ترجمة زيد العامري الرفاعي
تقديم
اوردت كاتبة المقال في حديثها عن رواية الرجع البعيد–وهي مترجمة الرواية نفسها للانجليزية- مقاطع من النص العربي. وفي مثل هذه الحالات يتوجب وضع النص الاصلي. ولانه ليس في حوزتي النص العربي ولااتذكر تفاصيله كاملة لانني قراتها في ثمانينات القرن المنصرم، عمدت الى ترجتها الى العربية ثانية (back-translation) ولهذا احببت التنويه. كما انني لم انقل كامل الهوامش بل اكتفيت بالمهمة منها(المترجم).
ترتبط الاحداث في حياة الشخصيات الرئيسية (الخيالية) عند فؤاد التكرلي في رواية الرجع البعيد (1980) وكذلك في روايته الاخيرة المسرات والاوجاع (1998) ارتباطا خاصا - احيانا تلميحا واخرى تصريحا - بأحداث معينة في تاريخ العراق الحديث. فرواية الرجع البعيد تدور احداثها في العراق في الفترة مابين عامي 1962 و1963 المتعلقة بالانقلاب على عبد الكريم قاسم من قبل مجموعة ضباط بعثيين وناصريين وقوميين. وفي مشهد رئيسي للرواية يغتصب عدنان منيرة : والنقاد متفقون على ان منيرة تمثل وترمز للعراق او حتى لثورة 1958 التي اجهضت واختطفت في عام 1963.1 غير انهم لم يتفقوا، في الاقل في ما هو مطبوع ومنشور، الى ماذا يمثل عدنان على المستوى الرمزي، مع ان كثيرا من القراء يرونه انه يمثل حزب البعث، وقد طلبت الرقابة العراقية من المؤلف حذف شخصية عدنان باعتبارها حشو زائد لا مبرر له، والتي عانى الكتاب بسببها طويلا (ولهذا طبع الكتاب في بيروت بدلا من بغداد.)2
ولربما يعين التمعن العميق، بطريقة تقديم شخصية عدنان وكذلك لمشهد الاغتصاب وتأثيراته على مجمل شبكة العلاقات في الرواية، في فهم اهمية هذا التفسير الرمزي. وترتبط قضية بكارة المرأة وشرفها ارتباطا وثيقا بمشهد الاغتصاب. وقضية البكارة موضوعة مطروقة كثيرا في القصص العربي، غير ان الكاتب تناولها في هذه الرواية في سياق تصوير عميق لنقاط القوة والضعف الغامضتين في ثقافة العراقيين وموروثهم الاجتماعي، ولعل صداها الرمزي في الرواية يفوق ما لشخصيتي عدنان ومنيرة من رمزية. ان اضفاء الطابع الدرامي على الاحداث السياسية من خلال استخدام الرموز، بمعنى ما، يخالف مخالفة تامة لاستخدامها في الادب الدعائي. ولكن اذا ما استخدمت هذه الرموز بشكل تبسيطي او اذا فسرت ببساطة شديدة - كما يحدث في احايين كثيرة- فان تأثيرها يفقد بريقه واهميته.
ويشير عنوان الرواية الى الآية الثالثة من سورة قاف (واذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد) حيث يشكك الكافرون بيوم البعث والقيامة، والرواية ملآنة بإيماءات الرجوع للماضي، واستعادته، وانطلاقه من جديد وكذلك تشير الى انقاذه واعادة بناءه عبر التذكر والذكريات. وفقدان منيرة لبكارتها وضعت في اطار كونها حادثة يجب مساءلة وتفهم عواقبها الاجتماعية والنفسية والاخلاقية الصارمة فضلا عن الاعتراض عليها، ولو بمضاضة وشدة، وعلى المدى القصير بلا نتيجة ايجابية. ونجد ان الزمان والمكان في الرواية محدد ومبين على وجه الدقة. وفي وصفه لكيفية شروعه لكتابة الرواية عام 1966 في باريس يقول التكرلي " كان هذا..... نصا استثنائيا جدا موجه اساسا للعراقيين. ول اقول الحقيقة لم اكن معنيا بالعرب عموما في ذلك الوقت". وانصب تركيز العمل اساسا على بيت قديم في باب الشيخ ببغداد(حيث ولد المؤلف عام 1927). وفيه تعيش اربعة اجيال من نفس الاسرة في البيت الذي شيد حول فناء(حوش) مفتوح للسماء. وفي الطابق الارضي يشرف على الفناء دهليز تنفتح عليه غرف كل افراد الاسرة مثلما ينفتح عليه الايوان ايضا الذي يجتمعون فيه عند تناول الطعام وشرب الشاي. يقع باب الشيخ حول جامع عبد القادر الكيلاني بقببه ومنائره الكبيره ودقات ساعته. ويحيط بالحي الذي تسكن فيه الاسرة مقهيان، احدهما يؤدي الى شارع الكيلاني والاخر قريب من حي الاكراد الذي كان آنذاك منطقة فقيرة في شمال غرب بغداد اغلبية ساكنيه من الاكراد ومن الشيعة. ولا يوجد اي شيء اخر في الرواية يرمز به للعراق. كتب التكرلي جزء من الرواية في باريس كما انه كتب روايتيه الأخيرتين كاملة خارج العراق، غير انه يرى في كتابته ′وسيلة للرجوع للعراق′3 ولم يكتب حول المنفى على خلاف كثير من الكتاب العراقيين في مقامه ممن يمثل لهم المنفى ′ المجاز(metaphor) الاساسي للحداثة′.
تبدأ الرواية برجوع ام مدحت (نورية) وحفيدتها الصغيرة سناء، عند الغروب من السوق، تاركتين وراءهما ضجيج شارع الكيلاني حيث يسارعان الخطى في الطريق المترب الخافت الاضاءة المؤدي للبيت يدخلانه عبر بابه الوحيدة الخارجية الثقيلة الذي ينفتح على مجاز مظلم ينتهي بباحة (حوش) البيت. ومع ان الفصل بين عالم الداخل وعالم الخارج واضح المعالم منذ البداية، لكن الدراما تغلف علاقتهما باستمرار وبشتى الطرق. وحتى قبل ان تصل ام مدحت وحفيدتها للبيت، تلاحظ ام مدحت امامهما في الزاوية صورة شخص مالوف لديها: والذي يتبين انه حسين ابو سناء وزوج بنتها مديحة التي هجرها. ان ′رجوع ′ حسين من بعيد (من الكويت حيث كان يعمل )، فضلا عن اطلاق سلسلة من التلميحات للعنوان- والذي يكون قد مهد لتغيير مجرى الحديث في البداية بخصوص مغزى العنوان- يقود الى تعرفه من جديد على نسيبه مدحت، الابن الاكبر للبيت، والى موت مدحت اخيرا. والسبب الرئيسي لرجوع حسين هو سبب سياسي؛ مثلما تؤكد زوجته بانه شهد وراى ذلك ′ منذ ان بدأ عبد الكريم قاسم يقول ان الكويت جزء من العراق، بدات الامور هناك تسوء على العراقيين′.
