تنبني تلك القصة على مفارقة تتكشف في نهايتها بعدما يكون القارئ قد استغرق في متابعة جريمة القتل التي كادت ان تطال لولي، لكن توقعات القارئ تنقلب رأسا على عقب و تعيد السخرية صياغتها.

من الادب الكردي

لـــولـي

قَــيْـران فـرج

ترجمة: سامي الحاج

 

الوقت أواخر شهر شباط وبداية شهر آذار.

كان يبدل ثيابه خلف الباب. تناول سرواله من مشجب الملابس وأودع ساقيه فيه. شدّ حبل السروال تحت سرّته وعَقدَ طرفيه عُقدتين على شكل وردة وأنزلها على السروال. أعاد حلّ وربط الحبل ثلاث أو أربع مرات في محاولة لجعل طرفي الحبل متساويين ولكن الايمن كان أطول في كل مرة!.

توجه نحو المغسلة. باب المطبخ على اليسار، رائحة الفلفل المقلي مع الثوم إختلطت مع رائحة البرغل المطبوخ مع الاعشاب البرية. عند الباب قالت له زوجته:

- ها، عدت مبكراً اليوم!؟

- نعم، حماة أخت زوجة مديرنا توفيت.

- وإذن!

- إذن هي فرصة!

طوى أردانه حتى مرفقيه وبدأ يتوضأ وهو يتمتم. كان مرفقاه يقطران ماءاً، مسح ظاهر كفيه بسرواله.. قطرة الماء التي بقيت معلقة بطرف أنفه المعقوف كانت تعكس صورة أنفه وعينه اليسرى. البعض قال له إن الجبين المبلل وقطرةُ طرفِ الانفِ سُنّة. نادى:

- آمنة.. هل أذّن؟

- منذ ربع ساعة!

- آآه.. حقا ما تقولين، سمعته وأنا في الطريق.

وضع سجادة الصلاة، حرّكها يمنة ويسرة حتى تواءَمَ إتجاه بوصلتها مع بوصلةِ قلبه. خطى بقدمه اليسرى على السجادة، لكنه تراجع للخلف وخطى عليها باليمنى. عدل ظهره ورفع يديه واضعاً إبهاميه على شحمتي أذنيه... الله أكبر... في الركعة الثالثة داهم قلبه الشك في أن تكون الثانية. وفي الركعة الرابعة شعر أن قطرة قد نزلت منه..! أعاد كل ما بدأه مرة أخرى ولكن قطرات الماء كانت تتتساقط من أذنيه وأسفل ذقنه. أكمل صلاة الظهر وأدى ركعتين سُنّة، كان إيمانه بذلك راسخاً.

عند تحية ختام الصلاة على الكتف الايسر دخلت زوجته، أخذت تمسح طاولة الطعام بقطعة إسفنج صفراء.

- آمنة! كيف كانت إجابات إبنتي هذا اليوم؟

قالت وهي منشغلة بتنظيف وترتيب الطاولة:

- ستأخذ عشرة على عشرة.

- فداك روحي، يا تاج رأس أبيك، أعرف كم هي ذكية، سترفع رأسنا.

طوى السجادة ووضعها على مسند الكرسي. مد يده الى جيب سرواله الأيسر، أخرج مسبحته الكهرمان ذات الحبات البرتقالية وبدأ يقلّبها ويفركها بين كفيه ويطقطق حباتها، يبعدها أحياناً ويقربها أحياناً أخرى من أنفه ويستنشق رائحتها.

تمدد الى جانب الجدار أسفل النافذة المنخفضة في الجهة الجنوبية من الغرفة بعد أن وضع وسادتين مختلفتي اللون تحت متكئه. سحب بقدمه اليسرى الريموت كونترول وبدأ يقلّب في قنوات التلفزيون:

تعالي.. تعالي

نهداك كاعبان

وصدرك ببياض ثلج الجبل العالي

ويدي تمسده كل يوم.. تعالي

- نهدا أمك يا إبن الحمارة!

قَلَبَها..

يا حلوة، يا حلوة

قدّكِ الـ...

قلبها..

ثورة ومقاومة..

نضال وانتفاضة..

قلبها بسرعة..

تفتحت جروحي مرة أخرى...

