نجيب خداري في إطلاق مشروع "شاعر لأول مرة:"

 الشعر فعل اختراق وتقدم واقتراح جريء 

 

     كل من يعرف الناشرة المبدعة الجميلة  لينة كريدية، لا يملك إلا أن يندهش لشخصيتها الآسرة، ولشغفها العميق بالحياة والشعر، وبكل أشكال الإبداع الإنساني. ولأن الشغف مرضٌ لذيذ مُعْدٍ، فإنّ لينة أفلحت في نقله إلى دار النهضة العربية التي آل إليها أمر تدبيرها بعد نصف قرن من الحضور المتميز في نشر الكتاب الأكاديمي والتربوي. كان من بصمات لينة على تلك الدار إقدامها الجريء، منذ سنة 2006، على مشروع شعري وسيع، احتضن أبرز أسماء الحداثة الشعرية العربية، في تجاربها وحساسياتها وأصواتها المختلفة، من كل أنحاء الوطن العربي. وكان حظ أسماء المغرب الشعرية، من ذلك المشروع، قويا.. ما استحقّ لحظة تكريم للمشروع ولرائدته الأستاذة لينة كريدية أقامها بيت الشعر في المغرب، في المعرض الدولي للكتاب والنشر بالدار البيضاء، سنة 2008، بحضور الشاعر اللبناني الكبير بول شاوول، وعدد من شعراء المغرب ونقاده وكتابه.

     لينة  كريدية التي أطلقت بادرة نشر الشعرية العربية الحديثة، في زمن انحسار قراء الشعر، وتراجع كثير من دور النشر عن تقديم جديده.. لينة فاجأت أصدقاءها، وهم خبيرون بإدمانها الشعر، قراءةَ وتولها، بأن أهدت فضاء السرد العربي روايتين من إبداعها، لقيتا غير قليل من الاحتفاء النقدي والإعلامي، إحداهما بعنوان "خان زاده" تتحدث عن خبايا مجتمع بيروت وعن هموم المثقفات وإحباطهن؛ والثانية بعنوان " نساء يوسف" تسرد سيرة عائلة تعيش في الخليج العربي، وترصد حالات والعزلة والخوف والتزمت لدى شخصياتها.

       ما يجمع بين مشروع لينة ناشرة الشعر، ولينة الروائية، أساساً، الجرأةُ والاقتحام، وإحساس رفيع من الاستمتاع بلذة الكتابة والنشر. فرحها بعملها عميق، وشجاعتها نادرة. والذين يتابعون حضورها النشيط في الفيس بوك، يلمسون حيوية المثقفة التي واكبت الربيع العربي بحماس وتوثُّب قلّ نظيرهما في صفوف كثير من كتابنا ومبدعينا ومثقفينا الذين لاذوا بالصمت والاختفاء في زمن الاشتعال.

     وبعد أن تحقق لمشروع دار النهضة الشعري كثير من ألق الحضور والامتداد؛ كانت الجرأة بمنسوبها العالي، هي ما جعلت الأستاذة لينة تطلق مبادرة جديدة، تمثلت في ما أسمته "شاعر لأول مرة ". وهو مشروع تهدف من ورائه إلى تشجيع أسماء شعرية جديدة جادة بنشر مجاميعها الشعرية الأولى.

     وتقديراً من مديرة دار النهضة العربية، لتجربة بيت الشعر في المغرب، في إغناء المشهد الشعري العربي والإنساني، وبجدية مبادراته عربياً وعالمياً؛ فاتحتنا، قبل سنتين، بأنّها تفضل أن يكون بيتُنا الجهة المحكَّمة والشريكة في هذا المشروع الجديد. وقد رحبنا بالمشروع الجديد، لأنه يلتقي، عميقاً، مع أهداف بيتنا في تكريم الشعر والشاعر. خصوصاً، وأن مشروع إصدارات بيت الشعر في المغرب، الذي ميّز عهدنا الجديد، والذي فاق العشرين عنواناً، كان حوالي نصفه دواوين أولى لشعراء راهنّا على تميز أصواتهم. كما أن مبدأ التكريم، ذاته، هو الكامن وراء جائزة الديوان الأول التي دأب بيتنا على منحها في اليوم العالمي للشعر، كلَّ سنة.

     بشَّرنا بمشروع دار النهضة داخل المغرب، وتوصلنا بعديد من المساهمات المغربية، ومن عديد من البلاد العربية. وعقدنا لجنة قراءة وتحكيم، قمت بتنسيق أعمالها، وتكوّنت من الإخوة الأساتذة: الشاعر محمد بوجبيري، الناقد خالد بلقاسم، الشاعر والتشكيلي عزيز أزغاي، الشاعرة لطيفة المسكيني، الشاعر والناقد نبيل منصر، الناقد يوسف الناوري.

     وكانت نتيجة عمل اللجنة أن رشحنا للنشر  المجموعات الشعرية التالية:

·         قبل أن تستيقظ طنجة، للشاعرة نسيمة الراوي، من المغرب.

·         يرتدّ إليه قلبُه، للشاعر أحمد يحيى يهوى، من فلسطين.

·         الكتابة من نقطة التلاشي، للشاعر سامي دقّاقي، من المغرب.

     كما أطلقت دار النهضة، داخل المشروع  ذاته مجموعة شعرية للشاعر اللبناني جوزيف دعبول.

     وإذ أهنئ، باسم بيت الشعر في المغرب،  الشعراء الفائزين، أؤكّد أن مسؤولية إطلاق أسماء جديدة، حقيقية، في سماء الشعر، مسؤولية صعبة. والرهان فيها ليس جرّة قلم، ولا مجرّد توقيع يحكمه التسامح والصداقة. فأَنْ تُتَاح لاسم شعري جديد فرصةُ الانتشار الواسع، في الخريطة العربية الفسيحة، هي مسؤولية حال ومآل. حال الجديد، ومآل تجربة صاحبه.

     ويسعدني،  حقاً، أن أشدد على أننا في بيت  الشعر نراهن على انتماء الأسماء  الفائزة إلى أفق جديد وجاد في الشعرية العربية، ونتوقّع أن تحقّق بصمتها الخاصة واستمرارها الواعد.

     كما نؤكد أن وجود اسمين مغربيين، ضمن  الفائزين، لم تحكمه إلاّ تلك الروحُ المسؤولةُ التي تحدثت عنها، والتي لا تنتصر لبلد ما أوجنس ما أوعصبية ما، ولكنها تنتصر لمبدأ أن كتابة الشعر فعل ممتع وشاق في آن. وأن كتابة الشعر لابد أن يشدّها الانخراط في أفق الشعريات العالمية ومنجزاتها. فالشعر ليس فعل تخلّف أو تقليد، إنه فعل اختراق وتقدم واقتراح جريء.

     أعتز، معكم، بحضور الرائعة لينة كريدية،  نصيرة الربيع والإبداع والشعر؛ في هذا اللّقاء الذي يدشّن مشروعاً نبيلا جديداً من مشاريع دار النهضة التي تعانق أهداف بيتنا ومبادراته.

       أعتز بالشعراء الفائزين.

       وأعتز بحضوركم المفعم بالبهاء والصداقة.