إعدام كتاب )قول يا طير( قتل للذاكرة الشعبية الجماعية

رسالة فلسطين

فيحاء عبدالهادي

ما الذي يقوله الطير؟ مما يصدَّق ومما لا يصدَّق؟! ما هي الـمسافة بين الخيال والواقع؟ وكيف ينتعش خيال الطفل ويرتوي؟ وما الذي يسبب تكلسه وموته؟ ما مدى التأثير التربوي للحكاية الشعبية على الأطفال والشباب، في جميع بلاد العالـم، ذكوراً وإناثاً؟ ولِـمَ يعشقون سماعها؟ ثم هل هناك خصوصية للحكاية الفلسطينية؟ وماذا يحدث في وعي الطفل حين يقرأ حكايات شعبية؟ هل يقف أمام ألفاظ بعينها "تخدش الحياء"، أم ينفتح على عوالـم سحرية، تربط الطفل بتراثه، واللفظ بسياقه، وتدفع لاستخلاص العبر؟! فيرفض الطفل القيم السلبية، نتيجة للنفور منها، دون تلقين، وتتعزز لديه القيم الإيجابية، بشكل فني غير مباشر.
ينشأ الطفل العربي حرّاً، كما ينشأ الطفل في كلّ أنحاء العالـم. يولد ذكيّاً، ميالاً للتساؤل، رافضاً القيود، وعاشقاً للحرية. لا يقتنع بغير الـمنطق، ولا يخضع لغير سلطان العقل، ولا يهاب كبيراً أو صغيراً، ملكاً أو رئيساً، لا يجامل أو يهادن.. يولد قادراً على التعلـم واكتساب الـمهارات، بسرعة تفوق سرعة البالغين بمراحل، وليس أدلّ على ذلك من قدرة الطفل الكبيرة على استخدام الكمبيوتر، وأدوات التكنولوجيا، حالـما تتاح له الفرصة، وتتوفّر الإمكانيات لذلك. ويحتل القص مكانة كبيرة لدى الطفل، وتغدو الحكاية محبّبة إليه، فيستمع بآذان صاغية وعيون مفتوحة، ودهشة غير محدودة، يطلق من خلالها العنان لخياله، معبِّراً عن توق فطريّ لدى الإنسان منذ نشأته، إلى عالـم سحريّ، يوازي العالـم الذي يعيش فيه.

لكنّ الطفل العربيّ، منذ أن يبدأ بالتساؤل، ويمضي في رحلتة المعرفيّة؛ حتى يواجه سدّاً من الـمعوّقات والـممنوعات، ونظاماً تربويّاً واجتماعيّاً أبويّاً سلطويّاً، يحاصره في البيت والـمدرسة والشارع؛ ما يُنتج شخصية اتكالية ضعيفة خاضعة، تكون في النهاية مرتبطة بالقبيلة والطائفة، بعيدة عن الكون الواسع الرحب، وعن التفكير العلـميّ. ولا شك في أن هناك تأثيراً كبيراً للصراعات التي يعيشها العالـم العربي، على نشأة الطفل العربي وتفكيره: الصّراع مع الاستعمار، كما هو الوضع في فلسطين والعراق، أو الصراع الأيديولوجي، كما هو في لبنان والعراق والسودان وفلسطين. وفي حين ينتج عن الصراع مع الاستعمار مصادرة للطفولة، وحرمان من التمتّع بحقوق الأطفال؛ ينتج عن الصراع الأيديولوجي تغذية للنزعات الطائفية والـمذهبية، وازدياد للتعصب، وسيادة لحكم الغاب، في غياب دولة الـمؤسسات.