ونرى وجود علاقة مختلفة بين الداخل والخارج مبنية بمهارة يوضحها سلوك كبار السن، اخت زوج ام مدحت وامه، ممن يحرصون على سماع مايدور في الخارج والذين كانوا يرون ان مجتمعهم ايام شبابهم كان حقيقي وواقعي فعلا.4 وعلى مستوى عملي اكثر، فاليوم الذي اجبر فيه الابن الصغير العصابي كريم نفسه للخروج من فراشه ليذهب للجامعة كان يوما ميمونا بالنسبة لهم اذ استطاع شراء معجنات من معجناتهم المفضلة ليكمل ما اعتبروه اكلهم المقيت في البيت. كانت طريقة حياة هذه الاسرة زمن وقوع احداث الرواية (1962- 1963) بالية ومقضي عليها بالزوال والتفسخ، وبيوت مثل بيتهم كانت في طريقها للهدم والزوال. ومع ذلك صورت الشخصيات بكونها منغمسة ومنخرطة في البيت بلغة شاعرية غنائية ومن خلال صور مثيرة صورت بعناية وفي غاية التفصيل. وربطتهم علاقة حسية مباشرة بمحيطهم اكثر مما نراه في شخصيات روايته الحديثة جدا. وهذا مما يضفي اهمية وقيمة لبعض مظاهر واوجه الحياة القديمة حتى بدون اعطاءها صبغة رومانسية. وكما يشير محسن جاسم الموسوي(1988)، ان هذه الصور الحية للشخصيات في اماكن مختلفة من البيت ومن الازقة المحيطة به تشبه لقطات سينمائية ثابتة تسعى لايقاف الزمن او اعادة التقاط الزمن الضائع وتقديم لحظات مملوءة بالاشراق.5
بينما تبدأ الرواية برجوع ام مدحت وسناء وقت الغروب الى البيت، فانها تنتهي بموت مدحت وحيدا في الشارع في اجواء الظلمة والرطوبة على حافة حي الاكراد. ومن السخرية ان نرى ان مدحت، مناصر ′الانانية الصحية ′، الذي كان فوق السياسة او بعيدا عنها، قد اصابته رصاصة قناص وهو يحاول العودة للبيت لزوجته الجديدة ولينقذ زواجه ونفسه، معتقدا، اما بفعل غروره وتبجحه او بفعل سذاجته، انه يستطيع كسر الحصار. ويحدث مشهد الاغتصاب، الذي سنتناوله لاحقا، في بعقوبة الى الشمال من بغداد. اذ تبدو هذه المدينة بالنسبة للعجائز في بيت الاسرة في بغداد انها قمة الحياة الريفية المليئة بالضجر، حيث يوجد فرع من الاسرة يعيش هناك. اذ تزوجت بنت اخت ام مدحت،مليحة، رجلا عصاميا انجبت منه ستة اولاد اكبرهم عدنان. وتتغير صورة بعقوبة المخيفة التي ذكرت سابقا، الى صورة رائعة بفضل الجمال الريفي للمكان حيث تقع اكثر احداث الرواية دموية وقسوة. وحتى عندما تغادر منيرة بعقوبة نهائيا، املة في الهروب من العار والذلة اللتتين لحقتها من اغتصاب ابن اختها لها، الذي اعتقدت انه سلوى لها في بيت اختها الخانق، تشهد وتلاحظ النسيم البارد العطر القادم من البساتين وتشعر بلحظة حنين للاغاني والوجوه والهواء التي الفتها هناك.
ان عدم اندماج عدنان بمحيطه وبيئته وقلة اتصاله بهما،يشعره انه ليس بحاجة للاخرين، ويجعل منه كذلك شخصية ضحلة اما صدفة او عن قصد. والذي يراه الناقد صبري مسلم(1983)، وربما بلا انصاف، بانه يشبه شخصية النذل الخسيس في القصص الشعبية.6 وفي رواية مشهورة بتقنية تعدد الاصوات فيها، لم تقدم لنا الاحداث من خلال رؤية عدنان لها، بل انها قدمت لمحات منحازة عنه عبر عيون ناس اخرين، بطريقة تجعله يبدو احيانا ليس اكثر من كونه صورة كاريكاتيرية لوغد من الاوغاد او من الرعاع او، بصورة اقل سلبية، ممثلا لحداثة مليئة بالحيوية لكنها غامضة مشوشة وبلا جذور. ومع كونه شاب وغير متعلم، لكنه ينطوي على سلطة وقوة غير متناسبة والتي لم يفصح عن مصدرها. وبعض هذه القوة ناتج من فقدان الوازع الاخلاقي وانضباط النفس عنده، خاصة عندما يتعلق الامر باستخدام القوة الوحشية المفرطة، وبعضها الاخر نتيجة ارتباطاته بحزب سياسي غير معروف. عدنان اولا يفرض نفسه على الاحداث عندما ياتي لبيت باب الشيخ يبحث عن منيرة بعد ان غادرت بعقوبة. وبالرغم من ان القارئ لايعرف حتى هذه اللحظة عن الاغتصاب، فظهور عدنان غير المتوقع يجبر منيرة ان تعيش حادث الاغتصاب في ذهنها. لااحد سوى منيرة يفهم لماذا جاء بطريقة فظة للباب يبحث عن خالته، بوجهه الغاضب، وقميصه غير المزرر ... حتى بدون القاء التحية، ويعزو الجيل القديم هذا السلوك لسوء اخلاق الشباب الحديثة، وفي حالته على وجه الخصوص، يعزوه لسلوك ابيه ( الذي يتصف بكرش كبير لتظنه انه شيخ عرب) الغني تجاهه الذي يتساهل مع ابنه في اسلوب حياته، ولايمانع من ان يقود سيارة بسرعة بين بغداد وبعقوبة متى ما ركبه الطيش والغرور.
وحسين الذي يحتقر عدنان ويزدريه، يخبر مدحت ان ابا عدنان امي ويرفض –اي حسين- عدنان نفسه باعتباره مراهق مدلل، نزق، وغير مهذب. لكن عندما يدخل عدنان الى بار اوانيس، وهو مكان وجود حسين، يتم تصويره على انه شخصية ذات كاريزما مريبة: طويل، بلا ربطة عنق.... شعره الاسود اللامع يتدلى بلا انتظام على جبهته. ونقطة ضعفه هي خالته منيرة. وحسين مفتون لرؤيته مرتبكا فقد اتزانه ويصبح "اثول مثل النعجة" حينما يذكر مدحت اسم منيرة، لكن عندما يتطرق الحديث في البار للأمور السياسية، يكون عدنان هو صاحب الشأن، وفي حوزته سر ما.7 يدعي ويزعم انه هو وشركاؤه يعرفون اين مكان ′الدب′ (يعني عبد الكريم قاسم) وسيقتلونه، منتحلا دور ممثلي الشعب، المسؤول عن المطالبة بحقوقهم. ورواد البار هم ممن لايحبون الجد في حديث السياسة، بينما عدنان متبجح وسريع الاستشاطة والامتعاض. اخيرا، يتحداه احد السكارى:
على اية حال، من انت؟ من نحن؟ تضيق عيناه وبدا كأنه على وشك ان يشرع بخطاب. ثم يرميه بنظرة احتقار واستهزاء متحولا عنه، قائلا′ ستسمع منا عما قريب جدا ′.
