الكلمة- رسالة المغرب الثقافية ـ يحتفي الشعراء بالشعر في اليوم العالمي للشعر..
هذه المبادرة الكونية/الرمزية التي جاءت استجابة لنداء بيت الشعر في المغرب، هذا الإطار الذي تم الإعلان عن فكرة إنشائه في 8 أبريل 1996، من طرف الشعراء، محمد بنطلحة، محمد بنيس، صلاح بوسريف، حسن نجمي. وفي 21 دجنبر من السنة ذاتها كان جمعه التأسيسي. خط خلاله برنامجا عاما تشير ملامحه الأولى الى:
يوزع البرنامج حسب دورات، ويطلق اسم شاعر على كل دورة. (أطلق اسم الشاعر عبد الله راجع على الدورة العلمية الأولى).اعتماد يوم 21 مارس من كل سنة يوما للشعر في المغرب. تنظيم المهرجان العالمي للشعر. تنظيم لقاء سنوي بين الشعراء والفنانين التشكيليين. إنشاء المحترفات التي نص عليها البيان التأسيسي. تنظيم أمسية الشاعر المغربي، تقتصر على ثلاث شعراء كل سنة. تخصيص ندوات منتظمة لمواكبة الإصدارات والأعمال الشعرية والنقدية الجديدة، مغربيا وعربيا ودوليا. استضافة شعراء من خارج المغرب. إصدار مجلة "بيت الشعر في المغرب" بعنوان "البيت". إصدار دورية إخبارية. إصدار منشورات "بيت الشعر في المغرب".منح جوائز "بيت الشعر في المغرب"، في الشعر:- الجائزة التشجيعية للشبان.- الجائزة التقديرية لشاعر مغربي متميز.- الجائزة الكبرى، وتحمل اسم "الأرغانة"، ذات قيمة عالمية.في الدراسة:- جائزة الدراسات النقدية.جائزة الأعمال التي تشتغل على الشعر. استعمال جميع وسائل الاتصال والتواصل لتعميق العلاقة مع الشعراء والمهتمين بالشعر.
ويعتبر الشاعر محمد بنيس أن بيت الشعر في المغرب، قد "أعاد الاعتبار للشعر والشعراء بكل كرامة ونبل، وهذا شيء كنا نفتقده لفترة طويلة. وقد حاول البيت الجمع بين أصوات مختلفة وأصوات غير معروفة في ما بينها وأصوات لها مواقف كتابية متعارضة، والى جانب ذلك جمع بين الشعراء والفنانين والرسامين والمسرحيين والموسيقيين. كما انفتح على العالم وأقام أول مهرجان عالمي للشعر على أرض عربية وهو سفر نحو البعيد.."
الاحتفاء باليوم العالمي للشعر مبادرة تعيد التأكيد على الحاجة الدائمة للشعر، مادامت الحاجة دائمة للحياة. في لحظة إنسانية محمولة بالاستعارة، يجمل الشعراء خساراتهم وويلات العالم، كي يتلون ما تبقى من جسارة البداهة. ولأن الشعر اللغة الكونية الوحيدة التي لا تغمرها مخططات الساسة، ولا بيانات الأرقام ولأن الشعر لغة العالم الوحيدة حين يبقى العالم دون لغة.. يلتئم الشعراء يوم 21 مارس من كل سنة كي يخطوا جسرا آخر لما تبقى من الأمل.
وفي المغرب يعود الشعر الى امتلاك لحظته الزمنية، بعدما توارت خطاباته ونقاشات الشعراء الى الصمت، فمنذ أواسط التسعينات من القرن الماضي، بدأنا نقرأ النصوص وتفرغ الدرس النقدي لخيلان الشعر، القصة والرواية. ولعله جزء من مسار تشكل القصيدة المغربية الحديثة فإن كانت سمة التعدد ملمح قوي ولافت للجسد الشعري المغربي، فإن هذه البياضات جزء آخر من سمة ميزت تشكل تجربة القصيدة في علاقة وطيدة بأسئلتها الثقافية.
