في مقالته يتناول الناقد التونسي أثر التحولات التكنولوجية على نظرية التلقي الفني، ويؤكد على أفول مفهوم "الناقد التقليدي" أمام تفاعلية النت. كما ويشدد على ضرورة إدراك هذه التغيرات من قبل الناقد، خاصة تلك التي تطال شراكة المشاهد في إنتاج العمل الفني، واختلاط دور الناقد بالمشاهد.

الفن في عصر الجماهير النّاقدة

نزار شقرون

يعيش النّاقد أطوار مساءلة دائمة فيما يتعلّق بخطابه النّقدي وأدواته ومصطلحاته، إنّه يحيا باستمرار التّحوّلات التي يمرّ بها الفنّ، فينتهي إلى الحيرة حين يقارب النّزعات الفنيّة المعاصرة، وهي تتشكّل في صيغ ما يسمّى بـ"الفنّ التّكنولوجي" عموماً، بتفرّعاته المختلفة من فنّ النّات أو الشّابكة والفنّ الرّقمي وغيرهما.

وقفتُ قبل مدّة على فرضيّة أنّ نظريّات التّلقّي التي بزغت لدى مدرسة فرانكفورت أصبحت واجمة أمام ما يحدث في دائرة متلقّي الفنّ، بعد أن اجتاح الفنّ الشّابكة واقتحم البيوت الخلويّة للأفراد الذين تحوّلوا إلى فاعلين ومباشرين لهذه الأنواع الفنيّة دون وساطة الإنسان، بل وطّنت التّقنية نفسها الوسيط الموثّن لهذه العلاقة.

كنتُ أفكّر باستمرار في وظيفة النّاقد إزاء ما يطرأ على هذا المستوى، خاصّة بعد اللّقاء بإيف ميشو على منبر مهرجان المحرس الدولي بتونس صائفة سنة 2009، وإعلانه الصّريح "أفول النّاقد التّقليدي"، وممّا زاد في إحراج أسئلتي سطوة "فنّ النّات" على سوق الفنّ وشعرت أنّ مستهلك الفنّ الراهن في مواجهة مع حيثيات تقبّلية جديدة، وأنّ النّاقد بمفهومه القديم منصب آيل فعلاً إلى المراجعة.

ولكن حيرتي لم تتوقّف عند هذا الحدّ بل تفاقمت حين تعرّفت على الفنّان أنطون فيدوكل Anton Vidokle(1) في الحلقة الثّانية لمنتدى الفنّ العالمي في الدوحة. هذا الفنّان الذي وظّف التّقنيات الحديثة لإرساء شبكات فنيّة متعدّدة الوظائف ومفتوحة على الفنّانين والنّقّاد والجمهور، ودعا إلى تعليم جديد للفنّ بل إنّ السّؤال الخطير الذي طرحه المنتدى وناقشه أكثر من فنّان غربي هو مراجعة صلاحيّة النّظام التّعليمي الفنّي لأنّه أصبح عاجزاً عن ملاحقة تبعات الفنون الجديدة التي اتّخذت من التّكنولوجيا الرّقميّة وسيلتها المثلى، فما بالكم بالنّاقد الذي يفتقر إلى مؤسّسة ويحيا وحيداً في غربته.

مسوّغات النّقد المشاعي

شرّع المجتمع الاتّصالي Société de communication لسطوة البعد التّفاعلي، ففي عصر التكنولوجيّات الحديثة وثورات الرّقمنة، أصبح المستهلك مرتبطاً بالشّابكة ارتباطه برابطة دمويّة أو قبليّة أو قوميّة، بل إنّنا نكاد نصوّر صلة المستهلك بهذه الشّابكة، في شكل كاريكاتيري، نوعاً من الاتّصال العضوي بين الإنسان وحليب الأمّ فلا يفطم المرء إلاّ بعد اغترافه من هذا المعين. وبالطّبع فقد احتلّ ما هو صناعي محلّ ما هو طبيعي، ولم ينج الفنّ المعاصر من خيوط هذه الشّابكة بل لعلّه لا يعرّف اليوم خارجها، فالممارسات الفنيّة المعاصرة سريعاً ما تُستوعب في هذا النّسق الشّمولي للاتّصال.

