الخامس من كانون ثاني، يناير، ٢٠١٢ ناقشت ندوة اليوم السابع الأسبوعية الدورية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس رواية «عناق الأصابع» للأديب المقدسي عادل سالم الصادرة عام ٢٠١٠ عن دار شمس للنشر والتوزيع في القاهرة.....تقع الرواية التي صمم غلافها إسلام الشماع في 365 صفحة من الحجم المتوسط.
بدأ النقاش محمد خليل عليان فقال: في روايته «عناق الأصابع» أعادنا الكاتب عادل سالم سنوات طويلة إلى الوراء، أعادنا إلى أيام تأبى النسيان، تظل ذكراها عالقة في الذاكرة راسخة في الوجدان، لا يتخطاها التاريخ ولا يتجاوزها الزمان، إنها الايام الطويلة التي قضيناها وراء القضبان وفي غياهب السجون، بكل ما تحمله من ألم ووجع، صمود وعنفوان، حزن وغضب، فرح ومرح، حب وعشق .. إنها الأيام التي فيها تبلور الفكر وتهذبت النفس وصقلت الشخصية وتفولذت الإرادة وتعززت قوة الشكيمة وأخذت فيها المواجهة طابع (أن تكون أو لا تكون}.
في روايته «عناق الأصابع» ينكأ الكاتب عادل سالم جروحنا التي اعتقدنا خطأ أنها اندملت ويثير فينا الأحاسيس، والمشاعر التي كانت حبيسة، ويرسم لنا بريشة فنان الحلم الوردي الذي كان يراودنا في ليلنا ونهارنا، نفرح له ونستلذ به وتختلج له شغاف قلوبنا .. الحلم بزوجة تعانقها، وأم تدفن رأسك بصدرها ووطن يسكنك ويحميك.
في «عناق الأصابع» تكتسي التجربة طابعها الإنساني ، ويظهر الحب كمحفز أساسي للصمود، ومصدر ملهم للقوة، والعنفوان، وعنوان للحلم، وهدف يستحق الحياة . وكانت خولة شاهين المرأة التي ترتسم على شفتي علي النجار حتى وهو يتعرض إلى القسوة والتعذيب، والعبق الذي يفوح في أجواء الزنزانة النتة العفنة والأمل الذي لم يدع مكانا لليأس والقنوط في قلب الاسير الذي امضى عقودا من الزمان في الظلمة الحالكة.
ربما تكون «عناق الأصابع» هي الرواية الاولى التي تحطم القيود أمام الحب وتظهره باسمى تجلياته، وهي، لذلك، تكون الرواية الأولى التي تعاملت مع الأسير الفلسطيني كإنسان أولا وقبل كل شيء، إنسان يحب ويكره، يحزن ويفرح، يبكي ويتأوه، إنسان يحتاج إلى الحب مثلما يحتاج إلى الغذاء ومثلما يتوق إلى الحرية، وكان الحب الذي منحه الكاتب لعلي النجار، الشخصية الرئيسة في الرواية، حبا سخيا، صادقا، لا يعرف الحدود ولا القيود، تخطى السجن والسجان واخترق فتحات (الشبك) وسكن الروح واستوطن في القلب، وارتفع بعلي إلى أسمى درجات الإنسانية والرقي، وجعل منه القائد الإنسان الذي يقاتل دون هوادة، ولا يتنازل عن قضيته وكرامته ولم يهزمه السجن، والسجان وكلما مر الوقت كلما كبر الحب وتفولذت عزيمته.
وإذا كان حب خولة يشكل مصدرا ملهما لصمود علي في الاسر فان حب الأم، والاب، والأخ، والأخت، والصديق والقريب، والبعيد للأسير والحركة الأسيرة كان أحد اهم مصادر صمود الاسرى وانتصاراتهم على السجن والسجان . لقد وثق الكاتب مرحلة تاريخية كان فيها التعاطف والتضامن مع الحركة الأسيرة لا يقتصر فقط على زوجات وأمهات وأبناء الأسرى بل يشمل كافة الفئات الشعبية في الوطن والخارج شيبة وشبانا أطفالا ونساءا، فقد غمرت الجماهير االحركة الأسيرة بالحب، والتعاطف، والتضامن الفعلي، ونظمت الفعاليات، والمظاهرات، والاعتصامات التضامنية وشكلت بعدا رئيسا في نضال الحركة الاسيرة.
أما مصدر الحب الأهم في عناق الأصابع فهو العلاقة الإنسانية الوشيجة التي يتميز بها الأسرى فيما بينهم، لقد أبدع الكاتب في التركيز على تفاصيل دقيقة للحياة الداخلية في الاسر يظهر في الحب الصادق والاخوة المتينة والتفاني والتضامن وحب الجماعة والتضحية من اجل الآخر. هناك، في الاسر، حيث الحرمان والقهر، يفرح الاسير لفرح رفيقه ويحزن لحزنه ويشاركه لباسه وطعامة هو يسهر على راحته ويداوي مرضه ويقاسمه لقمة الخبز و«حبة التين». هذا الحب لا يميز بين الابيض والاسود، بين الغني والفقير، بين المتعلم والجاهل، بل يخترق كل الفوارق الطبقية والتنظيمية ويضع الجميع في خندق واحد.
