بمناسبة تنظيم دار الفنون بالعاصمة المغربية الرباط ما بين السادس والثلاثين من مايو معرضا استيعاديا تحت عنوان: عبد اللطيف الزين 50 سنة من الإبداع، صدر عن منشورات كراس المتوحد كتاب حول مسارات الإبداع لدى الفنان ضمن سلسلة الفن المعاصر: الزين قدر وإبداع. يضم المؤلف دراسات نقدية لنقاد مغاربة ودوليين مرموقين وحوارا خاصا مع الفنان، وهو من إعداد عبد الغفار سويريجي وتعريب المترجم المغربي المبارك الغروسي.
عبد اللطيف الزين هو أحد أبرز رواد التشكيل المغربي المعاصر ولد بمراكش عام 1940. بدأ الرسم في سن مبكرة، تابع دراسته الفنية بمدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء بين 1960 و1962 قبل أن ينتقل إلى باريس ليتابع دراسته في المدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة بين 1963 و1965. أثناء فترة الدراسة هاته، شارك الفنان في بعض المعارض الجماعية (1960) ونظم أخرى فردية نذكر من بينها معرض تونس سنة 1964 ولوس أنجلس سنة 1965. كما سنحت له الفرصة للعمل كناقد صحفي في راديو وتلفزة شبكة راديو فرنسا الدولية وكمساعد في الديكور بالمسرح والسينما. نذكر من بين المعارض التي أنجزها الفنان خلال سنوات بين 1960 و1970، بينالي باريس وبينالي البرازيل سنة 1965، وهما حدثان هامان في مسار بروز فنان. لكن الاشتغال التشكيلي للفنان الزين في تلك الفترة كان يصنف كعمل مشتغل على الألوان مسكون بهاجس الشكل والحركة، المحوران اللذان ستدور حولهما مختلف التعبيرات اللونية ذات اللمسات والخطوط وتقلبات لون أبيض صار موضوع إشكال متزايد، وكذا سلسلة ثوابت موزعة ومنثورة على أطراف اللوحة. كما أن إطار الأعمال سيتطور مع تطور المضمون والمحتوى، لكل الأغراض.
على غرار رفاقه جيلالي الغرباوي وأحمد الشرقاوي الذين ارتبط بهما، سينتج عبد اللطيف الزين بروح العصر أعمالا تجريدية حيث تظهر لعبة المفارقات الضوئية والتأثير اللوني الحاسم وأحيانا علامة فن الخط في مركز اهتمام منهجه. فلوحة الضاد أو تلك التي سماها "لوحة ألوان" سنة 1962 تشهد على المضمون والحساسية المتماسة. هناك أعمال أخرى سينتجها لاحقا حوالي سنة 1970 بنفس الحرارة والحماس. ونلاحظ أيضا أن الفنان سيقدم في نفس الوقت أعمالا غريبة نصف-تصويرية، مثل "حركات الصلاة الأربع" سنة 1964 و"المتسولون" سنة 1965 و"الكاتب العمومي" سنة 1970. كما كتب عبد الرحمن بنحمزة. صرح الزين في ذلك الوقت: "أعمالي ليست لا تصويرية ولا تجريدية، إنها مشكلة من لمسات متتالية تروي حكايات الحياة اليومية المغربية وكل شيء في حالة حركة". وقد تنبأ الكاتب والمترجم الألمعي مصطفى القصري مبكرا بمستقبل الفنان الشاب؛ كتب القصري عام 1965: «رغم انتقاله وهو ما يزال فتى إلى الدار البيضاء فقد كان يعود إلى مراكش كل مرة ليغترف فيها مواضيعه ونماذجه. وتلك العودات الدورية للأصول تهبنا اليوم المتعة الارستقراطية لاكتشاف قلب، لكشف روح هي روح هذا الرسام الشاب الذي شغلت الموت باله، والحياة، والسائر مع ذلك بإرادة لا تنكسر نحو الكبر، وإثبات الذات، والفهم والانتصار.
