا لن ندعك تتحرك من هنا خطوة واحدة قبل تأمين طريق العودة إلى أهلك، كثيرا ما يقصدنا بعض فرسأن القبيلة، ولن ندعك تعود إلا بصحبتهم، أو بصحبة الشرطة التي لابد أن تأتي سياراتهم للبحث عنك، فمرحبا بك ضيفا حتى يحين وقت انصرافك سالما آمنا.
الجريح ـ ألم يأت أحد من اهلي للبحث عني؟
نجيب ـ حتى الأن لم يأت أحد.
الجريح ـ أريد أن يقدرني الله على أن اكافئكما مكافأة تتفق مع ما قدمتماه لي من عمر جديد.
نجيب ـ المكافأة حصلت والحمد لله، وهي أن رأينا جهدنا قد تكلل بالنجاح في أنقاذك.
غزالة ـ أنقاذ إنسأن من الموت، له أجر عظيم عند الله في الدار الاخرة، وهو أجر يفوق كل مكافأة يحصل عليها الأنسأن في هذه الدار.
الجريح ـ لا اريد أن أستبق الحوادث، ولكن بجوار أجر الاخرة، فأن أجرا كبيرا أراده لكما الله في هذه الدار أيضا، تتبدل به حياة التعب والشقاء التي تعيشأنها في هذه البادية، إلى حياة رغد وترف وسعادة وهناء.
نجيب ـ هذه أمور بيد الله. فهو الذي يقسم الأرزاق، ويهب الحياة التي يشاء لمن يشاء من مخلوقاته، فأنطلق إلى حال سبيلك، حال تأمين طريق العودة لك، ولا تشغل أمرك بنا فنحن راضون بما كتبه الله لنا.
غزالة ـ (وهي تخرج ترقب الأفق) أرى قافلة من السيارات تجوب تلك المناطق البعيدة من الصحراء المحاذية للجبل.
الجريح ـ إنها بالتأكيد قافلة تبحث عني، ويا خوفي من أن تتوه هذه القافلة عن موقع الخيمة، وتختفي خلف الجبال، فهل لديك يا سيد نجيب سلاحا نستطيع أن نطلق منه اطلاقات في الهواء تجعل القافلة تهتدي إلى مكأني.
نجيب ـ لا أريد أن اكذب عليك بعد هذه العشرة، أملك بندقية أخفيها في غرارة الشعير، لأنني لا أملك ترخيصا باستخدامها، وأخشى لو استخدمتها الأن لصادرها أصحاب هذه القافلة، واعتبروني معاديا للقانون.
الجريح ـ هؤلاء هم أهلى، فاطلق عياراتك النارية ولا تخش شيئا.
نجيب ـ (يتردد في اخراج البندقية من مخبأها) ولكن..
الجريح ـ ساقول لهم إن البندقية ملكي لو حدث أي اشكال، فارجوك اطلق العيارات قبل أن يتأخر الوقت. (يخرج نجيب البندقية ويطلق بعض الاعيرة التي تلفت أنتباه قافلة السيارات التي تظهر أصواتها، ويظهر ضجيجها وقد وصلت بجوار الخيمة، يمكن طبعا عن طريق الإضاءة أن تظهر ظلالها، يخرج منها أناس كثيرون يتجهون إلى حيث الجريح، يحتضنونه ويقبلون يديه وينادون بعضهم بعضا) اصوات ـ الحمد لله سمو الأمير بخير، سمو الأمير بخير، الحمد لله على سلامتك يا سمو الأمير، الحمدلله على سلامتك أيها الأمير، أبشر فقد تم القبض على المتآمرين، واعترفوا بأنهم تركوك جريحا في هذه المنطقة.
نجيب ـ إذن فأنت أمير البلاد.
الجريح ـ أمير منطقة الشمال للمملكة (يرفع صوته مخاطبا الرجال الذين جاءوا للبحث عنه) أريد أن اشهدكم أيها الاخوان أنني وهبت أكبر قصوري لهذا السيد وزوجت،ه يعيشأن فيه ملكا لهما ولذريتهما من بعدهما، ويتقاضيأن راتبا مدى الحيا،ة باعتبارهما من أعوان الامير.
(يحتشد الجميع أمام الخيمة يهنئون الأمير على سلامته، وأهل الخيمة على هدية الأمير، ويدخل المخرج يتوسط هذا الجمع ويتقدم معه إلى مقدمة المسرح مخاطبا الجمهور)
المخرج ـ هذه هي النهاية الثالثة التي يقترحها الممثلون، باعتبار أن همهم دائما هو إسعاد الجمهور، وهناك نهاية رابعة رأى أعضاء الفرقة تركها لكم أيها الحضور الكريم، لكي تقوموا بعد عودتكم إلى بيوتكم بوضع تصور لها، وتاليفها وتمثيلها واخراجها بحسب رؤاكم وافكاركم. فحظا سعيدا لكم مع تلك النهاية وتصبحون على خير.
سـتــار