وعدنان هو الذي ياتي فيما بعد بنبأ وفاة مدحت. في السرد يأتي هذا الامر قبل ان يعلم القارئ الاحداث الفعلية التي تقود لوفاة مدحت، من وجهة نظر مدحت في الفصل الاخير. ونرى الاسرة في باب الشيخ انها معزولة تماما الان. لأنهم تحيروا بغياب مدحت ليلة زفافه (لان منيرة بالطبع لم تخبرهم انه غادر وتركها في الساعات القليلة حين اكتشف انها ليست عذراء)، ويتخذ الوضع بعدا اخرا في العنف الذي مهد للانقلاب على عبد الكريم قاسم وبعد الانقلاب واعدامه. ثانية فالأحداث السياسية يشار اليها تلميحا من خلال منظور كريم الذي يرى ان هذه الاحداث بانها احداث ضاغطة اضافية مما تزيد حالة شعوره العام بالقدر الوشيك :′ تلك الظهيرة، اذ سقط المطر بعد اعلان اعدام عبد الكريم قاسم، كنت واعيا بحالة طعم غريب في فمي وقلت لنفسي عما قريب سأكون ميتا′. وهو يتحدث عن ابويه اللذين يتوقعون الاسوأ حتى قبل التأكد من وفاة مدحت. وعلى خلاف عادتهم المرحة في الاجزاء الاولية من الرواية، فانهم يقضون معظم وقتهم داخل الغرفة : ′ قد يكونون ادركوا.... انه بمحض المصادفة المميتة ان مصير مدحت وقدره مرهون بحالة بالاضطرابات في الخارج′. ويأتي عدنان، مصحوبا بحسين، بخبر وفاة مدحت. وحين يراهما كريم لاول وهلة، كان الاثنان جالسين على المصطبة الخشبية في الطابق الارضي′ ينفثون دخان سجائرهما بقوة′. ويلاحظ ان عدنان يرتدي الخاكي ويبدو منفوخا بالغرور، وهو اي كريم ممتعض من طريقة مخاطبة امه لهما ′ بنغمة صوت خاضع متذلل′. ثانية هناك عنصر كاريكاتيري في التصوير الساخر لعدنان باعتباره عنصر من الميليشيا يستمتع بموقع سلطته القلق. ولكن هذه هي اللحظة الحاسمة حين تتأكد الاسرة الخائفة من المصيبة بانها قد وقعت، وبسخرية كئيبة ان عدنان هو من يقدم لمنيرة التأكيد الرسمي لوفاة زوجها، مع انه يبدو مرتبكا وخجلا جدا. ′متأسف خالة منيرة، لكنني اعتقد انه مدحت.... هذه بطاقة هويته الشخصية. اخذتها من المجموعة، اصدقائي. وجدوها في جيبه. انا متأسف. اقدم تعازي الحارة′.
وفي الجزء المتعلق بمنيرة في الرواية (الفصل التاسع) نعلم ان فكرتها في البداية عن عدنان كانت ايجابية اساسا بسبب حماسه ونشاطه وحديثه عن السياسة والافلام واخذها للتنزه خارج البيت بسيارته ليهربوا من جو البيت الخانق في بعقوبة. وهي حريصة ومتشوقة لمعرفة سبب خوف أبويه وفزعهم منه وتتساءل على نحو غير مؤكد ان كان هذا بسبب ارتباطه بالحزب، ام غضبه الجامح الذي يظهره احيانا. ويبدو انها في منأى ومأمن من هذا الغضب ومن اي اعتداء جنسي، لأنها ساذجة او بريئة وثملة بجو الحرية والحداثة الذي ينضحه هو. وغالبا مايرى النقاد منيره انها رمز مدمر ومحطم للبراءة وللجمال، فضلا عن كونها ايضا رمزا يشمل الامة، او الثورة وقد خانتها وشوهتها البرجوازية الخائفة (ممثلة بالأخوين مدحت وكريم في الرواية).8
وتوحي بهذه الفكرة على ما يبدو وبصورة جزئية، بنية تعدد الاصوات في الرواية، والتي فيها مقطع واحد فقط، مع انه بالغ الاهمية، منطلق من وجهة نظر منيرة. ولابد ان يكون السبب الرئيسي وراء ذلك هو طريقة رؤية كل من مدحت وكريم لمنيرة باعتبارها رؤية خارجة مسلطة من انفسهم وكذلك من قبل من يفهمهما عن قرب حميمي، ولكن ايضا باعتبارها زاوية ضوء وجمال خارج الزمان والمكان. ورغم ان كلاهما وضعا امالهما فيها ولم يستطيعوا تحقيقها – مما جعلها تفكر في اوقات مختلفة انهما وسيلتها للنجاة والبقاء - ومن ثم بسبب أنانيتهم وجبنهم او عزلتهم التي فرضوها على انفسهم(برجوازية خائفة حقا!)، تركوها تتهاوى بقسوة وشدة، ولا يدين التكرلي فعل شخصياته بتركيز احلامهم على امراة. وحقا، فرواية المسرات والاوجاع تضع تركيزا اكثر على العلاقات بين الرجل والمرأة وعلى الحد الذي يمكنهما من تجاوز وتخطي العوائق والمخاوف الخارجية.9 والصفة او الخاصية الاكثر اثارة في وصف منيرة هي الطريقة التي يضع بها المؤلف صورة مزدوجة عنها، مؤخرا مقطعها الى نهاية الكتاب، لذلك قد يجد القارئ للحظة ان السطور الافتتاحية لا تنسجم مع شخصيتها. يبدأ قسمها (الفصل التاسع):
كنت نصف جالسة، نصف مضطجعة في سريري في غرفة العجائز، اقرأ رواية. بدت ممتعة في البداية غير انني بدأت افكر واعتقد ان الكاتب ضل طريقه حينما كلمتني. فهي لاتحب رؤيتي مستغرقة في شيء هي لا تفهمه. حتى ترتيب الكلمات في النص الاصلي العربي فجائي مباغت (جالسة كنت، على سريري في غرفة العجائز نصف مضطجعة....) منيرة تنتقد سلوك امها، ان لم تكن متعجرفة معها : ′كانت تدخن سيجارة طويلة وتمضغ كلماتها مثلما تمضغ علكا′.′ لطمت وجهها مرتين براحة يدها. وكرهت هذه الاشارة لأنني لأول مرة اراها تفعل ذلك′. ويظل هذا التصور السلبي عنها مستمرا الى بقية الرواية عندما يخفق كريم في الاستجابة لحبها واحباطها، برغم حبه المعلن لها، ومدحت عاجز ان يقبل بحقيقة كونها غير عذراء عندما تزوجته وانه اقل تحررا من التقاليد مما ظن سابقا.
