تعود الباحثة السودانية المرموقة في هذه الدراسة إلى زمن الدولة العباسية، لتكشف لنا من خلال دراستها للحراك الثقافي فيها، عن ظاهرة قديمة حديثة. هي ظاهرة المثقف النغل عديم الضمير والموهبة في مواجهة المثقف الحقيقي المترفع عن الدنايا، وكيف أن استراتيجيات الانتحال والتشوية واستخدام السلطة الجاهلة أمر قديم .

ابن حنبل وابن أبي دؤاد

النخب العباسية وخصومهم

خديجة صفوت

قصة الامام احمد بن حنبل مع احمد ابن ابي دؤاد، قاضي قضاة العباسيين، ومع الجهميين وتنويعاتهم من المعتزلة والاشاعرة والمتكلمين وغيرهم من الفصائل التي تعاقبت على مر الخلافة العباسية، تعبير عن تلك الجماعات التي وقفت متغايرة دائما على مر التاريخ في الصراع من اجل حماية الاسلام من ناحية ومحاولات اختراق الاسلام منذ فتنة عثمان ان لم يكن منذ مجتمع المدينة، وتباعا حتى محاولات السلفيين المحدثين. هذا ويلاحظ الناس انه ما بين الجهميين وتنويعاتهم واسلافهم وسلالتهم السابقة على الاسلام واللاحقة لهم وضحاياهم فان نماذج مثل الامام احمد بن حنبل ومن استلهموه تقف مثالا على الاستقطاب العنيف. وقد جسدت نزاهة بن حنبل وحرصه على المبدأ أفضل ما عبر عن كرامة المبدع وصلابة المناضل بالاستعصاء على المساومة والمثابرة على البحث عن الحقيقة والثبات على المبدأ.

فابن حنبل من أولئك الذين لا يستوحشون طريق الحق لقلة سالكيه. والسؤال هو اين الا خيروين ممن سار على الدرب حتى النهاية وغرمائهم وخصومهم من تنويعات المعتزلة ونظائرهم؟ فقد كان الامام احمد بن حنبل ونظرائه كاحمد بن نصر الى الحلاج والغفاري وابو يعقوب البويطى وغيرهم من الرجال الصالحين-ممن الصقت بهم صفة الغلاة والمتطرفين-ابطال سردية بديلة ما تنفك تعبر عن نفسها كل يوم في مقاومة تنويعات الجهميين. ويترائى الامام احمد بن حنبل ورفاقه من ضحايا اعراب الشتات ونظائر الاخيرين وانغالهم المتخاتلة نبراسا للثبات والكرامة. فقد كان بن الامام احمد بن حنبل وبقى تباعا على رأس هؤلاء الضحايا. كان بن حنبل جميلا وجليلا رهيبا وصادقا ولا يحب النفاق وجسورا،لا يعرف الجبن سبيلا الى قلبه. ولم يكن يمكن ان يحمل في قلبه ضغينة لاحد بقدر ما كان غريمة اللدود قاضى قضاة العباسيين احمد بن ابى دؤاد قميئا نفسيا جبانا عاجزا عن الحب. فالجبان لا يعرف الحب. ذلك ان الحب شيمة القلوب الجسورة كما قال مهاتما غاندي.

وما بين احمد ابن حنبل ونظائره واحمد ابن ابي دؤاد وتنويعاته على مر السنين تغدو بعض تنويعات أعراب الشتات قياسا كما تغدو نظائرهم وانغالهم بهذا الوصف شخصيات رئيسية بدورها لهذه الميتارواية. فقد عصف اعراب الشتات وازلامهم بابن حنبل ورصفائه ايما عصف فبات الامام عنوانا في كل زمان ومكان على مقاومة الحكام وأعراب الشتات. وكان الامام احمد بن حنبل ونظراؤه من احمد بن نصر والحلاج والغفاري وابو يعقوب البويطى وغيرهم من الرجال الصالحين من اشهر من صمد امام التعذيب والمهانة على عهد وفي سجون الخلافة العباسية الاسراتية الرشيدية. وقد بقي بن حنبل ورفاقه ابطال الفكر الشريف المستعصى فالهموا المناضلين الحقيقيين الصامدين في كل مكان وزمان القوة على مواجهة الطغاة المحليين والخارجيين وازلامهم.

