بالرغم من صدور كتاب "خطة الهجوم" الدقيق، شديد الرصانة، للكاتب الأمريكي المهم بوب وود ورد في عام 2004، إلا أننا في حاجة ملحّة لقراءته مجدداً في هذه الأيام بالذات، وستعرفون السبب بعد قليل. الكتاب يعتمد على شهادات ووثائق حصل عليها المؤلف من أكثر من سبعين مسئولاً أمريكياً، على رأسهم الرئيس بوش نفسه، ورامسفيلد، وزير دفاعه، إضافة إلى شخصيات خاصة من داخل البيت الأبيض، ويبدأ الكاتب فصول كتابه بالحوار الذي دار في بغداد بين بوش والجنرال جورج كيسي، بينما كانت الزيارة رسمية لمقابلة رئيس الوزراء، لكنه فضّل التحاور أولا مع الجنرال الذي تلوثت حلته العسكرية بالدم، وكان الأخير يلمح لرئيسه المعتوه أن ثمة مشكلة أساسية تعرقل سير العمليات الحربية في العراق، وبعد عدة تساؤلات حمقاء أجابه بصراحة أن هذه المشكلة هي الرئيس بوش نفسه، الذي كان يتابع تطورات هذه الحرب من المنظور التقليدي الانتقامي المتحجر، فلا يهتم إلا بإحصاء أفراد المقاومة الأسرى أو القتلى، في حين كانت للرجل العسكري رؤية مغايرة أكثر نضجاً، ويرى أن المعركة لم تحقق أية أغراض مفهومة، وأن الحل النهائي يتمثل في أمر جوهري واحد، هو: إعداد العراقيين لحماية وطنهم، وحكم أنفسهم بأنفسهم، ومغادرة العراق في أقرب فرصة عائدا لبلاده ومعه الشباب الأمريكي الذي ورّطه بوش في بغداد ناسياً ذكرى التورط الأمريكي في المستنقع الفيتنامي القديمة، كان الجنرال كيسي يعرف أن العراقيين يرفضون الاحتلال رفضاً تاماً وقبلوا وجودهم مرغمين وفقط للقضاء على صدام، ولابد أن يتسلموا مقاليد الأمور في نهاية المطاف، وحجم الجنود كبير فيبدو الأمر كأنه احتلال، وكان أهل العراق بحاجة إلى أن يخوضوا حربهم الخاصة، وأن يديروا حكومتهم، بينما كان بوش غائباً عن الوعي تماماً ولا يفكر إلا بالشكل اليميني الدموي المتطرف.
يكشف الكاتب بوب وود ورد أسرار التواطؤ العربي في الهجوم الأمريكي على العراق، ويقدم الأدلة والبراهين على دعم الدول العربية لقوى التحالف في شن أبشع الغارات الجوية والهجمات البرية على المدن العراقية، وليس فقط أنهم لم يتخذوا موقفاً مشرفاً واضحاً يعارض غزو العراق، بل الحقيقة أنهم سلموا عقولهم وقلوبهم للسادة في البيت الأبيض، مقابل الاحتفاظ بألقاب فخامة الرئيس وجلالة الملك وسمو الأمير! مع ضخ بعض المال المنهوب من الشعوب لوسائل الإعلام والصحافة القومية لتظهرهم أمام شعوبهم، التي كانت تغلي من الغضب، بمظهر الرافض لكافة العمليات الحربية الموجهة ضد العراق. الأمر الذي اضطرهم إلى منح الأمريكان تأييداً غير معلن، مقابل أن يتكتم الأمريكان على أسرارهم وسرقاتهم وفضائحهم المشينة، ويحفظوا لهم ورقة التوت الأخيرة، وتناقضت مواقفهم المعلنة مع ما كانوا يتفقون عليه مع واشنطن، وسارت مراحل اللعبة على هذا النهج المغلف بالمكر والمبطن بالدسائس، لدرجة أن السفير السعودي في واشنطن الأمير بندر بن سلطان كان من أركان الحرب الأمريكية، بل إنه كان من ضمن عناصر "معسكر الصقور" في إدارة بوش إلى جانب كل من ديك تشيني نائب الرئيس وكوندليزا رايس مستشارة الأمن القومي الأمريكي، وكان يتنقل بين العواصم العربية والأوروبية المتشككة في جدوى الحرب، محاولا إقناعها بضرورة التدخل العسكري الأمريكي في العراق، وكانت مهمته الخسيسة متوافقة تماما مع ما قام به ابن الرئيس المخلوع جمال مبارك.
