حظيت الحركة النسائية العراقية الحديثة في العراق، بنخبة من النسوة اللواتي استطعن التغلب على كل ما يعيق هذه الحركة من إشكالات ومواقف. ومن الطبيعي أن يظهر الرجل مساندا للمرأة العراقية وسعيها الدؤوب نحو نيل حقوقها، وممارسة دورها الفاعل في بناء العراق.
ولئن عرفت المرأة العراقية في أوائل طريقها مع مطلع القرن العشرين، إلا أن حركتها تجذرت في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية من خلال تأطير نشاطها، وتأسيس الاتحاد النسائي العراقي سنة 1945. وكانت السيدة آسيا توفيق وهبي من أبرز الرائدات في ذلك الأمر وترأست أول اتحاد نسائي عراقي.
ولدت آسيا توفيق وهبي في بغداد سنة 1901 وكان والدها "رضا الديزة لي" من أهالي السليمانية رجلاً متنوراً، وكان تاجراً، وبذل جهوداً كبيرة من أجل تعليمها وتثقيفها. كما أن زوجها الذي انتسبت إليه على العادة الغربية آنذاك، الكاتب واللغوي والمؤرخ الكردي توفيق وهبي له كبير الأثر في تهيئة الظروف لبروزها وممارسة دورها وقد ساعدها - منذ أن تزوجا سنة 1927 - على أن تطور نفسها وتلم بكل الاتجاهات الثقافية التي كانت سائدة في عصرها.
ومنذ أن انتمت إلى بعض الجمعيات النسوية ومنها "جمعية النهضة النسائية" سنة 1923 وجمعية "مكافحة العلل الاجتماعية"، كان كل همها أن تجمع نساء بلدها –كما فعلت السيدة هدى شعراوي في مصر – في إطار تنظيم يستهدف الارتقاء بالمرأة العراقية ويجعلها على قدم المساواة مع نساء الشرق وخاصة في مصر وتركيا.
وعندما تأسس الاتحاد النسائي العراقي في مارس/ آذار سنة 1945 ترأسته، وكان إلى جانبها نساء عراقيات أخريات يقمن بدور متميز في الحركة النسائية العراقية الحديثة منهن عقيلة نوري السعيد وعقيلة جعفر العسكري وعقيلة عبدالرحمن الحيدري وعقيلة الشيخ أحمد الداؤود والسيدة أسماء صدقي الزهاوي شقيقة الشاعر جميل صدقي الزهاوي.
ويذكر عباس الزاملي في مقال له في جريدة "المدى" (البغدادية) أن الهدف من تأسيس الاتحاد كان توحيد جهود الجمعيات النسوية في الداخل من خلال انتخاب ثلاث عضوات من كل جمعية أو ناد لتمثيلهن في الاتحاد وانتخاب الهيئة الإدارية له من جهة. والعمل على تنسيق الجهود مع الجمعيات النسوية العالمية من جهة أخرى، وبذلك يكون الاتحاد بمثابة الجمعية الأم للجمعيات العراقية.
وكان للاتحاد نشاطات بارزة في تحسين المستوى العلمي والثقافي والفني للمرأة، ومحاربة ظاهرة البغاء الشائعة آنذاك، وتقليل حوادث الطلاق، وإعطاء الطفل للأصلح من الوالدين والعناية بصحة الأم والطفل وإجراء الفحص الطبي على الراغبين بالزواج وإعطائهم شهادة طبية تبين سلامتهم من الأمراض.
وكان للاتحاد نشاطات أخرى من قبيل إرسال مواد الإسعافات الأولية للجيش العراقي المشارك في حرب فلسطين سنة 1948. كما أغاث منكوبي فيضان سنة 1954، وبعد هذا التاريخ توقف عن العمل ثم أجيز باسم "جمعية الاتحاد النسائي" وكانت برئاسة آسيا توفيق وهبي وعضوية كل من بتول عبدالاله حافظ وحسيبة أمين خالص وعزة الاستربادي أمينة السر وعائشة خوندة وظفيرة جعفر وعفيفة البستاني ومرضية الباجه جي وفتوح الدبوني. وطالبت الجمعية بحقوق المرأة السياسية ودعت إلى إعطائها حقوقها الشرعية بعد إلغاء الوقف الذري سنة 1955، كما كان لها نشاطات قومية اذ أسهمت سنة 1956 بدعم مصر ضد العدوان الثلاثي البريطاني – الفرنسي - الإسرائيلي، ووقفت إلى جانب الجزائر في نضالها ضد المستعمرين الفرنسيين.
كتب حميد المطبعي عن السيدة آسيا توفيق وهبي في "موسوعة أعلام وعلماء العراق" يقول إنها سعت إلى الظفر بحق المرأة في التملك، ونادت بإعطاء الطفل للأصلح من الأبوين في حالات الانفصال، وطالبت بالحقوق السياسية للمرأة ومنح الحقوق الانتخابية لها، وعملت كذلك على إثارة قضايا شرعية مثل المهور وحوادث الطلاق والشؤون الاجتماعية الأخرى. ورأست الفرع النسائي لجمعية حماية الأطفال 1945، وهي عضو رئيس مؤسس لجمعية مكافحة العلل الاجتماعية، وعضو في جمعية الهلال الأحمر، شاركت ومثلت نساء العراق في المؤتمر العالمي للمرأة في (لاهور) سنة 1952، وفي مؤتمر مكاتب الاتحادات النسائية العربية في بغداد في السنة ذاتها، كما شاركت في مؤتمرات نسائية في بيروت 1955، ودمشق 1957، وحصلت على العديد من الأنواط الفضية والذهبية من مؤسسات محلية وعربية ودولية.
