مقدمة:
تجربة القاص السوداني عمر محمد أحمد عمر "الصايم"، تأخذ أقصى تجلياتها في نصوص مجموعة (العجكو مرة أخرى) التي صدرت مؤخرا عن منشورات نادي القصة السوداني، وذلك لتوفرها على تجربة معقدة تمتاز بتنوع تعدد حقول ومشارب المعرفة التي يتعاطى معها الصايم. (العجكو مرة أخرى) بإسلوبها البسيط غير المتكلف الذي ينضح بالسخرية والمرارة والأسى، تتعدد فيها لغة السرد (الفصحى، الدارجة، الشعرية،إلخ)، فتغتني بالأدوات الجمالية، التي تسعى للحفر عميقا في الطبقات القصوى للوعي الطلابي، وتشابكاته مع الهموم العامة للمجتمع. إذ تحفر في السياسي والفكري والثقافي، بإنزياحات تستثير في القاريء، تأملات عميقة في الظواهر الاجتماعية والسياسية التي قامت المجموعة برصدها، في إطار القضية المركزية المطلوبة (العجكو)، كتيمة محورية تم خلالها معمار أغلب نصوص المجموعة، التي توزعت حكاياتها الأساسية، بين طرفي الخط الفاصل لأول نص أستهلت به المجموعة - المتنحي- وآخر نص ختمت به - العجكو مرة أخرى- فهي كمجموعة ثورية في زمن تجهض فيه الثورات 1964، 1985 التي لا يبقى منها سوى أصداء بعيدة متلاشية، يظل ثمة أثر تتركه خلفها، يتمثل في تلك الشحنة الملهمة، التي تنطوي على كمون الثورة، وديناميتها.
فجهاز السلطة المصاب بالزهو الجماعي، والمسجون في الدائرة المتناقضة للشكوك واليقين الدنيوي المتوهم، يلعب بأساليبه الإستبدادية دورا هاما في النصوص، التي عبر مقاومتها حصاراته، تتكشف عن رؤى غنية تزرع فينا ذلك النوع الغريب من القلق المضطرب.. المحمل بالأسئلة الحارقة وإنفعالاتها. نصوص المجموعة مادتها الأساسية مستلهمة من الواقع الطلابي، تلك المرحلة من العمر بميلها العفوي للحلم والبطولة، حيث الدروب إلى قلوب الحبيبات وأشباههن، غير محاصرة بمتاريس الحسابات العقلية، التي تأتي مع تقدم السن. فكل شيء وقتها يحدث بدافع من مثالية نقية. وكل شيء وقتها ممكن.
القاص عمر الصايم كمناضل ثوري، يبحث عن سلامه النفسي – هذا السلام الذي فشلت الآيديولوجيا منحه إياه، كما فشلت في منحه من قبل للقاص المبدع الاستثنائي أحمد أبو حازم الجعلي أو حسين مردان السودان - لربما هذا المفهوم الناتج عن قراءات لكليهما، هو ما يمنحنا الآن قدرة الاستبصار، في التفتيش في مبثوثاتهما (عمر والجعلي) النوستالجية، فيما تتكيء عليه البنية الباطنية لقصصهما القصيرة، لدى حديثنا عن الرؤية، والإحالة هنا إلى مفهوم ديستوفيسكي للذكريات في رائعته (الفقراء) بإعتبارها، أي الذكريات «سواء كانت حزينة أو فرحة سيان، فهي دائما مُرّة»، كمقترح نقدي يحكم رؤيا العالم في نصوص كليهما، وخصوصا مجموعة (العجكو.. مرة أخرى)، بنصوصها الإحدى عشر الموسومة ب: (المتنحي، مساران ثالثهما الجنون، المحب سابقا.. الحر دوما، المسخ أو البروفيسور، خرائط الوحيد، سوما وصبوحة، أعرج المشرحة، ديالكتيك جلوس، سونغ يفضل السلامة، الظل وإقتسام الجسد، العجكو مرة أخرى). هكذا إذن أجد نفسي في محاولتي قراءة نصوص المجموعة القصصية القصيرة، للصديق الجميل القاص عمر الصايم (العجكو.. مرة أخرى)، أستعين أيضا بما قاله جراهام جرين، كإستهلال لمقدمة هذه القراءة فيما يخص العلاقة بين الحياة والكتابة:"أحيانا أفكر بأن حياة الفرد تشكلت بواسطة الكتب، أكثر مما ساهم البشر أنفسهم في تشكيل هذه الحياة(1) وذلك لما أنطوت عليه من قراءات حقيقية مشتركة بيننا، في جلسات أنس داخليات جامعة الخرطوم، وفي بيته بسوبا الحلة، وفي بيته الآخر بكوستي، منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي وحتى خواتيم تسعينياته، فعمر صديق قريب من القلب والروح. لذا فهي قراءة محبة، كما يقول القاص المغربي محمد سعيد الريحاني، في مشروعه النقدي الحاءات الثلاثة.
إذ يكسو عمر الآن في مجموعته (العجكو.. مرة أخرى) كل تلك الأيام لحما ودما، ويجعلها تمشي على قدمين في المدى الواسع الذي يفصلنا، كأنها لم تنقضي. بما يحيلها للراهن الذي ينتزعها من بين براثن الذكريات وحصارها، بحيث لا تعود حنينا إلى ماض جميل مشترك، بل راهن نعيشه الآن معا.. كما تلك الأيام. مخترقا الفضاء الواسع الفاصل بين القارات. لم يتغير فينا شيء إذن، لكن في الحقيقة الكثير قد تغير!. إشتغلت نصوص مجموعة (العجكو مرة أخرى) على تيمة مركزية، هي تيمة العجكو، التي تتحرك تيمات النصوص الأخرى في محيطها. لترصد التغيرات التي طرأت على العالم الخارجي، وعلاقته بعوالمها الداخلية خصوصا أن فضاءها المركزي هو عالم الجامعة كمؤسسة أفندية، تراقب المجتمع من داخل أسوار حصنها العاجي. فالعالم القصصي لعمر الصايم، تأثث إذن بأحداث وشخوص تنتمي، لعالم الطلاب، ولكن بعضهم ينتمي للحياة العامة، ما يميزهم -الطلاب كشريحة إجتماعية إنتقالية أو الفئات الإجتماعية الأخرى- أنهم جميعا إنتقاليون، فالطلاب سرعان ما سيتخرجون، والموظفون سرعان ما سيتقاعدون عن الخدمة العامة، والقلقون فكريا بسبب ترحالهم الثقافي، سرعان ما سيغادرون بلادهم مغتربين أو مهاجرين، والمغتربون سرعان ما سيعودون لمواجهة أقدارهم في وطنهم مرة أخرى، إلخ.. في الوقت نفسه الذي تمر فيه بلادهم بمرحلة إنتقالية مزمنة. وهكذا نجد أن الجامعة والمجتمع كقطبين يتفاعلان معا في جدلية الإنتقال، الذي تمثل فيه الجامعة أيضا المختبر التنويري الذي يعيد قراءة التراث وإعادة طرحه من جديد، كمقترح نقدي لقراءة قصص المجموعة من هذه الزاوية.
