تقرير من فلسطين

شعب واحد ومطلب رئيس

صياغة المشروع الوطني الفلسطيني لكل الشعب الفلسطيني

فيحاء عبدالهادي

«هناك شعور بأن القضية الفلسطينية في الضفة مناطق الـ 67 وصلت إلى نصف دولة، وفي مناطق الـ48 وصلت إلى نصف مواطنة .. فالمفاوضات وصلت لطريق مسدود، والانتفاضة الثانية أيضاً، وفي الوقت نفسه كل محاولات تجزئة الشعب الفلسطيني وصلت هي، أيضاً، لطريق مسدود»
رائف زريق/ كاتب وأكاديمي فلسطيني

شكَّل انعقاد "مؤتمر الحركة الوطنية الفلسطينية والفلسطينيون في إسرائيل"، بتاريخ 17 - 19 تشرين الثاني 2011، في جامعة بيرزيت وفي الناصرة، وتنظيمه من "مؤسسة الدراسات الفلسطينية / رام الله"، و"مركز مدى الكرمل / حيفا"، وبمشاركة عدد من الباحثين / ات، والأكاديميين / ات، والطلاب والنشطاء السياسيين، ممَّن يقيمون في الوطن وفي الشتات، إجابةً عن بعض الأسئلة التي طرحتها أوراق المؤتمر في الجامعة، وجلستا المائدة المستديرة في الناصرة:
الشعب الفلسطيني واحد، وعليه أن يتّحد لمواجهة عدوِّه الموحَّد ضدّه.
ويأتي عنوان المؤتمر ليثير إشكالية أساسية: إذا كان الشعب واحداً، والعدوّ واضحاً، وإذا كانت هناك حركة وطنية فلسطينية واحدة، فلماذا يبقى الفلسطينيون في مناطق الـ 48 خارجها؟ لماذا لم يكن عنوان المؤتمر: الحركة الوطنية الفلسطينية: إلى أين؟ أو: بدائل الحلول السياسية المطروحة؟
كما يثير عنوان المؤتمر إشكالية أخرى، - إذا سلَّمنا أن الفلسطينيين في مناطق الـ 48، لم يكونوا جزءاً من الحركة الوطنية الفلسطينية، وأن الوقت قد حان لتحديد العلاقة، بما يعزِّز مفهوم الشعب الواحد - : لماذا الفلسطينيون في إسرائيل، وليس: الفلسطينيون في الـ 48؟ أو في مناطق الـ 48؟ سؤال مفتوح، يحتاج حواراً حول دلالات كل تسمية، وتبعاتها السياسية.
*****
هدف المؤتمر إلى إجراء مراجعة نقدية للعلاقة بين الحركة الوطنية الفلسطينية والفلسطينيين في مناطق الـ 48، وإلى نقاش الوضع السياسي الراهن، وفحص أثر انسداد أفق الحلول السياسية على العلاقة مع فلسطينيي الـ 1948.
كما حاول الإجابة عن أسئلة حول علاقة الحركة الوطنية الفلسطينية مع الفلسطينيين في مناطق الـ 48، وكيف تم صوغ هذا التصور؟
وبحث في كيفية تأثير البرامج السياسية المتعددة في صوغ العلاقة بين الفلسطينيين في الشتات وأراضي الـ 67 مع فلسطيني الـ 1948. فهل حقَّق المؤتمر أهدافه؟
*****
أشارت أوراق المؤتمر إلى خصوصية وضع فلسطينيي الـ 48، وإلى تغييبهم، من قبل الحركة الوطنية الفلسطينية، كما وضعت الإصبع على الجرح، حيث النكبة التي ساهمت، ولا تزال، في تجزئة الشعب الفلسطيني، وعزله حسب مناطق وجوده: (مناطق 48، ومناطق 67، والشتات)، بينما كان الشعب الفلسطيني موحَّداً قبل النكبة.
أما بعد النكبة عام 1948، وحرب العام 1967؟ فقد تميَّزت هذه الفترة التاريخية بنشاط شيوعي: نضال "الحزب الشيوعي الإسرائيلي"، بعد العام 1948 مباشرة، ضدّ الحكم العسكري، وللحفاظ على الثقافة العربية، وبنشاط قومي: نضال "حركة الأرض"، عام 1959، للدفاع عن حق اللاجئين بالعودة، وإلغاء قانون التمييز العنصري، والتأكيد على الوحدة العربية، وإعطاء حقوق متساوية في كل الحقوق للمواطن العربي؛ الأمر الذي جعل محكمة العدل العليا الإسرائيلية تصدر قراراً بحلَّها عام 1965.