اذا كان عدنان رمزا لحزب البعث- او في الاقل تمثيلا له-، فيجب ان تكون منيرة حقا بمعنى من المعاني مجازا عن العراق، ولكن لنرى كم ينفعنا هذا في تفسير شخصيتيهما، علينا تناول مسالة الاغتصاب ببعض التفصيل. ان الجزء المتعلق بمنيرة هو احد الاجزاء القليلة المكتوبة بضمير الشخص الاول المتكلم، ثم نلحظ تحولا وانتقالا سريعا للسرد بصيغة الشخص الثالث الغائب في وصف الاغتصاب، على رغم ان نظرتنا اليه تظل كلية من خلال منظورها هي له. ولربما يكون هذا اسلوبا يجعل منيرة تفكر في طبيعة الموضوع المحرم تفكيرا دراميا، وهو الامر الذي لم تطلع عليه ابدا اي شخص بل لم يسعها العثور على وسيلة تخبر بها من سيتزوجها فيما بعد.10 وفي رواية المسرات والاوجاع، يتم تناول صعوبة سرد الاغتصاب ومسالة ان كان القاص يعرف او يريد ان يعلم كل الحقائق، من زاوية اخرى : يقوم ضباط الجيش البولندي بقتل احدى الشخصيات وبدون محاكمة بسبب اغتصاب جندية في خانقين. ويصل لسمع اسرته في بغداد فقط ان العم سيف الدين مات عقب حادثة. يقرر اخوه الذهاب ليبحث حقيقة ما جرى ولكنه عند عودته حين يروي القصة لزوجته بطريقة سرد خالية من الانفعالات والمشاعر لدرجة انه يقيم حاجزا ومسافة بينه وبين السرد. وعلى اية حال، فهو يروي القصة بأسلوب متحيز، لانعدام وجود اي شخص اخر عند الحادثة باستثناء الرجل والمراة:′ تقول الناس والله اعلم ان كان ذلك حقا، ان هذه المجندة البولندية، رائعة مثل الشمس، كانت تمشي وحدها في بزتها العسكرية الضيقة بجانب الغابة حيث المصادفة التعيسة وضعت العم سيف الدين، ذلك الاعزب، المنهمك بعمله العادي في تقطيع الاشجار..′11 حادثة الاغتصاب في الرجع البعيد تبدأ برحلة مرحة لبستان ابو عدنان على ضفاف نهر ديالى خارج بعقوبة. منيرة وهي متلهفة جدا لتهرب من ضجر بيت اختها، طلبت من عدنان أن يأخذها في نزهة،′ لكنها لم تتصور ان النجاة تأتي بسرعة ′. عناصر المشهد تحاكي كوميديا موسيقية رومانسية، لفلم من افلام عبد الحليم حافظ، والذي هو اشارة تهكمية لرومانسية منيرة اضافة الى كونه تناقض صارخ مع الاحداث التي ستقع: رائحة قداح البرتقال تملأ الجو؛ اغاني حب تنطلق من الراديو؛ شعر منيرة يتدلى حول وجهها؛ الشمس تغني في سماء زرقاء صافية؛ وعندما يوقف عدنان السيارة في نهاية طريق مترب يؤدي الى بستان والده تجري منيرة بين الاشجار، وتشعر كأنها توشك ان تحلق وتمر سريعا من فوق قمم الاشجار.
غير ان هناك عنصر خطر او تهديد: عدنان يقود السيارة مثل مجنون بحيث يقفز المشاة من طريقه في ضواحي بعقوبة. لا تستمع منيرة الى ما يقوله بل هي تجيب مبتسمة،′ ثملى بعبق الحياة على النسيم المعطر بالقداح′. والصداقة المشبوبة بالشهوة بينهما معروفة التفاصيل، لكن منيرة لا تلتفت اليها ولات شك فيه. وهذا مبين بوضوح ومتكرر بطرق مختلفة: تصرفت كما لو انها كانت منيعة محصنة، لذلك لم تجد ولم ترى اي اهمية خاصة في حالات التصاق جسديهما المتكررة، ولا في عاطفتهما المتبادلة المتزايدة، او في فرط اعجابه بها. كانت هناك محرمات كافية ... لتجعلها تشعر بالأمان وتتجاهل وتتغاضى علامات الرغبة المخفية في يديه وفي كلماته وفي نظراته′. وضمن منطق البناء السردي، يجب اعتبار استرجاع منيرة لسرد الحادثة لنفسها بضمير الشخص الثالث الغائب، بعد اشهر من حدوثها على انه نقد لغفلتها وسذاجتها وهي تروي الماضي. صورت منيرة انها مثيرة جنسيا ولكن ببراءة، او انها ترى نفسها هكذا بعد وقوع الواقعة: ′كانت ترتدي بلوز ازرق فاتح وتنورة رمادي اختارتها كيفما اتفق ... التنورة قصيرة وضيقة وشعرها الاشقر مرسل على كتفيها′. تجري امامه وتقفز الترع الصغيرة وتربت على الاشجار بيدها وهي تجتازها، منصبة على ملأ رئتيها بالهواء النقي. وطوال الوقت عدنان يتبعها بصمت الى ان توقفت تعبى تحت شجرة برتقال تغطيها الازهار البيضاء، وبعد ذلك بسرعة يغتصبها.
المؤلف يوحي هنا، على الاقل، بانعدام المسؤولية او النضج من طرف العراق- منيرة، فضلا عن الانتهازية المقيتة اكثر مما هو القصد الشيطاني من طرف عدنان- حزب البعث. لكن وصف كيفية فرض عدنان نفسه على منيرة وما يفعله بها انما هو امر بلا شك عنيف وانتهاك للمشاعر والاحاسيس. واذ تتقبل منيرة ببطء ما يحدث، فتتحول متعتها وفرحها وينقلبان الى اهانة ومذلة. صدمت بتحول عدنان الى نوع من البهائم المجنونة وبعد ان استسلمت له فان احساسها الوحيد هو احساس الخوف المميت الطاغي من′ الظلال البعيدة، الارض الحارة تحت عجزها، الشمس، السكين التي اخترقت احشاءها، التنهدات المرتجفة والدم الذي لطخ جسدها المرتجف′. ولكي لا تفقد وعيها وعقلها فهي تصرخ باستمرار، وعيونها عصية على الدمع، في شمس الربيع بين اشجار البرتقال المزهرة′. ومرة اخرى نرى عدنان انه بشرا كبقية البشر فيصيبه الضعف:′ وقف امامها، عاجزا ومرتبكا، يلهث ونظر للأسفل محاولا ستر عضوه الملطخ بالدم′، لكن منيرة تمحيه من ذاكرتها فجأة ولا تشعر باي شعور نحوه.
وبعد هذا تتكيف لفكرة حياة خالية من اي امل بعيد – طويل الاجل-، اقرت انها توقعت سابقا مستقبل باهر بسبب ′ جمالها وراتبها′. تقرر ان تعيش السعادة اليومية القصيرة التي تجدها بطريقة ما في حنان الاسرة في بغداد، لكن انفتاحها واستجابتها الغريزية لعطف مدحت وكريم تجاهها ينتج عنه ان يتقدم مدحت لخطبتها. واخيرا بسبب اقناع امها لها اساسا وبسبب فقدان من تعتمد عليهم من الحلفاء المضحين في بيت بغداد، بان لا حل لحالة اعتمادها هي وامها سوى ان تقبل خطوبة مدحت. وبدلا من ان تقبل بحادثة اعتداء عدنان عليها، او تواجه خوف اكتشاف عدم عذريتها، تقرر ان تتناسى الحادثة: ′أنا... استأصلت ومحوت ساعات عدة من حياتي الماضية ووضعتها بين قوسين وبدأت التفكير بالحياة التي امامي′. ويتأكد هذا التحول للصورة الاولية لمنيرة، كما ذكرنا سابقا، في المراحل الاخيرة في الرواية حينما تظهر هي لفترة وجيزة بكونها الشخصية الوحيدة التي لديها وجهة نظر مقنعة عن الوضع وتقول رايها بصراحة ودونما خوف او وجل. عندما يقرر كريم بعد وفاة مدحت بان ارملة اخيه قد تكون نجاته، ويحاول ثانية للتصريح بحبه لها، يندهش بصلابة المرأة التي لايزال يراها وينظر لها على انها إلاهة يصعب الوصول لها فضلا عن كونها اثمن واعز شخص لديه في العالم: ′وددت ان احلق فوق السماء معها تاركا ورائي كل عوالمي المختلفة هذه′.
