ترجمة سعيد بوخليط
المدافعون عن تحرير العبيد، يتوخون منع تجارة الجنس، كما حصل منذ مدة في السويد. الجمعية الوطنية الفرنسية، تطرح بدورها الموضوع للنقاش. إنهم يحلمون بعالم، ينعدم فيه البغاء. عالم، لا تتلاءم داخله أبداً، سبل الحب والمال، ويضمحل الجنس الخاضع لقيم البيع والشراء. عالم، يُبقي دائماً العلاقات الجنسية في إطار لحظة لذة مشتركة. يريدون، إذن رؤية إعلان رسمي عن هذا الحلم، داخل الجمعية الوطنية: "هدف أنصار العتق في فرنسا، يتوخى مداه مجتمعاً خالياً من الدعارة". مشروع، تبناه مؤخراً في قصر بوربون ممثلو، الهيئات السياسية التالية: الاتحاد من أجل حركة شعبية، الحزب الاشتراكي، الحزب الشيوعي وكذا الخضر: "تعلن الجمعية الوطنية، بأن مفهوم الاحتياجات الجنسية غير القابلة للكبح، يُحيل على تصور عتيق للجنس، يحاول شرعنة البغاء". يؤكد، النص المعروض على التصويت يوم 6 دجنبر.
إبان الأسابيع الأخيرة، وجد الرافضون للبغاء، في شخص دومنيك ستراوس، كحليف غير منتظر. بحيث يؤكد لديهم، ما وقع للأخير مع الفتاة «Carlton de lille»، أن الجنس التجاري، يمثل يوماً بعد يوم استلاباً حقيقياً، ويشكل ملجأ أخيراً للهيمنة الذكورية. بالنسبة للمدير السابق لصندوق النقد الدولي، فالكثيرون يتجنبون الاتهامات العلنية، لكنهم لا يمتنعون عن السعي بشكل خاص، نحو تطلع قانوني يتسامى بملذاتهم: من كولومبيا إلى واشنطن، يمنع نظرياً: "أن تستضيف وتغري أو تقنع (شخصية) في أفق التعهّر أو موضوع آخر، غير أخلاقي وشبقي". إذن، لماذا لا نفرض منعاً، كهذا في فرنسا؟ يرافع اليوم، معارضو البغاء. لماذا لا نستلهم المنظومة الزاجرة، التي وضعتها السويد سنة 1999، البلد الأول في العالم الذي أوجب غرامات وعقوبات جنسية على مطاردي المومسات؟ مبررهم بسيط، بدون زبناء، سينعدم البغاء: "ينبغي أن يفلس سوق الاستغلال الجنسي، تؤكد ولغا تروستيانسكي، الناطقة الرسمية باسم التنسيقية الفرنسية، لجماعة الضغط الأوروبي المساندة للنساء. نريد أن نستأصل هذا الوباء العالمي، بالتأثير في طلب الزبائن".
بالرغم، من الضحكات الساخرة التي تبعثها الجملة، ذات الرؤية المتزمتة في نظر البعض، عملت الجمعية الوطنية، على تشخيص الحقل بشكل جدي: شهر أبريل، أرسلت لجنة تحقيق، ترأسها المندوب الاشتراكي دانييل بوسكي، الذي اقترح بأن يتضمن القانون الجنائي، جرم "الالتجاء إلى البغاء"، مما يفضي إلى غرامة تقدر بـ3000 أورو، وعقوبة سجنية تقارب فترة ستة أشهر. عقوبة، عضدها اقتراح آخر، نستشف من خلال معارضيه، أفق معسكر إعادة التربية: إقامة إجبارية في "مدرسة للزبائن" المستوحاة من نموذج المدارس الأمريكية أو الكندية بهدف "تربية الزبائن على الاعتناء بالصحة ومعطيات علاقات من هذا النوع". يندرج، هذا الحلم الساعي إلى عالم، تحرر من كل ممارسة جنسية شائنة، في إطار تقليد طويل. سنة 1870، شنت الإنجليزية جوزيفين بوتلر، إحدى مناصرات النزعة النسوية، هجوماً حقيقياً ضد بيوت الدعارة التي تشجع بحسبها على "الرذيلة الجنسية". سبع سنوات بعد ذلك، بالضبط سنة 1877، أعلنت الفيدرالية الدولية لإلغاء الرق عن اهتمامها "بمحاربة البغاء، كوباء اجتماعي وخاصة التصدي له، ضمن كل الأشكال التي يغدو عبرها مؤسسة شرعية، ومستساغا رسميا". تلميح، إلى النموذج الفرنسي، لفضاءات الدعارة، الذي يخلق إمكانية انتشال البغاء عن نظر الأشخاص المستقيمين، بدعوته إخضاع "الفتيات" إلى فحوصات طبية، تهين كبرياءهن باسم مقاومة الأمراض التعفنية.