وليس من الغريب أن نوقن بما رآه فيليب آغران حين اعتبر أنّ "الثّورة الإعلاميّة هي ذاك الزّمن الفريد الذي نشاهد فيه الآلات وهي تعالج المعلومة -أيّا كان ما تمثّله- وكذلك تسمح لنا أن نستعمل تلك المعالجة وسيلة لإبداع المعارف وتبادلها. وسنرى كيف أنّ ظهور هذه الإمكانيّة لا يمكن مقارنته إلاّ بالقطيعة التي حصلت عند المرور من العصر الحجري القديم إلى العصر الحجري الحديث"(2).

لقد حقّقت الصّور الرّقميّة انفصالها عن الخصائص التّقليديّة لإنتاج الصّورة، وتشترك الصّور الرّقميّة في الخصائص سواء فيما يسمّيه إدموند كوشو بـ"مورفولوجيّة التّكوين" Morphogenèse (الطّريقة التي تُنتج بواسطتها الأشكال) أو في مستوى آليّة الانتشار والتّوزيع، ولأوّل مرّة في تاريخ الفنّ تجتمع الخاصّيتان في وقت واحد من حيث الاشتراك في مصدر نشوئهما، فهذه الصّور ناشئة عن العمليّات الحسابيّة وتسمح لكلّ من المبدع والمستعمل للحاسوب من عامّة المستهلكين بإحلال مبدأ الحوار عبر البعد التّفاعلي.

إنّنا إزاء وضع جديد في صلة الفنّ بالجمهور، وهو وضع ناتج عن عوامل عديدة أوّلها تهيئة الجمهور في الغرب لاعتلاء منزلة "المتذوّق" للفنّ عبر إصلاحات عديدة للأنظمة التّعليميّة وفي هذا الإطار شهدت الولايات المتّحدة الأمريكيّة منذ ستّينات القرن العشرين تأسيساً لمسار تدريس النّقد الفنّي ضمن برامج التّربية الفنيّة على إثر انعقاد الحلقة الدّراسيّة عن نقد الفنّ في جامعة أوهايو سنة 1966، وأثّرت نتائج هذه الحلقة في اتّجاهات تدريس النّقد الفنّي ضمن مادّة التّربية الفنيّة في الدّراسة الثانويّة، ومن أهمّ أطروحات هذه الحلقة توظيف دراسة تاريخ الفنّ وفلسفته ونقده لترقية التّذوّق في المدارس النّقديّة الأمريكيّة، فكان أن اعتبر المدرّس ناقداً، لأنّه يقوم أثناء الدّرس بالوصف والتّحليل والتّفسير وتقييم الأعمال. وأصبحت مادّة التربية الفنيّة لا تقتصر على تعليم المهارات بل تتطلّب تركيزاً على أربعة مجالات معرفيّة وهي النّقد الفنّي والإنتاج الفنّي وعلم الجمال وتاريخ الفنّ وأفرزت هذه المجالات ما سمّي آنذاك في الولايات المتّحدة الأمريكيّة بنظريّة التّربية الفنيّة القائمة على القاعدة المعرفيّة Discipline Based Art Education وتقوم هذه النّظريّة على أولويّة الانطلاق من أعمال التّلاميذ ليتعلّموا القراءة البصريّة.

ورمت هذه النّظريّة التي أتاحها إدموند فيلدمان(3) إلى تهيئة أجيال جديدة لها ملكة نقديّة وقادرة على التّواصل مع الأعمال الفنيّة بل لعلّ هذه النّظريّة ومثيلاتها في الغرب الأمريكي والأوروبي قد ساعدت على تهيئة "جمهور واسع" فطن وله مطلق الحريّة في التّعبير عن رأيه فيما يتعلّق بتذوّق الفنّ. ولهذا فإنّنا إزاء مستهلكين يلعبون دور النّاقد مادامت "البضاعة الفنيّة" تطرق بيوتهم وخلواتهم.