منيرة، رجاء ... انا ضعيف ومتردد. لا اعرف ماذا افعل ... انت كل ما املك الان′. فتجيبه منيرة: لست ضعيفا. انت مثلي ومثل اي شخص اخر هنا. مشوه ومريض. انا اعرف هذا. وعرفته جيدا وافضل ان ابقى على حالي، على الهامش، لكن لا احدا منكم يتركني في حالي. فما اراد مدحت ان يتركني على حالي. فهو امرض مني. وهو اضعف مني ومشوه اكثر مني او منك، وهو جبان.
تحاول منيرة العيش على هامش المجتمع ضد طبيعتها لكي تتمكن من معالجة صدمة اعتداء عدنان عليها ولكي تخفي فقدان عذريتها. ان شعور كريم بالذنب واستغراقه في نفسه يشلانه ويمنعانه من ان يتعامل بصورة مرضية مع ما يحيط به. يبدو مدحت انه الشخصية الوحيدة الذي يحاول وعن تدبير وقصد لفهم المجتمع والمشاركة فيه، ولكن بالقدر الذي يحتاجه هو لضمان بقاءه الفردي دون الانخراط بالسياسة. فهو يحسب بدقة كيفية نجاحه في وظيفته وفي الوقت نفسه يبقى على مسافة لضمان بقاءه. وكل الشخصيات الرئيسية في الرجع البعيد تسعى للابتعاد بدرجة ما عن مجتمعها، وما هو مهم لديها هو طريقة تبرير هذا الابتعاد، وكذلك حد وعيهم الذاتي.
ومع ثناء واطراء النقاد على الرجع البعيد باعتبارها ربما انصع مثال عن استخدام تعدد الاصوات في الرواية العربية الحديثة، فقد رأوا، على حد سواء، ان رؤية مدحت هل التي تسود الرواية. ربما تكون شخصية مدحت هي الشخصية التي تطرح الرأي الاكثر صراحة عن المجتمع العراقي في بداية الستينات وكذلك وسائله – اي مدحت- للتعامل مع المجتمع. اذ يتعكر رضاه عن نفسه أولا بحبه لمنيرة ( بدأت تنصاغ وتتشكل امامه، شخص واضح المعالم والذي لا يمكن تجاهله) ثم يتشظيان معا باشمئزازه ونفوره وغضبه ليلة زفافه رغم نقده الصريح والمقنع سابقا عن العادات والاعراف البالية. ولقد صورت محاولاته في البقاء والرجوع تصويرا حيا واضحا جدا: حرفيا في سرد محاولته للهروب من حي الاكراد المحاصر الذي اختبأ فيه عن اسرته بعد ليلة زفافه، وبصورة مجازية في صراعه الداخلي لمواجهة وبصورة واقعية الكم الذي مازال يقبع فيه من مجتمعه وتقاليده. ومع ان مدحت يتحاشى النشاط السياسي لكننا نجد اتصاف كثير من خطابه الداخلي بالخطابية وبالجدلية في الاقل في بداية الرواية. واساس فلسفة حياته هو اساس عقلاني اي الانانية الصحية؛ فهو يحدث مستمعيه الافتراضيين، على ما يبدو ساخرا فقط ′تخلوا عن الفوضى وركزوا على الأنانية المنظمة. لتكن تلك هي نقطة انطلاقكم ... فما معنى الخداع ... ان لم يكن الالتزام بالقانون؟
وهو يتناوب بين مخاطبة جمهور خيالي يتصوره او التحدث مع نفسه. وهو يسخر من وجبات الطعام التي تملي روتين الحياة الاسرية وهي تقريبا مسوغ وجود العجائز في البيت: ′نحن ناكل لذلك نحن موجودون .. دعنا نملأ انفسنا. دعنا نموت من التخمة، يا أخوتي′. وهو ينتقد النوبات الاسرية الجماعية للحزن والانفعال (الاسرة غير المقدسة تعاني هذر الانفعال المشترك) الذي يسميه اعياد النواح، ويقول بانها اصبحت العلامة الفارقة لاستمرار وجودهم التافه والعقيم′. ويمكن اعتبار وتفسير النص العربي هذا على انه يعني بان اعياد النواح هذه هي مسوغ وسبب استمرار بقاؤهم، وهو سبب التصاقهم ببعضهم البعض، ويعني ايضا سبب استمرار تفاهة وعقم وجودهم. نجد في قصته القصيرة التنور(1972) والمعاصرة تقريبا لكتابة الرجع البعيد، ان الشخصية الرئيسية تقول في دفاعها عن نفسها في المحاكمة المتخيلة ′ نحن البدو العرب المساكين الفقراء.... ناس عقولنا مشتتة. فاذ نشرع بفكرة او قضية معينة ثم نتحول حالا، قبل ان نكملها ونتعقبها، الى فكرة اخرى تمتلك اكثر جمالا وبهاء′. وتجد الشخصية هنا عذرا لسلوكها وتبرره بعين تهكمية تستخف بمفاهيم الموظفين في المجتمع المتحضر. في الرجع البعيد، مدحت يبرر عجزه عن الفعل وحاجته للهروب من اسرته وحتى بلده. وكلتا الشخصيتين معوجتين ومشوهتين لكنهما في النهاية يمثلان قطع يائسة من النقد او النقد الذاتي من طرف المؤلف، لكن ملاحظات مدحت تكتسب عمقا اكبر حينما تصبح اقل تجريدا له في خطاب الرواية: فاشمئزازه والاحتقار المصور بصورة اخاذه عند اكتشافه لاعذرية زوجته هما بداية ادراكه مقدار ارتباط اخلاقياته بردود فعله التقليدية.
يعود لمزاجه الجدلي، مخاطبا حسين هذه المرة، رغم اننا ندرك من خلال نبرته انه يخاطب جمهورا اوسع. وحسين المدمن على الخمرة والذي هجر زوجته واطفاله ولم يحتفظ بوظيفته، يندهش من انانية مدحت والتي يراها بكونها خيانة للمسؤولية الاجتماعية، ويقدم له مدحت تعريفه عن المجتمع العراقي عام 1962 : ′ مجتمع لامستقر بلا مستقبل.... مجتمع على حافة الهاوية.... لاتربطه بافراده الحقيقيين اي علاقة ولايقدم لك شيئا مقابل الشروظ الغبية التي يفرضها.... لذلك فالحديث عن الغش في تعاملك معه لامعنى له. فليس هنا هناك غش حينما تحاول انقاذ نفسك′. وبعد ليلة زفافه، يكون دافعه الاول هو هجران عاداته عن التأمل والتحليل وان يعيش في الحاضر. يلتقي احد معارفه من ايام الدراسة الذي هو حزين لأنه فقد ذاكرته لكن مدحت يحسده على ذلك. ان الاهتمام بالنسيان انما هو بوضوح رد فعل لتذكره المهوس لكل تفاصيل ليلة زفافه. اذ لا يمكنه ان يتصالح مع ما يراه من اذلال منيرة ويتذكر النشوة دائما ممتزجة بالملاحظة المرة بانها ′لم تخبره، لم تخبره. فكان مجرد مادة لسخريتها... افخاذها دافئة، ناعمة وغضة. ارادته ان يتمرغ في الوحل′.