سينتصر لأن له أسسا صلبة على مستوى الصنعة، وأيضا لأن الله وهبه إلهاما أكيدا يستطيع إخضاعه وترجمته على لوحة جدارية حقيقية ممتلئة كلها بالحساسية والحب... شارك الزين في معارض متعددة نظمت في المغرب كما في الخارج. أثارت لوحاته الإعجاب في روما، وباريس وكولونيا وكوبنهاكن، ولوس أنجلس ومدريد وتونس وكندا والمغرب. يبدو وكأن هناك هالة دينية تحلق فوق مجموع أعمال الزين. أليست لوحتا "الكدرة" و"أحواش" أيضا صلوات لله؟ ألا يذكرنا عمل "بائع الحلزون" بقس جالس خلف عازل الزجاج والذي يتم التعبير عن عياره من خلال الأحذية المتناولة بمهارة وفن مذهلين؟ يبلغ الفنان الزين اليوم 24 سنة من عمره. لنا الثقة الكاملة واليقين أن البصمة المغرقة في المحلية لأعماله ستعرف وتتمكن من أن تصب بجدولها في يم الصباغة العالمية الكبير من خلال عناصرها ومكوناتها المخصبة للثقافة وللأخوة الإنسانية».
تتميز أعمال الفنان بقوة الحركة؛ هي ما اسماه الشاعر المغربي محمد خير الدين بقوة النار، كتب عام 1987: إن امتلاك زمام الوسائل (من أدوات ومواد وحركات إبداعية) هو ما يحدد بالضبط هذا الأسلوب الخاص، دونا عن أي أسلوب يماثله. وبالتالي فهذا الرسم الشاسع أصلا من خلال مشروعه ينتهي إلى الساحة الإبداعية الإفريقية التي تعرف أوج مخاضها، ويمكننا أن نرى فيها الوظائف الأساس لفن جديد عربي ـ إفريقي الخاصية. والحال يستدعي الحديث عن سمة حقيقية وعن بصمة حقيقة بالنظر إلى أصالة الأعمال التي بات من باب الأكيد أنه سيكون لها عظيم التأثير على فن الرسم المستقبلي، ذلك أن أصولها تحملها وترتقي بها إلى الكونية. كانت قوة النار المركزية المنبعثة من لوحات فناننا تشد عقلي دائما؛ هذه النار وهذه الألوان المتقلبة تصدر عن حيوات تسكن اللوحة وتشكل حركيتها الذاتية. فالمشهد هنا لا يكتفي فقط بما يقدمه للمشاهدة، بل يرسم إلى جانبه حلما عميقا ممتدا ورغبة في الغوص فيه والتواجد فيه... تبني أعمال عبد اللطيف الزين عوالم المنفلت والعابر والزائل، وتشيد ما لا يستقيم للوزن والتوازن، كما تقبض على لحظات محملة بمعان لم يتم الكشف عنها؛ فجزء عام من عوالم اجتماعنا تجد نفسها مرسومة ومصورة إلى حد التجسيد المسرحي الذي يجد له مبررا قويا: إنه المعيش التاريخي والخرافي الناتج عن مسيرة شعب بأكمله."
بدأت ملامح وبصمات فن الزين الجديدة تتشكل انطلاقا من سبعينيات القرن العشرين.. توجه الفنان في ذلك الوقت ليشكل عوالم خاصة به، وبدأت تتجلى، شيئا فشيئا، طريقة جديدة في الفن. تأكد الفنان وقتها أن الالتزام الحقيقي بالنسبة للمبدع هو التزام ذاتي. واستطاع بذلك أن يخلق مسارا خاصا به، وينتج فنا جديدا. يستثمر العمل الفني هنا بشكل كثيف ومذهل عوالم اليومي. وفي خلال ذلك يقدم واقعا جديدا، له تأثير خاص يتجاوز أنماط الإدراك القديمة. نعرف أنه بقدر ما يكون الواقع جديدا يكون العمل الفني الذي يكشف عن هذا الواقع، ذو شكل غير مألوف.. الواقع بالنسبة للمبدع، هو المجهول واللا مرئي، هو ما يراه بمفرده، وما يبدو له أنه أول من رصده. ظل الفنان طيلة مساراته الفنية وفيا لبلاغة التجريب: عندما يتحقق العمل ينتقل لخوض تجربة جديدة. هكذا يصبح الفن مغامرة متجددة. حققت أعمال الزين انطلاقا من الثمانينيات انتشارا عالميا فريد النظير.
