يطرح عنوان قصيدة الشاعر السوري الكبير السؤال المأزق عن موقع الشاعر/ المثقف إزاء ما يدور في بلده! وإزاء الأحداث التي تأخذ الجميع إلى حافة الهاوية. فعلى أي الخوازيق استوت قصيدته، وقد جربت من قبل السحل والسجن والشنق وكل صنوف الاضطهاد السياسي الذي عاناه الشاعر وعانته قصيدته على مد نصف قرن.

أين أنا الآن؟

شوقي بغدادي

أين أنا الآن؟

على أيّ الخوازيق استوت قصيدتي؟

ليس عذابها في الحبس أو في السحل

أو في الشنق

ليس الموت ما يُخيفها

الخوف كلّ الخوف أن تحيا على الشَفا

وأن تظل حفرتي

في كلمتي..

كل الكلام الآن لا معنى له

إلا لما يقوله القنّاصُ والذبّاح والجلاّدُ

والأعزلُ إذ يطلق صرخةً

هيهات أن يطالها الشعر أو النثرُ

فوا ويلاه!.. أين صرختي؟..!

لعل ما أقوله الآن انتهى

أو سوف ينتهي على مخدّتي

أين الفتى الموغلُ في مغارةِ الرحمنِ أولاً؟

ثم إلى مغارة الشيطان ثانياً؟

ثم ارتقى قاسيون

كي يطلّ من علٍ على مدينتي؟

كل عيوبي الآن من خلفي

تشد تابعاً مراوغاً

وكنتُ من قبل أنا الذي يشدّها

كأنها حقيقتي

تغيّر المشهدُ بالتأكيد

لم تعدْ أحصنتي أحصنتي

ولا الصياحُ نفسُه

ولا الجنون ذاتُهُ

حولي، وخلفي، وأمامي

وأنا القيصرُ

إذ أطير في مركبتي

تغيّرت روما

كما تبدّلتْ دمشقُ

والمحاربون سرّحوا قادتهم

فاحتفل القادة بالهزيمة التي تلتْ

في غرفتي

لا لم يصدّق أحدٌ

أن الذي جرى يجري

وأن من أحبّهُ حقاً

يخون حُبّهُ

فكيف لو آمن بالخلاّق والرّزاق

والرسولِ والأصولِ

والجحيم والنعيم

هل في عسل الأنهارْ

أم في وقيد النارْ

يعيش مُرتدُّ

أم أن أصفاديَ حتى الآن

لا تُقنعني بأنني عبدُ؟..!

أين أنا الآن؟

وما هذا الذي أخفيه في حقيبتي؟

ها أنذا ألهث خلف صورتي

كي ألحقَ الفتى الذي يراوغُ الوحشَ

ويحطّمُ الجدارَ ثم يختفي

وراء محنق..

هل كنتُ مثلهُ؟

أم واهمٌ أنا؟

أم هذه الغابةُ

غيرُ غابتي؟

تغيّر المشهدُ حقاً

أم أنا أبصرُ ما أريدُ؟

أم كأنني لم أتغيّر؟

إيه.. ما أسعدني!

أن الذي أحبّهُ

ما زال حتى المنتهى يحبني

وأن من أكرههُ

لما يزلْ يكرهني

وأن أوراقي التي أسلمتُها للريحِ

لا تخصّني..!