ولا يمكن أن نُنكر دور الجمهور في فنّ النّات، أليست التّفاعليّة هي المبدأ الأساسي لفنّ النّات؟ هذا الفنّ الذي لا يُستخدَم إلاّ بالشّابكة ليتّخذ من النّات أو أسطورة النّات موضوعاً له وفق جواشيم بلونJoachim Blanc . وثانيهما احتلال الجمهور لمكانة رئيسيّة في سياسة المؤسّسات الثقافيّة وهي نتيجة بديهيّة لما يسمّى بديمقراطيّة الثقافة وتضاعُف حمّى "المجتمع الاستهلاكي" بتحوّل الفنّ إلى "فنّ الأعمال والمال" Financial art حيث تمّ إرساء "أخلاقيّة النّجاح" كما أشار فيليب دوميك، وأصبحت معايير "فنّ الأعمال" متّصلة بالشّبكات أكثر من اتّصالها بجماليّات الأعمال الفنيّة، فالشّبكة هي التي تخلق قيمة العمل. وثالث هذه العوامل الاستناد الفكري على أنّ "المشاهد هو الذي يهب العمل الفنّي قيمته"، ورابعها التّمشّي الفنّي الذي اتّخذته نزعات فنيّة معاصرة باعتمادها على تدخّل الجمهور ومشاركته ابتداء من الهابنينغ فأحدثت مجالاً خصباً لـ"السّاحة العامّة" حيث يشارك "الجمهور الواسع" في الحدث اليوطوبي أين يتداخل الفنّ باللّعب والفنّ باليومي.

ولكن سريعاً ما جُفِّفت هذه المنابع لـ"السّاحة العامّة" بعد استيعاب المتاحف والأروقة للفنّ المعاصر، وتولّي السّلط السياسيّة توجيه الفنّانين إلى القطاع الاقتصادي وانفتاحهم على مجموعة جديدة من جمهور الفنّ تتحكّم في سوق الفنّ وتغذّيه، فأصبح الفنّان منقادا إلى محيط هذه المجموعة فيما ينتج وأصبح سؤال النّقد ملحًّا: أيّ دافع لنقد هذه الأعمال الفنيّة والتّعريف للجمهور الواسع في حين أنّ هذا الأخير غير معنيّ بهذه السّوق الضيّقة بمثل أنّ الأعمال التي يسلّط عليها النّقد لم تنجز لفائدته؟

لقد خلقت هذه العوامل الأربعة فرصة للجمهور كي "يمارس النّقد في إطار نوع من المشاعيّة، على أنّ اتّجاهات النّقد لم تكن تنفي حضور نوع من النّقد الخاصّ بالجمهور وهو ما اصطلح على تسميته بـ النّقد الشّعبي العام Popular Art Criticism الذي يقوم به جمهور مؤهّل أو غير مؤهّل للحكم الفنّي، ولا تقلّل الدّراسات من نقد الجمهور فهي ترى أنّ نقد النّخبة مهمّ ولا تعني أهمّيّته التّغافل عن نقد عموم النّاس رغم أنّه نقد موسوم بالثّبات والمحافظة وكثيراً ما يرتبط بمحاكاة الواقع البصري. وتوازت هذه الوضعيّة مع ما يروج من إعلاء دور الجمهور في الممارسة الفنيّة واعتبار العمل الفنّي ملكاً مشاعيًّا أيضاً. "جاء ظهور الأملاك المشاعيّة الفنيّة ليثبت أنّ الأمر ليس تقنيّاً بل حضاريّا. فالقول بالفنّان المبدع المنفرد الذي ينشئ من دون التّفاعل مع الآخرين عملاً فنيًّا مكتملاً يظهر بروزه على السّاحة العامّة عبقريّته الفريدة، هو تمثّل لم تثبت صحّته أبداً طوال التّاريخ.