وربما يكون الكاتب قد أدرك ان علي النجار الذي امضى «٣٨» عاما وهو ينعم بهذا القدر من الحب، لا يستطيع ان يتأقلم ويتكيف في واقع حياتي تغلب عليه الأنانية والسعي وراء المصالح الشخصية والزيف والنفاق لذلك أغدق عليه بمزيد من الحب وجعله ضحية عملية اغتيال إسرائيلية بعد أسبوع فقط من الأفراج عنه كي يسقط شهيدا ويفارق هذه الحياة قبل أن تتلوث روحه.
عناق الأصابع ليست رواية بل قصائد حب خالدة، سنغنيها نحن والأجيال القادمة على ألحان الوجع والالم.
وبعده قالت نسب أديب حسين: يأتينا الكاتب المقدسي عادل سالم بروايته الأولى بعد إصدارات سابقة في الشعر والقصص والدراسات (عناق الأصابع) التي صدرت عن دار شمس المصرية. هذا الكاتب الذي وُلد عام 1957 في البلدة القديمة في القدس وقضى 33 شهرًا في سجون الاحتلال، وخاض تجربة السجن، وتنقل بين العديد من السجون كسجن بئر السبع ونفحة والرملة وغيرها.. قرر أن ينقل تجربة السجن بقالبٍ روائي، يتناول شخصيات حقيقية كعمر القاسم الذي لُقب بمانديلا العرب واستثنته عملية تبادل الأسرى عام 1985، قضى في سجون الاحتلال 22 عامًا حتى انتقل الى جوار ربه شهيدا. وليتناول شخصية خيالية هي شخصية علي النجار ابن القدس الذي سُجن لمدة 38 عامًا الى أن أفرج عنه بتبادل الأسرى. هذا البطل الخيالي كان صديقًا لسجناء حقيقيين ذكرهم الكاتب مثل عطا القيمري ومحمد عليان وسمير قنطار، نقل الكاتب عن طريقه الكثير عن حياة السجن والسجناء. أما الحياة خارج السجن فكانت عن طريق عائلة عليّ ووالديه، وأخواته وإخوته وزوجته خولة.
لقد صدرت العديد من الكتب التي تتطرق إلى السجن والسجناء ومرارة التعذيب، لكن أحد ما يميز هذه الرواية عن غيرها هو القالب الروائي الذي يجعل القارئ أقرب الى مفهوم السجن. الرواية تتطرق الى وصف السجن مثل وصف سجن نفحة ص 52 (غرفة صغيرة تكاد تتسع لهم للنوم بجانب بعضهم بعضا، الباب كله من الصفيح مغلق لا ترى منه شيئًا يوجد به شباك صغير يفتحه السجان من الخارج إن أراد شيئًا، لا يوجد لتهوية الغرفة سوى شباك واحد صغير في أعلى أحد الجدران، في آخر الغرفة توجد غرفة حمام واحد بدون ماء ساخن، وحنفية ماء داخل الغرفة..) في موقع آخر يزيد الكاتب في التفصيل ليقول أنّ الشباك الذي في باب الصفيح مساحته (٢٠ سم *٢٠سم) سم فيه ثلاث قضبان حديدية سمك كل واحد منها ٢ سم. نجد الكاتب مجتهدًا محاولا أن لا تغفله غافلة، يصف السجن، والتقسيمات والإدارة في داخل السجن، والبرنامج اليومي للسجناء، دراستهم وكتاباتهم وتنظيمهم، كل هذا يساعد القارئ الجاهل لهذه التفاصيل والذي لم يقف قريبًا من تجربة من هذا النوع، في فهم هذا العالم.. عالم السجن، ليرى أنّ السجين لا يتوقف دوره في الحياة أو في النضال في السجن، بل هناك عالمٌ كامل ومجتمع يحيى في إطار هذا العالم الصغير الكبير، الذي قد تنحصر مساحته عمليًا بمساحة الزنزانة أو مبنى السجن، لكن أبعاده أكبر من هذا بكثير.