ويدرك كل متأمل بموضوعية وعمق لتلك الفترة من تاريخ الاسلام من عهد الامويين ثم العباسيين انها كانت سفر تكوين ما ألم بالامة العربية والاسلامية وما يبرح من رواسب ذلك وما تجدد من الاخيرة حتى اليوم. وقد قيضت تلك الفترة الى ذلك شرط نضوج مجدد لسردية اعرابية ما برحت تلك السردية تجود (بشد الواو وفتحها) وتعاد كتابتها فيما اعرفه بالسردية اللوامة البكاءة التي ما تنفك تستدعي تنويعات مجددة من التحايل على غرمائها في كل مرة بتكريس المجاز والكناية في مزوقاتُ euphemisims ومدلسات خطاب يسوغ احابيلها. ولعل تلك الاحابيل تقف بوصفها سفر تكوين الكذبة الكبرى التي يعيشها العالم وتمررها الرأسمالية المالية-الصهيونية العالمية. فالعالم اليوم يعيش-منذ ما بعد مجتمع المدينة وربما منذ سقوط غرناطة أو منذ الصليبية الاولى او منذ اجتياح القسطنطينية - يعيش العالم ما هو اقل من اسطورة ممفصلة مزوقة اي يعيش كذبة كبرى تحاك فصولها تباعا مثلما تنتج وتخرج المسلسلات او الافلام الهوليوودية.

وأجادل ان كافة من يملكون بدءأ بمن يملكون وظائفا مهما كانت هينة في زمان العطالة المزمنة وانحدار الناس في اغنى المجتمعات الى مصاف المتسولين عبورا باثرياء ومشاهير ونجوم وحكام العالم ومعطم المفكرين والاكاديميين ووسائل الاعلام او التضليل والتجهيل او اساءة اعلام الناس بالاحرى انتهاءا بامبراطوريات الاعلام التي تمنح وتمنع وترفع وتذل الساسة وكل من لا يتفق مع اعراب الشتات الى الاوليجاركيات المالية العولمية والساسة Misinformaiton بتواطئ جميعا على التستر على تلك المسلسلات اليومية تلك. ولعل الكذبة الكبرى بوصفها اكاذيب اشد فحشا تتمحور وتتسر على حقيقة وهي محادثات السلام اللامتناهية بين اسرائيل وفلسطين كامتداد للصلبيات عبورا بـ"الاكتشافات الجغرافية الكبرى" وتفريغ العالم الجديد بابادة السكان الاصليين. فكل القضايا المتكاذبة المعاصرة تصدر عن وتتمأسس فوق القضية الفلسطينية التي تشير الى خارطة طريق الى ابادة العرب والمسلمين.

وقياسا فان فردا او جماعة لن يقيض له اى من امتيازات الجماعات الممتازة التي تخصم على المجاميع وتقيض الاخيرة بفائض انتاج عملها الثروة-ان فردا لا يحصل على عمل ناهيك عن ان يتبوأ مكانة تحت الشمس حتى اذا كان من الاعمال الصغيرة او مكانة هينة ما لم ينضبط في احبولة اعراب الشتات اليومية وفى تسويق الكذبة تيسيرا لمصالح الاوليجاركيات العولمية الصهيونية العالمية. اننا نعيش كذبة كبرى لا يقيض معها شئ الا بقدر ما يتوفر ذلك على انصاف الحقائق في افضل الاحوال وعلى الاكاذيب فلا يعبر شئ عن الحقيقة من قريب او بعيد الا بالحقيقة الافتراضية او بما يشارف الحقيقة في افضل الشروط دون ان يطالها ناهيك عن ان يدعى ابدا انه طالها.