أصدر الاتحاد النسائي العراقي مجلة ترأست آسيا توفيق وهبي رئاسة تحريرها ووضعت لها الخطوط العريضة للتطور. وكانت المجلة – كما جاء في ترويستها "مجلة شهرية اجتماعية عامة، يحررها نخبة من مثقفات ومثقفي البلد، صاحبة الامتياز آسيا توفيق وهبي، المدير المسؤول: زكي أمين". وصدر العدد الأول في بغداد في الأول من مايو/ آيار 1950. وتضمنت أبوابا عديدة ومقالات لنخبة من المثقفين والمثقفات والأديبات. وكتبت آسيا توفيق وهبي مقالها الافتتاحي وكان بعنوان "النهضة النسائية في العراق" جاء فيه قولها:
"إننا نؤمن إيمانا تاما بأن من واجبات المرأة العراقية أن تسير مع الرجل جنباً إلى جنب، وأن تشاركه في سرائه وضرائه، ولذلك وضعنا نصب أعيننا نوال حقوقها كاملة غير منقوصة ليتسنى لها ممارسة حقوقها السياسية".
وكان في المجلة أبواب منها باب بعنوان: "المرأة في العالم" تحرره عصمت السعيد، وباب "نساء شهيرات" تحرره الدكتورة نورة زيتون. هذا فضلاً عن أبواب ومقالات أخرى أسهم في تحريرها عدد من الكتاب أمثال السيد عمر عطالله وأبو فاروق الحريري.
وتذكر سميرة عبدالواحد أن المجلة اهتمت بقضايا المرأة وتعليمها وتوعيتها والابتعاد عن الجهل، وأن تكون يدا بيد مع الرجل في الحياة العملية والاجتماعية وأن تنال حقوقها المشروعة بعيداً عن كل أساليب العنف والقوة. هذا إضافة إلى الاهتمام بالحياة العامة الاجتماعية والثقافية والصحية، والحقوق التي تضيف إلى حريتها الحق في ممارسة العمل خارج البيت في شتى مجالات الحياة، لكي تصبح عضواً فعالاً في المجتمع. إذ ظهرت في تلك الفترة نساء مثقفات على مستوى عال من التعليم اهتممن بقضايا المرأة والوطن منهن الأديبات والشاعرات والصحفيات واللاتي دخلن مجال السياسة في تلك الفترة المهمة من تاريخ العراق.
ومن خلال الاتحاد حضرت آسيا توفيق وهبي العديد من الندوات والمؤتمرات داخل العراق وخارجه، كما أنها نجحت في عقد المؤتمر النسائي العربي ببغداد سنة 1952 ورأست المجلة الصادرة عن الاتحاد، ومن يراجع أعداد هذه المجلة يجد العديد من مقالاتها والتي تحمل طابعا تحرريا. ولشهرتها ودورها النسائي الرائد دعيت إلى مؤتمرات نسائية عالمية عقدت في دول الشرق الأوسط وأوروبا.
بذلت آسيا توفيق وهبي جهوداً مضنية من اجل ترسيخ دور الاتحاد النسائي العراقي من خلال مقالاتها في "مجلة الاتحاد النسائي" التي أصدرتها سنة 1949 وتوقفت بعد اربع سنوات ثم عادت الى الصدور ثانية في 15 مارس/ آذار سنة 1958 لتتوقف نهائيا في 8 مايو/ أيار سنة 1960، ومن أبرز ما كتبت مقالها الموسوم "النهضة النسائية في العراق"، ومقالها "باسم المرأة العراقية" ومقالها "كيف تأسس الاتحاد النسائي". وكتبت تلك المقالات في السنوات 1950-1952 كما تولت مهمة توثيق ما سمي بـ"أعمال المرأة العراقية في حقل الخدمة العامة" بستة أجزاء سنة 1950.
كما اهتمت آسيا توفيق وهبي برعاية الشباب وتشجيعهم، ومن ذلك تنظيمها من خلال الاتحاد لمسابقات كتابة المقال، وذكر الدكتور بهجت عباس انه حصل في 21 مارس/ آذار سنة 1957 عندما كان طالباً في الصف الرابع من كلية الصيدلة على ساعة ذهبية منها لكتابته "أحسن مقال عن الأم". وقد نظمت المسابقة لمناسبة عيد الأم.
توفيت آسيا توفيق وهبي في لندن سنة 1980 حيث كانت تسكن هي وزوجها منذ سنة 1958، ونقل جثمانها – بناء على وصيتها – إلى بغداد ودفنت في مقبرة الحضرة القادرية، رحمها الله وجزاها خيراً على ما قدمت لوطنها.