إن الحديث عن نصوص قصصية لمثقف ومبدع بقامة عمر الصايم، يستدعي إلى الذاكرة حكمة باولو كويلو في الخيميائي"كل واحد منا يعرف ما هي أسطورته الذاتية وهو في ريعان شبابه، ففي هذه الفترة من الحياة يكون كل شيء واضحا. كل شيء ممكنا. ولا يخاف المرء من أن يحلم أو يتمنى ما يحب أن يفعله في حياته، وكلما جرى الوقت، فإن قوى خفية تنشط لإثبات إستحالة تحقيق الأسطورة الذاتية(2)، أو بلغة أكثر دقة أن "الوقت لايغير الإنسان ولا الحكمة أيضا إنما الشيء الوحيد الذي يمكن أن يدفع الكائن ليتغير هو الحب.(3) والحب هنا سؤال مركزي معقد في العجكو التي تأخذ قيمتها(كرؤية) في الحسي والروحي .. المادي والمعنوي .. الزمني المتغير والمطلق الثابت، القديم، الأزلي.
العجكو كعنوان ومفهوم إستراتيجي للمجموعة:
وسمت المجموعة بالعنوان الآخير لنصوصها، كتعبير طاغ على الفضاء النصي لنصوصها، وبذلك تمثل - العجكو القصة - دلالة مفتاحية مركزية لمغاليق كل نصوص المجموعة، فقصص المجموعة كلها تتكثف حول هذا العنوان، ومع ذلك تحتفظ القصص الأخرى في المجموعة، بعناوينها كفواصل جانبية، تعبر عن خصوصيتها، أو كعلامات ترقيم تتكامل لأداء معنى: العجكو في إحالاته التراثية والراهنة – والتي ترتبط بالخصب والنماء والزراعة (كسبر اللوبيا)، أو الحرب، إلخ من دلالات للرقصات في ثقافات الأطراف، والتي ترتبط _الرقصات- بقوانين الأبنية الإجتماعية نفسها- لكن يتم تزييف هذه الحقائق التراثية، بوقائع وأحداث إجتماعية وسياسية محايثة لراهن بلادنا الآني المستمرمنذ الستينيات من القرن الماضي. إذ تأخذ العجكو قيمتها الجمالية والمعرفية كعنوان دال من هنا بالذات.
فالعجكو في مرجعياتها التراثية، التي لا تختلف كثيرا عن – إبيرة ودرت كرقصة دارفورية، عانت رفض الثقافة الجبرية البيانية ووجدانها الإستبدادي - بالتالي هي تعبير عن ظاهرة مهمشة أو منفية في كون السلطة البيانية، بمواقفها المعلنة من الهوية والإنتماء والإختلاف، وبالإحالة هنا إلى فرويد، في تصوره لبواعث العمل الفني عموما بأنه محاولة لإشباع رغبة أساسية أو متخيلة "ولا تكون الرغبة رغبة ما لم يحل بينها وبين الإشباع عائق كالتحريم الديني أو الحظر الاجتماعي وأعراف القوم وتقاليدهم. وهكذا يحول "الرقيب" بين الرغبة وبين إشباعها سواء كان "الرقيب" هو الوازع الديني أو الأخلاقي أو العرفي الاجتماعي(..) وهنالك آليات دفاعية لدى الرغبات تستخدمها حتى تتجاوز الرقيب فتحقق الإشباع(4) وفي حالة العجكو يقف الرقيب موقفا مضادا للتنوع الثقافي، فهو يقيم كل شيء من خلال ثقافته هو، الساعية لإعادة إنتاج الثقافات الأخرى في إطارها هي وحدها، دون حوار أو أي نوع من أنواع عمليات التواصل الحضارية الأخرى. إذن العجكو بهذا المعنى تمثل إنطواء على الخصوصية والتفرد، في الإطار العام للتنوع بكل علاقاته الصراعية.
العجكو كمقدمة للحدث في نصوص المجموعة:
ولأن القاص الصديق عمر الصايم، مغرم بالشعر العذب الكذوب، أجد نفسي لدى الحديث عن العجكو، مهتم بالإشارة لما أنطوت عليه من شعرية، مستأنسا بما ورد في الدراسة البلاغية القيمة لدكتور محمد رضا إبن عبد الله الشخص في شعر الخنساء إذ يقول: عما برع فيه عمر الصايم من (حسن الختام) "لا يسميه بعضهم (الختام) ويسميه آخرون (الانتهاء) ويسميه بعضهم (حسن ا لانتهاء) وسماه شرف الدين التيفاشي (حسن المقطع)، وسماه أبن أبي الإصبع: (براعة المقطع) "بمعنى" (براعة الاستهلال، والتخلص، وحسن الختام)" إذ يصبح الاستهلال هنا منطقةً وسطى، ما بين القاص والقاريء، وفقا لمفهوم يمنى العيد للراوي في دراستها القيمة (الراوي الموقع والشكل). منطقة إلتقاء بين القارئ والكاتب، للإبحار في فضاءات النص، بكل ما يحملان –الراوي والقارئ - من تساؤلات يجتهدان في الإجابة عنها معا، بالتالي تصبح هذه المنطقة منطقة جذابة غير طاردة للقاري، خصوصا أن عمر الصايم، يأتي بألوان من الاستهلال تتجدد فيها الأمكنة والمواقيت والوقائع والأحداث، ويتغير فيها شكل النص، دون أي خدع أو حيل مألوفة! وذلك لإعتقاد عميق في قدرة القاريء على إستكناه مكنونات النص.
المسرود والسارد في مجموعة العجكو:
في القصة الأولى، التي يفتتح بها القاص عمر الصايم مجموعته، أي قصة (المتنحي) نجد الراوي الذي يستخدم ضمير المتكلم (أنا) ساخط على كل شيء .. يفتقر للحب .. عدمي .. لا ينتمي لشيء. وفي القصة التي تليها (مساران ثالثهما الجنون)، نجد الراوي بطل القصة نشطا وفاعلا في مجتمعه، لكنه ينتهي أيضا إلى التنحي. وفي قصته (المحب سابقا .. الحر دوما أو رسالة إلى نورا) نجد ن الراوي العاشق يتعرض للخذلان، فيتمركز حول ذاته يجتر الأحزان، وفي (المسخ أو البروفيسور)، تتشابه أجواء النص وعوالمه مع (مساران ثالثهما الجنون)، إذ يتعبأ فضاء النص، بطعم الحزن والأسى ومرارات الخيانة. (وفي خرائط الوحيد) يتعرض أستاذ الجغرافيا الغاضب والساخط للتحقيق، فيتقدم باستقالته. فإدراكه لكل ما حوله، ورؤيته للكون والأشياء، يتم عبر الخريطة، موضوع التحقيق. والتي هي ليست خريطة، بقدر ما هي هوية وانتماء، لا يقبل الانشطار أو القسمة على اثنين.
وفي (سوما وصبوحة) تهيمن على فضاء النص، مناخات الصراع الثقافي، والتي نجدها أيضا تيمة مركزية في (سونغ يفضل السلامة)، ونلاحظ هنا أن (سوما وصبوحة) على عكس غالبية نصوص المجموعة إذ أن الراوي المتكلم فيها أنثى، هي مثل أغلب نصوص المجموعة، تدور أحداثها ووقائعها في الجامعة، فسوما التي تعاني صدمة هجران حبيبها لها، تقع في براثن "المثلية" مع زميلتها، ثم تصدم بزواج زميلتها بعد ذلك. وفي (أعرج المشرحة) نجد الراوي يستدعى وقائع الصراع السياسي في الجامعة، ومقتل صديقه منتصر، فتنضح القصة – مثل القصص الأخرى- بالأسى والأحزان وأحاسيس الفقد.