وهذا المقطع من الرواية محكم الربط مع المقطع السابق (الفصل التاسع)، والذي يتناول رؤية منيرة عن اعتداء عدنان عليها وانتقالها من بعقوبة الى بغداد وتقدم مدحت لخطوبتها. والمقارنة ضمن هذا المقطع فعالة وقوية على وجه الخصوص لان معظمها يحدث في بار اوانيس حيث يذهب مدحت ليلتقي هناك حسين بحيث ان تأملاته القهرية حول منيرة تتداخل مع الحوارات الدائرة حواليه والتي يستخدم فيها المتكلمون لهجات بغدادية وعراقية مختلفة. وان حديثهم عن الوضع السياسي او معاناتهم الشخصية انما تصور بمهارة ازمة مدحت او تخالفها والتي يراها مدحت انها تشمل الجميع كلهم. وهذه الشخصيات تشبه الشخصيات الهزلية الستة في مسرحية شكسبير حلم منتصف ليلة صيف، فهي اضافة الى تقديمها هزلا ومزاحا مختلفا يريح النفس من همومها، فإنها تبين بوضوح الوضع الدرامي لمدحت مضفية عليه عمقا وتماسكا. واذ يبدا بمحاولة اعادة تركيب وصياغة ماضيه بطريقة هو يحببها ويرغبها، يدرك ان منيرة كانت تريد ان تخبره بشي ما قبل زواجهما، وبطريقة غامضة [حين استجابت لمداعباته الحميمية] اعطته حياتها ولم يخطر له آنذاك ان يستفسر عن ذلك الغموض′.
تنتهي معظم قصص التكرلي القصيرة واثنين من روايته الثلاث بموت البطل الرئيسي ويشعر القارئ مجبرا على التساؤل ان كان ذلك هو وجهة نظر عن عبثية الحياة البشرية او عبثية الحياة في العراق او حتى عن الضعف الفني لدى الروائي غير القادر على حل الاحداث التي اطلقها سوى بقتل الشخصية. ولا ارى ان أيا من هذه التفسيرات مقنعة، والتكرلي نفسه يقول ان الموت نفسه اقل اهمية مما حدث قبله من حيث طريقة الحياة وخاصة درجة فهم الوعي الذاتي الذي تحققه الشخصية.12 ينتهي سرد الرجع البعيد بموت مدحت ولكن الترتيب المميز للفصول في نهاية الرواية يشير عند مستوى بنائي الى غموض طريقة موته. ينقسم الفصل الثاني عشر الى جزئين يفصلهما الفصل الثالث عشر. والفصل الثاني عشر هو الوحيد الذي يحمل عنوانا والشي نفسه لقسميه- الزخم والبقاء. وبينما يبقى هذا العنوان مفتوحا لتفسيرات مختلفة، الا انه واضح من محتويات هذه الفصول الاخيرة بان مدحت يختار الحياة على الموت، ويتفهم كثير من مضامين قراره بالرجوع الى منيرة لكنه في اللحظة الحرجة لايزال متعجرفا جدا ومتسرعا جدا او شديد الاهتمام جدا بكيفية رؤية الاخرين لإيماءاته هذه، بحيث لم يمكنه تجنب السقوط عند اللحظة الاخيرة.
عند هذه المرحلة فمدحت يسكن مع حسين في غرفته في حي الاكراد.(في عكس غريب للأدوار نجده الان يعتمد على حسين لمعرفة اخبار العالم الخارجي، لان فقدان الفلوس والحافز فضلا عن الخوف من القصف يجعله سجين فعلي في بيت متهالك مع اقارب حسين العجائز الاتراك، الحجي وزوجته عطية) وفي هدا البيت يراوده كابوس يحلم فيه انه يطعن منيرة بسكين في وجهها وجسدها والامر الاكثر رعبا في الكابوس انها تلمسه بحنان ولا تحاول منعه. وبالرغم من رغبته في ان يتوقف عن التفكير يعاوده الحلم وانه مقتنع انه ′العمل الوهمي استجابة لرغبة اسلافه′ – اي، القتل من اجل حفظ الشرف- ويقر انه مشدود لهذه الاعراف، ′هذا الحب المجنون للشرف والقتل′، وانه بمعنى ما هو سخيف وتافه سواء تم الفعل في الحلم او في الحقيقة. وقانطا من طرد الكابوس، يتساءل اذا كانت منيرة في رغبتها الظاهرة لان تموت قتلا على يديه هو، تقدم وتثبت ثقة استثنائية او تثيره بجنون مقدمة نفسها ضحية (للرجال عموما) قائلة ′اقتلوني وطهروا ارواحكم بدمي′.
وعند هذه المسالة تتوضح بان فكرة العذرية لها قيمة رمزية في الرواية اكثر من شخصية عدنان ومنيرة. وان مسائلة الاخلاق التي تربط الشرف بحفظ بكارة الانثى، يشير بها التكرلي ملمحا الى عنوان الرواية والى مسائل البقاء والتجديد على مستوى وطني وعلى مستوى شخصي. يدرك مدحت لامنطقية ولا عملية القتل باعتباره فعلا اصلاحيا مجددا. ′الناس لاتموت، ثم تعود للحياة، وليس هناك فرق اذا كان الشخص امراة جميلة ومحبوبة مثل منيرة. حتى بافتراض انها ستنهض من الموت، فهل ستعود نقية مثل ندى الفجر′. وهو يتناولها على المستوى الشخصي ويعترف متاسفا ان العشاق ′ دائما يودون ان نبقى حبيبتهم سليمة معافاة وان تتجدد عذريتهن بعد كل لقاء′. ثم تتوضح له صراحة العلاقة السخيفة ببقاء العشيرة والامة: ′كل شخص عرف هذه المعادلة. ان الشرف يكمن في غشاء البكارة... لماذا؟وهذا سؤال لم يتطرق اليه اي شخص لكنه يكمن في قلب المسالة. هل هي بسبب الاهتمام بنقاء الاصل، والاسرة والعشيرة والامة وجميع الانسانية؟ اي مسخرة كانت هذه!′ ويعود به هذا للمستوى الشخصي، ليفكر بنقاء وطهارة وعذرية منيرة في نظره؛ فهو نظر اليها دائما على كونها ′ ناعمة ونقية ومشعة كالضوء′ وهذا لا علاقة له بان تكون عذراء او غير عذراء. ويدرك ايضا انها ائتمنته على ′عارها′. واذ هو يقف بجانب النافذة يستمع لأصوات المعارك في الشوارع، يفهم شيئا عن كيف ان نفاقه وخوفه من الامر المعقول او الامر المفاجئ قد اوقفه من ان يستجيب بأمانة الى منيرة. ان القيم التي اسقطها عليها ميتة مثل القذائف في الخارج (الموت الان محيط به... ظهر له في البدء في وجه محبوبته). يقرر بروح قوية انه اخيرا حاضر ومتهيئ للرجوع لها، وتمكن من ان يمزق ′اقنعة الموت الزائفة′، ويتحمل المسؤولية معها بخصوص ′الامور الغريبة المعقدة′ التي شعر بها دائما تسيطر عليها خلف ′صورتها المشرقة′ والتي، يعترف لنفسه، ′اخافته لحد الموت′.