كانت خطة تشيني في المرحلة الأولى أن يواصل التنسيق مع زعماء هذه الدول لتوحيد مواقفهم في الحرب على العراق، وفتح بوابات قواعدهم العسكرية، وحثهم على التعامل بحزم مع الموقف وبخاصة في ساعة الجد، التي ستقرر فيها الولايات المتحدة استخدام القوة الضاربة، ويذكر الكتاب أن مباحثات تشيني مع العاهل الأردني كانت مبشرة جداً، لكنها لم تكن على نفس الدرجة من التوفيق في مباحثاته مع مبارك، إلا إنها كانت مقبولة بالنسبة لتشيني الذي التقى بالأمير بندر وكان الهدف من الاجتماع تقديم مسودة طلبات للسعودية تتضمن أن تسمح بانطلاق القوات الأمريكية من أراضيها، وإقلاع الطائرات من قواعدها، وعرض مايرز خلال الاجتماع خرائط سرية للغاية تتضمن تفاصيل الهجوم المنتظر على العراق، ويقدم الكاتب عرضاً تاريخياً متسلسلاً للخديعة الكبرى، ويستعرض أهم التفاصيل التحليلية لدور الدول الأوربية، التي اشتركت في تضليل الرأي العالمي، وكيف حشدوا قواتهم لغزو العراق بمباركة بعض الملوك والأمراء والرؤساء العرب، وتوالت الأحداث، التي دفعت بعض القادة العرب إلى الوقوع في أوحال المستنقع الأمريكي.
تلقى بوش تقارير من بعض أفراد إدارته بأن العالم العربي سيثور في الشوارع إذا شنت أمريكا حربا على العراق، وأن المصالح الأمريكية ستتعطل وتتعرض للخطر، لكن الأمير بندر طمأنه، قائلا: "فخامة الرئيس هل تعتقد أنك ذاهب لمهاجمة السعودية واغتيال الملك فهد؟ ما هو إلا صدام حسين، الذي لن يجد من يبصق على قبره. لكن إذا هاجمته أمريكا ونجا هذه المرة فسيكون أكبر من الحياة نفسها، سيسمع كلامه الجميع. لقد حذر كثيرون والدك من أن العالم العربي سيثور من المحيط إلى الخليج إذا ضرب العراق ولم يحدث ذلك، المشكلة الوحيدة ستكون إذا نجا صدام هذه المرة". وحمل الأمير بندر رسالة تأكيدية من بوش بأن صدام لن يفلت من الفخ المنصوب ولن ينج، وكانت معها قائمة بما هو "مطلوب" من السعودية، معنونة إلى الأمير عبد الله، الذي نصحه بأن يبق الأمر سرا حتى تقرر السعودية ماذا ستفعل، ومنذ ذلك الحين صار السفير السعودي في أمريكا من ضمن تشكيلات "معسكر الصقور"، الذين يروجون للحرب. وقام الأمير بندر، بتكليف من الأمير عبد الله، بعدة زيارات شملت فرنسا ومصر ولبنان، لحث زعمائها على تأييد الموقف الأمريكي، وقد عبر له الرئيس الفرنسي جاك شيراك عن وجود خلاف جوهري مع الولايات المتحدة، وشكا من مسألتين: أولهما أن بوش والأمريكيين لا يحبونه ولا يحترمونه بالمرة، وثانيهما أن المخابرات الأمريكية لا تتبادل المعلومات مع نظيرتها الفرنسية.