منهج الامام احمد ابن حنبل الذى احنق المعتزلة
كان الامام ابن حنبل يردد انه عود نفسه الا يقصر المادة الخام على الخضوع لمنهج -اطار فكرى جاهز، او حتى فتوى، وقد باتت الفتاوي مأجورة تصدر بمقاصات فتدعى انها منزلة. وكان يردد حيث اتعين على تأمل والظواهر من نشوئها فتطورها الى تحورها Mutation أي تشوهها والاحداث التي قد تخلقها وتتصاحب معها اجد ان المادة حرية بان تملي علي انا قبل غيري- وعلى اى باحث متأمل ساع الى المعرفة والى الافادة بمعرفته ان منهج التأمل حري بان يستجيب للمادة و-او ينتج اطرا فكرية او براديجمات Paradigms تطاوع المادة الخام وتناسبها.

فقد كان الامام احمد ابن حنبل يتبع منهجا يخصه وكان يشعر معه وبه ان المادة الخام ترتاح على منهجه هذا وفي داخله اذ يحضن المنهج المادة الخام فلا يكسر المنهج رقبة المادة الخام جراء حشرها داخل نصوص المنهج الذى كان يدفع ابن حنبل ثمن مخالفة المعتزلة بشأن اصوليته- حياته هو وربما فكره. وكان خصوم ابن حنبل يقضون على كل فضاء قد ييسر لوجود ما يقول بن حنبل. ويتهمونه بالحنبلية ولم يكن ابن حنبل كذلك ابدا بل كان فقط يدقق فيما يقال ويقول هو نفسه ويخالفهم فيما ينشرون من افك بذلك اللسان الزلق والكلمات الالقة. لم يكن ابن حنبل حنبليا بالتعريف الذى ارادوه لفكره فوصمة بالأصولية والتطرف كما لم يكن ميكيافيللى ميكيافيليا ولا كان ماركس ماركسيا ولا كان ارسطو ارسطيا لان كل منهم كان يدرك ان الكلمة كائن حي يجدد نفسه بمزيد من التأمل والتفكر والجسارة على الاعتراف بالخطأ. فليس ثمة ما هو منزل الا الكتب السماوية وحتى هذه فقد حرف بعضها تحريفا.

ألم يكن بن حنبل من أكثر الفقهاء ابتعاداً عن الرأي؟ اليس هو الذى تمسك بكل من النص القرآني وبالبينة ثم بإجماع الصحابة؟ تميز فقه ابن حنبل في المعاملات بالسهولة والمرونة والصلاح لكل بيئة وعصر، فقد تمسَّك أحمد بن حنبل بنصوص الشرع التي غلب عليها التيسير لا التعسير. مثال ذلك أن الأصل في العقود عنده الإباحة ما لم يعارضها نص، بينما عند بعض الأئمة الأصل في العقود الحظر ما لم يرد على إباحتها نص. ورغم ان الامام احمد بن حنبل ورعا شديد التدقيق فيما يقول وانه لم يقبل بالقياس إلا في حالات نادرة فقد كان منهجه علمي ومميزات فقهه اليسر لا التعسير.

وما كان من شدة ورعه ان يأخذ من القياس إلا الواضح وعند الضرورة فقط فيما كان يكره ان يأخذ عنه تلاميذه وينهاهم مثلما نهى النبى صلعم عن تسجيل ما يقول-فيقول بن حنبل بدوره-لعلي أطلع فيما بعد على ما لم أطلع عليه من المعلوم فأغير فتواي فأين أجدك؟ وتلك هى جسارة العالم بان المعرفة لامتناهية وان العلم نهر يتدفق دون توقف وان اقسي ما يمكن ان يفعله الباحث هو قول ما تعرف عليه من الحقيقة في الزمكان مع الاعتراف بان عليه ان يراجع تصريحاته وفتاواه كلما اطلع على معلوم جديد فيغير قوله او محصلة بحثه اقرارا باحتمال الخطا. فقد كان الصحابي الجليل مالك بن أنس يقول "إنَّ هذا العِلْـمَ دِين فـانظروا عن من تأخذونَ دينكُم"، لذلك يقول العالم الحق التقي دوما لطلابه–اللهم اجعلنا من طلاب العلم-و ان خذوا العلم من رجل لديه علم يعصمه عن الجهل، وخشية من الله تقيه من الغش والكذب والتدليس.