وفي (ديالكتيك الجلوس) يراقب الراوي ساقي زميلته، التي تجلس على مبعدة، ليتبدى في هذا المدى سؤال تشكيل الآيديولوجيا للعلاقات الإنسانية، وتأثر هذه العلاقات بما يجري داخل أوعية الآيديولوجيا، من إنقسامات، تقود إلى تشظي علاقتهما. وفي (سونغ يفضل السلامة) يبرز سؤال التواجد الصيني الكثيف في البلاد الكبيرة، والذي تعدى حدود الإقتصاد، وأنزاح إلى حقل الغزو الثقافي، خلال علاقة الراوي بالحياة اليومية، وعلاقته في ذات الوقت بأستاذ اللغة الصينية (سونغ) من جانب، وعلاقتهما معا بالإحتقان السياسي وشمولية الآيديولوجيا.
وفي (الظل وإقتسام الجسد)والتي نلاحظ التشابه الكبير بينها وبين (سوما وصبوحة)، نجد الراوي الطالبة تعاني حرمانها من لقاء حبيبها، بسبب إغلاق الجامعة لعام كامل، تقضيه مطاردة بماضيها الكئيب، الذي تحاول الهروب منه بلقاء هذا الحبيب. وفي آخر نصوص المجموعة (العجكو.. مرة أخرى) نجد أن الأب الذي أحيل على المعاش يشعر بالوحدة، فقد تفرق الأبناء في قبل الأرض الأربعة، وبقى هو دون أنيس أو جليس. يعزي النفس بإستعادة الماضي في ذاكرته، مقاوما فعل التنحي.
نلاحظ على كل هذه النصوص أن راويها ضمير المتكلم (أنا) / (نحن) بإستثناء قصة العجكو التي جاءت بضمير الغائب (هو) ، كما نلاحظ أن الزمن نفسي أكثر منه وأقعي، والأمكنة التي يتم الإنطلاق منها لسرد الاحداث، التي وقعت في الماضي. بعضها محدد وبعضها غير محدد، ووقائع البناء السردي لا تجيء كبنى حكائية منفصلة، فهي جزء متماه في الأحداث والحكاية، التي إنطوى عليها السرد. وهذا ما سنتحدث عنه لاحقا بتفصيل في البناء النصي.
البناء النصي: (الزمن والذكريات):
إذا إستعنا بمفهوم بول ريكور في (الزمن والسرد)، نجد أن الزمن عند الصايم، يقود إلى البحث في حاضر ثلاثي الأبعاد، وهو ما يسميه – ريكور- بحاضر الماضي وحاضر الحاضر وحاضر المستقبل، في مقابل تنظير أرسطو للزمان في كتابه "فن الشعر"، الذي يكمن في قراره -في رأي ريكور- مفهوم عن الزمان "بوصفه تتابعاً للأفعال السردية وتنظيماً لها.(5) وكما يقول ريكور في كتابه المشار إليه أن الزمن هو "منزعاً إنسانياً لاستشراف المستقبل الذي يتربص به الموت. وبالتالي فالزمان هو أفق هذا الوجود في العالم، مفهوماً بوصفه اشتراعاً للإمكانيات البشرية، التي تحاصرها المحدودية والنهائية".(6) وهو مفهوم في التحليل النهائي، بطريقة أو أخرى ضد الحصار! وهكذا تبدو مكونات النص القصصي إمتدادا لمكونات الخطاب القصصي (الزمن، الصيغة والرؤية) كما عند تودوروف في شعرية النص. فالخطاب القصصي عند عمر في العجكو، ينحو إلى نزع القداسة عن التوثيني البياني، ونزع الجمال عن المرأة الخائنة، فالراوي في العجكو، مزود بطاقة نقدية للواقع والأشياء والعلاقات المحيطة. كما في قصة (المتنحي) الذي ترمز الحفرة التي وقع فيها، إلى هذا الواقع: الهاوية، ولكن وقوعه في الحفرة – هذه الهاوية- مماثل لإسترداد الطبيعة الأم لإبنها الإنسان المعذب إلى رحمها/ الماتريكس (الحفرة).
فكل الأحداث والوقائع في حياة راوي (المتنحي)، يتم إستدعاؤها في هذه البرهة الزمنية الخاطفة - لحظة الوقوع في الحفرة – وهكذا نجد أن الزمن في المتنحي يبدأ بـ"منذ البدء" – أي منذ لحظة ولادته كمتنحي- فيمضي تعاقبيا مرورا بالمرحلة الطلابية، ثم تراجعا إلى الطفولة "كنت قد أفدت من طفولتي المتوحدة" لينتقل مرة أخرى إلى فترة الدراسة ثم فترة البحث عن عمل "بعد تخرجي بمخارج متعسرة" ثم زمن الزواج "حين تزوجت " ثم زمن إستشرافي "آملا ان أصير مديرا في فترة وجيزة (..) وقبل ذلك بفترة أوقعتني معلمة التاريخ في مصيدتها" وهكذا تتبدى اللحظات الزمنية تتابعا وتراجعا، وصولا إلى اللحظة الراهنة، التي يتنحى فيها، أي يعود إلى اللحظة الزمنية نفسها، التي إستهل بها القصة "من أوقعني في هه الحفرة"، ففي الواقع المتنحي داخله هو من أوقعه في هذه الحفرة، التي يرغب أن يتنحى فيها حيث يشاء.
وهكذا يتكثف الزمن .. في لحظة الوقوع، ليتخلق المتنحي في رحم هذه الأم (الحفرة)، فزمن النص هنا هو هذه اللحظة المخاضية، التي تتراص إلى جانبها شقيقاتها من لحظات متنحية.
كذلك الزمن في (مساران ثالثهما الجنون) ، حيث نجد الراوي يستهل الحكي بحذف الضمير (كنا) ليضعنا مباشرة في قلب السرد "ثلاثة ملأنا الدنيا ضجيجا" إنطلاقا من اللحظة الراهنة، التي يتداخل فيها ما هو إستشراف "سيكون رسول الحياة" بما هو راهن "الآن صارت هذه الكلمة لا تهمني في شيء، ولن أموت من أجلها" ثم تراجع فيما يشبه الإستدراك "إستلبني في إسبوع واحد" ويستمر التراجع في الماضي "فاجأني ذات قعدة إشتراكية(..) خلال شهر واحد" لينتقل الإستشراف إلى مستوى آخر في هذا التراجع في الماضي "أمين عبد الباري بروفيسور مستقبلي" ومن ثم عودة للحظة الزمنية التي سبقت الإستشراف للتداع في الماضي "حين أفلت سمير يده عني.." ثم تراجع "تلك الأيام.." فعودة للحظة الراهنة "الآن بعد أن عقلت أدركت أنها مقصودة.." فتراجع مرة أخرى إلى الماضي والأفكار الإستشرافية فيه "بتخرج هشام وسمير أصبحت الزعيم (..) ذات المصير بعد عام"، وهكذا إلى أن يعيدنا إلى لحظة البداية (الإستهلال) اللحظة الراهنة.. حيث موقع الحدث غير محدد الملامح.
