قَدَمَ لهذه الحلقة خير الدين حسيب رئيس مجلس أمناء ورئيس اللجنة التنفيذية لمركز دراسات الوحدة العربية، حيث قال إن هذه الحلقة حول "ليبيا... آفاق وتحديات التحول الديمقراطي"، هي ضمن سلسلة من حلقات نقاشية نظمها المركز حول مصر المغرب وسورية. سيقدم الورقة د. يوسف الصواني أستاذ العلوم السياسية في جامعة طرابلس وسبق للمركز أن نشر أطروحته للدكتوراه التي أعدّها عن القومية العربية والوحدة في الفكر السياسي العربي، وكان قد عمل مديرا للدراسات فيما كان يُسمى المركز العالمي للكتاب الأخضر، ثم كان مدير لما عُرف بمؤسسة القذافي للأعمال الخيرية! واستقال منها عند اندلاع ثورة 17 فبراير. وسيعقب عليه د. مصطفى التير، وهو أستاذ علم الاجتماع في أكاديمية الدراسات العليا بطرابلس الغرب. وبداية لا بد من الإشارة إلى أن ورقة العمل والتعقيب والمناقشات نشرتها مجلة "المستقبل العربي" التي يصدرها مركز دراسات الوحدة العربية في عددها رقم (395) الصادر بتاريخ يناير 2012 السنة الرابعة والثلاثون. غير أن المجلة لم تُشر على مكان انعقاد حلقة النقاش ولا إلى تاريخ انعقادها، وإن كان بالإطلاع على الهوامش يتبين أن الحلقة عقدت بعد شهر أكتوبر 2011، وأن أغلب الظن أنها عقدت ببيروت.
أياً ما يكون من أمر فإنه بعد إطلاعنا على ورقة العمل المشار إليها، وعلى التعقيب، وعلى المناقشات تَبَدَتْ لنا عدة ملاحظات ارتأينا أن نوجزها في النقاط التالية: ـ
أولا:- عنوان الحلقة
فيما تٌسمى المجلة على غلافها وفي فهرس المحتويات الحلقة باسم "ليبيا... آفاق وتحديات التحول الديمقراطي "، نجد أن مقدم الورق قد أختار لها تسمية أخرى وهي:ـ "ليبيا بعد القذافي":
الديناميات المتفاعلة والمستقبل السياسي. «هل كان الربيع العربي متوقعا؟»
ثانيا:ـ المقدمة
يقول مقدم الورقة في مقدمة ورقته:ـ "بداية أحب أن أشير إلى أن ما حدث في ليبيا لم يكن متوقعا بجميع المقاييس"!! غير إنه بعد هذا الحُكم المُطلق لا يلبث أن يعود إلى جادة الصواب بعد بضعة أسطر حيث يقول: ـ"إن ما بدا كأنه مفاجأة في حقيقة الأمر يعكس مسيرة العشر سنوات الأخيرة بالذات التي شهدت في تقديري نمو الحاجز الذي فصل المجتمع عن الدولة"! ثم يعود مرة أخرى إلى القول: ـ"ما حدث في ليبيا منذ 17 شباط / فبراير حتى يومنا هذا لم يكن متوقعا"! هكذا يضع مُقدم الورقة القارئ في حَيْرَة مصدرها هذا التخبط الذي وقع فيه مقدم الورقة بين ما إذا كان متوقعا ما حدث في ليبيا أم غير متوقع؟ وهذا التردد ناشئ في أغلب الظن عن كون مُقدم الورقة يخشى أن يُحشر في دائرة نظرية المؤامرة، رُغم أنه يقول في مقدمته هذه: ـ "إن ليبيا تشهد زخما إن لم نقل تدافعا من قوى دولية مختلفة تحرص منذ انطلاقة ثورة شباط / فبراير على لعب دور في تشكيل الصورة الحالية والتحكم في ديناميات المتصارعين، وفي تحديد شكل المجتمع السياسي أو الدولة القادمة في ليبيا".
فهو يُقر بوجود عامل دِوَلي في المشهد الليبي، غير أنه يرى أن هذا العامل الدِوَلي لم يَكنْ سابقا للثورة إنما لاحقا لها! على أية حال نحن لا ندري بالنسبة لمن لم يكن متوقعا ما حدث في ليبيا؟
هل هو بالنسبة لليبيين؟ أم للغرب الأطلسي وعلى رأسه الولايات المتحدة؟، أم بالنسبة لروسيا والصين؟ أم بالنسبة للعرب؟ أم بالنسبة للقذافي ونظامه؟ الأقوم قيلا، أن الأمر لم يكن متوقعا حقا بالنسبة لقسم الدراسات بمركز دراسات الكتاب الأخضر، الذي كان مقدم الورقة مديرا له. اسمع إلى مداخلة أ / أنيس النقاش منسق شبكة الأمان للبحوث والدراسات الإستراتيجية - لبنان، في حلقة النقاش إذ يقول:-
"في هذا العالم المتشابك لا يمكن لنا أن نتحدث عن حراك شعبي محض، يتصف بالإرادة الحرة والأهداف السليمة والواضحة، خاصة أن الإعلام العربي كان هو صاحب اليد الطولى في إطلاق الصفات والتغني بعفوية الحراك، وبأنه حراك لا رأس له، ولا محرك له، ولا حزب يقوده ولا قائد له، ولا برامج عمل ولا أُطر، بل إن شبابا لا يعرفون بعضهم البعض، ولا تربطهم فيما بينهم إلا شبكات التواصل الاجتماعي قد تحركوا عفويا وأدى حراكهم هذا إلى ماشاهدناه.