ابن حنبل المحدث اكثر منه الفقيه:

اشتهر الإمام بأنه محدِّث أكثر من أن يشتهر أنه فقيه مع أنه كان إماماً في كليهما. وكان الامام احمد بن حنبل محدِّث عصره وقد جُمِعَ له من الأحاديث ما لم يجتمع لغيره، فقد كتب مسنده من أصل سبعمائة وخمسين حديث، وكان لا يكتب إلا القرآن والحديث ومن هنا عُرِفَ فقه الإمام أحمد بأنه الفقه بالمأثور، فكان لا يفتي في مسألة إلا إن وجد لها من أفتى بها من قبل صحابياً كان أو تابعياً أو إماماً. وإذا وجد للصحابة قولين أو أكثر، اختار واحداً من هذه الأقوال وقد لا يترجَّح عنده قول صحابي على الآخر فيكون للإمام أحمد في هذه المسألة قولين. وهكذا فقد تميز فقهه في العبادات بأنه لا يخرج في العبادات عن الأثر قيد شعرة، فليس من المعقول عنده أن يعبد أحد ربه بالقياس أو بالرأي وكان رسول الله يقول: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، ويقول في الحج: "خذوا عني مناسككم" ولعل ذلك ما احنق عليه اصحاب المنزلة بين المنزلتين وخلق القرآن وكل ما اتصل برأينا من محاولات تشويه واختراق القرآن باسم التجديد والتحديث وما يشارف الدمقرطة الآتية من أعلي. فمن هى تلك النخب؟

النخب المعتزلية:
لم تتضح ملامح معظم صفوة المعتزلة بصورة كافية في حينها وربما بعد جراء الجدل الذى ما يبرح ثائرا حول ظاهرة المعتزلة نفسها وحول كبار المعتزلين. زيادة على عزوف معظم العرب عن تعريف النخب اجرائيا. على ان مرور الزمن قد ييسر وضع تلك النخب في مكانها الطبيعى أو غير الطبيعي من التاريخ او لا يضعها في اى مكان يمكن العثور عليها فيه مثلما فعل التاريخ ويفعل تباعا مع غيرهم ممن يكسنه الى مزبلية. وسوف اتعين في هذه المجادلة على تعريف بعض نماذج النخب المعتزلية وعلى رأسهم القاضي احمد ابن ابي دؤاد. فقد خصمت النخب المعتزلية كمثل ما فعلت نظيراهتها على مر التاريخ امتيازاتها الذهنية وخصائصها هي الفائقة على مجاميع العامة من المسلمين. فقد كان الصفوة المعتزليون من اصحاب المنزلة بين المنزلتين يذرون بالعامة ويصمونهم بما يشارف التخلف العقلي والجنون.

الصفوة والشر في العامة عند المعتزلة
ازعم ان شهرة Notoriety بعض نخب المعتزلة (المشبوهة اصلا) كانت وظيفة التشهير Defamation بمعنى الشهرة جراء التشهير ابان الخلافة العباسية. ولم يكن بعضهم نخب او صفوة المجتمع سوى بالتعريف المعتزلي الذي يمنع ويمنح اى بترويع من عداهم مثلما فعل بعضهم مع كل من اختلف معه او- وكل من غمطه المعتزلة على علمه وكبره وترفعه على المال والكثرة الولاية والازعان كالامام احمد بن حنبل (164 هـ/780 م 241 هـ/855 م). وقياسا تلاحظ(ين) كيف ان الرأسمالية المالية-الصهيونية العالمية-اليسوعوقراط-المحافظون الجدد وازلامهم الليبراليون الجدد يوقعون بكل من لا يتفق مع الديمقراطية ما بعد الليبرالية ما كان المعتزلة اوقعوه بخصومهم امثال الغفاري والحلاج وابن حنبل. ومحمد ابن نوح. هذا واؤكد بداءة وفورا اننى لا اضع كافة المعتزلة ونظرائهم في سلة واحدة. بل استثنى بعضهم فاتحدث عن اؤلئك الذين عارضهم-الغفارى والحلاج والامام احمد ابن حنبل لما اوقعوه بالاخير مثلا. فقد ثابر ابن حنبل على معاندة السلطة القائمة على مر السلالة الاسراتية العباسية Abbasid Dynasties. ويقول المؤرخ الكبير حسين مروه "كان "الجالس على عرش السلطة الرسمية حينذاك قد احتضن مذهب المعتزلة الى حد ان الاعتزال اصبح المذهب الرسمي لدولة الخلافة" (التركيز موجود في الاصل) ثلاثة عقود من الخلفاء العباسيين" وكان ذلك من خلافة المأمون الى بدئ خلافة المتوكل 232 هجرية أى 847 م. وبينهما خلافة كل من المعتصم والواثق(1). وكانت علاقة المأمون بالمعتزلة مما حير بعض المؤرخين والمفكرين الا ان احدا لم يتوقف عند ذلك الا قلائل منهم استانا الجليل حسين مروه الذى قال بان "لا ينبغى اعتبار كل معارضة معارضة تقدمية بوجه الاطلاق ولا كل سلطة قائمة سلطة قمعية بوجه الاطلاق". ولعل مروه بفترض ان صراع المعتزلة ضد الامين يعنى ان سلطة الاخير رجعية والعكس صحيح ان سلطة المأمون كانت تقدمية وان معارضتها بالتالى رجعيه.