يحاول الكاتب أن يعطي كل ذي حق حقه، فنجده أحيانًا يذكر أسماءَ الكثير من الاشخاص والمؤسسات، كنوع من الشكر والاشارة، لكن هذا أبعده عن المجال الأدبي وأضعف الرواية. هذه الرواية قوية بأحداثها وبطرحها، أكثر من قوة نصها الأدبي. لغة الرواية بسيطة فيها الكثير من التفاصيل والجُمل التي لو حُذفت لكان النص أقوى. فلك الرواية الزمني الذي يمتد من عام 1978 حتى عام 2008 ، امتلأ أحيانًا بفجوات زمنية. فيجد القارئ نفسه منسجمًا مع أحداث الرواية الآنية ليجد نفسه فجأة على بُعد خمس أو عشر سنوات من هذا الحدث، مما يشعره بالارتباك. لقد أراد الكاتب بهذا أن يؤرخ ويسلط الضوء على أحداثٍ تاريخية مهمة على مدار ثلاثين عامًا كعملية تبادل للأسرى، أو إضراب عن الطعام، أو الانتفاضة الفلسطينية عام ١٩٨٧. لكنه غفل عن أحداث أخرى لنكون في ص (٣١٨) في عام ١٩٩٣، ونجد أنفسنا فجأة ص ٣٢٢ في عام ٢٠٠٨، أي عبر الكاتب بُعدًا زمنيًا هو خمسة عشرة عامًا في أربع صفحات، بينما نالت الخمسة عشرة عامًا الأولى في حياة الرواية ٣١٧ صفحة، وهذا يُضعف النص الأدبي. وفيما يبدو أن الكاتب قد نال منه التعب وأراد أن ينتهي من هذا العمل فقرر أن يختصر، لكن في اعتقادي بأنه لو تريث وتوقف عند عام ١٩٩٣ لتكون الجزء الأول من الرواية ويستمر في الكتابة ليصدر الجزء الثاني عن الحقبة الزمنية التالية لكان العمل أنجح.
نقلت الرواية حياة السُجناء ببعدها الإنساني، فالكاتب لم يُصور السجين كبطل خارق يتحدى دائمًا كل الصعوبات، بل هو يحزن أحيانًا، ويُصاب بالخذلان، ويشعر أحيانًا باللاجدوى، كما أنه يفرح ويحلم بحياة أجمل حتى لو كان قد حُكم بالسجن المؤبد.
المرأة في الرواية
لقد اهتمت الرواية بالمرأة وتطرقت الى ثلاث نساء، يمكنني أن أقول أنهن من أبطال الرواية: أم سعيد، أم الأسير: هي أم الأسير علي النجار التي تمثل أم الأسرى جميعًا ولا تنفك مدة ٣٨ عامًا في التنقل من سجن إلى آخر مع تنقل ابنها علي، في البحث عنه وزيارته، والتفكير به، والافتخار به.. والحلم بأن تراه قبل أن تموت ص ٣٢٧. ويكون لها هذا حين يُفرج عن علي في عملية تبادل للأسرى، لكنها سرعان ما تفقده إذ يستشهد بسقوط صاروخ على سيارة تُقله لإحضار عروسه خولة عند معبر قلنديا. هذه الأم التي تخوض الإضراب عن الطعام تضامنًا معه ولا تنقطع عن زيارته كل أسبوعين طيلة مدة الأسر، تظهر كنموذج للأم الفلسطينية التي تقدم أبناءها للوطن. ونرى موقفًا للأم عند محاكمة الأسير عمر القاسم بعد أن نفذ حكم الإعدام بحق أحد الجواسيس، لينال مؤبدًا آخر إضافة الى مؤبد و٢٧ عامًا قد حكم بها من قبل، لتقف الأم وتزغرد وسط القاعة صائحة (الله أكبر على الظالمين، الله يحميكم وينصركم) ص٢٦٦. تلك الأم التي لا تر ابنها إلا من خلف القضبان ورأته بعد نحو عقدين دون قضبان في قاعة المحكمة حاولت الاقتراب منه، لكن الشرطي منعها، حاول المحامي التدخل طالبًا السماح للأم بالحديث معه لثوان، لكن مسؤول الوحدة رفض ذلك مدعيًا أن الأوامر لا تسمح له بذلك.
رحاب : شقيقة علي النجار، تسافر الى روسيا لدراسة الصحافة وتقود مظاهرات داعمه للأسرى وفلسطين، تلتقي بشاب روسي يُدعى فلاديمير معنيّ بالقضية الفلسطينية. يُصارحها فلاديمير بحبه، وتجد نفسها واقعة في غرامه. يعرض الشاب عليها الزواج، ليقابلها رفض الأهل. شخصية رحاب المتمردة، لا تقتنع برفض الأهل وبتقاليد مجتمع لا يُعارض زواج الشاب من أجنبية فيما يمنع الفتاة من خطوة كهذه. تتزوج رحاب من فلاديمير زواجًا سريًا تنجبُ منه طفلا تُطلق عليه اسم أخيها علي، لكن بعد عام ينتهي الزواج والحب بالطلاق. وتعود رحاب الى فلسطين ولا تُعلم والديها بالقصة. يقع شاب تقدمي صحفيّ يُدعى عمران بحب رحاب ويُصر على الزواج منها، فتُعلمه بزواجها السابق ولا يعترض. ورغم ان عمران من دعاة تحرير المرأة وعملها واستقلاليتها وتقبله لطلاق رحاب، نجده بعد سنوات يطلب منها أن تترك عملها في الصحافة التي هي ناجحة فيها لتعتني بطفليها، فيما يتبوأ هو منصب رئيس تحرير صحيفة الفجر التي كانا يعملان بها.