قلبها..

- جراحكِ أَم جراحنا يا خاتون، تعالي وانظري الى جراحنا!

برشلونة.. ريال مدريد...

قلبها..

وعلى إثر ذلك قُتل 136 شخصا وأُصيب 471 آخرين...

قلبها وهو يحدث نفسه:

- يوم أمس كانوا 141 قتيلاً!

لا ولك منو علّمك، هله بليلعب جوبي.. هله بليلعب جوبي.. هجع.. هله هله

قلبها، وقلبها حتى وصل الى القناة 77

كانت السهام تتساقط كزخة مطر، حمم المنجنيقات تحرق الصخر والشجر، الخيول تتصادم بصدورها، الشرر يتطاير من تصادم أنصال السيوف، الرماح تخترق الاجساد، والرؤوس تتناثر. إنها المرة الرابعة التي يشاهد فيها فيلم (كلادياتور- المبارز) لكنه لا يمل من متابعته.  

- ها، هؤلاء هم رجال بحق، هؤلاء هم الفرسان والصناديد!

فجأة تناهى الى سمعه صوت غريب. أخفض صوت التلفاز، كان الصوت آتياً من جهة اليمين. ومن خلال النافذة رأى فيلماً آخر تجري أحداثه حية في البستان المحاذي قرب شجرة الزيتون وتحت شجرة التين، فيلم عجيب وعلى الهواء!

رفع رأسه، ميّزها من شعرها، كانت لولي متمددة على بطنها وآخرٌ أسود راكباً ظهرها. تعقّد ما بين حاجبيه كعقدة حبل سرواله، تحركت كرتا عينيه في محجريهما سريعاً وأخذ ينادي:

- آمنة.. آمنة؟!

هرعت آمنة مسرعة تجاهه ويدها على صدرها:

- ماذا، ماذا خيراً ما الذي يحدث؟ لقد أوقعت قلبي.

- آمنة! أين لولي؟

- لولي! لماذا؟ إنها مع أصدقائها تلعب في البستان.

مرة اخرى صاح... وبغضب:

- تلعب! تلعب ها!؟

إندفع من الباب نحو الغرفة الاخرى، شد باب الخزانة بقوة ونزعه بمساميره وطوح به الى الارض، سحب بندقية البرنو وهو يصرخ:

- إنها تلعب ها!

قرقعت أقسام البندقية بين يديه، ألقمها طلقة. سدت عليه زوجته مدخل الباب:

- ماذا ستفعل، ما الذي حدث؟ وما هذه البرنو؟ هل رأيت أو سمعت شيئاً، هل هاجمنا الاعداء؟

وكديكٍ في ساحة القتال، رفع كتفيه ودفعهما للخلف، أبرز صدره للأمام، ركّز عينيه في عيني زوجته. كان يمسك البندقية المحشوة بيده اليمنى، وضع يده اليسرى على كتفها ودفعها الى الحائط المقابل وكأنه هرقل!

.. إندفع الى باحة الدار بسرعة طيران صقر وكأنه جندي يهجم على سواتر الاعداء وإتجه نحو البستان. كان الفلم الحي لا يزال مستمراً ولم يبلغ نهايته. كان الاسود ممتطياً ظهر لولي التي كانت منبطحة على بطنها غير آبهة بما حولها وهي تشد بقبضتها على التراب. جاءهما من الخلف، وضع فوهة البندقية على رقبة الاسود وفجّرها.

تضرج الاسود بدمائه. أسرع وألقم البندقية طلقة أخرى لكن لولي وهي مخضبة بدم الاسود تمكنت من الافلات من تحت جثته وإنطلقت تعدو صوب الباب الخارجي. أطلق رصاصة خلفها، هيأ الاخرى وأطلقها في الهواء صارخاً: لولي ي ي ي ي.