ولعل مصدر هذه التصوير للمعتزلة بوصفهم عارضوا سلطة الخلافة ثم احتووها فتماهت المعارضة مع السلطة او-و كسرت السلطة لحساب المعارضة خصما على اغلبيات الناس العاديين من منتجي الثروة والسلطة معا. وفي مقولة مروة امر شديد الاهمية لنا نحن في هذه الايام التي تتلفع فيها جماعات باجندة وتجأر بخطاب معارض للسلطة القائمة فتنسب الى نفسها ما هو ابعد ما يكون عن حقيقيتها وعن غياياتها الخفية خصما على اغلبيات الناس العاديين بل غير العاديين من الثوار الحقيقيين الموضوعيين بوصهم المعارضة التاريخية للسلطة القائمة كما في سوريا مثلا وبصورة خاصة.

المهم فورا كان من اهم صفوة او نخب المعتزلة السياسيين بشر المريسي وثمامة بن أشرس وأحمد بن أبي خالد ويحيى بن أكثم، وأحمد بن أبي دؤاد مما أبحث واكتب فيه تباعا. وقد تعين الاخيرون على ما يشارف سردية المحافظين الجدد. وازعم ان بعض معتزلة العباسيين اعاد انتاج تنويعات من طوائف الخزر. وكان الخزر معروفون بسخير المرأة في الاغراض الحربية والسياسية بغاية تطويع الغريم او-و هزيمته بالزواج، وكانت بعض طوائف خزر وادي نهر الفولجا والقفقاز قد جثمت فوق صدر الخلافة العباسية مثابرة على قتال الجيوش العباسية ومناوشتها عند حواف الخلافة الشمالية لمئة عام حتى النهاية فانهكت تلك الطوائف الخزرية الخلافة.

وقد اثرت الطوائف الخزرية في بعض ملامح معتزلة العباسيين وربما كان بعض الاخيرين منهم او من سلالاتهم وربما انسبائهم. ويلاحظ كل من تعين على ملاحظة معتزلة العباسيين بصورة كافية ان الاخيرون لم ينفكوا ان راحوا يحاكون حاخامات الخزر على نحو يدعو للدهشة ان لم يكن الحيرة حقا. القاضي احمد بن ابي دؤاد بين رصفائه في هيئة تشبه هيئة حاخامات الخزر اعلاه