تستلم رحاب بعد ستة أعوام من الزواج بعمران رسالة من فلاديمير (زوجها السابق)، يُعلمها فيها عن خيبته من الاشتراكية، بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وقراره بالرحيل إلى أمريكا واستغنائه عن حضانة ابنها عليّ، وأنه لن يصحب الطفل معه الى أمريكا بل سيتركه عند أمه العجوز. وهنا تحتار رحاب أمام تعنت زوجها الذي يرفض استقبال الطفل. يعلم أهلها بالموضوع عن طريق شقيقها سعيد فيموت والدها بسكتة قلبية، ولا يساعدها أحد في الوصول الى حل بشأن طفلها الروسي الذي سيبقى وحيدًا. وعمران يخيرها بينهما، لنجد رحاب تترك عائلتها وتسافر الى روسيا ومن ثم ألمانيا لتربي ابنها، ولا تعود الى أرض الوطن الا بعد ١٦ عامًا بعد تحرر أخيها علي من السجن، والذي يُرحب بعودتها.
خولة: شابة صحفية تلتقي أم سعيد لتصحبها الى السجن لزيارة علي وإجراء لقاءٍ صحفي معه. وهناك عند معانقة أصابع علي لأصابعها، تشعر بشعور غريب، لتجد أنها وقعت في حب علي. وتستمر زيارة خولة لعلي بمرافقة أمه ويتصارحان بشعورهما، وتقرر أن ترتبط بعلي رغم أنه محكوم بالسجن المؤبد. يوافق والديها على رغبتها، ويُعقد القران في السجن. وتبقى خولة العروس تحلم بعناق عريسها علي، وتحيى طيلة ٢٨ عامًا على أمل أن يُفرج عنه في صفقة تبادل. وفيما تجهز الملابس له وتحلم، تجد أن صفقة ١٩٨٥ لتبادل الأسرى تستثنيه. حتى يُفرج عنه عام ٢٠٠٨، وتعانقه للمرة الأولى.
لكن فرحة خولة لم تكتمل وذلك عند استشهاد عليّ في يوم الزفاف بسقوط صاروخٍ على سيارة تُقله إلى الفرح. خولة هذه البطلة صاحبة الميزات الخارقة والتي يصعب أن تكون حقيقية، وبعد أن واكبت على زيارة علي مدة أسره ولم تتغيب إلا للضروريات، نجدها بعد موته تواكب على زيارة قبره كل صباح، وتأتي هنا نهاية الرواية في أن تصارح صديقه خليل الصباح الذي سافر إلى أستراليا، بهذه الزيارات، فيسألها الى متى يا خولة ؟ لتقول (إلى أن يعود ليأخذني معه}.
عنوان الرواية عناق الأصابع:
إن عنوان الرواية يُقدم الرواية بأفضل تعبير ليختصر رسالة الرواية بكلمتين، في نقله البُعد الإنساني لحياة الأسير، هذا البُعد الذي ركز واهتم الكاتب كثيرًا بإبرازه أكثر حتى من الدور النضالي. ليقول الراوي ص٢٩ {اقتربت أمه بسرعه متلهفة لرؤيته سلمت عليه بأصابعها التي أدخلت بعضها خلال الشبك الحديدي، ما أروع أن تتعانق الأصابع بعد غيابٍ طويل، خارج القضبان ليس لها معنى، لكن للذين تفصل القضبان بينهم فللأصابع إحساس غريب، من خلالها يتصل الأسير بمن هم خلف القضبان، من خلالها يرتبط بالعالم الخارجي.}
ختامًا أعتقد أن الكاتب نجح في امتداد عناق ٍ حميم ما بين أصابع القارئ وأصابع الأسرى، في نقل عالمهم إلى مخيلة وروح القارئ ويربطهما ببعض.
جميل السلحوت فقال: مدخل: "أدب السجون" والكتابة عن التجربة الاعتقالية ليست جديدة على الساحة الفلسطينية والعربية وحتى العالمية، وممن كتبوا بهذا الخصوص: الدكتور أسعد عبد الرحمن في بداية سبعينات القرن الماضي (يوميات سجين) كما صدرت مجموعة قصص (ساعات ما قبل الفجر) للأديب محمد خليل عليان في بداية ثمانينات القرن الماضي، و(الزنزانة رقم ٧٠٦) لجبريل الرجوب، وروايتا(ستائر العتمة ومدفن الأحياء)، وحكاية (العمّ عز الدين) لوليد الهودلي، و«رسائل لم تصل بعد» ومجموعة «سجينة» للراحل عزت الغزاوي و(تحت السماء الثامنه)لنمر شعبان ومحمود الصفدي، و«أحلام بالحرية» لعائشة عودة، وفي السنوات القليلة الماضية صدر كتابان لراسم عبيدات عن ذكرياته في الأسر، وفي العام ٢٠٠٥ صدر للنائب حسام خضر كتاب «الاعتقال والمعتقلون بين الاعتراف والصمود» وقبل عام صدرت رواية «المسكوبية» لأسامة العيسة، وقبل أشهر صدرت «الأبواب المنسية» للمتوكل طه، وفي العام ٢٠١١ صدرت رواية «سجن السجن» لعصمت منصور، و«ألف يوم في زنزانة العزل الانفرادي» للقائد مروان البرغوثي، وأعمال أخرى لفلسطينيين ذاقوا مرارة السجن، كما أن أدب السجون والكتابة عنها وعن عذاباتها معروفة منذ القدم عربيا وعالميا أيضاً ومنها ما أورده الأستاذ محمد الحسناوي في دراسته المنشورة في مجلةد"أخبار الثقافة الجزائرية" والمعنونة بـ"أدب السجون في رواية «ما لاترونه» للشاعر والروائي السوري سليم عبد القادر، وهي (تجربة السجن في الأدب الأندلسي- لرشا عبد الله الخطيب) و(السجون وأثرها في شعر العرب.. –لأحمد ممتاز البزرة) و(السجون وأثرها في الآداب العربية من الجاهلية حتى العصر الأموي- لواضح الصمد) وهي مؤلفات تهتم بأدب العصور الماضية، أما ما يهتم بأدب العصر الحديث ، فنذكر منها: (أدب السجون والمنافي في فترة الاحتلال الفرنسي، ليحيى الشيخ صالح) و(شعر السجون في الأدب العربي الحديث والمعاصر – لسالم معروف المعوش) وأحدث دراسة في ذلك كتاب (القبض على الجمر، للدكتور محمد حُوَّر).