في موازاة هذا الوضع الـممزّق، الذي يعيشه الطفل العربي؛ يشهد العالـم نهضة علـمية وتكنولوجية كبيرة، حيث تصبح العولـمة واقعاً، يجدر فهمها وتجدر مواجهتها في آن. يجدر فهمها بالـمعنى الإيجابي، بالاستفادة من انفتاح العالـم على الثقافات الـمختلفة، وسرعة تبادل الـمعلومات، وتجدر مواجهتها بضرورة رفض سيطرة القطب الواحـد، واحتكاره لأدوات العولـمة، ورفض إفقار الشعوب. كما يصبح في غاية الأهمية إعادة التأكيد على قيم التعددية الثقافية، ومحاربة أنواع التمييز الطبقي، أو الجنسي، أو الـمذهبي، أو الطائفي كافة.

ما الذي نريده من طفلنا الفلسطيني؟ هل نريده مبدعاً أم اتكالياً؟ هل نربيه على القيم التي ترسخها العصبيات القبلية، مثل: قيم "الخاوة"، و"الثأر"، و"غسل العار"، و"تقبيل الأيادي واللحى"، و"أخذ القانون باليد"، و"الوصاية"؟ أم أننا نريد أن نربي لديه "ملكة النقد والتساؤل"، و"الحس الديمقراطي"، و"التفكير العلـمي"، و"احترام التعددية الثقافية"، و"تقدير الـمرأة"، و"احترام القانون"، و"الحرية"، وإعلاء مبدأ "الحوار الفكري"، و"شرعية الاختلاف"؛ حتى يقرأ الحكايات الشعبية وغيرها قراءة واعية ناقدة، وحتى يبدع، وينتج، ويبتكر، ويشارك في بناء وطن حـر.

الدكتورة فيحاء عبد الهادي الـمحترمة،
قرأت مقالك الـمعنون بـ "مركزية الحكاية في التعلـم والفن والحياة"، وهو يتناول موضوعاً يقع في صميم هويتنا الفلسطينية، في حفظها وتناقلها عبر الأجيال، فلا نستحق هذا الوطن إن تخلى وعينا الجمعي عن ذاكرتنا وحكايانا. هذا موقعي الشخصي، وفيه تجدين حوارات أجريتها مع جدي ـ من مجاهدي معارك الـ 48 ـ حوارات مطولة ومفصلة عن النكبة، ما قبلها وما لحقها من شتات. الـملفات صوتية. أتمنى لك النجاح".
سليم البيك:
www.horria.org

عذراً سليم البيك، أحببت أن يشاركني القراء رسالتك الـمهمة. أوافقك الرأي: لا نستحق هذا الوطن إن تخلى وعينا الجمعي، عن ذاكرتنا وحكايانا. لنجمع حكايات جداتنا وأمهاتنا، التي تستقر في صدورهن، ولندوِّن ما لـم يكتب منها، ولنشكِّل حلقات لقراءة تلك الحكايات ومناقشتها، مثل: "قول يا طير".

أقصُّ حكاياتي/ ألوي عنقَ الزمن/ أعصُر ماضيَّ/ أكون/ أدخلُ التاريخَ جميلةً بهيةً/ أفرشُ ردائي/ يتفجرُ النبعُ/ يهمي الشلال.
عربيةُ/ زهرةُ الأقحوان/ مَهيبة/ روبينُ/الهَودَجُ/الشَّطَرَنج/الـمَوَّالُ/الدَّبكَةُ/التَّبَّان
أَيُّوبُ/العَجَمِيُّ/النَّبي صالح/ سَلَمَةُ/أجنادينَ/الفَحَّام.
تَمتَدُّ حِبالُ الكَلِمات/ تَتَسَوَّرُ بالبرتُقالِ/ الكينيا/ السَّفَرجَلِ/ تَتَسلَّقُ وتَطوف/ عَمَّانَ/دِمشقَ ولُبنان/ الكاكيَّ/الشَّلاَّلاتِ/وَشَجرَ الأَرز/ البَقعةَ/ اليرموكَ/وتَلَّ الزَّعتر.
أَنفُخُ أَحرُفي/ أُشَكِّلُ عالـمي/ أَصنَعُ تاريخي/ وأكون.

أعود لأتبنى الدعوة لإطلاق حملة "من حقي أن أكتب قصتي"، على مستوى الوطن والشتات.

faihaab@gmail.com