يذكر جان فرانسوا كليمان في مقدمة الكتاب: على غرار الغرباوي، والشرقاوي، تابع الزين دراسة الفنون الجميلة، في كل من الدار البيضاء وباريس. وبالتالي فهو يستفيد من لقب "الرائد" في المجال. وخلافا للعديد من الفنانين الذين اتخذوا مواقف سياسية في وقت مبكر جدا، أي خلال الستينات، كان مشروع الزين منذ البدء يرتكز أساسا على البعد الجمالي. لقد حاول لفترة قصيرة تطوير أعماله وفقا للقواعد الجديدة في التجريد في المغرب والمستوردة من أوروبا، لكنه سرعان ما تركها.
يمكن للمرء وصف أعماله، كما تطورت منذ الستينيات حتى عام 1990، باعتبارها أعمالا ما بعد استشراقية. يبدو للوهلة الأولى أن الفنان تناول الموضوعات نفسها التي عالجها الفنانون الأوروبيون سابقا، ولكننا عندما نتأمل في الوسائل المستخدمة، لا نعني أدوات الرسم مثل السكاكين والفرش، ولكن الألوان وطريقة الطلاء، نكون ملزمين إضافة البادئة "ما بعد" قبل مفردة استشراق . إن عمله مختلف عن ذلك الذي قصده المستشرقون من خلال رغبتهم في جعل مواطنيهم يحلمون. كان مشروع الزين، يدخل في إطار الحنين. هنا يتأكد هاجس الموت. هنا يكمن أصل غموض الوجوه الغائبة عن لوحاته: هل يتعلق الأمر بخيار ما لملء بياض اللوحة بوجوه بلا ملامح أم أن شخوصه جميعها في عداد الأموات بالفعل؟ لماذا في هذه اللوحة التصويرية، وجوه الشخصيات كلها بلا شكل محدد ودقيق؟ والأكثر مدعاة للمفارقة أن معظم المشاهد التي رسمها هي مشاهد تبرز حركات مثل حركات خيول الفروسية القديمة، لا ألعابها السياحية الحديثة، والحركات البهلوانية لطائفة اولاد سيدي أحمد موسى، وحركات رقص الشيخات، وراقصات "القدرة" أو الرقص الشرقي، أو الحشود في أسواق مراكش، ونساء يغزلن الصوف. نلاحظ هنا أمرين: الرجال دائما على ظهور الخيل، ذاهبون في حملات يتجلى فيها العنف الذي ترعاه الدولة، في حين أن جميع لوحات البورتريهات هي لنساء."
ثمة علاقة خاصة بين الزين والموسيقى: ألف مجموعة من الأغاني وقام بنفسه بأداء واحدة. ورسم بورتريهات لمحمد عبد الوهاب، وأم كلثوم عند زيارتها للمغرب، وعبد الوهاب الدكالي. في بدايات التسعينيات دخل الفنان مرحلة جديدة: أبدع انطلاقا من تأليف بين الموسيقى والتشكيل: نقصد تحديدا مرحلة ألوان الجذبة. منح هذا التمازج الحيوي للوحة إمكانات عدة لكشف ما تستره الأشياء. تتوهج الألوان تطرب. «احتفال تشكيلي جريء في تفرده ومبهر في لمعانه ذلك الذي شهدته مراكش -نوفمبر 1990. وسط متابعة يقظة لكوكبة من النقاد والصحفيين والمصورين، وتغطية لأضواء الكاميرات القادمة من مختلف أرجاء الأرض. فمجرد اجتماع كل ذلك العدد من وكالات الأنباء ومن المتخصصين والملاحظين يعد في حد ذاته إنجازا مشهودا في سجل فنان مغربي. فالرسام الزين – لأن الأمر يتعلق به- قد خلق الحدث بدعوته لوسائل إعلام الفن لمشاهدة ميلاد الترانس-آرت (فن الجذبة)على المباشر. هكذا وصف الناقد الجمالي المغربي خليل المرابط الذي حضر عرض "ألوان الجذبة".