أما النصوص الأدبية التي عكست تجربة السجن شعراَ أو نثراً فهي ليست قليلة، لا في أدبنا القديم ولا في الأدب الحديث: نذكر منها (روميات أبي فراس الحمداني) وقصائد الحطيئة وعلي ابن الجهم وأمثالهم في الأدب القديم. أما في الأدب الحديث فنذكر: (حصاد السجن - لأحمد الصافي النجفي) و(شاعر في النظارة: شاعر بين الجدران، لسليمان العيسى) وديوان (في غيابة الجب، لمحمد بهار: محمد الحسناوي) وديوان (تراتيل على أسوار تدمر – ليحيى البشيري) وكتاب (عندما غابت الشمس، لعبد الحليم خفاجي) ورواية (خطوات في الليل – لمحمد الحسناوي) وقد يكون آخر إصدار هو رواية (ما لا ترونه – لسليم عبد القادر).
عنوان الرواية: «عناق الأصابع» عنوان رواية عادل سالم عنوان مباشر وفاضح للمحتل الاسرائيلي، الذي يحرم الأسرى وذويهم حتى من المصافحة والعناق اثناء الزيارة، وللتذكير فان قوانين الاحتلال بخصوص زيارات الأسرى شهدت تطورات سلبية متوالية ضمن سياسة القمع المستمرة، فقبل شهر نيسان ١٩٦٩ كان الأسرى يصافحون زائريهم ويجلسون قبالتهم على طاولة واحدة، يتناولون وجبة طعام مشتركة يحضرها الزائرون معهم من الخارج، وكان يسمح للزائرين بادخال سلة فواكه للأسير قد يصل وزنها الى خمسة عشر كيلو غرام، ومنذ ذلك التاريخ منعوا إدخال وجبة الطعام، ومنذ منتصف سبعينات القرن الماضي منعوا لقاء الأسرى بزائريهم، ومنعوا المصافحة بينهم إلا من خلال شباك حديدية لا تسمح إلا بدخول الأصابع كل إصبع على حدة، فأصبحت المصافحة بالأصابع فقط، فلا يستطيع الأسير حتى احتضان طفله الرضيع، ولا يستطيع والدا الأسير احتضان ابنهم، كما منعوا إدخال الفواكه.
وفي أواخر ثمانينات القرن الماضي أيضا أصبحت الزيارة من خلف زجاج مقوى وعبر سماعة هاتف تفتح بين الأسير وزائريه، يرون بعضهم البعض من خلال الزجاج الفاصل، ويتحدثون عبر الهاتف، ومنذ منتصف تسعينات القرن الماضي أيضا، لم يعد يسمح بزيارة الأسير إلا لأقربائه من الدرجة الأولى مثل(الوالدين والأبناء والأخوة والأخوات والزوجة فقط) وفي المراحل كلها فان الزيارة لثلاثة أشخاص فقط، ومرة كل أسبوعين في الظروف العادية، وهناك ظروف قد تمنع زيارة السجناء كافة في سجن ما لمدة شهور، أو تمنع الزيارة كليا لأسرى العزل الانفرادي.
وواضح أن عادل سالم قد استوحى عنوان روايته من مرحلة سلام الأصابع عبر الشباك الحديدية الفاصلة.
زمن الرواية: تمتد الرواية في فترة زمنية منذ منتصف سبعينات القرن الماضي وحتى منتصف التسعينات.
مكان الرواية: تدور أحداث الرواية في مدينة القدس العربية المحتلة، وفي سجون الاحتلال التي يحتجز بها الأسرى ومنها (الرملة، عسقلان، نفحة وشطة).