رفع بندقيته البرنو بيده اليسرى عالياً وكأنه يحمل رأس الضحّاك(*) من شعره.. ظل يهزها وهو يصرخ. بعدها ساد الصمت أرجاء البستان المزدحم بأنواع الاشجار المثمرة وكأنه كهف مظلم. كان رأسه يرتعش وهو يطلق الاهات والحسرات، برد جسمه واجتاحته قشعريرة برودة. نظر حواليه، كان كل الجيران، صغاراً وكباراً، رجالاً ونساءاً، عجائز وشيوخ يطلّون من على سطوح منازلهم وهم يشيرون صوبه مذهولين. بعضهم يلطم على رأسه، آخرون يغطون عيونهم بأياديهم، ذات الشال البنفسجي كانت تلصق رأس إبنتها بصدرها فيما كان آخرون يتحدثون في هواتفهم النقالة.

كان يتلفت حواليه كبطل من زمن الرومان وهو في ساحة الوغى، لكن المعركة لم تكن قد إنتهت وما زالت هناك طلقة في البرنو. خلال لحظات كان شرطيان يمسكان بكتفيه بعد أن إنتزعا البندقية من بين يديه. وضعا يديه في القيود الحديدية خلف ظهره فيما كان أفراد شرطة آخرين يصورون مكان الجريمة. لفوا جثة الاسود بشئٍ ما وأخذوها معهم.

أخذت زوجته كرسياً الى البستان وتحت شجرة التفاح جلست عليه وراحت تقهقه بهستيرية وتلطم وتشد شعرها وتنوح:

- لولي، لولي ماذا فعلت بنا، ألم يكفك كل أولئك الاصدقاء لتصاحبي الاسود يا لولي؟ الاسود!

أحياناً كانت تنهض وتؤشر ضاحكة للجيران الذين ما زالوا على شرفات الدور وكأنها تريد أن تقول إن الفلم لم ينته بعد والبرنو لا تزال فيها طلقة، لكن ضحكتها العالية كانت تُذهِل الجيران أكثر.

في الجانب الآخر عند باب غرفة الضابط التحقيق كان لا يزال بين يدي الشرطي النحيف الطويل الذي يزين طرفَ أنفه وشم، والشرطي الآخر البدين القصير القامة. طرق صاحب الوشم باب الغرفة وفتحه. أمرهما الضابط أن يفتحا قيد يديه، وسمح له بالجلوس على الكرسي البلاستيكي الابيض بجانب طاولته.

وضع الشرطي البدين، الذي يحمل على كتفيه خطّين يعلوهما التراب، ورقة مدون فيها وقت ومكان حدوث الجريمة على الطاولة التي كان يستند اليها الضابط بمرفقيه وهمس في أذنه:

- سيدي، إنه رجل بمائة رجل، معروف ومن عائلة فاضلة ومشهورة، انظر سيدي الى عينيه اللتين تشبهان عيني صقر وما بين حاجبيه تنتفض عروق الرجولة. سيدي صحيح أنه ليس من شأني ولكن أرجو أن ترأف به، خاصة وأنها قضية ناموس.

ولكن النحيف الطويل كان يتمتم:

- يجب أن يُعدم هذا المتوحش!

بإشارة من أصبعه أمر الضابط الشرطيين بالخروج من الغرفة.

ما أن خرجا حتى انفجر الشرطيان ضاحكَيْن وهما يقبضان على بطنيهما، طفرت الدموع من عيونهما من شدة الضحك.

قال النحيف الطويل للبدين القصير:

- هل رأيت الاسود من أسفل السرة؟!

- نعم رأيته، ذلك الفضيع، ملأ  الرعبُ منه رأسي. تصور حتى دمه كان أسود!

أزاح الضابط كرسيه للخلف قليلاً، قطّب جبينه، كان يقلب قلماً أحمراً بين أصابعه كدولاب هواء. وضع القلم على الاوراق أمامه وأزاحها جانباً... بصمت، وفجأة ضرب الطاولة بباطن كفه بقوة وصاح فيه بغضب:

- لماذا قتلته؟

- سيدي لم يكن أمامي سبيل آخر.

- ألست نادماً على فعلتك؟

- كلا، ولكن ما يحزّ في قلبي أن لولي قد فلتت من بين يدي!

- كنت ستقتلها هي الاخرى؟

- سأقتلها حتماً!

- لماذا قتلته بالبرنو؟ ألم يكن بمقدورك أن ترمه بحجر، بحذاء.. أن تدق عنقه بعصا؟

- لم يكن ذلك ليشفي غليلي، أو ليطفئ النار التي إتقدت في صدري!

