هل وجدت دولة تحارب العلم مثل مصر؟ ، بل و تحاول دفن تاريخها كأنها لا تشرف به أمام الأمم، هذه الدولة هي مصر، التي بات كبار مسئوليها لسنوات يحاربون العلم و العلماء حتى وسائل الإعلام لا تهتم لا بالعلم و لا بالعلماء، و ليس أدل على ذلك من البرامج التي تستضيف أهل الفن و الكرة ليقدموا لنا رؤاهم حول مستقبل مصر.
في إطار هذا المسلسل العجيب بدأت الدولة المصرية حصارها للجمعية الجغرافية المصرية سادس أقدم الجمعيات الجغرافية في العالم، شيدها الخديوي إسماعيل العام 1875م، لتكون أداته العلمية للكشف عن منابع النيل و كنوز الصحراوات المصرية و مكانا لحفظ الأرشيف الجغرافي المصري، بل و مراجعاً له حين يريد اتخاذ القرار السليم على أسس علمية، كان مقر الجمعية قاعة في أحد القصور الملكية ثم انتقلت إلى بناية عند ناصية مجلس الشعب و شارع القصر العيني التي هدمت ليبنى مكانها مبنى ملحق مجلس الشعب، و استبدلت الحكومة المصرية المقر المهدوم، بآخر أكثر تميزاً، و هو مقر وزارة السودان في الحكومة المصرية فشيدت به قاعة من أجمل قاعات المحاضرات في مصر أذهلت المشاركين في فعاليات المؤتمر الجغرافي الدولي في عشرينيات القرن العشرين.
و تضم الجمعية متحفاً للعادات و التقاليد المصرية من أجمل و أروع ما يقتنيه كل ما يتعلق بحياة المصريين اليومية، بدءاً من نموذج أصلي و نادر من محمل الحج إلى أدوات الحرفيين المصريين إلى نماذج أصلية نادرة لخيال الظل، لقد أحتاج إلى صفحات و آلاف الكلمات لكي أسرد لك عزيزي القارئ مقتنيات هذه المتحف، الذي يزيد التقدم التكنولوجي نم أهميته يوماً بعد يوم، خاصة مع اندثار العديد من مقتنياته بل قل معظمها من حياة المصريين اليومية، و تضم الجمعية المتحف الوحيد و الفريد للفن الإفريقي في مصر، و هذا المتحف لا يعلم بوجوده ملايين المصريين، أسس مما جلبه رحلة الجمعية و مستكشفيها أثناء جولتهم في أفريقيا على غرار ما كنت تفعل الدول العظمى في عصر أسرة محمد علي، فهو ينافس متاحف الفن الأفريقي في بريطانيا و فرنسا و الولايات المتحدة الأمريكية.
و تمتلك الجمعية بانوراما تاريخية لحفل افتتاح قناة السويس بوصفها أبرز المشروعات التي غيرت كثيراً من جغرافية مصر شيدت القاعة العام 1930. لكن أكثر ما يسترعى الانتباه في الجمعية الجغرافية هو مكتباتها العامرة بنوادر الكتب، و التي تعد الأكثر ثراء في مصر في مجال الدراسات الجغرافية بشتى فروعها، فضلاً عن امتلاك الجمعية نسخ نادرة من الخرائط بعضها يعود للقرن 16 الميلادي، لكن هناك علماء صامدون يقاومون لكي تظل هذه الجمعية على قيد الحياة يقاومون عاديات الدولة المصرية، بل و يوهبون من أموالهم الكثير لكي تظل هذه الجمعية باقية منهم الدكتور محمد صفي الدين أبو العز رئيس الجمعية الحالي، و الدكتور مدحت جابر و الدكتور السيد الحسيني و الدكتور محمد الشرنوبي و الدكتور فتحي أبو عيانة.