I ـ بالنسبة لأنصار اللابغاء، فالجنسانية الخاضعة لتسعير، تنال من الكرامة الإنسانية والمساواة بين الرجال والنساء. بينما، يتهمهم معارضوهم بالطهرية ويرفضون تدخل الدولة في الحياة الحميمة. وصف إيميل زولا، لاسيما في روايته «Nana»، الصادرة سنة 1880، مختلف الوجوه التي اتخذها البغاء في حقبته: عاملات بدون فلْْس، يصارعن من أجل البقاء، حينما يصبح الشغل نادراً. جليسات، ينفق عليهن بورجوازيون بسخاء. مومسات، وثقت السلطات الإدارية، تواجدهن في بيوت الدعارة. لقد اعتقد أغلب الفرنسيين خلال نهاية القرن، بأن هؤلاء النسوة، أولاً وقبل كل شيء، عاهرات بل "منحلاّت": إنه المفهوم المستعمل سنة 1893 من قبل سيزار لومبروزو، مؤسس المدرسة الإيطالية لأنثروبولوجيا الإجرام، في كتابه:
[La femme criminelle et la Prostituée].
تيار تحرير البشر، المتشبع بتصورات أخلاقية، سيحصد أول انتصاراته سنة 1886، حين رفضت انجلترا النسق التنظيمي، على الطريقة الفرنسية. فرنسا التي احتاجت دائماً إلى كثير من الوقت: فقط سنة 1946 سيمنع قانون مارث ريشار، الأمكنة المتساهلة التي تؤثث الحواضر. إذن سواء "القطة السوداء" لمدينة «Montluçon» و"الدجاجات الجميلات" لبلدة «Troyes» أو بومبيي بلدة «Poitiers»، جميعها أغلقت أبوابها "لا يمكننا محاربة الدعارة والانتصار عليها، إلا اللحظة التي نحقق معها مجموعة إصلاحات اقتصادية واجتماعية، وننجح في إخراج البلد من البؤس الذي هو في أغلب الأحيان المصدر الأساسي للدعارة" تجزم، إذن الحكومة. منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أعتبر البغاء في فرنسا نشاطاً شخصياً: لذا، لن نعثر على أي نص بين طيات القانون الجنائي، يمنع العلاقات الجنسية الخاضعة للتسعيرة. عملياً، تفرض الإدارة المالية، إيرادات يوفرها البغاء، تحت مبرر أرباح غير تجارية. مع ذلك، تواصل فرنسا الإقرار بمنظور الرافضين للبغاء: الوصفات الطبية لسنة 1960، اعتبرت المومسات "غير ملتزمات اجتماعياً" وسيكون جيداً، اندماجهن. كما أن الإغراء والقوادة، يزجران بصرامة: منذ عشر سنوات، تعزز المقتضى الأمني، بحظر الاتجار في الكائنات الإنسانية، ودعارة القاصرين ولاسيما الاصطياد المستسلم، وكذا الجرم المريب للمحيطين، كما تصوره نيكولا ساركوزي سنة 2003.
