يفتتح مركز رؤى32 معرضاً فنياً لأعمال التشكيلي هاني الحوراني، تحت عنوان "نسيج المشهد"، وذلك في السادسة من مساء الاثنين، 19 آذار/ مارس الجاري، ويستمر لمدة شهر.
يضم المعرض نحو ستين عملاً أنجزها خلال العقد الأخير، مقدماً فيه نماذج عن إختباراته ومقارباته التشكيلية، والتي حاول من خلالها قول "أشياء غير متداولة" أو قول "الأشياء ذاتها بلغة أخرى" حسب تعبيره، حيث يرى الحوراني أن المبرر الوحيد لعودته لساحة التشكيل هو أن يكون صوتاً مختلفاً وأن يقدم إضافة ما. فالأعمال التي يقدمها هنا، عدا عن كونها محاولة ذاتية لامتلاك حيز ما "من الحرية للخروج من جو القتامة المحيط بنا" أو "للبحث عن نافذة ضوء وهواء جديد"، كما يقول، هي أيضاً خطوة نحو العودة إلى جذوره الأولى، كأحد رسامي الستينات، واستئناف مساهمته في الحراك التشكيلي الأردني والعربي من خلال تقديم نماذج لاختباراته ومقارباته مع "المشهد" أو "المنظر العام" Landscapes حيث يعيد نسجه من جديد ليخلق منه عالماً حلمياً يتوزع ما بين الواقع والخيال.
ويُذكر هنا أن هاني الحوراني (مواليد الزرقاء، 1945) تناوب على اهتمامات عدة، فقد مارس الرسم في شبابه المبكر، وكان أحد مؤسسي "ندوة الرسم والنحت الأردنية"، وأقام خلال الستينات ثلاثة معارض شخصية، قبل ان تجرفه حرب 1967 إلى الانغماس في الاحتراف السياسي الذي استمر حتى مطلع التسعينات من القرن الماضي. لكنه حتى في هذه المرحلة الطويلة وزع اهتماماته ما بين النشاط السياسي المباشر وبين العمل البحثي الرصين، الذي نجم عنه عدة كتب مؤلفة وعشرات الأبحاث، لعل أبرزها كتابه المرجعي "التركيب الاقتصادي والاجتماعي لشرقي الأردن (1921/ 1950)"، كما أطلق مجلة "الأردن الجديد" من نيقوسيا، قبرص بين عامي 1984 و 1990، كذلك زاول العمل الاعلامي وكتابة المقالة في الصحف اليومية العربية والأردنية.
مع عودته للأردن عام 1989، أسس مركز الأردن الجديد للدراسات، وفي الوقت نفسه أقام معرضاً شخصياً لرسومه المائية عام 1993، ولم يلبث عشقه للتصويرالفوتوغرافي، الذي كان قد تلقى دورات تدريبية عليه في بيروت وموسكو، أن تجلى في سلسلة من المعارض الشخصية منذ عام 1996، حيث بلغت 14 معرضاً، كما عُرضت أعماله الفوتوغرافية في عواصم ومدن عربية (عمان، القاهرة، الدوحة، المنامة وحلب) وعواصم غربية (جوتنبيرج- السويد والعاصمة الأمريكية واشنطون).
لا يضع هاني حوراني حدوداً ما بين كونه فناناً تشكيلياً ومصوراً فوتوغرافياً، وفي الواقع فانه يلتقط صوره الفوتوغرافية بعين الرسام، وفي الوقت نفسه فإنه يرسم في كثير من الاحيان معتمداً على نتاج أعماله الفوتوغرافية. فقد لجأ مبكراً إلى بناء لوحاته من خلال "كولاج" من صوره الفوتوغرافية والرسم بمواد مختلفة، وقام أحياناً كثيرة بطلاء صوره الفوتوغرافية، أو أضاف إليها مسحات لونية من فرشاته، وكان بذلك من أوائل الفنانين الأردنيين والعرب الذين أزالوا الحواجز بين الفوتوغراف واللوحة.
كما يولي أهمية كبرى للملمس والتفاصيل وأثر الزمن على الأشياء المحيطة بنا، مثل جدران الشوارع والأبواب والنوافذ، ويحتفي بما يتركه الناس، ولاسيما الأطفال والشباب، من كتابات ورسوم على الجدران، كما يقيم إعتباراً كبيراً للمواد العادية والمتقادمة، مثل أخشاب الصناديق والأبواب والقوارب، وإلى الصدأ الذي يعلو الأجسام المعدنية، مثل أجسام السفن والسيارات القديمة والبراميل وغيرها من مخلفات المدينة.
تقف أعمال هاني حوراني التشكيلية على مسافة قريبة من عدة مدارس حديثة دون أن يندرج في إطارها، فهو يتحرك ما بين الفن الحضري وفنون الشارع وفنون البيئة. ويُظهر شغفاً خاصاً باللوحة المتقشفة التي تستمد جماليتها من بساطة الموضوع وغنى السطوح بالدرجات اللونية الباهتة أو الأقل سطوعاً.
كما يستخدم مختلف المواد والصباغات لإضفاء حساسية اللوحة التشكيلية على الصور الفوتوغرافية التي ينتجها بتخطيط مسبق لتكون المادة الخام للوحته. هنا نجد حساسيات الألوان المائية أو ألوان الباستيل أو الأحبار الملونة تجتذب العين، ليس فقط إلى موضوع الصورة، وإنما أيضاً إلى ملمسها، وإلى المواد المستخدمة في إنتاجها.
في معرضه الأخير "نسيج المشهد" نجد قراءة تشريحية لمقاطع صخرية تمتد على السفوح الجبلية في طريق البحر الميت باتجاه الأغوار الجنوبية، حيث تتضمن العروق الصخرية بانوراما لا نهائية من التشكيلات اللونية والتكوينات التي تتحدى خيال الفنان وحتى تسخر منه.
ومن التكوينات الصخرية التي نسج منها لوحاته إنتقل حوراني في آخر أعماله إلى أجواء جديدة، تعتمد على تحويل المشهد إلى نسيج بصري يضم أعداداً لا نهائية من الوحدات التي تتشكل تارة على صورة عمائر وأبراج شاهقة، أو ستائر قماشية أو مشهد طبيعي. إن ما يجمعها هو أنها تنسج من الواقع والخيال، ما يبدو وكأنه عالم عضوي، حميم وغني بالألوان.
تغرف أعمال هاني حوراني الأخيرة من عدة مصادر واعية، وربما غير واعية، فهي تنحو لرسم خيالات مدينة معاصرة ذات أبراج باسقة الطول، أو أنها "أبراج" أقرب إلى عالم الأشجار التي تنمو دونما نظام مسبق وتنحني كا
كنحنإءات الخط العربي، وهي أشكال مكونة من وحدات لا حصر لها من البقع اللونية التي تذكرنا بالنقط غير المرئية لشاشة التلفزيون، أو وحدات الصورة الرقمية التي لا عد لها. وهي كذلك تحيلنا إلى مصدر تراثي هو الفسيفساء أو الموزاييك، حيث ضربات الفرشاة، والكثافة اللونية لهذه الضربات تحل محل قطع الأحجار أو الزجاج الملونة في اللوحة الفسيفسائية التقليدية. وكأن الأعمال تسبح ما بين مرجعيتين بصريتين، واحدة تنتمي للماضي السحيق، والأخرى تستحضر الثورة الرقمية. ان معرض "نسيج المشهد" يهجس بخيالات ترنو إلى عمائر ومدائن لينة وقريبة إلى النفس مثل الشجر والماء والهواء، عمائر ومدائن تحاور الغابة وتنحو نحوها.