الرواية تسجيلية: الرواية التي بين أيدينا رواية تسجيلية واقعية، لا خيال فيها، وحتى الأسماء الواردة في الرواية هي أسماء حقيقية في غالبيتها العظمى، وما يدور في السجون المغلقة على الأسرى من إضراب عن الطعام، وسقوط شهداء ومرضى، ونضالات لتحقيق مكاسب، وتعذيب من قبل السجانين، وتحقيق الأسرى مع بعض المتساقطين، واعدام بعضهم، وخلافات عقائدية بين الأسرى أنفسهم، هي حوادث حقيقية وواقعية حتى النخاع، وبالأسماء الحقيقية لشخوصها...حتى أن الكاتب سجل التاريخ الحقيقي للحوادث مثل اضراب سجن نفحة الشهير في تموز ١٩٨٠ والذي استمر لثلاثة وثلاثين يوما، سقط فيه الى قمة المجد الشهيدان باسم حلاوة وعلي الجعفري، وما تبع ذلك من استشهاد القائد عمر القاسم، واسحق موسى المراغي «أبو جمال»….وكذلك صفقة تبادل الأسرى عام ١٩٨٥، وصفقة تحرير أسرى بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، واستثناء بعض المناضلين من أمثال عمر القاسم وغيره، كلها أمور حدثت على أرض الواقع.
شروط فنية: يبدو أن تركيز الكاتب على السرد التسجيلي لما يدور في أقبية السجون، ومعاناة الأسرى وذويهم، قد أوقعه في كتابة التقارير الصحفية، والحكاية أكثر من كتابة الرواية، وهذا ما يطغى على أسلوب النص السردي.
المرأة: ظهر في الرواية أن الكاتب ركز على الدور التحرري للمرأة الفلسطينية، فخولة شاهين كتبت عقد زواجها على علي النجار المحكوم مدى الحياة، وانتظرته حتى تحرر في صفقة بعد ثمان وعشرين سنة، ومع ذلك فقد استشهد يوم حفلة عرسهما دون أن تزف إليه، وكانت راضية بقدرها.
ورحاب شقيقة علي سافرت إلى موسكو طلبا للعلم وهناك أحبت شابا روسيا وتزوجته، وأنجبت منه طفلا، ثم تطلقت منه، وعادت الى القدس تاركة ابنها في حضانة والده، وعملت في مجال الصحافة وتزوجت زميلا لها، بعد أن كاشفته بزواجها الأول، ولم يعترض على ذلك، وأنجبت منه، ولما عرض عليها طليقها الروسي أن تأخذ ابنها منه ليكون في رعايتها بعد أن قرر الهجرة إلى أمريكا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، عارض زوجها الفلسطيني ذلك، لكنها تحدته وسافرت لاحتضان ابنها، بعد أن انكشف سرها لعائلتها التي تقبلت ذلك على مضض، ليتبين لاحقا أنها سافرت وإياه للعمل في ألمانيا، ولتعود الى القدس للمشاركة في زفاف شقيقها علي الذي تحرر من السجن، لكنه يستشهد يوم زفافه وقبل أن تراه. ونضال الأمهات والزوجات في زيارة أبنائهن وأزواجهن، ومشاركتهن في الاعتصامات والتظاهرات التضامنية مع الأسرى كلها أمور كان لها نصيب بيّن في الرواية.
وماذا بعد: تشكل هذه الرواية إضافة نوعية للمكتبة العربية عن معاناة الأسرى الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال الاسرائيلي، والكتابة عنها لا يغني عن قراءتها، فالتجربة النضالية للأسرى فيها الكثير مما يحتاج إلى الكتابة والنشر والتعميم.
قال إبراهيم جوهر: {عناق الأصابع} لعادل سالم عناق التوثيق والخيال الأدبي
يقدّم الكاتب عادل سالم في روايته (عناق الاصابع ) توثيقا للحركة الفلسطينية الأسيرة معدّدا أسماء أبطالها الذين ذاقوا مرارة الاعتقال فصمدوا من أجل الاعتراف بهم كأسرى حرب وفق القانون الدولي . ويتطرق بإسهاب الى تجربة معركة الأمعاء الخاوية وشهدائها، منتقدا في مقارنة فنية لافتة التغيّر الحاصل على القناعات الفكرية والوطنية في شخصياته التي أنطقها مستعينا بخيال أدبي وفّر له التشويق والمتعة بعيدا عن فخ التوثيق الهادئ، رغم حرارة التجربة الاعتقالية المعبّر عنها.
زاوج الكاتب في روايته بين الوثيقة التاريخية للمرحلة الاعتقالية، وقصة حب جارف غريب بين الفتاة خولة والأسير على النجار . تلك التجربة التي تتكلل بالزواج في المعتقل انتظارا لإتمامه حين الخروج الى بر الحرية. وهو يشير في أكثر من موضع في الرواية الى الروح المعنوية العالية الواثقة بأن الثورة لن تترك مناضليها في السجون، ولن تتخلى عنهم ...ليبدأ بتوجيه الانتقاد الى الصفقات التي استثنتهم فعلا ، وصولا الى اتفاق أوسلو. لتكون واقعة الاغتيال بصاروخ استهدف سيارة الزفاف، نهاية مأساوية لقصة عشق وانتظار فلسطينية، كان مهد لها الكاتب في ثنايا الرواية التي لم توفّر للعاشقين الغريبين(!!) فرصة اكتمال اللقاء، أو الحديث إذ كان الجندي ينهي الزيارة لتبقى الأحلام معلقة في الخيال.