أما بعد حرب عام 1967؛ فقد أضيف إلى النضال الشيوعي والقومي، نضال الحركة الإسلامية: تأسَّست "حركة أبناء البلد"، عام 1969، والتي اعتبرت امتداداً لحركة الأرض، والحركة الإسلامية عام 1971.
وقد كان الحدث الأبرز، في التعبير عن الهوية الوطنية؛ بعد عام 1967، هو الانتفاضة الشعبية في 30 آذار، يوم الأرض، التي لفتت أنظار العالم إلى نضال فلسطينيي 1948، ضدّ مصادرة الأراضي وضد العنصرية. وقد تحوَّل يوم 30 آذار، منذ ذلك التاريخ، إلى يوم وطني، للتأكيد على عروبة الأرض، وأضيف إلى أجندة المناسبات الوطنية الفلسطينية، التي يحتفل بها سنوياً.
وفي الثمانينيات نشأت حركات سياسية عربية جديدة مثل: "الحركة التقدمية"، و"الحزب العربي الديمقراطي".
أما بعد أوسلو، وفي العام 1996 بالتحديد؛ فقد تأسست "الحركة العربية للتغيير"، و"حزب التجمع الوطني الديمقراطي". وبينما أعلنت الحركة أنها مستمرة في "دعم مسيرة السلام الإسرائيلي الفلسطيني، من أجل إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشريف، إلى جانب دولة إسرائيل"؛ حدَّد حزب التجمع شعاره:
"
إعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية في منطقة 1948 في تيار قومي عربي، يعيد التوازن بين الانتماء الوطني والانتماء القومي في ظروف المواطنة الإسرائيلية، وطرح شعار: "هوية قومية/ مواطنة كاملة"، "مختلفاً عن الحركات السياسية الأخرى، كونه ذهب بخطاب المواطنة نحو النهاية، وفي الوقت نفسه ذهب بخطاب الهوية الوطنية إلى النهاية، وعلى محمل الجد، من خلال مشروع دولة جميع مواطنيها".
*****
أحسَّ فلسطينيو 1948 أن منظمة التحرير الفلسطينية قد تخلَّت عنهم بعد العام 1988، حين همِّشوا، ولم تعد قضيتهم مطروحة على أجندة الحركة الوطنية الفلسطينية، وحين اقتصر التعامل معهم على التضامن، وتأكيد الهوية الفلسطينية: "في الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني عام 1988 بالجزائر، لم يرد أي تخصيص واضح لفلسطينيي 48، وهو أيضاً ما حصل في الدورة الحادية والعشرين في غزة بعد أوسلو، أما في الدورة العشرين في الجزائر، فقد وردت عبارة في البيان السياسي تحييهم على نضالهم من أجل المساواة وضد سياسة التمييز، وتثمِّن دورهم في دعم الانتفاضة، ورفضهم محاولات طمس هويتهم".
ما الذي يمنع أن يكون فلسطينيو 1948 جزءاً من الحركة الوطنية الفلسطينية؟
سؤال مؤلم حدّ السكين، والإجابة عنه تستلزم شجاعة كبيرة. صرخة أطلقها بعض ممن شارك في المؤتمر: متى تكفّوا عن الاستخفاف بدورنا؟ ومتى ننتقل من الوصف الوجداني إلى الوصف السياسي؟ متى ينظر إلينا كشعب واحد له هموم واحدة، في الوطن وفي الشتات؟ مؤكِّدين ضرورة اتخاذ موقف فلسطيني واضح من الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية.
*****
لا مناص من مراجعة الإستراتيجية الفلسطينية،
لا مناص من محاسبة أنفسنا بمنهجية نقدية، دون تجريح أو تخوين، للعمل من أجل إعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية؟
ولا بدّ من تحديد أهداف الشعب الفلسطيني بمشاركة الشعب الفلسطيني،
وإذا كان الأفق السياسي مسدوداً، كما يجمع الفلسطينيون، فمن الضروري التفكير في وضع إستراتيجية جديدة موحِّدة لنضال الشعب الفلسطيني الواحد.
faihaab@gmail.com
www.faihaab.com