«هل ثمة بُعْد دِوَلي وراء الربيع العربي؟»
ويستطرد الأستاذ النقاش قائلا:-
«ولذلك أميل إلى إطلاق تسمية الحراك العربي المرقط على هذا الحراك – بدل الربيع العربي -، لما فيه من ألوان وتشابكات وتداخلات، يلعب فيها العفوي وشبكات التواصل الاجتماعي والشباب غير المؤطر دورا أساسياً، بقدر ما تلعب فيه أجهزة الإعلام الموجّه والهادف، وبرامج الدبلوماسية المباشرة التي وضعتها الولايات المتحدة في صلب استراتيجيات سياستها الخارجية. وإذا علمنا علم اليقين بسبب ما نشر وما تُبُنّي من البيت الأبيض لما سُمّي إستراتيجية التغيير في العالم العربي والإسلامي كأساس لمنظومة الأمن القومي الأمريكي التي قسمت إلى ثلاثة أقسام وهدفت إلى التعامل مع العالم العربي ولخّصت بالعناوين الثلاثة التالية:-
1 – الأمن والسيطرة.
2 – التغيير في النظم والمجتمعات.
3 – السلام مع إسرائيل.
وهكذا نرى شبها كبيرا ولو بأجزاء كبيرة مما يحدث أمام أعيننا، وقد يحدث في المستقبل. لذلك أرى أن تسمية الحراك العربي المرقط هي المدخل الأسلم إلى تحديد منهجية حذرة في التحليل، تسعى إلى فرز الألوان، والفصل بين ما هو موضوعي وطبيعي وشرعي في الحراك العربي، وما هو برامج وأهداف خارجية مموّلة ومرسومة وهادفة إلى أشياء لا مصلحة لشعوبنا بها، وليست وليدة تفكيرها العميق والمدروس".
ويستمر الأستاذ النقاش قائلا:-
"والدليل على أن ما نقوله فيه الكثير من الموضوعية والواقعية هو أن إستراتيجية التغيير التي تم تبنيها كبرنامج للأمن القومي الأمريكي والتي قدمت للبيت الأبيض الأمريكي عام 2005 ووُضعت له البرامج التنفيذية والعملية ورُصدت لها الميزانيات ليست سرية، ولا هي خافية على المتتبعين، ولا الولايات المتحدة تخفيها أو تخجل من الحديث عنها.
وبحسب وثائق (ويكليكس) فإن الولايات المتحدة قد أنفقت خلال ثلاث سنوات، وفي أواخر عهد الرئيس مبارك مائة وسبعون مليون دولار على هذه الإستراتيجية الناعمة الهادفة للتغيير، ولم تكتف بذلك، بل أعلنت السفيرة الأمريكية في القاهرة، وبعد سقوط رأس النظام أنها أنفقت أربعين مليون دولار على منظمات وأحزاب غير حكومية خلال شهرين فقط من بعد سقوط رأس النظام. وقد أعلنت الحكومة المصرية أن مجموع ما تلقته بعض الأحزاب والمنظمات غير الحكومية بعد سقوط النظام بلغ مليار جنيه مصري تقريبا ".
«رد مُقَدم الورقة عل د. النقاش»
وعندما انبرى مقدم الورقة "د يوسف الصواني" للرد قال:-
"أنا لا أمتلك الحقيقة المقدسة أو المطلقة. ما جرى وما يجري في ليبيا خالف الكثير من التوقعات، هذا ما يُجمع عليه غالبية الناس، لكنه جرى وفق سيناريوهات رأى الكثيرون أنها رُسمت منذ زمن.
في هذا السياق أحب أن أعلق على ما قاله أ. أنيس النقاش.
لا خلاف على أن هناك مجالا للبعد الخارجي والإستراتيجيات الكونية في كل ما يجري في المنطقة العربية، سواء من ربيع عربي أو من خريف، دائما هناك بعد خارجي له علاقة بالإستراتيجيات الكونية الكبرى والتنافس، إن لم نقل الصراع بينها، فهو يأخذ أشكالاً كثيرة. من حسن أو من سوء حظ المنطقة العربية أنها تبرز بشكل واضح في هذه الإستراتيجيات لأسباب مختلفة. لكن في الوقت الذي أشعر فيه بأهمية هذه المسألة، وأؤكد المسألة المنهجية التي بدأ بها أ. أنيس وموضوعية وشرعية التساؤل، أحب أن أستخدم نفس السؤال ونفس المنهجية في محاولة النظر إلى السياقات العربية العامة والسياقات القطرية والمحلية. هل يعني هذا أن كل مصائرنا مازالت في يد الخارج؟ إلى أيّ مدى يمكن أن نحدد هذا؟ ثمّ هل يمكن القول أن ما شاهدناه من حراك شعبي هو حراك أصيل أم له صلة ببواعث ذات صلة بإستراتيجيات كونية أم لا؟ وربما وكلاؤها المحليون أو الإقليميون؟".