وإن أضحى الإطار الشرعي للبغاء، مقيداً جداً، مع ذلك، لازال في اعتقاد دعاة تحرير العبيد، حقيراً شيئاً ما: يريدون اقتحام مرحلة جديدة، بمعاقبة الزبون. هدفهم، أكثر جرأة مما سبق سنوات 1980، مع جوزيفين بوتلر، لكن الدلائل تغيرت: انشغف أنصار مذهب العتق، خلال القرن التاسع عشرة بالأخلاق والوقاية. أما في القرن العشرين، فقد ركزوا على البؤس الاجتماعي. وبالانتقال، إلى الواحد والعشرين، لوحوا بالسلاح السياسي والمساواة بين الرجال والنساء والكرامة الإنسانية: "يتعلق الأمر، بتربية المواطنين على علاقة بين الرجال والنساء، قائمة على المساواة واحترام الآخر" يشير، البرلمانيون الاشتراكيون: دانييل بوسكي وكريستوف كريش ومارتين لينيير كاسو. هذه الحملة التي جمعت بين مناصرين للقضية النسائية، وأشخاص مترسخين جداً في صفوف اليسار وكذا محافظين يتبنون نبرة طهرية، تثير فعلاً تخفظات. أن تتم، محاربة دعارة القاصرين وكذا الأشخاص المنكسرين فالمسألة إيجابية. أيضاً، الرفض الشديد لتجارة الرقيق الأبيض، فذلك لا اختلاف فيه. ثم، أن نحارب القوادة بصرامة، فالجميع متفق. لكن، مبدئياً حينما، تقوم العلاقة الجنسية الخاضعة لأثمنة السوق، بين أفراد بالغين وبرضاهم، ثم يمنعون رسمياً بالقانون فهي أطروحة غير مقبولة. حتماً، ليس "البغاء الحر"، هو الأكثر انتشاراً، مع ذلك، تحريمه يهين كل الذين يعتقدون في قيمة القبول والموافقة: فعلى ماذا، تستند الدولة، كي تتسلل إلى غرف النوم، وتبطل كل جنسانية تجارية؟
الفيلسوفة إليزابيث بادينتير، التي لا تستسيغ بتاتاً، معاقبة الزبون، تدحض كذلك، تجاوزات الرافضين للبغاء، ذات الآثار "الفيكتورية". تقول: "أنتمي إلى جيل ناضل، كي يفعل النساء ما بدا لهن بأجسادهن. إذا سعت امرأة، أن تكسب بواسطة البغاء في ثلاثة أيام، ما تجنيه أخريات، طيلة شهر بالعمل كأمينات صناديق في محلات تجارية، فذلك حقها. طبعاً، يبقى الشرط الوحيد والجوهري، أن لا تكون مرغمة على الأمر. أما ما تبقى، فالنساء يمتلكن اختياراتهن! يحاول المجتمع، باسم الطهر والمساواة، أن يفرض ثانية مخالبه الأخلاقية على النساء. أي ارتداد!" يجيب، المدافعون عن إلغاء الرق، بأن "البغاء الحر" لا يوجد أبداً، أو نادراً للغاية. اللجنة البرلمانية برئاسة بوسكي جوفروي، اعتبرت بأن المومسات اللواتي، تحدثن عن وضعهن، يرفضن حقاً مآلهن: لمواجهة الفاقة، التجأن إلى استراتيجيات، ستنتهي بوضعهن داخل مأزق حقيقي. قدرهن إذن، ثمرة "اختيار اضطراري"، ستلبثن سجيناته فيما بعد: "تخلق ممارسة البغاء، تبعات وعادات، يصعب التخلص منها". يبين تقرير اللجنة. في نظر هؤلاء النواب، المومسات اللواتي أكدن، حرية مسارهن، لا يغدو خطابهن أن يكون وهماً مغرياً.