يتساءل الناقد الفني الايطالي جيوفاني جوبولو في دراسة تحت عنوان: الزين وطقوس الألوان، يقول: «... هل كان العرض، الذي دعا إليه الفنان المغربي الزين الجمهور ، تقنية للتعبير الفني أم مسرحا ارتجاليا أم احتفالا دينيا؟ على كل حال كانت النتيجة النهائية تتشكل من لوحة مستطيلة-حائطية ولوحة مستطيلة-أرضية ومجموعة من الألبسة الملطخة باللون: إنها تشكيلة يمكن عرضها بعد اللحظة وتشكل أثرا منظورا للعملية التي جرت... يؤسس الفنان الزين آلة تشكيلية تستخدم وعاء لتلك الطاقة المنتجة خلال الجذبة والتجسد. يتم هنا تجميع وتلخيص الحفل التقليدي من خلال الإنجاز المتتالي للرقصات الخمس التي توافق الألوان الخمسة والقوى الروحية الخمس المبتهل إليها. خلال كل رقصة من الرقصات يقوم الزين المجهز بإناء اللون برش الراقص المرتدي اللون الأبيض الذي يتلقى اللون على ثيابه ويضع على اللوحة بصمات هذا اللون الذي يتكشف فيه لحظة الجذبة وتجسد الروح. عندما يطبع كل راقص لونه على السندين، الجدار والأرض، يرش الفنان كل الألوان على الراقص الأخير الذي ينقل هو بدوره بصمات الجذبة إلى اللوحة. يغلق الفنان الزين في الأخير الدور من خلال إتمام اللوحة الجدار بالأبيض والأسود. أما اللوحة الأرض فتصير خليطا مركبا من الألوان الخمسة المستعملة، ومحضر إثبات طاقة كل المتداولين على المكان بمن فيهم المتفرجون المقتربون لمشاهدة وتصوير الفنان والراقصين والموسيقيين... بهذا المعنى، تكمن إرادة الفنان في تأسيس حركة على غرار الحركات الطليعية في أوربا وأمريكا الشمالية من خلال طرح مسألة الاستمرارية المحتملة للمغامرة في قدرته على فتح الطريق أمام تجديد الفن المعاصر بالمغرب الذي ما يزال تحت تأثير مدرسة المناظر التجريدية الباريسية لما بعد الحرب العالمية». كتب خليل المرابط: تستولي الموسيقى الهوجاء المجنونة على الأجساد والحواس؛ يحرك إيقاع الطبول، وقراقب الأجراس والكمبري، أرواح عناصر الطائفة الذين يتداولون على التحول إلى فرش رسم حية – من حدة واحتدام الحركات- لكي يسموا بلون الأولياء، ولون الراية الرمزي، من خلال الأسود والأزرق والأخضر والأصفر المعلنين مسبقا. مصادفات الالتفاف والاصطدام والتشنجات تلطخ الستار الأبيض للذاكرة والخيال؛ فالأجساد الممتلئة ببقع الألوان والتي تقطر ببطىء تضع بصماتها، أي الآثار الخفية لزخمها وعبورها الغريب على هذه الخشبة الفنية المرقشة والمبقعة.
يستدعي الفنان نسقا طقوسيا يحرر القوى الخفية والكامنة وكأننا به عبر الجذبة والانتشاء الروحي يناجي الموت ويستعيد الوصل بالحنين إلى الفردوس المفقود. لكن السائل الملون الذي يقدف به الفنان الزين ليسقي الراقص المحموم يعد همزة وصل بصرية عابرة زائلة بين مسارين متناقضين في إنتاج المعنى: التعبير الجسدي والكثافة اللونية... فالزين من خلال آلته الفنية ليس القائم عن بعيد على احتفال شهواني؛ بل إنه يغوص فيه كفنان. فعلى مذبح الرسم والهذيان، يجرؤ الزين على تقديم التصوير الواقعي لأعماله الأولى قربانا لتجريد إيقاعي متدفق يروضه قبل أن يخلصه من أرواحه الشريرة... ألا يجب أن نضيف "للبصمات السحرية" للوحة الموقعة ما يمكن اعتباره إنتاجات فنية أخرى: غطاء الأرض الملون من فرط ما داسته الأقدام والجلابيب الملطخة للشخصيات المشاركة والصور الثابتة والمتحركة للحركات المبشرة لرقصة الضوء الصوفية الغربية تلك؟ إن التقريب بين كيانات متمايزة، كما هو الشأن هنا بين الصباغة الحديثة والموسيقى والرقص الموروث، ينعش وينشط الإبداع من خلال حيوية جمالية جديدة. إن اللقاء المرغوب ولو بطريقة خجولة وعابرة بين الحرفي والفنان والمعماري والموسيقي والمخرج ليشهد على هذه الحاجة إلى التأليف بين الفنون، وعلى ذلك الانشغال بالاتحاد الروحي بين العناصر المتكاملة لنفس الحاضر الثقافي، ولنفس الكيان».