هكذا يُسَلم الدكتور الصواني بصحة وجهة نظر الأستاذ أنيس النقاش، حتى وإن كان قد اختتم رده بالتساؤل عما إذ كانت كل مصائرنا ما زالت في يد الخارج؟. وكأني بالدكتور الصواني يغمز من بعيد إلى نظرية المؤامرة في محاولة لتفسير ما قاله الأستاذ النقاش وفق نظرية المؤامرة!.
وفي تقديرنا أن القول بعكس ما قاله الدكتور النقاش هو الذي يفسر حقا بأنه ينتمي إلى نظرية المؤامرة.
«ما قاله د. النقاش سبق أن ورد في مقالنا أشواك الربيع العربي» وعلى أية حال فإننا نحسب أننا قد سبقنا الأستاذ النقاش بزمن طويل في القول بأن الربيع العربي يرتبط بإستراتيجيات كونية من جهة، والقول بضرورة الأخذ بمنهجية محددة للتحليل لكي يتأتى لنا التمحيص الصحيح لمعطيات الحراك العربي، والفرز بين ما هو موضوعي وشرعي وعربي، وما هو برامج وأهداف خارجية.
حيث ورد في مقال لنا بعنوان "أشواك الربيع العربي " نشرته صحيفة الحقيقة في العدد رقم (1) الصادر بتاريخ 11 يوليو 2011، ونشرته فيما بعد مجلة الكلمة اللندنية، وموقع إفريقيا اليوم،
ومواقع الكترونية أخرى.
ما يلي:-
«إن الحروب التي خاضتها قوات الرئيس بوش الصغير في أفغانستان والعراق، والحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان نيابة عن الولايات المتحدة، باءت كلها بالفشل الذريع، ما أدى في نهاية المطاف على إقصاء الحزب الجمهوري عن السلطة، ووصول (أوباما) إلى البيت الأبيض وفق برنامج مؤداه الانسحاب من العراق وأفغانستان، لكن دون تغيير في إستراتيجية العداء للإسلام المتطرف، وإن كان ثمة تعديل جوهري طرأ على (التكتيك)، بحيث يصار إلى التخلي عن فكرة التدخل المباشر في محاربة الجماعات الإسلامية المتطرفة، حيث أن الفشل الذي مُنِيَتْ به الولايات المتحدة في الحروب سالفة الذكر بَيَّنَ لصناع السياسة الخارجية الأمريكية، أن تفريخ الإسلاميين المتطرفين لا يتم في البيئات الفقيرة فحسب، بل إن أغلب مُقاتلي القاعدة لاسيما في العراق كانوا قادمين من دول ثرية قمعية، يدفعهم الإحباط الناشئ عن سياسات دولهم إلى البحث عن محرج استشهادي (انتحاري) في محاولة لإعطاء معنى لحياتهم التي يغمرها اليأس والخواء ويسودها العسف والقمع، الذي يَحُول دون مشاركتهم في الحياة السياسية في بلدانهم.
لما كان ذلك، وكانت عملية نشر المبادئ الديمقراطية وفق سياسة (الفوضى البناءة المفروضة من الخارج) قد أخفقت في تحقيق أهدافها في العراق وأفغانستان.
«الفوضى البناءة من الداخل»
لذا تمت الاستعاضة عنها بسياسة (الفوضى البناءة من الداخل)!، التي يفترض فيها أن تسمح في نهاية المطاف بإعطاء شعوب المنطقة جرعة محدودة من الديمقراطية يتأتى وفقا لها للتنظيمات الإسلامية غير المتطرفة، تلك التي على شاكلة (حزب العدالة والتنمية التركي)، وهو النمط السياسي الإسلامي المقبول لدى الغرب من الوصول إلى السلطة بشكل جزئي لا يقل عن 40% من عدد مقاعد البرلمان، شريطة قبولها بقواعد اللعبة الديمقراطية من التعددية الحزبية إلى التداول السلمي للسلطة وإمكانية الائتلاف مع الأحزاب الليبرالية إن لم يكن حتى الأحزاب العلمانية! وذلك للحد من تنامي أعداد المنضمين للحركات الإسلامية المتطرفة، لاسيما تنظيم القاعدة بطبيعة الحال.
