هذا الاصفرار الأشبه بكثلة لمجسم يتخذ عند الشاعر المغربي المغترب استعارة للكينونات، وهي جزء من صورها المركبة والتي تحول "البيض" الى عالم مصغر يستدعي نوستالجيا آثيرية عند الشاعر، ويصبغ عليها الكثير من مجازاته.

مُحّ البيض

عبد اللطيف الإدريسي

لرجل من "تمديت" كان اسمه "بوشْمال"

 

* المُّحّ الأوّل

ذَرَّةُ غُبار أَثارت نَقْعاً

في ساحَة الوَغى الأولى

ابْتَلَعْتُها

قَبْلَ الرِّحْلَة الكُبْرى

في رَمْشَةِ عَيْنٍ

...كانَتْ قَدْ جَبَلَتْنِي في صيغَةِ مُفْرَدٍ

عِنْدَ الأزَلِ.

 

كَيْفَ لي بِالأَمانَةِ

وَسُبُلي أَشْواكٌ

وَجِرْذان

حيطان

وَشَياطين

وَكَمينٌ وُضِعَتْ أَشْراكُهُ قَبْلَ المَشيئَة ؟

 

وَما أنا بِمَخْلوقي !

 

* المُحّ الثاني

تَجَلّى فيَّ

في صورَتي

أنا المَوْجود في كُلِّ وُجود

أنا الوُجود في كُلِّ مَوْجود

أَنْفَخُ

أَنْفثُ

بِنَفَسٍ مانِحٍ

عَطايا

هَدايا

لأَسْتَعِدَّ

وَأَتَوَقَّف عَنِ السُّؤال

كَيْف آتي مِنْ غَيْرِ عَدَم

وَصورَتي

مَحَتِ الزَّمانَ

قَبْلَ

التَّجَلّي

وَسَتَمْحوه / يَمْحوها

بَعْدَهُ

مِرْآتي سَرابُ الصَّرْخَةِ الأولى

صَرْخَتي مِرْآةُ آخِرِ السَّراب ؟

 

وَما أنا بِكَيْنوَنتي !

 

* المُحّ الثالث

شُبْهَتي في الشَّبَهِ

أَتَنَزَّهُ بَيْنَ الصِّفات

مُثْبِتاً

نافِياً

أَتَعالى بِذاتي

فائِضاً عَنِ الذَّواتِ

أَسْرَحُ العَيْنَ

أُقَيِّدُ البَصَرَ

أَنْتَشِرُ في المَجازِ

بَيْنَما يَفْتَقِرُ

إليَّ / إليهِ المُؤَكَّدُ

الواضِحُ

البَعيدُ عَنِ الشُّبْهَةِ.

 

كَيْفَ لي أَحْصِرُني

وَحيرَةُ الوِصال

تَحْرُمُني مِنَ الشَّبَهِ

لا بمُقَلِّدٍ

ولا بمُقَلَّدٍ

                هي المرايا صفة الخطايا

                ورغبة في الخطيئة البريئة

وَتَبْدُو شُبْهَتي عَلى ضِفافِ المِرْآةِ العُظْمى ؟

 

وَما أنا بِتَلْويني !

 

* المُحّ الرابع

اقْتَحَمْتُ الأعالي

والِجاًُ سُكوناً

إلى حينٍ

وَوَحْدَةً

لَمْ تَعْهَدْها وُحوشُ

أَقْصى الفَلاة

مُتَأَرْجِحاً بَيْنَ أفْلاكٍ

لا كَواكِبَ فيها

 

كَيْفَ لي أَجْمَعُني جَمْعاً

مِرآةً أَزَلِيَّةً

أَبَداً

لِمَرايا

بِصُوَرٍ ثابِتَةٍ

لِذاتٍ مُفْرَدَةٍ

هِي نَبْعي

وَنَبْعي

مِنّي يَرْتَوي / يَسْتَقي ؟

 

وَما أنا بِعَيْني !

 

* المُحّ الخامس

أَفْرَطْتُ في العِشْقِ

خُلّتي سارَ مَحْبوبي فيها

وَعَنْها

تَفاوَتَ

فيها

وَمِنْها

فاضَ.

 

كَيْفَ لي السَّرَيانُ

وَأَنا لَسْتُ مِنّي

سَذاجَتي امْتَلَكَتْها الأَدَمَةُ

وَسَرياني مُتَوَحِّدٌ في أَزَلٍ / أَبَدٍ

مُتَعالٍ

عَنّي

أَنا المَحْسوسُ

أَسْفَلَهُ ؟

 

وَما أَنا بِخَليلي !

 

* المُحّ السادس

في حُلُمي / حِلْمي

خَمْسُ حَضْرات

وَوَحْيٌ

وَإلْهام

قُرْبانٌ

أَصْلى نارَ التَزْكِيَّةِ

وَشاةٌ لِلْفِداءِ

ذَبيحٌ اسْتُسْلِمَ لِلْفَناء

 

كيف لي بخيال

مثال مطلق

أنفخ    في حُلُمي

        مِنْ حِلْمي

في نَمْلَةٍ

وَغَيْرَتي سَبَقَتْ غَيْرِيَّتي ؟

 

وما أنا بِنَبِيّي !

 

* المُحّ السابع

   مِنْ رَحَلاتي / في رَحَلاتي

لا

أَتَذَكَّرُ / أذْكُرُ

 إلاّ

  الكَراسي / الكُرْسِيّ ! ؟

 

بيزوس المحروسة 17 مارس 2012           

 

شاعر من المغرب (مقيم في فرنسا)