وعندما عاد الأمير بندر إلى واشنطن سألته كوندليزا رايس عن مهمته الفرنسية، فأعرب لها عن اعتقاده أن شيراك يمكن أن يساعد وربما يؤيد الحرب. وقال: إنه استقى هذا الاستنتاج من ثلاثة مصادر هي: الرئيس المصري، ورئيس الوزراء اللبناني، إضافة إلى لقاءه مع شيراك نفسه، الذي جعله يصل إلى الاستنتاج نفسه. لكن ما كشفه بندر عن تفاصيل لقائه بالرئيس مبارك يستحق التوقف عنده، فقد نقل عن مبارك قوله: إن مصر لديها الكثير من مصادر الاستخبارات داخل العراق، وإن هذه المصادر أكدت : "امتلاك العراق لمعامل متنقلة لتصنيع الأسلحة البيولوجية". وحسب الرواية نفسها والمرجح أنها منقولة عن الأمير بندر، فإن مبارك قال: إنه تلقى رسالة من صدام تقول: "لدينا عدد من النساء والأطفال والرجال، الذين سنخبركم بأسمائهم في وقت لاحق يريدون اللجوء إلى مصر، فهل هناك إمكانية لتخصيص أحد القصور الرئاسية لهم ؟" وقال مبعوث صدام لمبارك إنهم سيحضرون معهم حافظات عملاقة ملياري دولار وكميات من الذهب. ورد مبارك بقوله: إنه سيرحب بالنساء والأطفال، لكن أي شيء يتعلق بالرجال والمسئولين "فعليكم التوصل لاتفاق بشأنه مع الأمريكيين وإلا سوف اتصل أنا بالأمريكيين"، ورفض مبارك السماح بنقل الأموال العراقية خوفا من أن يتهم بسرقتها وتحويلها إلى بنوك سويسرية، أو هكذا قال.
وفى السابع من فبراير 2003، وصل جمال مبارك في مهمة سرية للاجتماع بالرئيس الأمريكي في البيت الأبيض حاملا معه رسالة من أبيه. ويصف الكاتب مبارك الابن بأنه: "مسئول كبير ذو ميول (إصلاحية مؤيدة) للولايات المتحدة في حزب أبيه". وكان يحمل الرسالة نفسها التي نقلها بندر وهى: أن صدام يفكر في مغادرة العراق إلى المنفى، ويريد إرسال عائلته وبعض الأموال إلى مصر، وقد طرحت هذه الفكرة لتجنب الحرب من قبل عدة دول مثل مصر والسعودية وتركيا، وسأل جمال مبارك الرئيس بوش عن رأيه في المقترح، فرد عليه بوش بأن الولايات المتحدة لن تضمن حماية صدام حتى لو ذهب إلى المنفى، وقال لجمال: "إذا كنت تريد الحصول منى على ضمانات بأننا لن نفعل له شيئا إذا اختار المنفى فليس عندي هذه الضمانات!". كان يرى صدام إرهابياً، والدولة التي تؤويه عدوة له. وعلى الرغم من ذلك أضاف بوش أمام مبارك الابن في تعبير غامض: "هناك حالات كثيرة في التاريخ تجنبت الدول فيها الحرب بسبب اختيار البعض للمنفى، لسنا جاهلين بهذه الحقيقة". بيد إن كل الوقائع كانت تشير إلى أن خيار الحرب هو الخيار الأول والأخير، وان الدول العربية كانت متحمسة لتقديم الدعم لأبعد حد للغزاة.
ثم قرر تشيني القيام بزيارة للشرق الأوسط لطلب المزيد من الدعم من الدول العربية، وطلب من فرانكس أن يعد له قائمة بالدول المؤيدة لأمريكا، والتي يتعين التنسيق والتباحث مع قادتها، فكانت الكويت والسعودية ومصر وعمان والإمارات واليمن والبحرين وقطر والأردن وإسرائيل وتركيا. فرانكس قدم إلى نائب الرئيس مذكرة سرية بما هو مطلوب من كل دولة، وتنوعت المذكرة بين المشاركة العسكرية الفعلية، وبين السماح بعبور الأجواء، أو تقديم تسهيلات مرور القوات الأمريكية وتوقفها، أو التجسس وتقديم المعلومات السرية، وتعترف المذكرة بأن كل هذه الدول العربية والإسلامية سوف تذرف دموع التماسيح، وتتظاهر بإعلان معارضتها للحرب، لكنها متحمسة جدا للتخلص من صدام مهما كان الثمن، وهي على أتم الاستعداد للوقوف مع أمريكا في خندق واحد، وقد قدم فرانكس ملفاً عن كل زعيم عربي، وكان متفائلا بأن الأردن واليمن ستكونان أول من يمد يد العون. زار تشيني في يوم واحد ثلاث عواصم خليجية من بينها قطر، التي تبرعت بتوفير مركز القيادة ومسرح العمليات. وخلال غداء زوجته ليني تشيني مع زوجة أمير قطر الشيخة موزة سألها: "متى سيبدأ العام الدراسي لديكم هنا في البحرين؟ فردت عليه الشيخة: هذه قطر وليست البحرين!".