«الثورة في الوطن العربي كانت تنتظر الشرارة فقط»
إن ما نود قوله هو أن معطيات وأسباب قيام ثورات الربيع العربي لم تكن متوفرة فحسب، بل أن المجتمعات العربية كانت جاهزة للانفجار، إلى حد أن صفعة شُرطية تونسية على وجه (محمد بوعزيزي) كانت كفيلة بإشعال فتيل الثورة في المنطقة برمتها. كما لا يفوتنا هنا أن نؤكد على أن الأجهزة الأمنية، على كثرتها في الدول العربية، لم تكن تحسب أي حساب لهذه الثورات رُغم وضوح ملامحها كالشمس في رابعة النهار. غير أن القول بأن الأجهزة الغربية قد فوجئت هي الأخرى بتلك الثورات، هو في حقيقة الحال قول يحتاج إلى جهد مُضني للقبول به، وأقصى ما يُمكن القبول به هو أن تكون تلك الأجهزة الغربية قد فاجآها التوقيت ليس أكثر.
وبعد أن اندلعت ثورات الربيع العربي تعاملت الأجهزة الغربية مع كل ثورة بطريقة، فتعاملها مع الثورة التونسية بطريقة ومع الثورة المصرية بطريقة أخرى ومع الثورة الليبية بطريقة ثالثة ومع الثورة اليمنية بطريقة رابعة ومع الثورة السورية بطريقة خامسة. وعلى سبيل المثال فإن مرور ثورتا مصر وتونس بأقل الأضرار مَرَدَهُ إلى أن أيّ تدمير للبنية التحتية في البلدين، كانت ستقع إعادة بناءها على عاتق الدول الغربية هذا من جهة، ومن جهة أخرى لو قامت حرب في إحدى الدولتين كانت ستؤدى إلى لجوء أعداد كبيرة من مواطني تونس ومصر إلى جنوب أوروبا، وتلك في حد ذاتها معضلة كئود بالنسبة لدول أوروبا.
«الثورة الليبية أسقطت القذافي منذ يوم 20 فبراير!»
أما في الحالة الليبية فأنني دون شطط أقول أن أغلب الظن أن ثورة 17 فبراير كانت قد نجحت تماما في إسقاط النظام من أقصى شرق ليبيا إلى أقصى غربها، بما في ذلك العاصمة التي شاهدنا بأعيننا يوم 20 فبراير خروج جماهيرها في ميدان الشهداء وهي تحرق مبنى وزارة الداخلية، وفي باب العزيزية وهي تحرق مؤتمر الشعب العام. غير أن الغرب أراد إيقاف تقدم الثورة وقام بمساندة نظام القذافي تأجيلا لموعد انهيار نظام الطاغية القذافي لغاية في نفس يعقوب، مع الأخذ في الاعتبار الملاحظات التالية:-
1 – أن الغرب عجل برحيل (بن علي) من تونس، وبتنحي (مبارك) في مصر، لعلمه أن موعد الثورة الليبية قد كان محددا مُسبقاً بتاريخ 17 فبراير، والغرب يُدرك تماما أنه لو اندلعت الثورة الليبية قبل الثورة المصرية لكان الجيش المصري قد أكتسح ليبيا بكاملها وأجهض الثورة في الحال.
«الغرب يورط القذافي!»
2 – رغبة من الغرب في توريط نظام الطاغية القذافي في تحويل الثورة من ثورة سلمية إلى ثورة مسلحة، فقد سَرَبَ إلى نظام القذافي بأن ما يحدث في ليبيا ليس مماثلا لما حدث في تونس ومصر، حيث يعاني الشعبان المصري و التونسي من الفقر والفاقـة والبطالة ومن العسف والقهر. كما أكد الغرب لنظام القذافي أن ما يجري في ليبيا لا يعدو كونه عبث صبيان يقلدون شباب مصر وتونس، وإن ما يبديه أولئك الشباب من شجاعة متناهية في تصديهم للرصـاص بصدور عارية، ما هو إلا حالة غياب عن الوعي تحت تأثير أقراص مُخَدِرَة!!.
3 – أكد الغرب لنظام الطاغية القذافي أن الحالة الليبية لابد من أن تحسم بقوة السلاح منذ البدء، حيث لا مجال لاستعمال القنابل المُسيلة للدموع، ولا هراوات الشرطة، ولا خراطيم المياه الفائرة، ولا سنابك الخيل، و لا حتى للرصاص المطاطي. بل ينبغي استعمال أسلحة فتاكة، حتى وإن أستدعى الأمر استعمال أسلحة ثقيلة. طُعْم أبتلعه القذافي صاحب الشهية المتعطشة للقتل والدم كحوت قرش، وأعتبر القذافي ما تقدم ضوءً أحضراً من دول الغرب لسحق ثورة 17 فبراير.
«أهداف أمريكا من التدخل في المشهد الليبي»
4 – كان الغرب يهدف من وراء ذلك إلى خلق مبرر للتدخل في الحالة الليبية لكي يحقق ما يلي:-
أ – تدمير قوات كتائب القذافي تدميرا كاملا، باستخدام أسلحة متطورة، في استعراض للعضلات فيما يشبه بازاراً للسلاح لمن يريد الشراء، كما أن التدمير العنيف للبنية التحتية الليبية يتضمن إنذاراً بيّناً ليس فقط لسوريا وإيران بل لروسيا والصين أيضا.