استحضار "الاختيارات القسرية"، يثير ضحك الفيلسوفة ميشيلا مارزانو التي أنجزت: "معجم الجسد" (سنة 2007): "هي حالة كل الاختيارات المتبناة: إنها ليست مطلقاً حرة، بل تتأثر بما عشناه، أو الضغوطات الاقتصادية والاجتماعية الموضوعية، تفرض أحياناً استحضارها". بل، يرى البعض في رفض التعامل بجدية مع خطاب "المومسات المستقلات"، استخفافاً محزناً: "هذا الموقف، يمثل خطيئة دائمة، لرافضي البغاء، تقر الباحثة السياسية اميلي موغير، المنتمية إلى المركز الدولي لعلم الإجرام المقارن، التابع لجامعة مونريال. فمنذ نهاية القرن التاسع عشر، اعتبروا بأن موافقة المومسات ليس مقنعاً، مثلما لو كنا قاصرات أبديات أو ضحايا بئيسات". هل "المستقلات برأيهن" كثيرات؟ لا أحد يقف على معطيات الواقع. حسب المركز الوطني، لمنع الاتجار بالكائنات الإنسانية، توجد تقريبا 20.000 عاهرة في فرنسا، بيد أنه رقم غير يقيني. لكن مدينة كباريس، تحتضن 800 عاهرة، أما العدد التقليدي المتداول عند جمعية: «Les amies du bus des femmes» فيقف عند حدود 500. وتصعب للغاية، اكتشاف الخبايا التي تعيشها صالونات التدليك أو حانات بمضيفات، بمعنى الدوائر العابرة للبغاء، حيث مجموع محترفات الجنس، وفق إحصاء أجراه السوسيولوجي وران ميليتو، يناهز عشرة آلاف إعلان على الأنترنيت، أربعة آلاف منها، لـ"مومسات مستقلات".
حسب البعثة البرلمانية، لـ بوسكي جوفروي، ميز سنوات 1990، تراجع البغاء التقليدي لصالح شبكات الاتجار في البشر، والارتكاز أساساً على مواقع الأنترنيت، لكن هذا التحليل، كان موضوع نزاع. بشكل أوسع، اتجه النقاش إلى دلالة البغاء نفسه. فحين استساغة علاقات جنسية خاضعة لأثمنة السوق، فهل تمارس العاهرات بذلك عملاً، كما يدعي أنصار الاعتراف بهذه المهنة؟ أو يؤجرن أجسادهن، مما يجعلهن حسب اتفاقية 1949 المتعلقة بمنع استغلال البشر في وضع: "يمس بالكرامة وقيمة الشخصية الإنسانية؟". بالنسبة لنقابة العمل الجنسي، جوابها لا يخلق شكاً: يقدم المومسات مثل كل العمال، "أداء" يقتضي مهارة. إذن، العنف والاستيلاب، اللذان يسودان الحقل، لا يتأتيان من البغاء نفسه، ولكن التنديد الأخلاقي بمن يمارسنه. على النقيض، يعتقد المستنكرون، بأن البغاء في حد ذاته عبودية. ولا يهم، تعبير المومس عن رأيها بالإيجاب أو السلب. يقول، الفيلسوف ومنيك فولشيد في كتابه: "الجنس الميكانيكي، الأزمة الراهنة للجنسانية" (2002): "لا تتصرف العاهرة بمقتضى كرامتها الخاصة، بل يستعبدها زمن ظرفي. لقد استنسخت جسدها، وجعلته رهن إشارة الآخر، كما لو تعلق الأمر بشيء يمكن تحديد ثمنه. في حين تعلمنا مع كانط، أن الكرامة ترتكز بالضبط على أن يحترم الشخص نفسه وكذا الآخرين، بشكل لا يقدر بأي ثمن". بالفعل، توجد شهادات لمومسات، تفضح المنظور الاستلابي للبغاء. بين فقرات كتاب صدر سنة 2001، تحكي نيلي أركان من منطقة "كيبيك" والمنتحرة سنة 2003، برعب يثير الغثيان، عن "التدمير الذي يوحد المومس بزبونها": "سواء كنت جالسة أو متمددة، فلا يمكنني قط، التموضع بما يكفي كي ألمس عمق انهياري. يجدر بي، أن أسقط أبعد من انهياري. ينبغي أن أسقط أدنى من كرسيي وأبعد من نقطة سريري. أتوخى لو تنفلق الأرض إلى نصفين كي يمكنني الانحدار نحو أقصى نقطة في جوفها". في فرنسا، وكذا أمكنة أخرى، يبقى البغاء، مرتبطاً بمتخيل القذارة والدنس: ماعدا الكوميدي فيليب كوبير الذي تجرأ اليوم في الفضاء العمومي، معترفاً بميله إلى جنس السوق؟