وهذا التلخيص البسيط عن كيفية قبول مدحت لفقدان منيرة لعذريتها لايوضح ولا يرينا الشكوك المستمرة التي تؤرقه خلال الفترة بين وصوله لهذه الاستنتاجات، حيث يبدو احيانا انه يعرف ماهو الصحيح لكنه لايزال يشعر بالراحة لانسجامه مع معايير بيئته، وبين اوقات اخرى يكون فيها ممزقا وحائرا بين الاساليب المختلفة لرؤية العالم. وتصبح الاحداث الخارجية عند لحظة السرد هذه، اكثر ارتباطا وبوضوح بالدراما الشخصية، اذ يزداد القصف على حي الاكراد عقب الانقلاب وسقوط عبدالكريم قاسم، وبالتالي تصبح المقاومة داخل الحي اكثر تصميما. فيقل مخزون الطعام، ويصاحب تأملات مدحت سماع هدير مستمر لنيران المدافع، وحسين الذي يعيد صلته بالأسرة في باب الشيخ عندما يكون مدحت قد انقطع عنهم، والذي يشعر انه لن يفقد شيئا، يقوم بجولات في شوارع بغداد ويحيط مدحت والعجوزين بما يجري.
كان يمكن للرواية ان تنتهي بنهاية الفصل الثالث عشر حيث انحلت عقدة الرواية؛ فمدحت مات وعبد الكريم قاسم قد اسقط ومنيرة ابعدت نفسها تماما عن اولاد خالها. وادرك كريم ان نهاية من نوع ما تتراءى له شخصيا على الاقل، بينما دخل حسين لمصحة لعلاج ادمانه وانه سيعود للحياة الطبيعية. لكن الفصل النهائي هو اعادة وتلخيص لساعات مدحت الاخيرة حين يشعر ويدرك بصورة متأخرة انه يجب عليه الرجوع لمنيرة ولبيت باب الشيخ لكي يستمر بالبقاء روحيا وعاطفيا لكن الاحداث الخارجية تؤثر على حياته بقسوة اكثر مما قبل وتهدد وجوده المادي. نجد ان التوقيت والايقاع رائع جدا ومدهش، في رواية تتميز بحوارات وتأملات داخلية متكررة حول امور نظرية مجردة،، خاصة في الفصل الاخير. فنجد ان ذاكرة الحجي قد حفزها القصف في الشارع المحاصر ويضع جمهوره المأسور – زوجته عطية ومدحت- تحت سلطة ذكرياته اللامترابطة عن خدمته العسكرية في حرب1914-1918. وتصبح هذه الذكريات اخيرا ترديدا متقطعا لعشرات من اسماء رفاقه الاتراك. وهذا يجعل مدحت يفكر بتركيز وجدية حول القتال الدائر في الخارج والحرب عموما وغريزة الناس في البقاء. والثلاثة يدركون بقوة ويتحسسون نهاية للأحداث المحيطة بهم. لكن مدحت مهتم اساسا بتخطيط لحل اكثر ايجابية لصراعه الشخصي ويعلن في النهاية للعجوزين انه سيتركهما ويجد طريق عودته للبيت. ويتخذ طريقه لمحيط الحي المحاصر فيقتل برصاصة قناص حين يركض عابرا الشارع للجهة الاخرى.
يمكننا الاستنتاج انه يموت بسبب التوقيت السيء والقدر والحظ او القوى السياسية الخارجية خارج حدود سيطرته، لكن يبدو ان السرد يوحي لمزيج من التكبر الغشيم والمبادئ المثالية. وفيه نجد ان التكبر اساسا، يعني انه يموت بعد زخم من الفهم والنشاط اكثر منه بقاء على المدى الطويل. وهو يخبر نفسه قبل عبور الشارع انه قد يكون من الافضل الانتظار والتريث الى ان تهدأ الامور لكن بعد ذلك فان فعله (الهروب والعودة للبيت) يفقد معناه: ′فهو لن ينقذ نفسه اذا تريث عاجزا الى ان يأتي أحد لإنقاذه. وهذا لن يكون نجاة ابدا′. وهو يحسب بدقة قدر المستطاع المسافة التي يتوجب عليه قطعها وكم ستستغرق منه. ثم يتشتت انتباهه قليلا بتصور السيناريوهات البديلة حين يصل البيت قبل ان ينطلق هاربا :′ سوف... يضمها في حضنه ويعتذر لها. كلا، لن يعتذر لها. تحرك بسرعة غير عارف سبب اختياره تلك اللحظة. وانطلق للأمام بحماسة ... بالطبع لن يعتذر لها ... يقول لها ببساطة انه عاد اليها، لزوجته، لأنه دحر كل افكار الموت في نفسه′. الجملة الاخيرة في الرواية كئيبة ودموية وتحمل صدى خافت لمشهد الاغتصاب اضافة الى اشارات اخرى لجثث على الطريق في مسار الرواية: ′جسمه الملطخ بالطين والدم، يتلوى ألما مرميا على اسفلت الشارع الفارغ′. والمشهد صدمته ليست قوية لأننا عرفنا مسبقا وبصورة غير مباشرة ان مدحت قد مات. قطع مدحت طريقا طويلا لتحرير نفسه من تصوراته الموروثة وتحمل المسؤولية وادرك ان العار هو عاره بقدر ماهو عار منيرة، لكنه لايزال يعجزعن رؤية بعض العوائق الخارجية الواضحة وبصورة محيرة مشوشة يفعل اشارة درامية مندفعة لامتانية في الدقيقة الاخيرة.
واجمالا، سيبدو ان عدنان ومنيرة قد ادوا جزئيا دور رموز سياسية معروفة وهذا واضح على الاخص في طريقة سرد مشهد الاغتصاب. لكنه تم استخدام مسالة عذرية الانثى وشرف الاسرة باعتبارها رمزا مهما والذي يرتبط بعنوان الرواية والاسئلة العريضة عن البقاء والتغيير على المستويين الوطني والسياسي. نجد ان رواية التكرلي الحديثة – المسرات والاوجاع – لا تنتهي بموت البطل، توفيق، لكن شخصية ثانوية، غسان، تموت في الحرب العراقية الايرانية وتترك لتوفيق كيس اخضر به خمسون الف دينار عراقي. بصورة مقصودة ام غير مقصودة فان غسان يستعرض لتوفيق معضلة اخلاقية علاوة على فرصة النجاة، او مثلما يطرحه توفيق، النهم بقراءة الادب، ′قصيدة سريالية مفتوحة لسوء التفسير′.