«لماذا طلبت روسيا والصين وقف إطلاق النار في ليبيا؟ فيما امتنعتا عن التصويت في مجلس الأمن» وقد فهمت كل من روسيا والصين الرسالة واستشعرتا خطأهن عندما امتنعتا عن التصويت في مجلس الأمن ضد القرار رقم 1973 القاضي بفرض حظر جوي على ليبيا. حيث سارعتا بعد يومين فقط من بدء القتال في ليبيا إلى طلب وقف إطلاق النار عاجلا، لاسيما بعد أن شاهدتا الأسلحة الأمريكية المستخدمة، وبالذات الطائرات الأمريكية من طراز (P21) وقنابلها الذكية، لقد كانت طائرات إستراتيجية فائقة الجودة، وقنابلها ذات قوة تدميرية خارقة للعادة. وهو الأمر الذي ارتعدت له فرائص روسيا والصين، وعلمتا إن مثل تلك الأسلحة ليست معدة لجيش مثل جيش القذافي الذي تمكن (حسين هبري) ذات يوم من هزيمته بميليشيا رديئة التدريب، قصارى جهدها التسليحي مدافع رشاشة منصوبة على سيارات صحراوية رباعية الدفع. بل أن طيارة (P21) وقنابلها الذكية وغيرها من الأسلحة فائقة التعقيد والجودة، هي أسلحة معدة لدول بحجم وقوة الصين وروسيا وربما إيران وكوريا الشمالية.
«لماذا انسحبت الولايات المتحدة إلىBACK SEAT؟»
ب – غني عن القول أن الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي جميعها كانت قد خفضت ميزانياتها نظرا للأزمة الاقتصادية العالمية، وبالطبع خُفِضَتْ مخصصات الدفاع في ميزانيات تلك الدول، وهو الأمر الذي أثقل كاهل الميزانية الأمريكية في تمويل استحقاقات حلف شمال الأطلسي. لذلك لم تلبث الولايات المتحدة بعد أسبوع واحد من اندلاع الحرب في ليبيا أن انسحبت وفق التسمية الأمريكية إلى المقعد الخلفي - (BACK SEAT) -، حيث سحبت طياراتها وسلمت الأمر لحلف شمال الأطلسي، الذي أبدى ارتباكا بيّنا في إدارة دفة الحرب، وكان ذلك مقصدا أمريكيا لكي تُبَيِّنْ للأوربيين أن الحلف المُعَدْ لمواجهة روسيا والصين لم يعد قادرا حتى على مواجهة كتائب القذافي رديئة السلاح والتدريب و الكفآة. وأمام هذا العجز الظاهر سارعت قيادة الحلف إلى استجداء الولايات المتحدة لأن تعود إلى الساحة، فعادت وأرسلت إلى الجبهة طيارات بدون طيار حيث تحسن موقف قوات الحلف. وفهمت دول الحلف الرسالة الأمريكية.
ج – إن تدمير الأسلحة الليبية سيُشْرِعْ الأبواب أمام شركات تصنيع السلاح في الغرب لاسيما الولايات المتحدة‘ لتوقيع عقود لتزويد الجيش الوطني الليبي بالسلاح. وذلك أمر تنفرج له أسارير شركات تصنيع السلاح الأوروبية والأمريكية. كما أن تدمير البنية التحتية سيتيح الفرصة للشركات الغربية للانخراط في مناقصات إعادة بناء تلك البنية. يضاف إلى ما تقدم امتيازات الاستكشاف النفطي التي ستستحوذ عليها شركات النفط الأوروبية والأمريكية، وستخرج الصين وروسيا من المولد بلا حمص. كل هذه الأمور الثلاثة تساعد الغرب على تجاوز محنته الاقتصادية الخانقة. ناهيكم عن أن فاتورة تكاليف الحرب ستدفعها ليبيا بالطبع، ويكفي أن نُشير الآن إلى فواتير علاج الجرحى التي استفادت منها ايطاليا،المانيا،اليونان،فرنسا،اسبانيا، تركيا، مالطا والسويد. بالإضافة إلى تونس، مصر و الأردن.
«انتهى ما جاء في مقالنا المشار إليه»
«د. نعمان هو الآخر يشير إلى البعد الدِوَلي»
ليس الدكتور أنيس النقاش وحده من تطرق إلى الجانب الدولي في أحداث الربيع العربي، فأسمع إلى الأستاذ عصام نعمان وهو كاتب ومحامي لبناني، في نقطة النقاش التي طرحها على الدكتور يوسف الصواني خلال حلقة النقاش إذ يقول:- «- من الأرجح أن يتوصل المُخاض الدائر بالمشهد الليبي إلى أن يتبلور حدثان:- الأول، صعود الأخوان المسلمين وحلفائهم إلى درجة تصبح لهم معها اليد العليا في البلاد. الثاني، يترافق مع الحدث الأول ويقوم نتيجةً لالتقائهما وهو نظام جديد قوامه توافق سياسة الغرب الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة مع التحالف الإسلامي الصاعد على التعاون عبر النظام السياسي الوليد.