لقد صنعت الجمعية أعلاماً من المصريين منهم الدكتور سليمان حزين و الدكتور جمال حمدان و الدكتور صبحي عبد الحكيم، و الدكتور عوض محمد عوض و غيرهم، نحن أمام كنز حقيقي ما يزيد على 12 ألف خريطة، و 60 ألف كتاب و 500 دورية بكافة أعدادها، هذه الدوريات أتت نتيجة للتبادل العلمي مع الجمعية فالجمعية لديها دورية علمية محكمة صدرت بالفرنسية لأول مرة عام 1876، من هم إذن أعداء العلم و الجمعية الجغرافية المصرية:-
· وزارة الأوقاف
اعتمدت الجمعية الجغرافية لسنوات على إيراداتها من اشتراكات و تبرعات الأعضاء, لكن بصورة أساسية على ريعها من وقف خيري أوقفه المرحوم محمد راتب قوبان بن طبه الجركسى على زوجته لأنه لم ينجب و أوقفته الزوجة على الجمعية الجغرافية الملكية المصرية في ذلك الوقت بموجب حجة الوقف الصادرة من محكمة مصر الابتدائية الشرعية في يوم الثلاثاء 17 نوفمبر 1931 م و بموجبه تكون الجمعية هي المنتفع الوحيد من هذا الوقف و مساحته 538 فداناً بقرية كتامة الغابة بمركز بسيون محافظة الغربية , هذا الوقف الخيري لا يجوز التلاعب به أو التصرف فيه , غير أن بعض المترصدين أقاموا دعوى في عام 2004 م , بأنهم يمتلكون هذه الأراضي و أنها وقف باسم عبد الحميد محمد راتب باشا , بينما صاحب الوقف هو محمد راتب قوبان بن طه الجركسى , و مسجلة بهذا الاسم رسمياً تحت رقم 690 سجل 142 لسنة 1901 م . حجبت وزارة وقف الجمعية من قبل من هم دأبوا على الاستيلاء على الأوقاف , و توقف ضخ ريع الوقف على ضآلته للجمعية , و هو ما أثر سلباً على أنشطتها , و الآن على النائب العام و وزير الأوقاف و مجلس الشعب و مجلس الشورى السعي لإعادة هذا الوقف للجمعية.
· وزارة النقل
من المفترض أن من أهداف وزارة النقل تخفيف الكثافة المرورية بالعاصمة و تفريغ المدينة من المؤسسات الغير حيوي وجودها بها أما أن تضع الوزارة مقر هيئة الطرق و الكباري بجوار الجمعية الجغرافية المصرية و في حرمها , و أن تحرم أعضاء الجمعية من استخدام المساحات التي أمام الجمعية لركن سيارتهم و سيارات المترددين على الجمعية و الأتوبيسات للرحلات التي تزور متاحف الجمعية فضلاً عن أن هيئة الطرق و الكباري لديها مساحات شاسعة من الأراضي في مدينة نصر أمام نادي السكة الحديد يمكن نقل مقر الهيئة إليها , و ترك مقر الهيئة ليكون امتداداً لمقر الجمعية الجغرافية التي ضاق مقرها الحالي بالكتب , ولا توجد أي فرصة بها للتوسع سوى مبنى هيئة الطرق و الكباري الذي بنقله إلى خارج وسط العاصمة تكزن مثلاً لتخفيف الكثافة المرورية , ثم لماذا هذا المكان الحيوي ليكون مقراً للهيئة , و لماذا الإصرار على أن تزدحم العاصمة بمؤسسات لا معنى لوجودها بجوار مجلس الشعب و الشورى و الجمعية الجغرافية
· مجلس الشورى
منذ أن أعاد الرئيس الراحل أنور السادات مجلس الشعب للحياة , و هو حبس الجمعية الجغرافية المصرية داخل أسواره , بحيث لا تستطيع الدخول إلى الجمعية إلا عبر أمن مجلس الشورى , الذي لديه مدخل آخر من بناية وزارة الأشغال في شارع محمد محمود , بينما الجمعية الجغرافية لا مدخل لها سوى من شارع القصر العيني , و لا نستطيع أن نفهم إلى الآن لماذا لا يفك مجلس الشورى حصاره للجمعية الجغرافية ليعلى قيمة العلم على قيمة السلطة و السيطرة , و ليتاح لزوار و رواد الجمعية الجغرافية المصرية زيارة الجمعية دون المرور عبر حراسة مجلس الشورى التي وضعت بوجودها حاجزاً نفسياً و أمنياً بين الجمعية الجغرافية و المصريين , فهل لايزال هذا الحاجز ؟؟؟!!!!
عضو الجمعية الجغرافية المصرية