منذ عبدالقادر حسن، وعبدالكريم بن تابت، مرورا بمحمد الوديع الأسفي، عبدالكريم الطبال، محمد السرغيني، محمد الجوماري،.... الى مرحلة السبعينات والتي جاءت محملة بالسؤال الايديولوجي، وصولا الى الثمانينات والتسعينات حيث العودة الى هذه الذات المثخنة، مسار طويل من تشكل هذا القلق الأنطولوجي. لكنه، ملمح يحتفظ بخاصياته، وبسماته الاستقرائية، فالقصيدة المغربية الحديثة لم تكن بمنأى عن أسئلة التحول والحداثة. في الوقت الذي انخرط فيه الشاعر في ترسيم رؤى وأنساق، ظل الدرس النقدي حبيس مرجعياته النظرية غير آبه بفتوحات النصوص وإشراقاتها.
وإذا كانت مرحلة نهاية الثمانينات وبداية التسعينات تمثل آخر محطة في هذا المخاض العسير، بحكم طبيعة النقاشات التي عبرت عنه نصوص امتطت سؤال التحول، إلا أن المشهد ما لبث أن عاد لسكونه الذي يطرح أكثر من سؤال حول طبيعة تشكل القصيدة المغربية الحديثة ورهاناتها الجمالية.
وارتباطا بتمظهرات هذه النصوص المنفتحة على أسئلتها الخاصة، والتي تروم من خلال تراكمها النصي ورؤاها للكتابة والعالم أن تخلق مسارا غنيا لأفق القصيدة المغربية الحديثة عبر مزيد من خلخلة أنماط الإنتاج الشعري وتنوع آليات التواصل، وصولا الى تشكيل سياق تفاعلي جديد للنص الشعري.
لكن، هذا المسار يطرح أكثر من سؤال إذا عدنا الى مقاربة هذا المنجز النصي فرهان الاستحداث الثيماتي والبنائي لا يوازيه استحداث على مستوى الكتابة الشعرية، وتصوراتها ونسقها المعرفي. إذ تتجه بعض النصوص الى الاستنساخ الآلي أو الى توليد أشكال فارغة من تجارب موجودة بقوة المنجز، ولعل الاستسهال الملاحظ السنوات الأخيرة في ركوب رهان كتابة قصيدة النثر، قد حول بعض التجارب الى نسخ غير أصلية من أنماط تقترب من "الشعر" ولعل هذا راجع في الاساس الى طبيعة الشعر المغربي، والى أشكاله وتجاربه التي تبلورت والى طبيعة وظيفة الشاعر، وحتى الى الحراك الثقافي والذي يعمق من ضبابية المشهد ككل.
وبالعودة الى إشراقات هذا المشهد جاء تأسيس بيت الشعر في المغرب، كي يعيد سؤال المشهد الشعري المغربي الى ديدن الممارسة النظرية والى مسار إعادة التأمل.وفي الاحتفاء باليوم العالمي للشعر، تطل القصيدة على جمهورها في جميع الفضاءات الممكنة وهكذا على امتداد جغرافية المغرب، في المؤسسات التعليمية في المسارح، في دور الشباب في المداشر، وفي المساحات النائية، يركب الشعراء صهوة محبتهم كي يعيدوا ترتيب خسارات العالم.
وكما دأب على ذلك كل سنة، يوجه شاعر مغربي، باسم بيت الشعر في المغرب كلمة الى الشعراء في العالم. وخط نبض هذه السنة الشاعر علال الحجام، وهذه نصها:
كلمة الشاعر علال الحجام باسم بيت الشعر:
عشاق الشعر...
معشر الشعراء والشاعرات...