- يبدو أن التوافق المنتظر بين الغرب الأطلسي والتحالف الإسلامي المرشح لحكم ليبيا سيكون جزءاً من توافق عريض وشامل بين الغرب الأطلسي والإخوان المسلمين على مستوى المنطقة كلها، لاسيما مصر.
- لن يهتم الغرب الأطلسي، ولا الولايات المتحدة خاصةً،بشكل النظام السياسي الجديد ولا بمضمونه الأيديولوجي والسياسي. لا يهم أن تكون الدولة مدنية أو ديمقراطية أو معتمدة على الشريعة كليا أو كمصدر رئيسي للتشريع، بل المهم بالنسبة إلى الغرب والولايات المتحدة هو قيام نظام سياسي متعاون معهما، يكرّس المنحى السياسي المستجد وهو هذا التعاون المتّجه إلى أن يُصبح تحالفاً بين الإسلام السياسي، الأخوان المسلمين تحديداً، والولايات المتحدة الأمريكية على مستوى المنطقة كلها.)).
«المناقشون وفقوا أكثر من مقدم الورقة والمُعقب!!»
وعودا على بدء، فإننا نقول أن كل من الأستاذين أنيس النقاش وعصام نعمان قد وفقا أيما توفيق في توضيح الجانب الدوَلي قبل وبعد اندلاع ثورات الربيع العربي، بناء على استدلال سائغ واستخلاص منطقي، وهو لعمري توفيق يستحق الإشادة به والثناء عليه، لاسيما وأن مقدم الورقة الدكتور يوسف الصواني صمت عليه، فيما غفل عنه المُعقب عليه الدكتور مصطفى التير. رُغم أن الجانب الدِوَلي مهم في ثورات الربيع العربي، كما أنه أكثر أهمية في الحالة الليبية، لأنها حالة مميزة عن حالات ثورات الربيع العربي الأخرى، وكان حري ألا يَفُوتْ ذلك على فطنة مقدم الورقة ولا عن نباهة المعقب لاسيما وأن أثنينهما ليبيان!.
«أخطاء الدكتور النقّاش»
غير أنه لا يفوتنا هنا القول بأن الدكتور النقاش وقع في عدة أخطاء ما كنا نحسب أن مثله قد يقع فيها، فها هو يقول:- «إن مجموع القتلى الليبيين قبل أن يدخل الأطلسي الحرب في ليبيا، لم يتعدى في كل مدن ليبيا المائتين قتيل!!!»، وهو قول لا يجافي الحقيقة فحسب بل هو رقم أقل عشرات المرات من العدد الحقيقي للشهداء الذين قتلوا برصاص كتائب القذافي التي لم توفر نوعا من الأسلحة لم تستخدمه ضد الشباب الليبي الأعزل. إن عدد الشهداء الذين استشهدوا قبل تحل خلف شمال الأطلسي لا يقل عن الألفين شهيد بأيّ حال من الأحوال. إنه التاريخ يا دكتور! بل أن عدد الشهداء في مدينة بنغازي يوم 19 مارس 2011 وقبل تدخل حلف الأطلسي بساعات الذين استشهدوا ذلك اليوم مائة وثلاثة وتسعون شهيدا ناهيكم عن الجرحى. هذه المعلومات يا سيدي معلومات مصدرها ليس الإعلام كما أنه لم تتضمنها بيانات صادرة عن الأمم المتحدة. هذه معلومات مصدرها شهود عيان رأوا مرأى العين. قد يكون الإعلام ساهم بدور فاعل في تأجيج أوار الثورة، وقد يكون من المفيد دراسة دوره في ثورات الربيع العربي، غير أن تكذيب كل ما جاء به الإعلام أمر فيه تجنيّ كبير على الحقيقة وتشويه لحقائق تاريخية تستوجب الأمانة العلمية توخي الدقة بشأنها. وعلى العكس من ذلك يمكننا القول وبكل ثقة أن عدد ضحايا غارات الأطلسي هو الذي قد يكون لا يتعدى المائتين قتيل، فقد يكون الأمر التبس على الدكتور النقاش ووضع الأرقام في غير موضعها الصحيح!