وفي النص (المحب سابقا .. الحر دوما) كنص يتسربل بالحزن، وينفتح على التأملات الوجدانية الأسيانة، كضياء نجم زاو، يتم توظيف الزمن على نحو مشابه لما سبق، فهو زمن نفسي، وكذلك المكان الذي تتم فيه كتابة الرسالة غير محدد.. تتحرك خلال الزمان والمكان هنا إحداثيات النص، لتكشف عن عاشق مجروح، يكتب رسالته الآخيرة لحبيبته التي هجرته. يتداعى في هذه الرسالة صائغا دفوعاته وآثار الترك عليه. وتأخذ الرسالة كتيمة مركزية لهذا النص رمزيتها، في كونها نص مكتوب مرسل إلى حبيبته(*) ويخضع لتأويلاتها للكشف عن مضامينه الباطنية والظاهرية، بذلك تكون هذه القصة هي (نص داخل نص). كما أن الرسالة بحد ذاتها هي "فن من فنون النثر القولية، عرفها العرب منذ القدم. وهــي مثل فنون النثر الأخرى (القصة، المسرحية، السيرة الذاتية ...) لها خصائصها المميزة التي تجعلها فناً قائماً بذاته، والرسالة الذاتية أو الشخصية يعبركاتبها عن نفسه تعبيرا حراً بلا قيود، وهي النص موضوع هذه القصة. التي تذكرنا بقصة الطيب صالح رسالة إلى إيلين(7) مع الإختلاف الكبير بينهما، إلى درجة التضاد في الموضوع. كما نجد في النص (سوما وصبوحة) ثمة مستويين زمنيين. المستوى الأول: يبدأ من لحظة وصول سوما من دولة الإغتراب للدراسة الجامعية في بلادها. وفي هذا المستوى يعتمد القاص الإسترجاع لإستعادة ماضي سوما في دولة الإغتراب.
المستوى الزمني الثاني: يتمثل فيما بعد وصول سوما إلى بلادها، والتعاطي مع عالمها الجديد في الجامعة، فيمضي الزمن هنا تعاقبيا وصولا إلى لحظة عودة والدها "أخبرني أنه أنهى عمله بالسعودية". (أعرج المشرحة) نجد أن الزمن يبدأ من اللحظة الراهنة، حيث يتحاورالراوي مع زميله الموالي للسلطة. فالزمن هنا هو مقدار ما أستنفده الحوار من مدة، إستدعى الراوي خلالها وقائع وأحداث الماضي، كمنلوج داخلي حينا وكحوار مباشر - اللحظة الراهنة في دفوعاته وحججه - حينا آخر. وفي القصة (ديالكتيك جلوس) نجد أن الزمن ماضي ، فكل الوقائع والأحداث جرت في الماضي، والراوي يعمل على إستدعائها الآن في اللحظة الراهنة. وهو الأمر نفسه في (سونغ يفضل السلامة)، فمن خلال المكان (السجن) يسترجع الراوي الوقائع والأحداث، التي قادته إلى السجن، بما هو رمزية تجسد وجه الحياة في البلاد الكبيرة، فالسجن هو السجان أو الحراس.. وهو الأسوار والحواجز والقضبان والمتاريس.. وهو الإزلال والحبس والإنطواء والتحكم في أنشطة الحياة اليومية.. وهو الإنتظار للحظة التحرر والإنعتاق، سواء كان إنعتاق المسجون بنيله الحرية أو الموت بالإعدام، فالسجن هنا لا يأخذ معنى إصلاحي أو تأهيلي كمؤسسه إجتماعية عقابية.
إذن من خلال تحديد السجن كمكان، يتم الإنطلاق لإدارة الأحداث، عبر أداة الإستدعاء أو الإسترجاع، حيث يتم التعرف خلال العلاقات التي ترتبط بهذا المكان، على حدود الشخصية موضوع السجن، بكل إمتداداته الرمزية أو الدلالية التي يحيل إليها.
وفي (الظل وإقتسام الجسد) نجد أن الزمن نفسي، فالطالبة الجامعية تستدعي ذكرياتها مع حبيبها، وتتحرق شوقا لإنتهاء الإجازة للقائه "أغلقت الجامعة أبوابها عاما كاملا". وهكذا ما أشرنا إليه في حديثنا عن رمزية الحفرة أو السجن، هو الأمر نفسه فيما يخص رمزية الجامعة، كقلعة معرفة تحيل إلى التنوير. لكن، هنا من موقع التناقض مع هذا التنوير، فالعجكو كحدث عنيف، يرتبط بالأحكام القيمية المسبقة، يتم داخل أسوار هذه القلعة، كإشارة للإنقلاب على مشروع المنور؟! بغياب صوت العقل والحوار والقبول بالإختلاف.. لذا يأخذ العجكو الحدث أهمية قصوى، كتيمة مركزية تدور في فلكها نصوص المجموعة، كما أشرنا سابقا.
إن مفهوم الحدث عند عمر الصايم متنوع، فهو لحظة شعورية ناتجة عن "الهجران" كما في (المحب سابقا.. الحر دوما)، وكما هو الحال أيضا في (المسخ أو البروفيسور) (الخيانة)، وهو تشخيص لحالة كما في (العجكو مرة أخرى) و(المتنحي)، كقطبين تبدأ بهما أحداث نصوص المجموعة وتنتهي. وهكذا تتعدد أنواع الحدث في العالم القصصي لعمر الصايم. إن مجموعة العجكو وبسبب تصديها للتابوهات الثلاثة (الدين، السياسة والجنس)، لجأت إلى رمزية عميقة في توظيفها للعجكو الحدث، كإطار لأزمة الواقع فيما يخص هذه التابوهات. كما أن العجكو كرقصة فنية وكحدث، هي الإطار الذي إستوعب عدد من الشخصيات والوقائع، فالعجكو تنزاح من حقل التراث المحلي، إلى حقل السياسة العروبوية – الإسلاموية بقيمها البدوية القومية، لتصنع العجكو كصراع بين الأخلاقي والجمالي.
فالنص العجكو بمثابة المقدمات الدلالية والإشارية، التي مهدت لنقد العجكو الحدث، الذي تأخذ كل قصص المجموعة إسمه. فدور العجكو المركزي هنا، هو إلقاء الضوء على بقية الأحداث فيه كنص، وفي نصوص المجموعة الأخرى. فالعجكو الحدث بمثابة حالة مزمنة مستمرة في الواقع، لها علاقاتها بكل ما يجري فيه. لذا تأخذ العجكو الرقصة والعجكو الحدث دور البطولة، تماما كالحفرة في المتنحي. بما أنطوتا عليه من قدرة على توجيه الأحداث والتحكم فيها. وبما مثلتاه من نقطة إرتكاز، تأخذ معناها الرمزي العميق، بما يتبدى في "لحظة التنوير"، بإستكناه هذه الرمزية السهلة الممتنعة، بمعنى تحقيق المعنى العام للعجكو النص أو نصوص المجموعة مجتمعة.
أيضا يستخدم القاص عمر الصايم الوصف والحوار، بطريقة مميزة لا تتوقف عند حدود رسم وتوضيح ملامح شخصيات قصصه فحسب، بل يحيل أيضا إلى المعاني الخفية المبطنة، التي تحملها السخرية والإستخفاف، فقصص عمر جميعها يلاحظ عليها، أنها منشغلة بالمأزق الذي يضع فيه الإنسان نفسه، خصوصا تركيزه على إستخدام ضمير الأنا بكثافة، فالسارد أو الراوي بما يستخدمه من ضمير للروي يحدد موقعه من المروي، الذي تتضافر معه زاوية الرؤية لتحديد المنظور، من الوقائع التي"تقع في الزمن الماضي، الذي هو زمن الحكاية، مما يوهم القارئ والحال هذه، أنها ضرب من السيرة الذاتية أو المذكرات الإعترافية (التبوغرافية)"(8) فضمير الأنا الفردية أو الجمعية، هو أيضا الضمير الذي يروي من خلاله رواة العجكو الأحداث، التي تجري في الزمن الحاضر الذي هو زمن السرد.