هذه الرؤية للبغاء، تترك رغم ذلك، كثيراً من المختصين حائرين: "يتعلق الأمر طبعاً، بعالم عنيف، يعرف استغلال البشر والقوادين، لكن هناك عاهرات مستقلات ممتهنات للجنس يوظفن الأنترنيت، أو هن عابرات يمارسن مهنة أخرى، تلاحظ الباحثة السياسية جانيت موسوزلافو. بعضهن يقاسي، لكنه وصف لا ينطبق على الجميع. هناك مومسات تنتخبن زبائنهن وكذا السعر، ولا يرغبن في التوقف. إذن، تحت أي مبرر يمكن منعهن؟" أيضاً العقاب، إلى جانب كونه يلقي بالمومسات نحو السرية والغربة والعنف "فإنه سينتهي بإهانة وضعية الأشخاص الذين يتوخى حمايتهم!" يتحسر ليليان ماثيو، باحث اجتماعي، ضمن فريق المركز الوطني للبحث العلمي. لكن، بخصوص هذا النقاش وموضوعات أخرى، فغالبا ما يحدث الرهان الرمزي للمنع، سجالاً. بالنسبة للمدافعين عن العتق، تمثل معاقبة الزبون طريقة راديكالية، للتأكيد على أن جسد النساء غير قابل لـ"البيع": يتعلق الأمر، بـ"التفكير في تربية متكاملة للمجتمع"، يستخلص دانييل بوسكي، كريستوف كريش ومارتين لنيير كاسو. مهنة جلية يرتجف لها بعض المثقفين: "حسب النموذج الأسمى، فالجنسانية بالتأكيد، رغبة متبادلة يتعذر كبتها، تضحك انيت موسوز لافو. لكن، المُشرّع لا يمكنه أبدا، إصدار قانون على ضوء مثال أعلى. يستحيل، أن نسن بصرامة، نهاية عدد معين من ظواهر المجتمع". فالكثيرون، يخشون، أن يكون منع البغاء، مبرراً كي يتدخل القانوني بغير وجه حق في الحياة الخاصة، ويرسم قواعد، من برجه العاجي كـ"معيار للجنسانية الجيدة" المشتركة، المتساوية والمجانية: "تنشئ إذن، السلطات العمومية، رقابة بوليسية، على تصرفات حميمية. نظرة، تتسلل إلى جنسانيتنا"، تشير، اميلي موغير. الرؤية النقدية، التي يتشبت بها المدافعون عن تحرير الرقاب، تستند إلى مبدأ احترام المساواة بين الرجال والنساء. فهل، سيقنعون قاعة البرلمان، ويجعلون فرنسا تحذو حذو البلدان الاسكندنافية مثل السويد والنرويج، إنهم يؤمنون بذلك.
II ـ النموذج السويدي:
سنة 1999، عندما قررت السويد وضع حد للبغاء، صعُب على ليزتام أن تمنع عن نفسها الإحساس بارتباك طفيف: "أقول بأن البغاء، سينتعش في إطار السرية، تفسر نائبة رئيس النيابة العامة بستوكهولم. وتوشك الوضعية على أن تزداد سوءاً بالنسبة للفتيات". إثنا عشرة سنة فيما بعد، صارت ليزتام ناطقاً رسمياً متحمساً، باسم النموذج السويدي: "لقد تراجع البغاء كثيراً، شيء جيد. ينبغي أن يكون الجنس إحساساً متبادلاً. إذا لم تعد ترغب زوجتك فيك، فهل تنفصلان أم تستمران. لا تستغل جسد فتاة روسية، تعاني البؤس". تعتبر السويد أول حكومة في العالم، أقرت مبدأ معاقبة شراء الخدمات الجنسية منذ 1999. أضحى الزبناء، تهددهم غرامة وعقوبة سجنية وصل مداها سنة، وذلك شهر يوليوز 2011. حسب كاجا وولبرغ المقررة الوطنية حول البغاء واستغلال الكائنات البشرية، فقد استُجوب ما يقارب 4000 شخص في السويد، منذ دخول النص حيز التطبيق، أيضاً الغرامات كثيرة، لكن لم يتم النطق بأية عقوبة سجنية.