«نعم يا دكتور لقد شارك طيران القذافي في قمع ثورة 17 فبراير»
ثُمّ يعود الأستاذ النقاش مرة أخرى وفي معرض حديثه عن الدور الذي وصفه بالمشبوه للإعلام في المشهد الليبي، ويقع في خطأ أسوأ من سابقه، إذ يقول الأستاذ النقاش:- «لقد بدأ التدخل الأطلسي في ليبيا عندما أعطت جامعة الدول العربية الضوء الأخضر لهذا التدخل، والذي تبين أنه جاء بعد معلومات كاذبة، رددتها وسائل الإعلام العربية كما العالمية، عن سابق معرفه بزيفها، بأن الطيران الليبي قد بدأ بقصف المدنيين، ورُغم أن هذه المعلومة أصبحت من الأمور الثانوية بعد كل التطورات التي حصلت إلا أنها تبقى علامة قوية للتلاعب الدولي عن طريق المعلومات الكاذبة وتضخيم الحديث عن مجازر، في حين أن التدخل الخارجي يؤدي إلى مجازر أكثر.» وقول الأستاذ النقاش هذا، شأنه شأن قوله السابق لا سند لهما من الواقع ولا من الوثائق على الإطلاق وليس ثمة ما يدعمه البتة، ولما كان ذلك وكان ما ذكره الأستاذ النقاش له علاقة بتاريخ ثورة 17 فبراير، فإننا نستغرب أن يصمت مقدم الورقة عن الرد على هذه المغالطة المُشينة.
ونحن هنا نؤكد للأستاذ النقاش استنادا على الوقائع والوثائق وليس رجما بالغيب، حيث ليس ثمة ذرة من الشك في أن القذافي قد استخدم سلاح الطيران العمودي والنفاث في قصف المدنيين قبل تدخل حلف شمال الأطلسي، بل حتى قبل اجتماع الجامعة العربية الذي أحيلت منه القضية الليبية إلى مجلس الأمن! حيث أنه من الثابت يقينا أن الثوار في منطقة رأس الأنوف أسقطوا طيارة حربية نفاثة يقودها ارتزاقي، كما أسقط الثوار بمدفع رشاش (م ط) طيارة في منطقة بنينة، كما قفز طياران من طيارتهما وتركاها تتحطم على رمال صحراء ليبيا، تلك الطيارة التي كانت قد صدرت التعليمات إلى قائديها بقصف مدينة أجدابيا. ولا أظن يا دكتور أن لديك فرصة في أن تجادل حتى محض مجادلة في كون أن طيارتين ميراج من السلاح الجوي الليبي هبطتا في مالطا، وطلب طياراهن اللجوء السياسي هناك، بعد أن رفضا تنفيذ الأوامر الصادرة إليهما بقصف مدينة بنغازي!.
«لماذا لم يرد مُقدم الورقة ولا المُعقب على الدكتور النقاش؟»
مهما يكن من أمر فإن كنت أعجبُ أن يجرؤ كاتب بحجم الأستاذ أنيس النقاش على التشكيك في صحة معلومات صادرة عن الأمم المتحدة أو صادرة عن إعلام عربي ويصفها بالزيف، قبل أن يتأكد من مدى مصداقية المعلومات من عدمها!، فهو يُكذبها لمجرد أنها صادرة عن الأمم المتحدة أو عن قناة الجزيرة التي يشكك الأستاذ النقاش في مصداقيتها، وهذا شأن يخصه في نهاية المطاف. فإن العجب حقا هو عدم قيام مقدم الورقة الدكتور يوسف الصواني ولا المعقب الدكتور التير، بالرد على هذه المغالطات التي نرى أنها تشوه تاريخ ثورة 17فبراير. ونأمل من الأستاذ النقاش أن يعود ويصوب رأيه في هاتين النقطتين لكونهما نقطتان مفصليتان ليس في تاريخ ثورة 17 فبراير فحسب، بل في تاريخ ثورات الربيع العربي بجملتها.
«رأي سطحي للدكتور التير حول المسؤولية عن تغييب الإمام موسى الصدر؟»
بقت نقطة أخيرة نرى أنه لا مندوحة من الإشارة إليها وهي تتعلق بالدكتور التير المعقب على مقدم الورقة، الذي في معرض حديثه عن كيف كان القذافي يٌحاضر في المثقفين العرب وكأنهم طلاب، وأنه لم يكن يطيق أحداً يعارضه، حيث قال الدكتور التير:- «قضية الإمام الصدر، هي أن العقيد لا يحب من يعترض عليه، لذلك دفع الإمام الصدر حياته في ذلك الاعتراض، الذي كان هجوما عنيفا عندما حاول القذافي أن يفسّر بعض الأمور الدينية، فقال له الصدر أنت جاهل في حضور مجموعة»!! وفي الحقيقة إن قول الدكتور التير هذا للأسف تبسيط يرقى إلى مستوى التسطيح، واستدلال غير سائغ إن لم نقل استدلال فاسد كما يقول رجال القضاء، ولنا على قوله هذا تحفظات ثلاثة:-
- إننا نربأ بالإمام الصدر الذي عُرف بأدبه الجم، أن يُقدم عل الرد على القذافي أو على غيره بمثل هذا القول البذيء.
