مساحة للحوار

هناء الشلبي: الحرية والكرامة/ الوجه الكفاحي للثامن من آذار

فيحاء عبدالهادي

تطلّ علينا ذكرى الثامن من آذار هذا العام، بينما تخوض أسيرة الحرية: هناء يحيى صابر شلبي، من برقين/ قضاء مدينة جنين، إضراباً مفتوحاً عن الطعام، حتى تتحقق مطالبها العادلة، في الحرية والكرامة. وتعيدنا وسيلة المقاومة الشعبية، التي تخوضها الأسيرة، إلى ضرورة استعادة الطابع الكفاحي لهذا اليوم، الذي تكرَّس الاحتفال به، تخليداً لذكرى المناضلات، عبر العالم، اللواتي كافحن من أجل حقوقهن الاقتصادية، ثم كافحن للحصول على حقوقهن السياسية.
*****
لم يتكرَّس يوم الثامن من آذار، كيوم عالمي للمرأة، سوى بعد سلسلة نضالات خاضتها النساء، لتحقيق العدالة الاجتماعية، والأمان الإنساني، منذ خرجت أول مظاهرة لعاملات النسيج، في نيويورك "مسيرة الأواني الفارغة"، مطالبة بحقوق النساء في الحياة الكريمة، عام 1857،
إلى المظاهرة التي شاركت فيها 15 ألف من النساء العاملات، اللواتي طالبن بحقوقهن الإنسانية، ورفعن شعار: الخبز والورود، في الثامن من آذار عام 1908، حتى الإضراب العام الذي خاضته 20 ألف عاملة نسيج، في نيويورك، عام 1909، والذي استمر 13 أسبوعاً، والذي اعتبر أطول إضراب في تلك الفترة. وحين احتفلت أكثر من مليون امرأة، لأول مرة، بعيد المرأة العالمي، حين أقرَّت الاشتراكية الدولية المجتمعة، تخصيص يوم عالمي للمرأة، عام 1911؛ هتفت النساء في ألمانيا، وسويسرا، والسويد والدنمارك، بمطالبهن العادلة: طالبن بممارسة حقهن في التصويت، وحقهن في مواقع صنع القرار، والحصول على التدريب المهني، ووقف أشكال التمييز ضدهن، في المؤسسات جميعها، وفي عام 1913، وفي الثامن من آذار تحديداً؛ انتهزت النساء فرصة الاحتفال بيومهن للاحتجاج على الحرب العالمية الأولى.
ولم يتوقف نضال المرأة لنيل حقوقها؛ الأمر الذي اضطر العالم إلى الاعتراف بنضال النساء، حيث تبنَّت منظمة الأمم المتحدة الاحتفال بهذا اليوم، عام 1977، وتمَّ اختيار يوم الثامن من آذار للاحتفال بنضال النساء من أجل حقوقهن، عبر العالم.
*****
جاء الإضراب عن الطعام، الذي تخوضه أسيرة الحرية هناء شلبي، بمساندة عدد من أسرى الحرية؛ ليعيد ليوم المرأة ألقه، مذكِّراً بالوجه السياسي الكفاحي لهذا اليوم، بعد أن تحوَّل الاحتفال به سنوياً، إلى مناسبة اجتماعية احتفالية، في العديد من دول العالم. قرَّرت هناء شلبي، أن تخوض معركة ضد قرار الاعتقال الإداري،- الذي يتيح اعتقال أي مواطن/ة، دون تقديم لائحة اتهام، ودون محاكمة، وأبلغت إدارة السجن بقرارها: "إن شاء الله، سأواصل هذا الإضراب، حتى ولو كلفني ذلك حياتي، وقد أبلغت إدارة السجن بقراري هذا، فزادوا من تهديداتهم وضغوطاتهم لي بمعاقبتي بالعزل الانفرادي"، وقالت لمحاميها "إنها لا تريد لأية أسيرة أخرى أن تتعرض لهذا الأمر مرة أخرى، وأنه يجب وضع حد للانتهاكات التي تمارس بحق الأسيرات والأسرى، وأن مطالبها تتمثل بإنهاء اعتقالها الإداري، وإنزال العقوبات الشديدة بحق من قاموا بضربها".
رفعت هناء صوتها عالياً، ضد القهر، وضد الظلم. لم تستطع أن تنتظر. قررت أن تخوض إضرابها عن الطعام، مستلهمة تجارب أسرى الحرية، على امتداد سنوات النضال الفلسطيني، وتجربة أسير الحرية: الشيخ خضر عدنان، بشكل خاص، الذي أضرب عن الطعام 66 يوماً، رافضاً الانصياع للاعتقال الإداري، مصراً على نيل حريته؛ إما بالحياة وإما بالشهادة، فكانت له الحياة.  صمَّمت هناء ألاّ تتراجع عن إضرابها، حتى تتحقق مطالبها، وتنال حريتها، مؤكِّدة أن قرار اعتقالها الإداري، مرة ثانية، بعد أن حرِّرت، ضمن صفقة "وفاء الأحرار"، في شهر تشرين الأول الماضي، 2011؛ هو قرار إعدام، خاصة انها اعتقلت سابقاً، مدة 25 شهراً، دون أن توجه لها أية تهمة.
سلَّطت هناء الضوء على الطريقة الوحشية لاعتقال الأسرى، وعلى وسائل الضرب والإهانة، التي يتلقونها، على أيدي جنود الجلادين، بالإضافة إلى وسائل التفتيش المذلة والمهينة، ثم عن الحياة اللا إنسانية داخل المعتقل. ذكرت هناء "بأنه تم اعتقالها بطريقة وحشية، وأن سبب إضرابها هو تعرضها للضرب، والإهانة، والتفتيش العاري، إضافة إلى الاعتقال الإداري، وبأن قوات الاحتلال طلبوا منها أثناء الاعتقال الجلوس على الأرض؛ لأنها لا تستحق أن تجلس على كرسي على حد قولهم، ثم تم نقلها لمعتقل سالم وهي معصوبة العينين، وأنهم لم يكتفوا بضربها بل تم معاقبتها بعزلها لمدة أسبوع، مما سبَّب لها آلاماً في الرأس وجميع أنحاء جسدها".
*****
توحَّدت الاحتفالات بيوم المرأة العالمي، في فلسطين، خلف شعار رئيس: هو شعار الحرية، بالإضافة إلى شعارات، تطالب بالمواطنة، والمساواة، والوحدة.
وقد جسِّد شعار الاحتفال الرئيس أهداف المرأة الفلسطينية، العامة والخاصة، - في إنهاء الاحتلال، وإنهاء الانقسام، وإنصاف النساء- والتقى مع نضال نساء العالم، من أجل الحرية والكرامة.
وإذا كانت نساء العالم قد احتفلن بهذا اليوم، بشكل متنوع، حسب أولويات وظروف كل بلد؛ إلاّ أن أسلوب الاحتفال كان متشابهاً، كذلك شعاراته الرئيسة، حيث سارت النساء في تظاهرات، في مدن العالم، طالبت بالمساواة والكرامة والحرية، ودعت إلى حماية المرأة من العنف والإقصاء.
*****
إذا كانت الحرية لا تتجزأ، فالحرية لهناء شلبي، والانتصار لكرامتها، هي حرية وكرامة لنساء الأرض جميعاً.

faihaab@gmail.com