في الحادي والعشرين من مارس اجتمع تشيني مع بوش لإطلاعه على نتائج جولته، والتقى الصحفيون مع بوش وتشيني في البيت الأبيض، وسألوا تشيني عما إذا كان قد لمس من الزعماء العرب رغبة في التحرك ضد العراق، فقال : "كنت حريصاً على الاستماع إلى نصيحتهم وآرائهم حتى يمكنني إيصالها للرئيس". وهنا تدخل بوش ليقول: "من المهم جدا لهؤلاء الزعماء أن يفهموا طبيعة هذه الإدارة، عندما نقول شيئا فإننا نعنيه".
ونأتي للدور الخطير الذي كان يمارسه الأمير بندر بن سلطان السفير السعودي لدى واشنطن، والذي كانت بلاده تتظاهر أمام الناس بمعارضة الحرب، فيما كان يقوم هو بدور تحريضي في الكواليس الغامقة لإقناع الدول بالانضمام إلى التحالف الذي تشكله الولايات المتحدة لضرب العراق. ويقول الكاتب: إن دك تشيني استدعى بندر بن سلطان إلى الجناح الغربي في البيت الأبيض، وبحضور وزير الدفاع دونالد رمسفيلد، ورئيس هيئة الأركان الجنرال ريتشارد مايرز، وأخبره بنية الولايات المتحدة خلع صدام، وبأن القوات الأميركية ستحتاج إلى استخدام الأراضي السعودية في حربها، وكان هذا هو الطلب الرئيسي، ومن أجله عرض الجنرال مايرز خارطة سرية أمام الأمير بندر من سلطان تشرح فكرة ومخطط العمليات العسكرية لغزو العراق، وكانت الخارطة موسومة بثلاث كلمات، "سري للغاية: نو فورن"، وتعني "نو فورن" غير المسموح بعرضها على الأجانب "كل من هو غير أمريكي"، وقال مايرز لبندر: إن الحملة ستبدأ بقصف جوي مركز يستمر عدة أيام فقط، لكنه سيكون قصفاً جوياً هائلاً، وأكثر عنفا من ذي قبل بثلاث أو أربع مرات.
عندئذ طلب بندر بن سلطان أن يأخذ نسخة من الخريطة كي يريها للأمير عبد الله، حتى يقنعه بجدية الأميركيين هذه المرة بخلع صدام، لكن الثلاثي تشيني، ورمسفيلد، ومايرز رفضوا، وقالوا له إن بمقدوره أن يطمئن على عزم أمريكا، ونيتها الصادقة في إعلان الحرب على العراق، وأنها مصرة على تحقيق هذا الهدف، وبذل كل مرتخص وغال في سبيل ذلك ويستطيع الأمير بندر نقل هذا الإصرار الصلب إلى ولي العهد، وأن الأمير بندر كان حريصا على التأكد من جدية الولايات المتحدة هذه المرة، وأنها لن تترك صدام في مكانه كما حدث بعد حرب عام 1991، وكانت لدى الأمير بندر رغبة جامحة للانتقام من صدام، فرد عليه تشيني مؤكداً أن صدام سينتهي أمره بمجرد انطلاق الشرارة الأولى للحرب. أدرك الأمير بندر ما مهمة السعودية وطلب من الحضور ترتيب اجتماع مع الرئيس بوش ليحمل الطلبات منه إلى ولى العهد السعودي الأمير عبد الله. وقد رتبت كوندليزا رايس الاجتماع في اليوم التالي، وكان بوش غير سعيد من محاولات الأراجوزات الثلاثة؛ فرنسا وألمانيا وروسيا تمديد مهمة هانز بليكس وفرق التفتيش، وخفف بندر من قلقه قائلاً: "هؤلاء الناس لا يضرون ولا ينفعون - يقصد الدول الثلاث- إنهم يحاولون لعب دور أكبر من حجمهم" لكن الكلمة الأخيرة للأمريكان!