إنّ الاعتراف بالمدى الجماعي للابتكار لا ينقص شيئاً من التّفرّد الشّخصي للتّعبير الفنّي، بل هو يذكّرنا بأنّ الشّخص يّعبّر عمّا يخالجه على خلفيّة من التّفاعلات يوفّر جوهرها المادّة الخامّ للأعمال. والأنماط الجديدة للتّفاعلات بين الأفراد التي أتاحتها الوسائط التّقنيّة لعصرنا توفّر لنا تشكيلة من التّيّارات الفنيّة تسائل جذريًّا ذلك الفصل بين المبدع والمتلقّي للعمل والهيئة المكتملة للعمل الفنّي، وإرجاع الأعمال الفنيّة إلى التّفرّد الشّخصي. وكما هو الحال في كلّ عمل فنّي، لدينا عمل متوتّر. والتيارات ذات الصّلة لا تنكر الفرد، بل تعيد تحديد مساهمته وعبقريّته، وهي لا تلغي المسافة التي تفصل التّعبير الأوحد للموهبة عن نسخ تقنيّة معيّنة، إلاّ أنّها تدّعي إنشاء علاقات مغايرة تؤسّس لوجود جمهور يكون هو بنفسه ممارساً"(4).

ارتجاج هويّة النّاقد

تتيه هوية النّاقد إزاء ما يتعاظم من تحوّلات في الفنّ المعاصر، ويتشوّش تعريفها أكثر حين يتعلّق الأمر بكلّ ما هو تكنولوجي في الفنّ المعاصر. فإذا كان النّاقد في زمن ما قبل "الفنّ التّكنولوجي" قادراً على استيعاب أشكال الممارسات الفنيّة التي يقوم بها الفنّان من تصوير وحفر ونسج ورسم خطّي ونحت، فإنّه لا يستطيع اليوم أن يباشر هذه الممارسات وهي تقع خارج "المرسم الكلاسيكي"، وخارج "الشّوارع المفتوحة"، بل تقع في الخلوات الأشدّ إيغالاً في الوحدة.

تعتقد آن كوكلين Anne Cauquelin أنّ النّقد الرّاهن بلا طريق، فالأغراض الفنيّة التي أنتجتها الوسائل التّكنولوجيّة الجديدة غير قابلة لأن ينفذ إليها النّقد بما أنّ هذه الأغراض خاضعة لقواعد إنتاجيّة لم يعتد عليها الفن، فلا يمكن تطبيق المعايير الجماليّة أو النّقديّة التي سبق اعتمادها على أنواع فنيّة سابقة. إذ يواجه النّقد "صورة رقميّة" تتجاوز مفهوم "الصّورة" في الأدبيّات الكلاسيكيّة بمثل ما يواجه فاعلاً جديداً لا يعرفه، في إنتاج هذه الصّور وهو ليس الفنّان وإنّما القواعد الحسابيّة والجبريّة للبرمجيّات المعتمدة. ولن يتحوّل فعل النّقد في مستوى "البعد الوصفي" إلى تعداد البرمجيّات المعتمدة فحسب وإنّما سيجد النّاقد نفسه مضطرًّا إلى مباشرة "أغراض" ذات صبغة تقنيّة يحار في امتلاك تفصيلاتها في سياق انتفاء الكاتالوجات والبطاقات التّعريفيّة المصاحبة للمعارض مثلاً.