وفي الواقع نجد أنه من الصعوبة بمكان، أن أن نتمكن من حصر عناصر البناء السردي في العجكو كمجموعة قصصية في هذه القراءة المتعجلة، بسبب إلحاح الأصدقاء على الإسراع بإكمالها. كما أنه ليس بإمكاننا تصنيف قصص عمر في المجرى العام للقصة القصيرة في السودان، وذلك لأن النقاد المعاصرين – حسب حدود علمنا- لم يبذلوا مجهودات كافية لتصنيفها، إذ إكتفوا بمجهودات الناقد والقاص دكتور مختار عجوبة(9) والأستاذ الناقد المهاجر معاوية البلال(10) ومع ذلك نجد أن ثمة حديثا صريحا أو ضمنيا، عن إتجاهات وتيارات ومدارس جديدة تنتظم القصة القصيرة في السودان منذ خواتيم ثمانينيات القرن الماضي، بمعنى أن ثمة إنطباعات حول إشتراك عدد من القصاصين في معالجة قضايا محددة، مثالا لذلك ما عرف صحفيا ب"كتاب الهامش"، أو "الأدب البديل"، كتيارات أو مدارس أو إتجاهات جديدة في القصة القصيرة، وغيرها من أجناس الكتابة.
ولكننا هنا معنيون بصورة أساسية بتحليل المظهر الدلالي لنصوص العجكو المجموعة، بما هو -هذا المظهر- أفق للسرد في النصوص الإحدى عشر التي حفلت بها المجموعة، إذ يحاول القاص عمر الصايم خلال هذه النصوص، إستعادة المكان، بوقائعه وشخصياته وأحداثه للذاكرة، عبر أدوات القص. ومن ثم يفجر محمولات هذه الذاكرة في المكان، لا لينهض "متخيلا" مستمرا في هذا الفضاء النصي فحسب، بل وأيضا راهنا واقعيا متماهيا في هذا المتخيل المستعاد من الذاكرة والمكان، فيما يشبه عملية تداخل واسعة النطاق للأزمنة والأمكنة، تتم خلالها إعادة طرح لأسئلة القصة القصيرة في بلادنا، التي ما عادت كبيرة، وإزاء مجتمع وجغرافيا يتكونان في الإنهيارات والذكريات والتشظي، وفقا لمفهومنا للزمن كما عند بول ريكور الذي أشرنا له سابقا.
إن عمر الصايم شديد الوفاء لإسلوب علي المك القصصي، لذا نجده يولي عناية كبيرة للحس الشعبي(11) إلى جانب اللغة الفصحى المطعمة بالدارجة السودانية، والإحساس الحقيقي بالتجربة، والقدرة العالية على التشخيص، إلى آخره من طرائق وفنون إدارة القص التي ينتهجها الصايم بوعي وخبرة كبيرين، يكشفان عن إدراك عميق بموضوعات قصه، ما يخلق إنطباعا قويا في قارئه. وحتى هذا الوفاء نفسه لعلي المك - فيما يخص اللغة وطرائق السرد نجده ليس مطلقا، فالقاص الراحل المقيم زهاء الطاهر يشترك معهما إلى درجة كبيرة(12) فطرق السرد بأنواعها المختلفة، تتوقف على القاص نفسه: مدى معارفه وقدراته- لذلك من الصعب وضع خطوط فاصلة بين قاص وآخر ينتهجان الطرق نفسها، ولكن في ذات الوقت يمكن ملاحظة مدى نجاح قاص وعدم نجاح قاص آخر في نفس النهج، وهذا هو سر نجاح البعض، وفشل آخرون أختاروا النهج نفسه.
الشخصية والرؤية في «العجكو»:
يمكن أن نجد تفسيرا تقريبيا لمفهوم الشخصية في نصوص العجكو، كالمفهوم الذي تحدث عنه رولان بارت حول الشخصية بما هي "أولا وقبل كل شيء مكون رئيسي، وركيزة أساسية لكل عمل سردي. والشخصية في هذه الحالة تلعب دورا بنيويا أو وظيفيا يوازي دور البنيات الأخرى: "الزمان والمكان والأحداث". فرولان بارت يرى الشخصية في العمل السردي كناتج "تركيبي يمكن أن يتكون من مجموعة من السيمات التي تتكرر، فتكون تركيبة قادرة أو تركيبية معقدة، عندما تضم علامات متناسقة أو متنافرة. وهذا التعقيد أو هذا التعدد هو ما يحدد شخصية الشخصية". ونصوص عمر الصايم هنا تقوم أساسا على إعطاء دور مركزي للشخصية، يمكن أن نجد تفسيرا تقريبيا لهذا المفهوم حول الشخصية في نصوص "العجكو"، من خلال العلاقات المحيطة: البسيطة أو المعقدة، التي تعطي الشخصية "شخصيتها". أعني المفهوم الذي تحدث عنه رولان بارت حول الشخصية.
ففي أولى قصص المجموعة (المتنحي)، نستشعر ألما عميقا في أوج وعينا بالنص، حيث تنبثق من مأساة وجود المتنحي، فلسفة الرفض لهذا العالم.. لهذا الواقع المترع بالأسى والأحزان، والذي لا يخلو من خذلان، فالمتنحي كما يقول كولن ولسن "الكثير من الإدراك الواعي أو الذاكرة النشطة سوف تلجم الإنسان عن حرية الحركة(13) فالمتنحي شديد الوعي والإدراك لما حوله، فهونتاج حقبة سوداء من تاريخ البلاد الكبيرة. نتج تنحيه عن نضجه العقلي، الذي يحدد التفاعل كنقيض للتنحي، كإلتباس جبار يفتحنا على نص مشحون بالتأفف والإستياء والسخرية. غني بالإستفهام الذي يختزل كل مأساة التنحي في هذا الإلتباس. فالمتنحي هو قرين اللامنتمي كما يصفه كولن ولسن "اللامنتمي يشعر بأن الإضطراب والفوضوية هما أعمق تجذرا من النظام الذي يؤمن به قومه(14)"
فعندما أتواصل كقاريء متأثر بقساوة الماضي وبؤس الحاضر وغياب الأمل في المستقبل الأفضل، عندما أتواصل تحت وطء هذه المؤثرات مع النص المتنحي، أستطيع أن أرى المتنحي كشخصية تعيد إكتشاف هذه الحياة المروعة، المليئة بالتأزمات من موقع الضد. فالمتنحي الشخصية تشبع بفكرة التنحي حتى تسلطت عليه، وإستبدت به إستبدادا حكم أفعاله وردود أفعاله، وبذا مثل المتنحي نموذجا إنسانيا معقدا جدا، يفرض نفسه بقوة على وعي القاريء. فتنحيه أعظم من أي إندماج فعلي في أنشطة المجتمع، فهو رمز للمثل الإنساني الأعلا، الذي في حالة صدام مستمر مع الواقع .. وهو النداء الخفي لذواتنا الظامئة للحب والجمال والعدل والإنصاف وتقرير الحقوق، بالتالي هو الجوهر النبيل للإنسان في واقع متعسف، تلبدته الغيوم وشابته المخاوف والهواجس والظنون، ليس من بد فيه سوى التنحي، كخلاص من التورط والإلتزام، وبذلك يدفع بتنحيه القاريء للتورط والإلتزام.
