صدر حديثاً عن الدار المصرية اللبنانية كتاب "أطفال الشوارع: الجنس والعدوانية" تأليف د. رضوى فرغلي. يقع الكتاب في حوالي 150 صفحة ويضم خمسة فصول هي: من هم أطفال الشوارع؟، كابوس عالمي، هكذا يبدأ التشرد، الأرانب والمومياء، وأخيراً "جنس وعدوان وأشياء أخرى".
يعد الكتاب أول دراسة أكاديمية في العالم العربي تتناول من منظور نفسي "أطفال الشوارع" الذين يقيمون في الشارع بالفعل، وليس في إصلاحيات، حيث لا توجد دراسات عربية تناولت الإساءة إلى أطفال الشوارع، وتأثير مدة الإقامة في الشارع على التوافق النفسي لهؤلاء الأطفال.
من ثم تكتسب الدراسة أهميتها من خلال التركيز على الأطفال المقيمين بصفة دائمة في الشارع كعينة للبحث، وليس أطفال الشوارع المقيمين في المؤسسات أو الذين يتلقون رعاية أو اهتمامًا من أي جانب، ما يجعل النتائج أكثر مطابقة لواقعهم وظروفهم الصعبة. كما ترصد الدراسة العلاقة بين الإساءة، خصوصًا الجنسية، والعدوان وتقدير الذات.
وقالت الباحثة د.رضوى فرغلي إن هذا الكتاب الثاني لها بعد كتاب "بغاء القاصرات" الصادر عن دار المحروسة، والذي نفدت طبعته الأولى، ضمن مشروع سيكولوجي طموح، لرصد الشرائح المهمشة أوالمدانة اجتماعياً، والتفاعل المباشر معها، للخروج بأفضل النتائج الممكنة والمفيدة في علاج الظواهر النفسية والاجتماعية المختلفة.
وأضافت: ليس من السهل على أطفال ومراهقين أن يتخذوا من الشارع بيتاً ووطناً، وخلال شهور البحث الميداني صادفت العديد من النماذج التي أثرت فيّ، منهن "ياسمين" (11 سنة) التي وهبها الله جمالاً وجعلها مطمعًا لأصحاب الضمائر الميتة. تختفي يومين أو ثلاثة ثم تعود بوجه باهت، تعاني حروقًا في جسدها نتيجة إطفاء أعقاب السجائر بعد الممارسة مع أحد المشوَّهين أخلاقيًّا مقابل خمسة جنيهات! وأيضاً "محمد" (9 سنوات) الذي لم يمر على هروبه من المنزل أكثر من عام واحد، لكنه لم يفلت من زملائه المستغلين الأكبر سنًّا، وكنت أراه مرة واحدة كل أسبوعين تقريبًا، ينظر إليَّ بعينين حمراوين لا يفارقهما بكاء صامت.
واختتمت د. فرغلي كلامها بالقول: إذا كانت بعض التقارير، غير الرسمية، تتحدث عن وجود مليوني طفل شارع في مصر وحدها، فنحن إزاء مشكلة من أخطر المشكلات التي تواجهها المجتعات العربية، لأنه ما أسهل استغلال هؤلاء الأطفال في الجرائم المنظمة، ومختلف قضايا الفساد، بما في ذلك الفساد السياسي، كما رأينا أخيراً في توظيف هذه الفئة في أحداث مجلس الوزراء في مصر. وهذا الكتاب لا يدين هؤلاء الأطفال، لأنهم غالباً ضحايا أسر ومجتمع، وإنما يسعى لتعميق إدراكنا بهذه الظاهرة، أملاً في تخفيض أعداد اللاجئين إلى الشارع، ووضع البرامج الإرشادية التي تعين أطفال الشوارع على التعامل مع الضغوط النفسية والاجتماعية التي يواجهونها وهم يعيشون بعيدًا عن أسرهم تحت وطأة ظروف قاسية، كما يمكن الإفادة من نتائجها في تطوير سياسات اجتماعية وتربوية لاحتواء الظاهرة وخفض معدلاتها، وتوفر مقياس للإساءة بكافة أنماطها، هو الأول من نوعه عربيًا.