ومن منظور يعنى بطرق اشتغال الجسد، كتب الناقد الفني الفرنسي بيير ريستاني عن ألوان الجذبة يقول: ... بشكل يتم فيه استخدام الجسد كوسيلة تعبير وكشيء من الأشياء: وبطبيعة الحال هذا هو الرابط بين منهج الزين في الرسم وأنماط طقوس وتقاليد طائفة كناوة. فالسند بطبيعة الحال هو الجسد والأثواب المبللة بالألوان والحركة هي البصمة، أي الجسد التي يلتصق لحظة الجذبة والسمو الروحي بسند القماش ليسجل عليه بصمات متتالية ومكررة حتى لحظة توقف الجذبة وانتهاء الطقس، فنكون حينها أمام عمل ينتهي لأنه شكل أثرا مباشرا لحدث ولنموه الإيقاعي ولأوج فورته وانتشائه من بدايته حتى نهايته. الأمر واضح جلي ومتسق التنظيم: تحتوي لغة الزين أمرا غاية في الانسجام والاتساق وهو ليس إلا ذلك النظام الداخلي لطقوس تستخدم لغايات اللغة التشكيلية من أجل ممارسة الرسم والصباغة. إن ما يدهش كثيرا في طريقة الزين ومنهجه هو أن طقوس السمو والجذبة الروحيين وطقوس البصمة الإنسانية هاته قادمة بشكل من الأشكال من الأزمان الغابرة. (...) لكنها تنظم في نفس الوقت لتطعم أبحاثا موغلة في الحداثة: فمن هذا الجانب بالذات يمكننا الحديث عن حداثة وما بعد حداثة الزين الفنية. لأن استخدام لغة الجسد المتسامي في جذبة روحية بشكل يخلق عبر البصمة المتتالية عملا فنيا، هو نفسه نتاج فضاء وزمان التظاهرة، يعد ظاهرة تشبه كثيرا المقاربة المفهومية لفن الجسد. في تنظيم حفل "الجذبة الكناوية" عند الفنان الزين، وفي طريقة مراقبته لنشاط الراقصين الكناوة الذين يحتسب له بشكل من الأشكال مختلف طبقات الصباغة والطلي. فهذا الجنس من التفاعل ينتهي إلى نتيجة ختامية تكون هي العمل باعتباره أثرا للهوية الإنسانية العميقة. وأرى أن تكرير الطقس الخام وتصفيته لغايات التعبير ما بعد الحداثي يعد أمرا رئيسا وحاسما لمستقبل حساسيتنا وثقافتنا الجديدة.