- قد نوافق الدكتور التير على أنه من المعروف أن العقيد القذافي لا يُطيق من يعارضه، ونوافقه أيضا على أنه لن يتورع عن أن يقتله إذا كان من عارضه مواطنا ليبيا. أما أن يقوم العقيد القذافي بقتل رجل بحجم ومكانة الإمام الصدر لمجرد أنه عارضه في رأي ديني، فذلك قول يبسط الأمور حد التفاهة ولا يستقيم مع أيّ منطق.
- أقر الدكتور التير دون سند من الواقع ولا من الوثائق بأن الإمام الصدر قد قتل، وذلك أمر لم يتم إثباته حتى الآن.
«د. القاسم يصف كلام د. التير بعدم العلمية»
وقول الدكتور التير هذا، لم يفوته له الدكتور رياض القاسم المدير العام بالوكالة لمركز دراسات الوحدة العربية، إذ سارع بالرد على الدكتور التير قائلا:- «مسألة أخرى هي من قبيل التوضيح، مسألة الإمام المغيَب، – لاحظ أنه لم يقل الإمام المقتول - الإمام موسى الصدر. هو في الحقيقة ليس كما ورد أنه تجرّأ، وقال كلاما بمجلس القذافي، والقذافي لا يريد من يعترض عليه فأثار حفيظته‘ هذا ليس كلاما علميا، يبرر ما حصل. فالمشهد السياسي الذي كان يتم تشكيله في السبعينيات، هو خارطة أمريكية-غربية للشرق الأوسط؛ وفيه دويلات عربية ضعيفة‘ في منطقة إستراتيجية تتزعمها بالقوة إسرائيل.فتفكيك المنطقة إلى دويلات، وتفتيت الدولة الواحدة إلى تجمعات طائفية متناحرة، تستنفذ قواها، كان برنامجا على طاولة التنفيذ. وكان الإمام موسى الصدر رمز الوحدة الوطنية، وملهم الأجيال في استعادة الحقوق المغتصبة، وكان يرى فيه اللبنانيون، على مختلف انتماءاتهم وطوائفهم، سيد الكلمة الجامعة، لما تجمّع فيه من خُلُق وعلم وكاريزما آسرة. وهو ما شكل خطراً على أيّ مخطط داخلي أو خارجي يرمي إلى الانقسام والفتنة.
وكانت أمريكا في تلك الفترة تُحضّر إلى ما هو اليوم في لبنان وبعض الدول العربية، لذا كان الإمام موسى الصدر، هو صمّام أمان الوحدة الوطنية عقبة في وجه المؤامرة الكبيرة، فكان لابُدّ من التخلص من موسى الصدر أمريكياً وأوروبياً، ومن واكبهم في هذا المشروع من الرؤساء العرب، كي يُفتح الباب للمشروع التخريبي، وقد جاءت الأحداث، في 1975 وما بعدها لتثبت أن ما تأخر في تلك الفترة وأنجز قسم منه، نُفّذ الآن بدءاً من العراق وأفغانستان وليبيا واليمن، وما نشهده الآن من محاولة التدخل الأجنبي، قي سورية وما فيه من وقاحة كبيرة. إذاً مسألة الإمام هي مسألة مرتبطة بخريطة وتشكيلة معينة كانت لأمريكا، وهو بمواقفه الوطنية كان حجر عثرة تجاهها، فكان لابد أن يتخلص منه المتضررون.
السؤال لماذا ليبيا؟ هذا يعني أن ليبيا أو أن القذافي لم يكن بعيداً عمّا كان يرسم للمنطقة، وهذا الذي يفسر لماذا بقى 40 سنة، ولم يستطع أحد أن يهزّ نظام القذافي، لكن الآن انتهى دوره وهذه طريقة أمريكا وأوروبا عندما ينتهي دور فلان من الخدمة يأتون بشخص آخر قادر على الخدمة بشكل أفضل.»
وأنا وإن كنت أوافق الدكتور رياض قاسم في تحليله لتغييب الإمام موسى الصدر، غير أنني لا أشاطره الرأي فيما انتهى إليه من أن الولايات المتحدة قد غيرت القذافي لأنه انتهى دوره وجاءت بشخص آخر قادر على الخدمة بشكل أفضل. وذلك لأن لا أمريكا ولا غير أمريكا تستطيع أن تفرض شخصا ليحل محل القذافي، لأن ذلك وببساطة متناهية شأناً ليبياً محضاً ينعقد الاختصاص فيه حصرا للشعب الليبي الذي فجر ثورة 17 فبراير المجيدة. ودفع ثمن حريته أرواحاً طاهرة ودما زكياً ودموعاً ذات لوعة وعرقاً تصفد من جبين الشباب فوق رمل وتراب ليبيا الغالية. لذا فإن أحداً أياً كان لن يجرؤ على إملاء إرادته على هذا الشعب الأبي، رغم تقديرنا لحسابات الاستحقاقات الدولية والمصالح القارية ولإقليمية التي نتفهمها بحكم كوننا دولة عضو في المجتمع الدِوَلي تتفاعل معه وبه وفيه.
((الله ثم الوطن من وراء القصد))
المرج 23 فبراير 2012