حددت الإدارة الأمريكية ساعة الصفر يوم الجمعة 21 مارس، لكنها قررت فجأة تقديم الموعد المقرر يوما واحدا، بناءا على معلومات عاجلة أرسلها فريق روك ستار المخابراتي المكلف بالتجسس على العراق، تفيد بوجود صدام وأولاده في إحدى المزارع، وتمكن الفريق من رصد تحركاتهم، من خلال اعتماده على عناصر عراقية وغير عراقية مجندة لهذا الغرض ومقربة من الدائرة الضيقة لصدام. وهكذا جاء القرار الأمريكي الاستباقي بضرب صدام قبل مغادرته المزرعة. وكان من المهم إعلام الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة بهذا التحول المفاجئ، من ثم اتصل جورج بوش بالمفوض البريطاني، وطلب منه إبلاغ توني بلير، وطلب من كوندليزا رايس إعلام السفير السعودي بندر بن سلطان والإسرائيليين. وحين اتصلت رايس بوزير المالية الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال لها: إنه على علم بآخر التطورات (أي بالقرار الجديد للحرب)، وتمنى لهم حظا طيبا. وهكذا اتصلت كوندليزا رايس ببندر بن سلطان، وطلبت منه التوجه إلى البيت الأبيض للقائها في السابعة و45 دقيقة مساء بتوقيت واشنطن. فأشار إليها بندر بأن زياراته للبيت الأبيض بعد أوقات الدوام الرسمي (السادسة والنصف مساء) أصبحت تثير الشكوك، خاصة أن كثيرين أصبحوا ينظرون إلى تلك الزيارات المتأخرة على أنها لقاءات مع الرئيس نفسه.
لكن رايس قالت له إن الأمر عاجل، ولما وصل بندر إلى البيت الأبيض استقبلته كوندليزا رايس في الثامنة و25 دقيقة، وفوجئ بمصور فوتوغرافي يعمل لصالحها يلتقط صور المصافحة. ولما سألها ما العاجل؟، قالت له: "إن الرئيس طلب مني إخبارك"، فأكمل بندر: "مرحى، دقت طبول الحرب". وكاد يبكي من الفرح، وأردف قائلاً: "إنني أقابلك يا عزيزتي كوندي في هذا المكتب منذ عامين ولم يكن هناك أي مصور، كما أن انتهاء فترة الإنذار لصدام حسين وأولاده يعني أنها الحرب". وسألها عما إذا كان هناك أي أجنبي غيره يعرف بالحرب، فقالت: "لا، لكن الإسرائيليين أصبحوا الآن يعلمون بها"، ثم أضاف أن الصورة التي أخذها المصور ستكون تاريخية، لأنها تؤرخ بأنه الأجنبي الأول الذي علم بالحرب مباشرة، وليس عن طريق الهاتف. قالت له: ستفتح أبواب الجحيم في التاسعة مساء، وأصر صديقك، الرئيس، أن تعلم بالأمر مباشرة، فعقب بندر وهو يضحك: "قولي له إنني في المرة القادمة التي سأراه إذا اندلعت الحرب سأكون حليقاً"، فقالت رايس من جديد: "لا تتعجل، فلا أحد يعرف ماذا سيحدث في الدقائق القادمة، وكيف سيتغير العالم للأفضل أم الأسوأ".
سأل بندر: "ولكن أين الرئيس الآن؟" أجابت رايس: "إنه يتناول عشاءه الآن مع زوجته، وبعدها طلب أن يكون وحيداً". فقال لها بندر: "قولي له سيكون في دعواتنا وقلوبنا، فليكن الله معنا جميعاً". وفي الثامنة والنصف اتصل الرئيس مع رايس أثناء وجود بندر، وسألها عنه فأجابت بأنه ما زال معها وأنها أخبرته، وأنه طلب منها أن يقول للرئيس بأنه في صلواتهم. ثم أقفلت التلفون قائلة لبندر: "إنه يشكرك، ويقول تابعوا الصلاة ولا تنسونا بصالح الدعاء!" بعدها خرج بندر من اجتماعه القصير مع رايس، واتصل لتوه بالأمير عبد الله يخبره بقرب اندلاع الحرب في أي وقت الآن برموز وعبارات متفق عليها، فكانت كلمة السر التي قالها للأمير عبد الله على الهاتف: "أخبار الطقس تقول إنها ستمطر بشدة في الروضة هذه الليلة"، والروضة ضاحية من ضواحي مدينة الرياض. فقال له الأمير: "هل أنت متأكد؟" فأجاب بندر: "نعم متأكد جداً، وأرجو أن تتابع التلفاز الليلة". وكنا نتابع التلفاز في كل أوقات النهار والليل وهي تمطر بغزارة فوق ليبيا!