هل يمكن الاستغناء عن الشعر؟ أو بصيغة أخرى: ألا يزال هناك حقا مكان للشعر في عصر أغرقت الآلة والتكنولوجيا الدقيقة والفتوحات العلمية حياة الإنسان، وغزت الحداثة المادية براءته، وكلست تلقائيته الطفولية، فكان من الطبيعي أن يجعل البعض حاجته الاستهلاكية بديلا لحاجته الفنية؟ وإذا كان الأمر كذلك، مادام الإنسان مرغما على تأسيس وجوده بالكلام السامي كما يرى هيدرجر، فما الذي يجعل الشعر ضرورة ملحة في عصرنا الراهن؟ إنه هو ما يجعل الكلمة الحالمة أخلد من سطوة الدكتاتور، وأعتى من آليات قهر جهنمية تجتث جذور كل ما هو رائع وجميل، إصرارا فاتنا على تخصيب منابع الخيال روضة مخضلة بقدر ما تصر زوابع الفيافي على تدمير أحلام الربيع وتحنيطها• وإذا كان الشعر هو رحم الصلوات التي تعلم الكلمة كيمياء اتحاد الماء بالنار في انسجام لا يضاهى، وتلقنها أبجدية السحر، فلا تقود تراتيله إلا الى مسرات الأعالي، ولأنه ما تبقى لنا من عطر سلام يبشرنا بأمل وضاء لا ينطفي، وكوة فرح في غياهب هوجاء تفترس كل ما هو إنساني، فلا شيء سواه يهبنا العزاء الجميل في فداحة انحطاط لا يد لنا في استشرائه..وهل هناك أقدر من الشعر على الامتلاء ببهجة الحياة حتى في دهاليز الموت وأوج المأساة، وتفجير براكين مفارقة خارقة تجعل من الكلمة متعة غامرة لا ضفاف لها:
في غبش الليل أو بلجة الصباح، على قمم البطولة أو في مهاوي الشهادة؟
عشاق الشعر...
معشر الشعراء والشاعرات...
لا غرو أن تأبيد اللحظة الحالمة، وتدفق الحياة دافئة ندية، وطوباوية العودة من مزبلة التاريخ الى نقاء العالم وبهائه، ودهشة الانخطاف في اتجاه المستقبل، إن هي إلا بهارات سحرية تجعل للشعر مذاقا بطعم انتشاء الكلمة بمطلقها متطهرة من بشاعة الزيف، متمردة على المشي في الطرق المعبدة الآمنة، مجافية ألفة المرئي والمقول والملموس لركوب مغامرة المتاهات الشائكة، والانصهار في غرابة ما لم يقل وما لم يكتشف وما لم يلمس سلفا، بغية خلق خفقان سري يترنم بلهفة كتابة نص معجز مستحيل، يحلق بعيدا... بعيدا خلف إيقاع نور خفي لا تتبينه إلا بصيرة نافذة تأسرها غواية المجهول.
عشاق الشعر...
معشر الشعراء والشاعرات...
طوبي لكم...
فوحده الشعر، بما هو نشيد داخلي تظل الروح تقتفي أثره دون الإمساك بخيوطه النورانية، يستطيع أن يكون بديل البدائل في عالم يفقد الرأسمال الرمزي قيمته يوما بعد يوم، في خضم جبروت الرأسمال المادي، فيغدو قوة من لا قوة له عندما ترتعد فرائص العاصفة أمام غنج نسمة ندية، وسلطة من لا سلطة له عندما تمنح الكلمة العروس دعاء الوتر جسارة احتقار الطاغية، وثروة من لا ثروة له حينما تغني العاشق كنوز المحبة عن كنوز الأباطرة، ويغدو مستقبل من لا مستقبل له حينما يعرش الانشاد متسلقا قمم الأمداء والأزمنة...
لأن الشعر ببساطة هو استمرار تحليق الذاكرة في قيظ أيامنا الجارحة الثقيلة بلغة الأعماق الفردوسية التي لا تشيخ، بحثا عن أصولها المتجذرة في أدغال العصور الغابرة ومسالكها الوعرة...
عشاق الشعر...
معشر الشعراء والشاعرات...
طوبي لكم، وكل عام وأنتم منارات الرؤيا التي تضيئ قلاع الروح...
-إفران في 14 مارس 2007 –