- أسألك ثانية، لماذا ببندقية البرنو؟

- لأنه لا يوجد في بيتي سلاح أثقل منه سيدي.

- وإن كان!؟

- لو كان لدي قاذفة آر بي جي أيضاً لفجّرت بها ما بين كتفي إبن الكلب اللعين ذاك!

- أوَ لديك أنواعاً أخرى من السلاح في بيتك؟

- مسدس سميث وآخر أبو ست عشرة طلقة وواحد آخر من تلك التي يسمونها مسدسات الرفاق، بندقية كلاشنكوف بدون أخمص وأخرى بأخمص.

- وهل بيتك مشجب سلاح؟

- كلا سيدي، ولكن البعض إستلم ثمانية قطع أراض سكنية، والبعض يتلقى ستة معاشات شهرية وهو جالس في بيته. فيما البعض الآخر، أنت تسمع ماذا يفعلون وعلى ماذا يحصلون والبعض الاخر.....

- سكوت، سكوت، هل لديك أعداء؟

- كلا سيدي، كان لدينا ولكن في السابق.

- سأسألك للمرة الاخيرة، لماذا بالبرنو؟

- كما قلت لك سيدي قبل الآن، لم يكن لدي سلاح أقوى، ثم أن هذه البندقية تعود لجدي.

- جدك!

- نعم، كانت لجدي، ألف رحمة ورحمة على روحه. والدي، رحمه الله أيضاً، قال إن جدي قد باع قرية من أملاكه واشترى هذه البرنو بثمانية دنانير من ثمن تلك القرية.

- قرية مقابل بندقية برنو!

- سيدي، هكذا كانت الحال في ذلك الزمن.

- إستمر، ماذا فعل جدك بعدها؟

- نعم سيدي، بعد أن ذاع صيت بندقية جدي في كل قرى المنطقة، فقد سُرقت ذات يوم. وطبقاً لما كان يقوله لنا والدي فقد أنفق جدي مائة قطعة ذهبية وضحّى بسبعة من رجاله في سبيل إسترجاعها. لذلك سيدي فقد غدت تلك البرنو شيئاً مقدساً لدى عائلتنا. تَخرجُ من مكانها مرة واحدة كل عام في ذكرى وفاة جدي، حيث يجتمع كل أفراد العائلة عندنا في البيت، أنا لست الابن الاكبر ولكنهم جعلوني كبير العائلة، يتم خلال ذلك تنظيف وصيانة البندقية ويُقبّلها الجميع تبركاً، ثم إن هذه البرنو لا تخرج من مكانها إن لم يكن لأمر يليق بإسمها.

- ما شاء الله، ما شاء الله. شئ مقدس وأمور تليق بقدسيتها! حسناً لماذا لم تحافظ على لولي؟

- سيدي، لقد حافظنا عليها. كانت في أعيننا دوماً، كانت تذهب الى أصدقائها أحياناً، وأحياناً أخرى يأتي أصدقاؤها اليها، يلعبون سوية في البيت أو البستان، كنا واثقين من لولي تماماً ولكن أصدقاءها لم يكونوا في مستواها. لم يكن فيهم واحداً تربى داخل بيت، كلهم من أولئك الذين ترعرعوا وكبروا في الشوارع والطرقات وخاصة ذلك الاسود... كتفاه يبدوان كأكتاف حمّالي أكياس الدقيق، دميم الوجه ومنخاره في السماء.