فحين تهيمن السلطة على كل شيء، ويتخثر الواقع وينضب الجمال وتتفتت الجغرافيا، حينها لا يبقى سوى خيار الموت. وحينها فقط يتنحى الباحث عن الحق والعدل والجمال، فهو لا يقدم على الموت، بل يتمدد في شرنقته حيث يشاء، ليفتقها كيفما شاء.. للإنبعاث من جديد كطائر الفينيق، فالحفرة الرحم.. موطن التكون والإكتمال والولادة، هذا الحضن الدافيء الذي سرعان ما سيتفتق عن ميلاد جديد. المتنحي في الواقع تستقر في أعماقه فكرة كونه إمتدادا للمطلق، تحت ضغط هذا الشعور يستمد تقييمه لما يجري حوله من إلهه الخفي، بل هو مندوب لهذا الإله، في مشيئة تنحيه البديعة والمقدسة. وبهذا الفهم يمكننا أن نتصور أن المتنحي هو دون كيشوت(15) فهو مالك الحق في محاكمة الواقع، بما أستقر لديه من قناعات مطلقة، وهنا تكمن المغامرة الموازية لإدعاءات ملاك الحقيقة المطلقة، كما سنلاحظ لاحقا في العجكو.
فكل شيء يمتزج في التجربة الشخصية للمتنحي، مع الأفكار العامة التي تشكل رؤية النص. وربما هو ليس دون كيشوت بل أحد الذين عناهم باولو كويلو"كثير من الناس توقف عن الحياة فقط ينتظرون ان يمر الوقت لا يقبلون تحديات الحياة وهكذا لم تعد الحياة تتحداهم(16)، فالمتنحي كشخص يعيش في زمن وعالم إنتقالي، تكمن مأساته في ملاحقة ما لا يتحقق. إذ يظن في نفسه ما يريد هو وليس كما يرى الآخرون، مغفلا التغييرات التي تطرأ بمرور الوقت. إن النص (المتنحي) لهو أشبه بمرآة يرى فيها دعاة التغيير، وملاك الحقيقة المطلقة أنفسهم في الآن نفسه. وربما القاريء كذلك.. إنه الحلم بما لا يتحقق ولذا يستحق التنحي في سبيل تحقيقه. أو بتعبير كازينتيزاكس "آه لو استطيع ان ادك هذه الحوائط من حولي لتصبح الدنيا اكثر اتساعا(17)". كذلك هو الإلتباس في (خرائط الوحيد) مبعثه هذا الواقع شديد التعقيد. والخريطة هنا كرمز تأخذ مفهومها، لا لا كذاكرة مفتعلة للمكان أوالبقعة الدلالية له عبرها. فهي تستحيل لمخزون من القضايا العالقة، التي تحرض الإشارة المفهومية، لوحدة الوحيد. على الحديث والبوح، من خلال إستنطاق المكان والمساحة بواسطة الدلالة اللفظية، أو التوصيف المكاني، الذي يعبّر عن مرجعية معرفية، تآزرت مع الإشارة المكانية، أو التنويه الإرشادي، من خلال مفاتيح الخريطة المنشطرة في الواقع، والملتئمة في العزلة البديعة للوحيد.
فالخريطة كمقترح نقدي لخرائط الوحيد، ليست وصفا تخطيطيا أو خطوط كنتور.. بل سيل عارم من الإشارات الوصفية، فالخريطة تستحيل عبر إحدى وظائفها، مكمنًا للطمأنة، وملاذًا من الضياع والتيه، فهي الوطن بما هو ذكريات وناس نحبهم، لذا تأتي إستقالة الوحيد كأستاذ للجغرافيا تكريسا لوحدة الخريطة/المكان وإحتجاجا على إنشطارها، فخرائط الوحيد ليست خرائط جامدة، بل هي تفاعلات نفسية وسياسية وإجتماعية تتعلق بهوية المكان المسقطة على إنسان هذا المكان، بكل تعقيداتهما الجدلية المتبادلة. عبر تفاصيل الخريطة/ الإنسان/ الأرض والتفاعلات النفسية والمادية والروحية، التي تحكم هذا الجدل، بما هو إمتدادات لخطوط ، التي تتلاشى معها معاني الضياع والغربة والتمزق؛ فخرائط الوحيد بهذا المعنى تمثل الحوار المفقود بين المكان وإنسانه، لتفسير حالة الفشل في إستنطاق مغاليق المكان/ الإنسان الذي يوّصف حنينه من خلال رفض فكرة الخطوط الطولية والعرضية، التي قسمته إلى مكانين.. إنسانين.. خرائط الوحيد بهذا المعنى هي محاولة لفك شيفرة الذاكرة المزدحمة بالأمكنة والأشياء والناس والتي تستمد جذوتها - الذاكرة- من المعنى المعرفي والجمالي للخريطة/ المكان.
خرائط الوحيد تستلهم من ملامسة مكونٍ قائم -ألا وهو الخريطة- مفاهيم معرفية وجمالية ونفسية. فالخريطة تعني الوصول، والاهتداء للمكان المفقود أو المجهول، وقد تعني أيضًا التعرف على معالم جديدة، وسبل الوصول إليها، وقد تغري الخريطة قارئها بأن يطرق أماكن تقترحها وتحرض على ارتيادها، وهنا يكمن السؤال المفهومي، من خلال تفكيك الوعي القائم على إجتراح الأمكنة، وفض مغاليق الخريطة عبر مفاتيح وصفية وإشارات دلالية، تختزل الرغبة في الإكتشاف، وتحرض السؤال على الإنطلاق بإتجاه العلاقة بين الوعي بالمكان، والرغبة في فض مغاليقه.
إن الولوج إلى عالم الخرائط، يجلي بشكل لافت، رغبة الربط بين المواقع، عبر شبكات الطرق "كرمزية درب الأربعين بكل محمولاتها الثقافية والتاريخية" وكرمزية طريق الملح بذات المعنى" وكرمزية الجغرافيا المحلية وخريطة الكنز التي كانت تدرس لنا في المرحلة الإبتدائية، فهي ليست زيارة لمنقو في يامبيو أو الصديق في القولد، بل هي مسارات لأسئلة المخيلة، حول التنوع والتعدد والتباين الذي حظيت به البلاد الكبيرة ثقافيا ودينيا وإثنيا. هكذا ا، تستحيل الخريطة مع هذا التشابك والتواطؤ، إلى أحجية ممتدة، أسئلتها الإنسان وهو يواجه أسئلة المصير والوجود متلازمة مع الأسئلة التي يطرحها الواقع. حيث تتعاضد شبكة الأسئلة كخطوط عرض وطول مع أيقونات الإنسان والمكان والمعنى.(18)
في خرائط الوحيد ثمة إيمان بشيء خالد غير قابل للتجزئة ، فالوحيد مشبع بالإخلاص لمثل أعلا "إله خفي" ومن أجل هذا الإيمان هو على إستعداد لتقديم إستقالته، فالوحيد كنخلة في مهب الريح عميق الجذور في هذا التراب الأسمر، لذا يصمد أمام الأنواء والعواصف فهو غير قادر على تغيير قناعاته، وليس لديه الإستعداد لذلك. فقد ترسخت إرادته عميقا كجذور النخلة أو القمبيل. وهو على العكس من هاملت شكسبير الأناني كما يراه إيفان تورغنيف في قراءته النقدية المقارنة لدون كيشوت سرفانتس.(19)
خرائط الوحيد لهي موقف ضد الضياع بين الماضي الغابر والغد الغامض والحاضر المر، فخرائط الوحيد للنص، مثلها مثل المتنحي: موقف ضد هذه التهرؤات والتمزقات التي لحقت بالأرض والإنسان. كموضوع الوحيد المتنحي الراوي لا يريد أن ينقاد للقيم القديمة، التي تم فرضها من قبل الذين خرجو للتو من عصور طويلة من الإنكفاء والإنحطاط ولدت فيهم إحساس بالغ التعقيد، بزعمهم أنهم أعظم مما هم عليه في الواقع. بالتالي هم ظل الله في الأرض، ولذلك يفرضون مرجعياتهم التقسيمية، في عالم يجنح نحو التوحدات الكبرى المنبنية على حقائق التاريخ والمصالح المشتركة، لذلك أجد نفسي مشدودا لإستكشاف هذه المنطقة المعتمة في الوعي العام، والتي رفض الراوي الوحيد،الإنقياد لها بكل إنطواءاتها الواقعية والوهمية.