ولا يتطلّب هذا الوضع تحوّل النّاقد إلى عارف بآليّات التّقنية لأنّه مجبر على التّعامل قبل كلّ شيء مع جهاز الشّابكة لمتابعة هذه الأغراض الفنيّة، ورصد تحوّلاتها، وتفاعليّتها مع الجمهور، بين لحظة وأخرى. وإذا كان النّاقد معتاداً على التّعامل مع "عمل فنّي" ناجز وثابت ومكتمل فإنّه يضطرّ إلى التّعامل مع ما هو عائم وتطوّري ومنقوص الأعضاء إلى ما لا نهاية. ثمّ إنّ النّقد الغربي ذاته تعامل مع فنون البرمجيّات الحديثة بنوع من التّأفّف حتّى أنّ النّقد الفرنسي في كبريات الدّوريّات والمجلاّت لا يخصّص حيّزاً كبيراً لهذه الفنون. يشعر النّاقد بالغربة أمام تصاعد أشكال الفنّ التّكنولوجي، وهي ألعن من الغربة التي أدركها ناقد مثل فاروق يوسف حين أعلن: "لقد لعب النّقّاد في ذلك الزّمن العصيب-الفنّ في نصف القرن الماضي- دور الرّهبان الزّاهدين المبشّرين بعالم أفضل من ذلك العالم المتاح. وهو دور افترض وجود غربة مزدوجة: غربة عن الماضي وأخرى عن الحاضر في آن معاً. يمكنني الزّعم هنا أنّ تحوّلات الفنّ الجديد هي في حقيقتها حراك نقدي هدّام"(5)

وليس النّاقد هو الغريب فحسب، بل إنّ النّقد الفنّي يعيش غربته داخل الجامعات أيضاً فهناك من يذهب إلى أنّ الجامعات ترفض تدريس النّقد بداخلها(6)، وهو ما أشار إليه كتاب "وضعيّة النّقد الفنّي" لـ ويبدو أنّ "مبدأ التّفاعليّة" قد طرد النّاقد ليسمح للجمهور العريض بلعب هذا الدّور أثناء James Elkins, MICHAEL NEWMAN ممارسته للفنّ ذاته. لذلك اعتبر ستيفان دولانو Stéphane Delanoë أنّ النّقد الفنّي اليوم يعيش أزمة بسبب الهزال القيمي من جهة ونتيجة العوامل المادية التي جمعت بين الممارسة والتلقي للعمل الفني من قبل الجمهور. ولكن ألم يساهم النّقد في الرّبع الأخير من القرن العشرين في إنتاج هذه الوضعيّة المأزومة، ألم يقل جون فيليب دوماك: "لا يمكن إعفاء النّقد الفنّي من تحمّل مسؤوليّة ما أنتجه الفنّ خلال نصف القرن الماضي.. لقد ساهم النّقد في تكوين التّصحّر الجمالي"(7).

يبدو أنّ ارتجاجا حدث في الاستيطيقا نفسها. يتحدّث إدموند كوشو عن استيطيقا المشاركة: "وجدت استيطيقا المشاركة L'esthétique de la réception في التّكنولوجيا الرّقميّة- التي أصبحت متاحة اقتصاديًّا- فرصة للتّوثّب من جديد ولهذا مررنا من استيطيقا المشاركة إلى استيطيقا التّفاعليّة مع الأخذ بعين الاعتبار ما يسمح به الحاسوب من تدخّلات للمستعمل أكثر تركيباً"(8). يواجه النّاقد فنّا تفاعليّا من شأنه أن يغيّر آليّة النّقد لأنّه غيّر فعلا العلاقة بين العمل الفنّي والفنّان والمشاهد، بواسطة استخدامه للأدوات التّقنية المتاحة له. وتقوم هذه الأدوات على مجموعة من البرمجيّات ترهن عمليّة التّواصل التّفاعلي بين المستخدم والعمل الفنّي، إذ يتطلّب هذا التّفاعل"معرفة تقنيّة" ووفق هذه المعرفة تحدّد طبيعة صلة المستخدم بالعمل. ولكن يبقى المبدأ الأساسي لحوار المشاهد مع العمل قائماً على تدخّل المشاهد، ولا معنى له دون هذا التّدخّل ولا وجود لحركته أو تناميه في الزّمن دون تحيينه من قبل المشاهد. وكأنّنا بالعمل الفنّيّة يمتلك "قيمته" من المشاهد المتدخّل في إنجازه، فأين هو دور النّاقد وهل مازال لنقده مكان؟!