إذا كان السويديون، قد انطلقوا في هذا الخضم ضد البغاء، فليس باسم الأخلاق، لكنهم يجزمون بناء على مبدأ "مساواة النوع": الاستغلال الجنسي، يرمز إلى إحدى الصيغ الأكثر بشاعة للهيمنة الذكورية: "ليس صدفة، أن يتم التصويت على هذا القانون في حقبة ولج خلالها النساء إلى الحكومة وكذا البرلمان السويدي يؤكد أنطوني جاي أحد مسؤولي مجلس دول بحر البلطيق. أيضاً، إبان هذه السنوات، صوتنا على قوانين، تتعلق بمختلف أنواع العنف الممارس على النساء أو التحرش الجنسي". هل نجح التشريع، في إزالة البغاء؟ "منذ خمسة عشر سنة، ملأت ما يقارب خمسين فتاة شوارع ستوكهولم، تؤكد "جوناس ترول" رئيسة مراقبة شرطة المدينة. أما حالياً، فلا يتجاوزن بالكاد العشرة. كانت لنا فرقة تقوم بدورية كل أسبوع، وتحرير محضر للزبائن، وفرقتين تشتغلان بالزي المدني، أربعة وعشرين ساعة بدون انقطاع وطيلة الأسبوع، من أجل صياغة ملفات قانونية. يلاحقن الفتيات، ويلتقطن صوراً للمهربين، بل والتجسس على المكالمات الهاتفية، وتحديد بيوت الدعارة السرية: شقق أو فنادق".
مع ذلك، وجراء تدخلات البوليس، لم يتم قط تحرير محضر للمومسات أو متابعتهن، بل اعتبرن مجرد ضحايا، تتكفل بهن جمعيات: "لم يكن البغاء قطعاً اختياراً، تتحدث ميكي ناغاتا المستشارة الاجتماعية لهيئة البغاء، بستوكهولم، التي تضم عشرة أشخاص. هؤلاء النسوة تعرضن للاستغلال، أو يتصرفن، نتيجة جرح داخلي: لقد قاسين من صدمات مرحلة الطفولة، هكذا، رافقهن إحساس بأنهن لا قيمة لهن، أجسادهن لا تنتمي إليهن حقا". لم، يندثر البغاء تماماً: فلا تستطيع الشرطة، ملاحقة جميع الإعلانات التي تظهر على الأنترنيت، أو يحيطون بمختلف نوادي التدليك المتواجدة بستوكهولم. مع ذلك، شعر السويديون، بزجرية المنظومة القانونية الجديدة: "يتحاشى القوادون، السويد، فقد أدركوا بأن المومسات، لا يمكنهن، الاشتغال هناك بهدوء، تفسر كاجا وولبرغ. من خلال التنصت على المكالمات الهاتفية، تبدو أصوات المتاجرين وهم يناقشون تقسيم حصص، جماعاتهم من الفتيات: يتكلمون عن الدنمارك أو هولندا، لكن نادرا السويد، ماداموا يعرفون بأن "السوق" يتهاوى".
III ـ حوار مع السكرتيرة العامة لنقابة العمل الجنسي: حركة ولدت سنة 2009 وتضم 500 منخرط.
