لم أعرف أن المعلومات التي حصلت عليها من سميرة الناطور، ممثلة المسرح الفلسطينية، ستبقى بحوزتي مدة أسبوعين، وأنا أبحث عن صياغة تليق وترتقي بمستوى الفن الذي تقدمه سميرة على خشبة المسرح، وتحكي من خلاله معاناة شعب غيبوا وطنه، وإن كانت خشبة المسرح بنظر سميرة لا تعد وطنا، إلا أنه بإمكاننا تجسيد الوطن على أرض المسرح، مؤكدة على أن المسرح مقاومة فنية فيه متعةٌ وانتماء عالٍ.
وتهتم الناطور غالباً في تجسيد القضايا الوطنية في عروضها المسرحية سيَما وأنها تنتمي لعائلة هُجرت من وطنها عام 48 م، حيث ولدت في مخيم تل الزعتر في لبنان عام 61 م، فوجدت لزاما عليها أن تحمل جرح القضية الفلسطينية بين ثنايا مشاهدها المسرحية، كما تقول وتضيف:"جسدت بالكثير من المشاهد التي قدمتها معاناة الفلسطيني في الشتات، حيث كنت أروي في كل مرة قصة الخيمة المحفورة بذاكرتنا كشعب صار وطنه يعج بالغرباء بعد النكبة".
جانب نضالي
لم يكن للمسرح علاقة بدراسة سميرة الأكاديمية، فبينما كانت تدرس الترجمة في ألمانيا عام76م انضمت إلى فرقة "الأرض" للفنون الشعبية، تقول سميرة: "كان أول عمل مسرحي لي بعنوان (مجزرة صبرا وشاتيلا)، وبعد هذا العمل توجه اهتمامي نحو المسرح بشكل أكبر، حيث طوَر المخرج فتحي عبد الرحمن بعد هذا العرض فرقة (الأرض) لتصبح للعمل المسرحي والفنون الشعبية".
ويمثل المسرح بالنسبة لسميرة جانباً من جوانب النضال الفلسطيني، فهي تعتبر أن للمقاومة أشكالا معينة، فقد تكون بالسلاح أو بالقلم أو بالفن، وتعلل سميرة سبب اختيارها المسرح ليكون نهجها في النضال، فتقول: "لدي إيمان عميق بأن الكلمة على خشبة المسرح لها تأثير قوي جدا، فمن خلال المسرح نستطيع أن نعرض قضايانا سواء كانت سياسية أو اجتماعية، وبتمثيلها بعرض مسرحي يمكننا نقل الفكرة لأكثر من شخص ولجمهور كبير بطريقة فنية جميلة".
حاجز المجتمع
تشير سميرة إلى أن المجتمع العربي بشكل عام يضع حاجزا أمام الفتاة إذا ما أرادت التوجه إلى الفن وخاصة التمثيل، فهي ترى أن هناك بيئات عربية ما زالت لا تتقبل مثول الفتاة أو السيدة على خشبة المسرح أمام الجمهور، لكنها تؤكد أن الموضوع بالنسبة لها لم يشكل عائقا؛ لأنها لقيت تشجيعا كبيرا من قبل أسرتها الصغيرة الممثلة بأهلها، وكذلك من قبل أسرتها الكبيرة الممثلة بالأصدقاء.
ويعود السبب بنظر الناطور وراء تقبل عائلتها وأصدقائها لها كممثلة مسرح أن أغلب عروضها تحمل قضايا وطنية لها علاقة في تيه الشعب الفلسطيني، المتشكل بعد سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على أرضه، وقالت سميرة أنها استمرت بتقديم العروض المسرحية بعد عودتها إلى أرض الوطن حتى اللحظة، وهي بذلك تكون قد اتمت 31 عاما في تقديم عروض العمل المسرحي، وكذلك شاركت الناطور بتمثيل كليب أغنية "لبيك يا أمي" للفنان الخليجي محمد عبدو، والتي أنتجت عام 2000 مع بداية انتفاضة الأقضى، وهذا العمل حصل على الجائزة الأولى في مهرجان بيروت كأفضل عمل يجسد الانتفاضة الفلسطينية.
ثمن الانتماء
تدفع سميرة ثمن انتمائها للمسرح، حيث يضطرها ذلك للبعد عن زوجها وابنتها فترات طويلة خاصة أثناء التدريب والتحضير للعرض المسرحي، تقول سميرة: "بالرغم من أنني أقضي ساعات طويلة بعيدة فيها عن بيتي، إلا أنني أجد تشجيعا كبيرا من زوجي وابنتي للاستمرار بأداء دوري على خشبة المسرح، ويتمثل هذا التشجيع بحضورهم جميع العروض التي أقدمها في فلسطين".
وقدمت الناطور الكثير من العروض المسرحية، خلال الفترة الطويلة التي أمضتها في العمل المسرحي، وكانت مسرحية "الخوف" من أكثر الأعمال المسرحية المحفورة في ذاكرة سميرة حتى اليوم، "لأن هذا العمل يعالج مأساة من لايملك أي شيء، فيتشكل لديه خوف من الفقر والظلم الاجتماعي"، كذلك كان العمل المسرحي "بحلم ببكرة" من الأعمال المميزة لدى الناطوركما تقول، وتضيف: "بحلم ببكرة يتحدث عن تاريخ الشعب الفلسطيني ممثلا في النكبة والنكسة، وكان مميزا لأننا طرحنا من خلالة معاناة فلسطينيي الشتات".
وكان لمعاناة قطاع غزة، أثناء الحرب الاسرائلية عليها عام 2009، نصيبا في المسرح الفلسطيني، وجاءت مسرحية "الضوء الأسود" - والحديث لسميرة- تجسيدا لهذه المعاناة، ليكون للمسرح دور في إعلاء الصوت وقرع الأجراس عل العالم يلتفت إلى الكم الهائل من القذائف الانشطارية الساقطة على أرض غزة مخلفة ضوءاً يعم بالمنطقة وينفث دخانا ساما يستقر في حناجر الأطفال والنساء العزل من الشعب الفلسطيني هناك، وهذا العمل عرض في فلسطين، وكذلك في الأردن من خلال مهرجان المسرح الأردني، وأضافت سميرة أن "الضوء الأسود" حصلت على المرتبة الأولى في المهرجان ما استدعاها للبكاء فرحا لنجاح هذا العمل بإيصال رسالة الفريق المتمثلة بأهمية الوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني في هذه الفترة أكثر من أي وقت مضى.
يساند الفلسطيني البندقية في الدفاع عن حقه في أرضه بأشكال أخرى من النضال، إيمانا منه أن كلا من موقعه قد يكون له دور في انتزاع حرية شعب ما زال يسير بخطى ثابته نحو حلمه التاريخي بأن يكون له دولة كباقي الشعوب، وحرية وكرامة تحترم في المحافل الدولية، عل صناع القرار في العالم يفهمون أن الفلسطيني نذر كل جزئية من حياته ليدافع بها عن أرض سلبها الاحتلال الاسرائيلي جغرافيا، لكنها تاريخيا ما زالت تقبع في قلب كل مواطن فلسطيني رفض المساومة على ذرة واحدة من ترابها.