(عناق الأصابع) إشارة إلى الشبك الفاصل بين المعتقل وذويه وقت الزيارة، هذا الشبك ذاته شهد عناق أصابع المحبين، والآباء والأمهات، ولم يكن مهيّأ ليشفي الغليل بقدر تخصيصه للتنغيص وإشعار المعتقل بواقعه الصادم.
يسجّل للرواية موقفها من المرأة، فقد انتصر الكاتب للمرأة؛ أما، وعشيقة، وأختا، وزوجة، وطالبة، وأومأ إلى ضرورة منحها حقها في الحياة والمساواة بلا تفريق مع الذكر.
وانتقد الكاتب التغيّر الحاصل على معتقدات اليساريين في المجتمع الذين يتخلون عن مبادئهم ورؤاهم وأحلامهم التي بشروا بها لصالح التوجه إلى الكسب المادي، وكأنه يقارن بين المادة والفكر لصالح الفكر، لأننا وجدناه هازئا ولائما لمن يعجبون بالنقلة الجديدة تحت ذرائع التطور والتغيّر ...
هكذا تغيّر فلاديمير الروسي، وعمران الفلسطيني، والثوار الذين كانوا يعملون في الثورة قبل العودة إلى الوطن، وهكذا انهار الاتحاد السوفييتي نفسه.
(عناق الأصابع) رواية جريئة في طرح قضاياها، وانتقادها. وهي تضيف إلى الأدب الذي يوثق لتجربة الاعتقال بعدا مهما بأشخاصه، وأحداث، ومواقف أصحابه. إنها تعانق التاريخ بالمتخيل الواقعي، لتكون الملحمة الفلسطينية التي لم تنته بعد.
ولعل مخرجا سينمائيا يختارها لإخراجها سينمائيا. لقد أحسن الكاتب صنعا حين استعان بلغة المونولوج العاطفية لشخصياته، وفي استخدامه لتقنية المونتاج الفني، وفي نقل قارئه من أجواء السجن إلى البيوت وشوارع القدس ومستشفياتها وصحفها.
لقد زاوج بين الواقع الذي يوثق له والخيال الأدبي الذي يقول فيه رسالته: هذا هو العرس الفلسطيني الذي لا يلاقي فيه الحبيب حبيبه إلا شهيدا أو إسيرا ، كما قالها من قبل (أديب نحوي) في (العرس الفلسطيني}.
وقالت مريانا عفيف: "عناق الأصابع" يا له من اسم يعبر عما يحويه الكتاب .. مأخوذ من تعانق أصابع الاسرى و أصابع أهاليهم، فتلك التحايا وتلامس أيديهم المفعمة بالحب، كانت من خلال فتحات الشبك الصغيرة التي تفصل بين الزوار و الأسرى و تمنعهم من «عناق الأجساد». «عناق الأصابع» رواية أحضرت القليل من معاناة الأسرى إلى مخيلة قارئها .. تثير الحقد فيه و الفخر بأبناء شعبه ... ترصد أحزانهم مشاكلهم مصادر إلهامهم بالصمود وعلاقاتهم الغراميه والإنسانيه ... تنقل لنا كيفية متابعة العدو الشرس لأوضاع الأسرى ودس الجواسيس بينهم ، وكيفيه معاملة الأسرى للجاسوس عند اكتشافه ... تحملك إلى عالمهم إلى قلب الحدث ووسط الزنزانة ... لترى كم من عمر أفنوه خلف قضبان الظلام ... تراهم يحسبون الدقائق والثواني والأيام ... أو تأخذهم الآلام لعالم الاستشهاد .... يموتون كما (تموت الأشجار واقفة). يملأونك بالأمل ... فهم مصدر أمل .. شعارهم الأمل ... فذلك الأمل لن يفقدوه فهو مفتاح العودة إلى المنزل وتقبيل جبين الأرض ... ومداعبة أغصان الزيتون. روى لنا فيها قصة عشق «أعجتني» راقت لي... استمتعت بها كثيرا ... فقد روى لنا بروح متفائله قصة عشق تعدت حدود الجنون .. أصبحت مثلا للتضحية والفداء، فــ «علي النجار» أسير وشم النضال على جبينه ... عاش في السجن في غرف التحقيق و المحاكم …و«خولة شاهين» المرأة الجبارة التي لم تتخلّ عن تراب الأرض .. تلك هي الصحفية العظيمة ... أوقعت شباك الحب هذين العصفورين وحملتهم فوق غيوم الأمل ... تزوجا رغم قسوة القيد ... و حُكم علي بالمؤبد ... باتا يحلمان بيوم التحرير. أصبحت خوله حمامة بيضاء تطير من سجن لآخر حتى تصب حبها بلسمه .. بعناق لأصابعهما ... تصف عشقها حبها أملها في دقائق معدودة تجري بسرعة الرياح ...لتنتهي معاناتها يوم تبادل الأسرى ..و تبدأ من جديد عند اغتياله يوم زفافه .. فسحقا للاحتلال. بعيدا عن عالمهم وبغض النظر ... فقد استخدم الكاتب أسلوبا سرديا سلسا يسهل للجميع فهمه .. مجّد النضال فيه وأعطى كل شخصية حقها في كتابه ... احتوى على أسماء وأحداث حقيقية .... رواية رائعة بالنسبة لي ... أخذتني إلى عالم النضال وتقديس كل شبر في الأرض ..... رغم تلك الآلآم و المآسي .. أظن أن السجن للرجال والأبطال ... و رغم مرارة الذكرى ... فتلك هي الذكريات التي يجب أن يفخر بها السجين فيكفيه شرف المحاولة بالسجن ....