بعد هذه التجربة دخل الفنان مغامرة ألوان الجاز. كتب جان ماري تاسيت في صحيفة لوفيغارو عن هذه التجربة يقول: «... جمهور محتار في أمر قماش رسم ضخم موضوع على الخشبة. الفنان الزين الجالس على كرسي وظهره صوب القاعة يتأمل ذلك المستطيل الأبيض الكبير؛ لا يدوم الأمر طويلا لأن فرقة الجاز التي سيشتغل معها تدخل. واحد، اثنين ثلاثة.. ينطلق الموسيقيون فيقف الزين فجأة ويقفز في الهواء ويقبض فرش الرسم الممتلئة بالألوان التي يمدها له أحد المساعدين، تتدفق على القماش خطوط حمراء وصفراء وزرقاء وخضراء وسوداء. لقد قدم النموذج. (...) إن الزين يتبع الإيقاع والموسيقى. يقول :" الأصوات تلهمني الألوان. أنطلق من صوت خام لأعطي فنا خطيا من الجاز". يصفق الجمهور فتولد أشكال سرعان ما تغطيها بقع مرشوشة وخطوط ممتدة. ومثل شيطان مسكون إلى حد الغليان، يجري الفنان الزين بين القماش والطاولة حيث توجد فرش الرسم في سباق متفجر مع الوقت: فيزيد من ألوان الأحمر والأزرق والأسود والأصفر. يرتقي الفنان إلى أقصى طاقته فلا يبقى منه غير عضلات نشيطة راقصة مثل ريشة في خفته. تدور يداه وساعداه كطاحونة هواء وكأننا بدون كيشوت يحارب الطواحين. ظلال الموسيقيين المرسومة في هيئتها العامة، تغمرها بقع وفواصل ولوالب وزخارف، عربية وخطوط براقة ساطعة. يوضح الفنان قائلا: "إن العلامات التي أخطها على اللوحة لا تحمل أي معنى، لكن لها حمولة وجدانية. مع هؤلاء الموسيقيين نتقاسم نفس ملاك الإلهام".
انطلاقا من سنة 2003 سوف يدخل الفنان تجربة تشكيلية جديدة توحد بين الرياضة والفن. كتب كلود مولار عن التجربة الفريدة والرائدة في المجال يقول: ليس هنالك أصعب من توجيه جسم مستدير الشكل... والأمر أفظع حين يكون بيضاوي الشكل. (...)أسمي فن الزين هذا "بصمات السرعة الرياضية." يعتزل الزين بشكل ما إرادته الذاتية لفعل الرسم ويكتفي بطلي كرة التنس، أو كرة القدم، أوعجلة الدراجة؛ ويختار كذلك ميكانيك الفن وينتقى الألوان، ولكن الرياضي وأداة الرياضة (الكرة الدراجة...) هما المعنيان برسم وتسجيل الشكل فوق القماش. الفن هنا هو ما يجعل الحركة والسرعة مرئيتين ومنظورتين. (...)إنه يعكس لنا صورة مجتمعنا المأخوذ بنزعة الإجماع حول العروض الرياضية التي تغدو أكثر فأكثر عالمية. لكنه أيضا يجعلنا نشاهد سرعة هي في حضور متزايد في عالمنا وفي اختفاء متزايد عن الأنظار في نفس الآن. فهذا الشكل من إشكال الفن الذي يهديه لنا الزين والذي نتمنى له أن تنتشر مثل العروض الرياضية ،هو فن يقترب من الفن الشامل والعرض الشامل في العالم كله(...) إنه فن يغترف ويستقي من الفن القديم ويثير فينا التفكير في حاضرنا أو مستقبلنا». يقول الفنان عبد اللطيف الزين عن هده التجربة: نقصد بجمع الرياضة والفنون التشكيلية، أن نثبت فوق أرضيات متعددة، آثار وبصمات العديد من الممارسات الرياضية (كرة القدم، ألعاب القوى، كرة السلة، وسباق الدراجات، والتنس ورياضة الغولف، وسباق السيارات وغيره). فتنت الفكرة أبطالا فقرروا المشاركة فيها، وستتم دعوة أبطال آخرين ليرعوا ويشاركوا في هذا الحدث الفني المتعلق باللعب.. كانت النتيجة عملا أصيلا وغير مسبوق: كان بحق فريدا. سوف نخلد، بقدر الإمكان، ونرى آثار مراوغات كرات القدم والسلة والتنس والغولف وكذا عجلات الدراجات، وأقدام حاملي الأثقال، والتي لا تسلك دائما ذات المسار، وأبدا لا تخلف ذات البصمات. تصبح تلك العناصر كلها فرشاة للفنان...
الزين قدر وإبداع
سلسلة الفن المعاصر
كراس المتوحد 2010
136 صفحة بالألوان (15/21)
ترجمة عربية: المبارك الغروسي