إذا ما التزم النّقد بوظيفته التّوسّطيّة médiation فإنّ النّاقد لا يستطيع تقديم هذا الدّور المناط بعهدة المشاهد مباشرة. وإذا ما راجع النّاقد دوره فعليه أن يُعطي معنى جديداً لوظيفته. قد لا يطالب النّاقد بأن يتحوّل إلى مهندس، ولكن كيف له أن يقارب عملاً فنيًّا رقميًّا دون إدراك ومعرفة بالأسس التّقنية لهذا العمل، والأزمة الكبرى أنّ النّاقد ينقاد إلى لعب دور الجمهور أي إلى المشاركة في العمل، لهذا يغيب النّاقد ويغترب في "الحشود" في المرحلة الأولى. هذه المرحلة الاضطراريّة لأنّه لا يستطيع أن يقارب العمل الفنّي الرّقمي دون التّورّط في تفاعليّته قبل أن يبني خطابه النّقدي. وإذا كان المشاهد "مؤلّفاً شريكاً" Coauteur في العمل الفنّي فإنّ هذه الصّيغة تنطبق على النّاقد. لهذا فنحن إزاء عصر اختلط فيه دور النّاقد بدور المشاهد، إنّنا أمام عصر الجماهير النّاقدة.

تونس

الهوامش

(1) Anton Vidokle was born in Moscow and arrived to the U.S. with his parents in 1981, settling on Broome Street on the Lower East Side. His work has been exhibited in shows such as the Venice Biennale, Lyon Biennial, Dakar Biennale, Lodz Biennale, and at Tate Modern, London; Moderna Galerija, Ljubljana; Musée d’art Modern de la Ville de Paris; Museo Carrillo Gil, Mexico City; UCLA Hammer, LA; ICA, Boston; Haus Der Kunst, Munich; P.S.1, New York; among others. With Julieta Aranda, he organized e-flux video rental, which traveled to numerous institutions including Portikus, Frankfurt; KunstWerk, Berlin; Extra City, Antwerp; Carpenter Center, Harvard University, Cambridge, MA; and others. As founding director of e-flux, he has produced projects such as Next Documenta Should Be Curated By An Artist, Do it, Utopia Station poster project, and organized An Image Bank for Everyday Revolutionary Life and Martha Rosler Library. Vidokle initiated research into education as site for artistic practice as co-curator for Manifesta 6, which was canceled. In response to the cancellation, Vidokle set up an independent project in Berlin called Unitednationsplaza—a twelve-month project involving more than a hundred artists, writers, philosophers, and diverse audiences. Located behind a supermarket in East Berlin, UNP’s program featured numerous seminars, lectures, screenings, book presentations and various projects

(2) فيليب أغران: القضية المشتركة، تر: عبد الودود العمراني، المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث-قطر، 2007، ص43.

(3) A classic on the functions, styles and structure of the major visual art forms, this well-received text is reputed to have the best treatment available on the theory and practice of art criticism for undergraduates. Feldman examines the connection between the visual, social, and physical dimensions of everyday life in which the arts perform essential roles, while illustrating clearly the common features of theme and style in works of art separated by time and culture.

(4) فيليب أغران: مرجع سابق، ص124-125.

(5) فاروق يوسف: الصّنيع الفنّي والنّقد، ضمن كتاب جماعي: النّقد والإبداع، دائرة الثقافة والإعلام بالشّارقة، 2006، ص8.

(6) انظر كتاب The State of Art Criticism للكاتبينJames Elkins, MICHAEL NEWMAN ويتعرض الكتاب إلى آراء مجموعة من النّقّاد والمنظرين حول فاعليّة النّقد اليوم واستبعاده من الجامعة.

Art criticism is spurned by universities, but widely produced and read. It is seldom theorized and its history has hardly been investigated. The State of Art Criticism presents an international conversation among art historians and critics that considers the relation between criticism and art history and poses the question of whether criticism may become a university subject

(7) Misère de la critique : entretien avec Jean-Philippe Domecq , in Krisis, novembre 1996, p.35

(8) Edmond Couchot: La critique face à l'art numérique, in L'œuvre d'art et la critique, Klincksieck, 2001, p.102.