وقال موسى أبو دويح: استمدّ الكاتب عنوان روايته: (عناق الأصابع) من واقع السجون اليوم، حيث كان قديمًا زوّار السجون يدخلون إلى غرف المساجين أثناء الزيارة ويقضون وقت الزيارة معهم وبينهم. وبعدها فصلوا بين المساجين والزوّار بقضبان حديدية يمدّ الزائر يده خلالها ويصافح السجين وبإمكانه أن يقبّله للمسافة الواسعة بين القضبان. ثم ضيقوا المسافات وجعلوا الفاصل شبكًا حديديًا بإمكان الزائر أن يدخل إصبعه فقط من الفتحة وغالبًا لا يستطيع إدخال إصبع الإبهام لصغر الفتحة. واليوم استعاضوا عن كلّ ذلك في كثير من السجون الحديثة بحاجز زجاجي سميك بين السجين وزائره، ويتخاطبان بجهاز تلفون عند الزائر وآخر عند السجين.
أهدى الرواية إلى معلميه في المدارس الابتدائيّة والإعداديّة والثانويّة، وذكر أسماء تسعة وعشرين معلّمًا منهم، هم من تذكّرهم، واعتذر لمن نسيهم.
وختم روايته بعنوان: قالوا في الرواية: بدأها بتقريظ للدكتور (بوشعيب الساوريّ)، ناقد أدبيّ من المغرب، بعنوان: عناق الأصابع إضافة نوعيّة للمشهد الروائي الفلسطينيّ. وثنّى بموضوع للدكتورة الفلسطينيّة (نجمة حبيب خليل) من جامعة سدني/ أستراليا بعنوان: توثّق الرواية لدور المرأة في النضال الوطني. وبعدها لكلمة للدكتور (أحمد الخميس) من مصر بعنوان: اشتباك بالواقع عبر الشّكل الروائيّ. وأخيرًا أستاذ الأدب العربيّ الحديث بجامعة حلب (أحمد زياد محبك) يكتب نقدًا للرواية بعنوان: النهايات مدهشة. كلٌّ من هؤلاء النقاد الأربعة، تناول الرواية من جانب أو جوانب، وكتبوا وأجادوا، وما كتبوا غير الحقيقة، فكانت كتاباتهم أوسمة للرواية زادتها حسنًا على حسن.
لفت نظري الوعي الذي صار عند بعض الأسرى حول رجال المقاومة والمسؤولين في منظمة التحرير بعد أوسلو. وكاتب الرّواية عادل سالم هو أكثرهم وعيًا؛ اسمع ما يقوله على لسان أحد الأسرى المحررين بعد أوسلو قتلوا فينا كلّ حماس للنضال، خدعونا، كنّا نتوهّم أنّ قيادة الخارج جماعة من المناضلين، فإذا بكثير منهم من الفاسدين الذين جاؤوا ليكوّنوا الثروات على حساب الشعب المسكين. حتّى الشرفاء منهم تعبوا وتغيّروا، لم أتصوّر يومًا أن أرى أشرف المناضلين يتساقطون في معمعان النضال أمام الأموال. الفساد في كل مكان. الأجهزة التي مَهَمّتها حماية شعبنا أصبحت أولوياتها حماية إسرائيل). (صفحة ٣٥٦، ٣٥٧}.
لغة الرواية سهلة سلسة جميلة رائعة، وكاتبها مبدع، والأخطاء في الرواية قليلة، ولو دقّق الكاتب وأعاد قراءة الرواية قبل الطبع لتلافى أكثرها.
وختامًا: الرّواية وثيقة مهمّة تؤرخ لأدب السجون الذي ترعرع في فلسطين بعد نكستها سنة ١٩٦٧م ولكثرة ما اعتقل من شبابها بعد الانتفاضة الأولى سنة ١٩٨٧م وبعد انتفاضة الأقصى وإلى يومنا هذا. الرواية تستحق القراءة وجديرة بالاقتناء. وشارك في النقاش سمير الجندي وطارق السيد.