وكان على توفيق ان يقرر في ان ينفذ بجلده، يعطي الفلوس الى خطيبة غسان الحامل او يتزوجها ويرعاها. وكما يلاحظ الناقد حسين كركوش يتغير المزاج كثيرا في نهاية الرواية: ′الشمس تغرد مسرورة في سماء زرقاء صافية ويشعر توفيق انه يمكنه فهم امور غير مفهومة الليلة الماضية.′ ويمكنه ان يتخيل في ذهنه كلمات مثل الاختيار والهدف للمرة لاولى لكنه كما يشير كركوش تنتهي الرواية عند هذا الحد ويترك القارى بهذه التجريدات الكبيرة ليكمل هو معناها. فرغم ان المسرات والاوجاع تنتهي وتختتم فكرة انصع واخف من الرجع البعيد الا اننا تركنا في كلتا الحالتين لنتأمل ونفكر تفسيرات البقاء والتجديد، وكذلك حدود امكانياتهما ضمن السياقات الشخصية والاجتماعية والتي كان عرضها الدرامي قويا ورائعا في سرد الروايتين.
ان نهاية الروايتين كلتيهما غامضة ولكن بسبب ما علمنا سابقا فالغموض يمكن ان يكون مثمرا وايجابيا. يقول الناقد التونسي حسين الواد انه يشخص فئة جديدة من الروايات في الادب العربي مستلهمة من التاريخ الحديث، ويتساءل كم من مثل هذه الروايات تطرح اكثر من مجرد التأمل على الاحداث – يعني تتجاوز مجرد تأمل الاحداث- وتعطي نوعا من المتعة التي يكون لها تاثيرا على صياغة التاريخ. وهو يعني، على ما يبدو، متعة جمالية ومتعة فكرية فيما يسميه الكاتب الايطالي ايتالو كالفينو، متحدثا عن العلاقة بين الادب بالسياسة، ′ بقدرة الادب لان يفرض انماط من اللغة، ومن الرؤية ومن الجهد العقلي، ومن ترابط الحقائق... باختصار خلق... نموذج قيم تكون في الوقت نفسه جمالية واخلاقية′. والتكرلي نفسه قال انه حتى لو انتهت القصة بالموت، فعلى القارئ ان يمضي الى ماوراء هذا الموت معتمدا على ما فهمه وتعلمه اثناء مسار القصة. واذا امكن القارئ فعل ذلك فلانه قد انغمس في الشد الدقيق الذي يخلقه التكرلي بين شخصياته وبين المجتمع. ووجدنا ان الزمان والمكان، او السياق التاريخي والاجتماعي، قائم على تفصيل دقيق واحيانا غنائي شعري. والشخصيات منغمسة في مايحيط بها لكنها في الوقت نفسه تصارع في دواخلها لكي تبتعد عن ما يحيط بها لكي تنجو بالتالي وتتمكن من البقاء او تبدأ من جديد. ان تفصيل هذا الجهد الذهني العقلي ازاء العوامل التي تربكه-اي الجهد-، من داخل الشخصية وايضا بدونها، ينتج ويولد بطل من نوع مميز، احيانا بصورة ماسوشية او انانية، لكنه يعي غموض المعاني المتعلقة بالتقاليد والاعراف تجاه مسالة القوة وللضعف. هاشم الشخصية الرئيسية في رواية خاتم الرمل (1995) يلخص بتهكم الحقيقة الصاعقة لمثل هذا التهجم على التقاليد: ′النبتة الصغيرة تنحني باذلال امام العاصفة وتنجو بينما الشجرة الكبيرة الضخمة تقف شامخة وتتحطم. ولكن اين ومضة الضوء في مثل هذا المنطق؟ ... الحياة لامعنى لها بدون في الاقل ومضة ضوء قليلة. لذلك دعنا نقول ان النبتة الصغيرة حنت راسها بشموخ. ايمكننا قول ذلك؟ سوف يسخرون من اعلى المنابر لان هذا قول متناقض. يناقض كل من التصورات التقليدية والسائدة عن البطولة′.
الهوامش:
1- انظر صبري مسلم(1983) ابطال الرجع البعيد بين الاحباط والاغتراب. الاقلام. شباط، ص 41.
2- معلومات حصلت عليها من حوار مع المؤلف في تونس ايلول 2000.
3- حوار مع المؤلف ايلول2000. قارن منهج التكرلي بمنهج القاص سلمان رشدي في روايته العار (1983)" البلد في هذه القصة ليس باكستان او ليس تماما باكستان. هناك بلدان احدهما حقيقي واخر متخيل، يشغلان... تقريبا نفس الفضاء. قصتي، بلدي الخيالي موجود، مثل نفسي، بدرجة طفيفة للحقيقية...لااكتب فقط حول باكستان، اقتباس من Ahmad, A. (1992) In Theory (London and New York: Verso).
4- انظر مثلا، بستاننا كان حيث نصب الجندي المجهول. ويمتد منه ليصل النهر ويمكنك ان تمشي على طول النهر حتى تصل بيت الجيران" او " ابي.. رجل ! بدلته الزرقاء البحرية والساعة الذهبية تلمع على صدره، لايمكنك ان تخطأه. وطربوشه المائل دائما."
5- محسن جاسم الموسوي(1988) الانسان والزمان في رواية الرجع البعيد لفؤاد التكرلي في: الرواية العربية النشأة والتحول. ص 245-267 (بيروت دار الاداب).
6- صبري مسلم(1983) ابطال الرجع البعيد بين الاحباط والاغتراب. الاقلام. شباط. ص 40.
7- ،على هذ النحو، فهو يقدم عنصر لااستقرار، بالمعنى الذي اشار اليه تودوروف، وله دور بنائي في تطوير عمل القصة. انظر محسن جاسم الموسوي 1988، ص257.
8- انظر على سبيل المثال صبري مسلم، 1983 ص41؛ وانظر ايضا فاضل ثامر(1992) الرجع البعيد ذروة الصوغ الفني في الرواية متعددة الاصوات، الفصل الثامن، الصوت الاخر: الجوهر الحواري للخطاب الادبي (بغداد : دار الشؤون الثقافية).
9- من المناسب مقارنة شخصية منيرة بشخصية عديلة في المسرات والاوجاع. وفيها نجد ان عديلة بمعنى ما هي المراة المثالية للشخصية الرئيسية في الرواية، توفيق، إذ عاش معها علاقة قصيرة شبه كاملة والتي اظطربت وانتهت اخيرا بفعل قصوره الشخصي فضلا عن التدخل الخارجي، وكلاهما عن قصد وعرضي.
10- في قصته القصيرة التنور(1972)، يتحدث القاص عن الزنى لكي يتحاشى لحد ما طرح موضوعة زنى المحارم.واعترف الكاتب انذاك انها كانت تجربة فنية، عبارة عن " مهارة تهكمية " لتبين كيفية عدم قدرة القاص مواجهة الحديث عن الموضوع المحرم التابو حتى مع نفسه.
11- يصبح الوعي الذاتي باعتباره الخاصية البشرية المتميزة وباعتباره وسيلة الضعيف اجتماعيا وسياسيا للبقاء في الحياة، الموضوعة الرئيسية في المسرات والاوجاع باشارته الصريحة الى باسكال.
12- في حوار مع المؤلف في تونس ايلول 2000. في المسرات والاوجاع فالشخصية الرئيسية،توفيق، ترى انه من وجهة نظره ان العنصر الاساسي في الشخصيات الخيالية هي " الطريقة [التي تصل بها الى مرحلة معينة في حياتها] وكذلك طريقة سلوكها وليس نتائج [هذا السلوك وهذه التجربة] ومايحدث بعدها (التكرلي 1998، ص 120).