ضمن مشاهداته الشعرية، نقترب من يوميات شاعر يصر على جعل القصيدة أقرب الى هواجس اليومي وتفاصيله الصغرى..

قصائد

منير الإدريسي

تجريـــد

مادّة الشجر

هي نفسُ مادّة  ذلك المقعد في الحديقة

المادَّة ذاتها لشيئين مختلفين.

هي مادة الكمان أيضا

لكنَّ الفرق معقد جدا.

وفي ضوء الكلمة الشّديدة العمق

تتحوّل هذه الأشكال إلى ظلال

إلى مجرَّد ظلال.

وحين يصير الوضع انطباعيّا أكثر

من الممكن أن تشعر، مثلا،

بأنَّ ثمّة زقزقة عصافير

في ألوان رينوار.

 

الصباح الباكر

أحبُّ الصّباح الباكر

لكتابة نصّ، أو الجلوس على كرسيّ في الحديقة

أحبّ أن أرى السّحاب الأول ناصع البياض

كورقة

وأحسّ ببرودته على وجهي ويديَّ

ومثل مونيه، عندما أقوم بتقشير ليمونة التأمُّل

تشتعل شرارة رائحتها فيَّ.

هكذا أكون

قبل حلول الظهيرة

قد أعددت انطباعاتي السّعيدة ملاعق على مائدة بيضاء في اللوحة.

 

منطـــاد

أبصرت الموت في دنوّه بجرس القلب الذي تحسّسته

أصابعٌ مرتعشة من على صدارتي الصّوفية

منطادا في انتباه

والهواء

يُصَعِّدُهُ

في علوٍّ

وأنا فيه باطن

اسمي الآخر، في الغيب

وقد فكـّت، تماما، شفرة المصير

لتمشي خيول صباحاتي حُرَّةً، في خببٍ، في القصيدة

 

ضباب على الزجـاج

فتاة الباليه

التي تمشي عادة فوق بالونات بيكاسو

خفيفة، مرحة..

وراء الزُّجاج المضبب

وعلى مقعد السّعادة في الحديقة،

رأيتها تُدخّن الغليون الفارغ

أمام كلبها الأبيض الكبير.

إني أراهما الآن، وسط الحديقة،

مجرّد مزيج ألوان سعيدة من الأصفر

والأبيض والأخضر.

 

رنيــــن الصورة

مُستغرقٌ

في سطوع انتباه الأشجار

والغيوم

إلى نفسها في النّهر

فجأة

أبصر القطار

في انخطافٍ

منعكسا مروره

هو الآخر، بضجّة خفيفة

يتفتح الماء في ألوان سريعة

بعيدة

ومتباينة تماما

قبل أن يسكن

في خط أبيض للجسر.

                      

مـديـنـتــان

بعد مباراة في كرة القدم

بين البارصا وريال مدريد

وَقَفَتْ في الشرفة لتطل على الشارع الفارغ

ضوء الشّمس الخافت يُهذّب مدينة السّطوح والبالكونات

أخفت وجهها

بشعرها الكثيف

ورفعت الثّوب عن ركبتها

لأراها بوضوح..

في التّحت

كان باص فارغ يتقدم بنا، على الدوام، في مدينة الليل.