كذلك نجد أن (أعرج المشرحة) كرمز للإعاقة في تنظيم السلطة وجهازها، يتبدى كمعاق نفسيا وروحيا وعقليا أكثر من كونه معاق جسدي، فزميله المعارض يدرك مدى عجز هذا الأعرج في نبذ العنف فعلا، بسبب الإعاقة التي هي جزء من مكوناته النفسية والعقلية. بالتالي جزء من المكونات الشخصية الجوهرية له كقاتل عاجز عن الحب، ومفهوم العدالة غير موجود في ذهنه ووجدانه المشحون بالبغضاء والإستبداد والعسف وأنواع الإعاقات الاخرى. وعندما نتطرق (للعجكو.. مرة أخرى) كخاتمة لقصصة هذه المجموعة، نجد أن أبرز معانيها، تتمثل في الآمال الضائعة، والزمن الذي مضى متسربا دون أن نشعر به. وهي كرمزية بمثابة التعبير عن ذلك التعارض الزائف بين القيم الجمالية للتراث والقيم الأخلاقية للدين، خصوصا عندما يتم تأويله على أساس التضاد، وإسقاط هذا التضاد على الواقع ليتعارض معه. وكما في قصص كل المجموعة نجد أن بطل العجكو القصة يناضل ضد هذا الحاضر المرير.
إن مخالفات ملاك الحقيقة المطلقة في العجكو، تبلغ حدا يكفي لتبرير الخوف من التمزق الشامل للجغرافيا، والذي وسم أكثر من نص من نصوص المجموعة، التي تحاول قصصها نفض ركام الأوهام والهواجس الكارثية. ففي العجكو يعتبرون التراث الفني من صنع بشر خطاة، يتوجب قتلهم أو تأديبيهم وإعادتهم لجادة الصواب، لذا تجيء العجكو كتعبير صارخ عن الإضطراب النفسي والأوهام، كمصدر لعنف ملاك الحقيقة المطلقة، الذين يطرحون أنفسهم ظلا لله في الأرض، وإمتدادا لإرادته. وفي الواقع هم يستلهمون تراث عامر بمفاهيم "الهمبتة"، المستلهمة من ثقافة الغزو والسلب والنهب. وهي الأسباب نفسها، التي دفعت من قبل براوي المتنحي للتنحي، بدلا عن المضاربة مع ملاك الحقيقة المطلقة، بأحلامه الكبيرة في بورصة ما تبقى من البلاد المتشرزمة والمنشطرة.
نصوص العجكو تأخذ قيمتها النقدية للواقع، من معارضتها له كواقع أشبه بالخيال، كما في المتنحي وخرائط الوحيد، فالإثنتان تنطويان على مغامرة الرفض، إذ تأخذ الجغرافيا والخريطة والتنحي معانيها وجوهرها لدى تحليلها للواقع، من كونها أداة أكثر من كونها موضوعا "فالتنحي هنا كالجغرافيا يأخذ دور البطولة، مثلما هو السجن في العجكو". بإستثناء خرائط الوحيد تنهض نصوص المجموعة -عالمها القصصي- في عالم الجامعة والحياة الطلابية كمكان مركزي للأمكنة الثانوية، التي تتحرك فيها إحداثيات السرد.
الخاتمة:
من أبرز أسئلة القصة القصيرة عند الصايم سؤال التعارض بين القيم الدينية والجمالية للمجتمعات السودانية المتنوعة، كذلك الديموقراطية في مواجهة النظام الإستبدادي، الإنهيارات الأخلاقية تحت ضغوط الحاجة/الهجران/الخيانة، كموضوعات مركزية لنصوص المجموعة. إن الوطن الذي يتجاهل حقائق الواقع اليومي المعاش، ويدير شئوون سكانه، على هواه دون أن يتقيد بأي نوع من القوانين، ينعكس سلوكه على الحياة والواقع المعاش، فيسم كل شيء بالإضطراب كتجسيم لفوضى سلطانه العشوائي،إذ لا يعود وطنا. بل حاكما مطلقا يستمد قوته من السماء، فهو طراز فريد بين الأوطان والخرائط. ففي ظل الهواجس الدينوية القاسية التي سيطرت عليه كوطن، يتبدى المظهر الزائف للقوة المهووسة، خصوصا أن التوترات الداخلية التي تسوقه إلى حتفه، ستقضي عليه بعد أن تجذر الفقر المدقع. وتعمقت الأحقاد لدرجة التعصب، وسادت في فئات سكانه. وتوصيف الحال يشمل قمة الهرم مرورا بقاعدته وصولا إلى آخر فاسد صغير في القرى النائية البعيدة.
في مثل هذا المناخ رمت الصين بثقلها، مدفوعة بصعودها، إثر التحولات التي قادت العالم إلى تقاسم النفوذ الإقتصادي -كيفما أتفق- في ظل نظام القطبية الواحدة الغاشم. إذن الصين الصاعدة في العالم، والممتدة والمتمددة عليه، ترمي بثقلها على البلاد الكبيرة، فيراقب راوي (سونغ يفضل السلامة) كل هذا التلوث، الذي يهيمن على فضاءات بلاده بعوالمها المتداخلة. إن ما يحدث في (سونغ يفضل السلامة) هو الشيء نفسه الذي نراه في الحياة اليومية. في (المتنحي) وقصص المجموعة الأخرى، تتبدى القدرات الحكائية الكبيرة لعمر الصايم بعوالمه السردية الغنية بالتراث، وتوظيفات هذا التراث عبر آلية الإسقاط على الواقع، ما يغري القاريء بما يتوهمه كعالم يخصه، ويتصل به في حميمياته وأسيانه، ما يمنح القاريء متعة حكي، هي في الواقع عصارات مواجد وتوجدات الشخصية موضوع القص.
عمر الصايم قاص إستثنائي مميز، في مشهد فوضى القصة القصيرة في السودان. فهو يعي ويمتلك أدواته الناضجة بإحكام لا يفارقه التنحي، رغم شهوة التغيير التي تمور داخله.. فهو كأتون مكبوت، تفجراته تعني موقفا متكاملا من الكتابة وأدواتها وأجناسها. كذلك الجغرافيا بمعنى (خرائط الوحيد) كمكان مركزي، تنقسم نتيجة التعصب الأعمى الذي تضخمت فيه كل الأحقاد الفاجعة، والناشئة عن الأوهام العرقية والدينوية والأحادية في إدارة شئوون البلاد الكبيرة، والإستبداد، وإتخاذ القرار وتقييم الأمور بتزييفها، فيتقدم الوحيد بإستقالته، غير آسف. وهكذا تصبح الجغرافيا بعد إنفصالاتها أضيق من أن تتسع لأحلام "الوحيد" الكبيرة، بعد أن تدنت القيم الدينية كما في (العجكو) إلى عنصرية عرقية وشوفينية وإستعلاء، كما في (سوما وصبوحة) و(سونغ يفضل السلامة) و(خرائط الوحيد) ببطلها المتنحي الذي يعيش في عالم إنتقالي، تختلط فيه الأشياء والقيم وتنفصل فيه الجغرافيا وتشتعل الحروب فيما تبقى منها. فتتجسد مأساة الجغرافيا وإنسانها الذي يعيش زمنا متغيرا بوتائر متسارعة، أن قصص المجموعة بمثابة التكثيف لمأساة إنسان المكان في متاهته الوجودية المحيرة.