1) س ـ كيف تحددون "عملكم"؟
ج ـ لا أستعمل كلمة "مومس": إنه مصطلح سلبي، وقائم على رؤية انفعالية. أقول إرادياً، أني عاملة جنسية أو "عاهرة": طريقة، من أجل إعادة صياغة مفهوم يوظف عامة كإهانة، بنفس طريقة، أن المثليين لاءموا ثانية وصف "لوطي". أفضل وضعي هذا بدل الاشتغال داخل مصنع، طيلة أربعين ساعة أسبوعياً: هكذا، أضع بمحض إرادتي برنامج ساعات العمل، ولا يحكمني رئيس، ثم أكسب حياتي. المهم، أن يظل المسار اختياراً.
2) س ـ يؤكد الرافضون، أن البغاء لم يكن قط اختياراً، ماذا تظنون؟.
ج ـ طبعاً، "اختيار مكره" ـ حقا، لا نمارس ذلك فقط بشغف ـ لكن الأمر، يسري على كثير من المهن. فالنساء، اللواتي يتحملن يوميات صعبة للغاية في أوراش أو داخل مطاعم، سيصرحن حتما، بأنهن مضطرات عبر الاختيار. لكن، لا شخص، سيتصور إمكانية أن يجيبهن كما يفعلوا معنا، ويدحض رضاهن بدعوى أنهن مستلبات. يخاطبنا المعارضون بلهجة ـ يوجد أحياناً، بينهم أنصار النزعة النسائية ـ كما، لو نحن أطفال لهم. لكن بالنسبة إلي، ترتكز النزعة النسائية على الإنصات لصوت النساء، دون أن يتضمن الموقف حكماً أخلاقياً قبلياً. بناء عليه، وانسجاماً مع هذا الاعتقاد، لا توجد إلا طريقة وحيدة للتحرر، بالتالي كل النساء اللواتي، لم تشملهن هذه الدائرة، يعتبرن حتماً مستلبات. أظن بأن التحرر، هدفه أن تعيش حسب رغباتك الخاصة.
3) س ـ كيف تردون على من يعتبرون البغاء، أولاً وأخيراً، يمس بالكرامة الآدمية؟
ج ـ إنه، شكل من الأبوية المتعجرفة جداً. حكم، جارح ومهين ومستخف، أن نسمع حديثاً، يصف هذه المهنة بالعبودية والاسترقاق. قد يكون، كذلك لكن ليس دائماً. لدي صديقات، لا يمكنهن القيام بما أقوم به، لأني أمتلك صلة بجسدي تخول لي هذه الإمكانية. ينبغي احترام شعور كل واحد، وليس أن تفرض على الآخرين رؤيتك الذاتية للأشياء. بعض الأشخاص، مثلا يعجزون عن الاشتغال في مذبح، وآخرين يشعرون بالضجر حينما توكل إليهم مهمة العناية بأشخاص مسنين. ما أجده مخزيا، هو بالأحرى خضوعي لصفقات أو استدعائي من طرف القضاء. منخرطو نقابتنا، لا يحسون بأنهم فقدوا كرامتهم. رغبتهم الوحيدة التوقف عن التنديد بهم، والاعتراف لهم بحقوق، مثل التقاعد والتأمين الصحي. لكن، عندما نعاقب الزبون، فإننا نتجه على العكس صوب تهميش وكذا التأثير سلبياً على دخل عاملات الجنس، اللواتي سيجدن صعوبة شيئاً فشيئاً، من أجل فرض شروطهن على الزبائن.
4)س ـ النقابة التي تشرفون عليها، تتكلم عن البغاء، كأنه "عمل جنسي".
ج ـ لا يرتكز البغاء على أن تبيع أو تؤجر جسدك، كما يدعي ببساطة المناهضون. ما دام الزبون، لا يمكنه أن يصنع به ما يريد. يقترح الممهتن للجنس أداء، يحققه بجسده لكن يلزمه أيضا توظيف رأسه! هناك أشياء، يقبل القيام بها وأخرى يمتنع عنها. لذلك، وأثناء الأداء، يحرس في كل لحظة على ضبط ما يحدث.
المقالة مترجمة عن جريدة لوموند: السبت 26 نوفمبر 2011.
مراكش/ المغرب