شئ آخر سيدي، أريد أن أسرّ به أليك ولا أخفيه عنك، يبدو أنه لم يعد في الامرمن بد. لا أحد من جيراننا يعرف بهذا الامر ولكنني سأفضي به اليك فقط وتكون بذلك أول من يعرف. ذات يوم، وبعد أن أديت صلاة الفجر جماعة في المسجد وكان ظلام السحر يلف الدنيا، خرجتُ من الباب الخلفية الصغيرة التي تفضي الى زقاق بيوت المسيحيين والعائلة الايزدية، وحتى الان لا أعرف لماذا خرجت من تلك الباب، لأن جميع المصلين يدخلون ويخرجون من الباب الكبيرة، حتى أنا دخلت من الباب الكبيرة ذلك اليوم، ولكن... ما أن خطوت خطوتين خلف الباب حتى تناهى الى سمعي صوت! إلتفت وإتجهت ناحية الصوت، أخرجتُ المصباح اليدوي الاخضر الذي إعتدت حمله معي دوماً، وعلى ضوئه بحثت عند حائط المسجد.. حتى عثرت عليها، وكانت لولي. طبعاً لم يكن لها إسم يومها. أعتقد كان عمرها يوماً أو أقل حتى، مغمضة العينين، وهي ما تني تصدر أنينا يقطع نياط القلب، ففلتتْ الدموع من عيني. حملتها على وجه السرعة ودخلت المسجد. كان الملاّ جالساً عند إحدى زواياه وبعض المراهقين متحلقون حوله. تناولت سجادة صلاة صغيرة ولففتها بها. لم يلحظني الملا ولم أكن أسمع أنا صوته.

في الصباح عندما أستفاقت زوجتي وإبنتي ورأينَها فرحتا بها كثيراً، وخاصة إبنتي الوحيدة ذات السنوات الثمان، قالت مباشرة: هذه أختي وسأسميها لولي. وهكذا غدت لولي لولب البيت، كان يتم تحميمها كل يوم ونرضعها الحليب بأيدينا، لو صادف وداهمتها الحمى في آخر الليل كنا نأخذها الى المشفى الخاص أو كان جارنا الطبيب المختص يأتي لمعاينتها، كانت سلوانا. بل كنا أحياناً نرعاها أكثر من إبنتنا، فهي في ذمتنا. كانت جميلة للغاية، شعرها أشقر، عينان زرقاوان وأديم وجهها مدور كأنه رمانة ناضجة.

وضع الضابط يده على جبهته وضغط عليها، طفرت الدموع الى عينيه لا إرادياً، فيما كان يمد يده أحياناً الى العلبة أمامه ويسحب منها منديلاً ورقياً. إحمرت عيناه، كان يبدو أنها المرة الاولى التي يُحقق فيها وخاصة في حادثة غريبة ومؤثرة كهذه. كان الضابط لا يدخن لكنه قَبِل أن يأخذ سيجارة من المتهم، وضعها بين شفتيه، إنبعث دخانُ نيرانِ قلبه من طرف السيجارة. قال في نفسه وهو يردد مطلع أغنية شعبية مشهورة: إطحني إطحني أيتها الرحى.. فهمومنا جِدّ كبيرة.

ثم قال وهو ينشج:

- إستمر، وماذا بعد ذلك؟

- من ناحية أخرى سيدي، فإن أي رجل شريف لديه ذرة من ناموس لن يقبل أن تُرتكب فعلة شنيعة كهذه في بيته، أمام عينيه وفي وضح النهار! الشئ الآخر سيدي، لقد كانت لولي صغيرة وعمرها لا يسمح بمثل هذه الافعال.

- لماذا؟ كم كان عمر لولي إذن؟

- ستة يا سيدي!

- ستة ماذا؟!

- ستة أشهر سيدي.

- صاح الضابط بذهول:

- ستة أشهر، يا إلهي ستُمطر أحجاراً!

- نعم ستة أشهر.

- لماذا، ماذا كانت لولي؟

- كانت (ط. هـ. ق)

- والأسود؟

- سيدي هو الآخر كان (ر. هـ).

نهض الضابط. تناول الورقة التي كان قد أزاحها جانباً ولم يقرأ منها سطرين، مزقها قطعاً ونثرها فوق رأسه. مد يديه الى قميصه وشده بعنف الى الجانبين، تطايرت أزراره في الهواء، ومثل طرزان بدأ يلطم صدره العاري بقبضتيه وهو يصرخ: لولي ي ي ي ي.

- سيدي، ما زالت هناك طلقة في البرنو.   

*          *          *

ملاحظة مهمة: يلفظ حرف الياء في كلمة لولي كما تلفظ الياء في كلمة (ليش) في اللهجة الدارجة العراقية.

 (*) الضحّاك: الملك الظالم في اسطورة (نوروز) الكوردية حيث يتمكن البطل الشعبي كاوه الحداد من تحطيم رأس الضحاك بمطرقته.