وأخيرا يجدر بنا في المجموعة (العجكو مرة أخرى) ملاحظة أن إستبداد السلطة موجه ضد جمال العجكو وحميميتها، فالسلطة هنا تناصب المشاعر الإنسانية والجمال والدفء العداء.. تحاول إطفاء هذا التوق الدائب المنبعث من التراث بكل ما يحمله من زخم روحي ومادي، تعمل السلطة على تمزيقه وفصمه عن الطبيعة الإنسانية.
روائي سوداني مهاجر بالولايات المتحدة
مايو2012 كريسفيلد – ميريلاند
المصادر والمراجع:
(1) فيودور ديستوفيسكي. الأعمال الأدبية الكاملة. دار الكتاب العربي للطباعة والنشر. القاهرة.مصر،1969
(2) باولو كويلو. الخيميائي. شركة المطبوعات للتوزيع والنشر. بيروت. لبنان،2008
(3) باولو كويلو. إحدى عشر دقيقة. شركة المطبوعات للطباعة والنشر. بيروت. لبنان،2003
(4) دونسيل، جي. ف، علم النفس الفلسفي، ترجمة سعيد الحكيم، بغداد. العراق. دار الحرية للطباعة 1968
(5) بول ريكور. الزمن والسرد(التصوير في السرد القصصي) ج2. ترجمة فلاح رحيم. مراجعة:دكتور جورج زناتي.مكتبة الإسكندرية.
(6) السابق.
(7) الطيب صالح. الأعمال الكاملة. دار العودة بيروت. لبنان. 1996
(8) أحمد العزي الصغير. تقنيات الخطاب السردي بين الرواية والسيرة الذاتية دراسة موازنة. وزارة الثقافة والسياحة. صنعاء. اليمن، 2004م
(9) دكتور مختار عجوبة. القصة الحديثة في السودان دكتور مختار عجوبة / القصة الحديثة في السودان / مركز الدراسات السودانية. الخرطوم. السودان. /ط 2/ 2002.
(10) أ. معاوية البلال. راحع كتابيه: كتابة الجنوب وجنوب الكتابة، والأنثى كذات كاتبة وكموضوع للكتابة، الصادرة عن المركز السودانى للثقافة والإعلام، القاهرة ط1/2002 (و كذلك راجع كتابيه): الشكل والمأساة الصادر عن الدار العالمية للطباعة والنشر. إلى جانب دراسته القيمة عن الكتابة في منتصف الدائرة عن نفس الدار.
(11) راجع: قراءتنا النقدية لعلي المك. نشرت بعدد من المواقع الإليكترونية والمجلات(2006) إلى جانب صحيفة الرأي العام (الملف الثقافي- كتابات) الخرطوم. السودان-2010
(12) راجع: قراءتنا النقدية لزهاء الطاهر، التي نشرت بعدد من المواقع الإليكترونية والمجلات(2006) إلى جانب صحيفة الرأي العام (الملف الثقافي- كتابات)الخرطوم.السودان 23فبراير2011.
(13) كولن ولسن. أصول الدافع الجنسي.ترجمة يوسف شرورو، سمير كتاب.دار الآداب. بيروت .لبنان.2004
(14) كولن ولسن. اللامنتمي. ترجمة وتحقيق: أنيس حسن. دار الآداب. بيروت. لبنان. 2004
(15) مجموعة مؤلفين. دون كيشوت. دار البعث. وزارة الثقافة السورية. 2005
(16) باولو كويلو .الجيل الخامس. ترجمة.ماريا طوق روحي طعمة. شركة المطبوعات للتوزيع والنشر2001
(17) نيقوس كازينيزاكس. الحرية أو الموت. تقديم وتحقيق رحاب عكاوي. دار الحرف العربي للطباعة والنشر والتوزيع. 2007
(18) إستلهمنا هنا قراءة الناقد التشكيلي السعودي سلمان السليماني (خرائط سامي جريدي ..رمزية المكان تقترح قراءة أخرى). جريدة المدينة السعودية. ملحق الأربعاء العدد 17542-4/5/2011.
(19) مجموعة مؤلفين. دون كيشوت. دار البعث. وزارة الثقافة السورية. دمشق. سوريا. 2005
هوامش:
العجكو: في 1968أثناءعرض مسرحي أقامه طلاب الجبهة الديموقراطية، وكان يتضمن أداء رقصة مشتركة بين الطلبة والطالبات من التراث الغنائي لغرب السودان، هي رقصة "العجكو"، التي على إيقاع "المردوم" (من إيقاعات البقارة) أو "المردوع" بلغة قبيلة الحوازمة، وقد بدأت كإيقاعات وأغنية في الإشتهار منذ خمسينيات القرن الماضي، عندما إلتقطها ثنائي النغم وقدماها عبر الإذاعة السودانية.. وعندما قدمها طلاب الجبهة الديموقراطية في عرضهم المسرحي المشار إليه، إعتبرها الإتجاه الإسلامي مثيرة للغرائز الجنسية، وفقا لهواجس وعيه التناسلي. ما أقتضى أن يدخل مع الطلاب في معركة ضارية سالت فيها الكثير من الدماء.
(*) الرسالة هي افضل وسائل التعبير وأكثرها صدقا، وقد تخلق هذه الرسالة مناسبة، كما خلقت لنا يوم الحب، حيث يحتفل العالم كله في 14 فبراير من كل عام، بيوم فالنتاين الذي عاش في روما القديمة، وكان يعمل فيزيائيا، وكان يمارس مهنة الطب وفي أحد الأيام جاءه أحد حراس الإمبراطور الروماني كلاديوس، وفي يده إبنته التي كانت تشكو من العمى، وطلب من فالنتاين أن يداويها، فوعد فالنتاين الحارس بأن يبذل قصارى جهده لشفائها.
وبسبب معتقدات فالنتاين الدينية، ألقي القبض عليه وحكم عليه بالإعدام، وحاولت الفتاة وأبوها الذي كان يعمل حارسا على زنزانة فالنتاين، أن يبعدا عنه شبح الإعدام ولكنهما فشلا.
طلب فالنتاين من الحارس أن يأتيه بورقة وقلم، وكتب كلمة حب صغيرة أرسلها إلى الفتاة مع زهرة، وفي الرابع عشر من فبراير 270 ق.م أمر كلاديوس بتنفيذ حكم الإعدام. ولكن كانت الرسالة التي حملت كلمة صغيرة ذات معنى كبير عن الحب، قد جعلت الفتاة تبصر عندما أخذت تنظر في الورقة، متمنية لو أن عاد إليها بصرها، ورغم علم فالنتاين أن الفتاة عمياء إلا أنه كتب لها الورقة حتى تحتفظ بها، ولتصبح ذكرى تستعين بما فيها على ما هي عليه، ولولا هذه الرسالة لما أعلن البابا جيلاسيوس أن يوم إعدام فالنتاين هو يوم حب.