النخبوي والمرأة:
تنتظم معظم النخب لسبب ما خواص تحتاج نظرة اعمق فتحليل اكثر. ذلك ان ما ينتظم النخب شيء يفوق الانتهاز فيشارف خواص العهر مما يمكن وصفه بتعهر النخبوى وبعض المتثاقفين للمرأة والزراية بها(2). ويصيب المرأة المثقفة رفيقة ذلك النخبوى صاحب الخواص الخزرية او-و خواص المحافظين الجدد الليبراليين الجدد او-و لا ينى ذلك المتثاقف الميال الى الانتهاز بلا انتقاء يسخر المرأة لتعيرها. فيعمل ذلك النخبوى نفسه أو المؤسسة الثقافية او حتى الاكاديميا ليس فقط في المجتمعات المفقرة والمتخلفة وحدها على الذراية بالمرأة باسم الحداثة والتحرر والتطور وتجاوز التقليدي المتخلف وباسم الحضارة. وتجد ان المرأة في بعض المجتمعات الغربية الغنية تستهدف لنفس الشئ ولعلها كانت قد ورثت هذه الصفة باكرا قبل حلول الثورة الجنسية التي اودت بوصمة تعهير المرأة طالما بات الجنس تحرر وثورة على العلاقات البرجوازية والاسرة ومؤسسة الزواج. وعلى انه من المفيد تذكر ان النخبوى والمتثاقف نفسه بات أكثر استهدافا لدواعى التعهير من المرأة في المجتمعات الغربية. ذلك انه ما ان رفعت عن المرأة وصمة العهر الابدي جراء تهمة غواية حواء لآدم الخ فقد بقي الرجل وحده هو الذى يستهدف للتعهير ويخضع له.

ويعود تعهير النخبوى او المتثاقف اكثر من المرأة الى انه يحتاج الى تسول كل ما يحصل عليه اوما لا يحصل عليه في المحصلة النهائية فعليه ان يبذل الغالي والنفيس والاحرى الذى لم يعد غال ولا نفيس مع اباحية العولمة والثورة الجنسية كيما يحصل على اى شئ في سوق النخاسة الذى يسمى البيئة الثقافية او حتى العلمية. فان بات الساسة عبارة عن خدام مأجورين للمال فلا معدى من ان يغدو من عداهم اقل من خدم وربما ادنى من اقنان رقعاء بارادتهم وكان بعضهم تنويع على العاهرات المقدسات.

وقياسا فان حنق وضغينة النخبوى والمتثاقف بهذا الوصف على كل من يترفع وكل من يملك او يصمد في مواجهة الابتذال والمساومة والتعهير فيدفع ثمن الترفع على المهانة بعزة نفس وكبر مقابلا للشرف يغدو عاطفة مفهومة. وفيما تعبر عزة النفس والكبر والشرف عن نفسها في الامام احمد ابن حنبل تلاحظ(ين) الهوان ونموذجه اكثر ما تلاحظ(ي) في قاضى قضاة العباسيين احمد ابن ابى دؤاد. وحيث كان الامام احمد ابن جنبل اكثر من ناصر المرأة وحررها حقا فكأن المفكر والثائر والشاعر والناثر المجيد هو بن حنبل الرجل الصالح الكريم والابن البار والاب الخلوق والزوج الوفي. فهو الذى قال:

- اذا حج رجل من اجل أبويه فليبدأ بأمه.

- إن نادت أم ابنها وهو يصلى فعليه ان يقطع الصلاة ويلبى ندائها.

- إن للمرأة المسلمة ان تشترط على زوجها الا يتزوج عليها، مقابل ان تقبل الزواج به، او كشرط لذلك.

- ان ليس على المرأة المسلمة خدمة زوجها.

وكان ابن حنبل امينا على بيته لم يعرف عنه تبذل او معاهرة قياسا على بعض خصومه. فقد عرف عن بعض الاخيرين اساءة معاملة زوجاتهم مما دفع الاخيرات الى ترك بيوتهن الواحدة تلو الاخرى. هذا وكان ابن حنبل الصديق الصدوق وهو الذى قال في الشافعى-و لم يكن بن حنبل يوافق الشافعي في كل ما ذهب اليه- "هذا الذي ترون كله أو عامته من الشافعي، يعنى ان معظم فقهى وعلمى جعله الله سببا فيهما" وهو العالم صاحب الشعر والنثر الجميل الذى قال فيه الشافعى: "خرجت من بغداد فما خلّفت بها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أفقَهَ من بن حنبل" وكأن بن حنبل ذلك النموذج الجدير بان يخلق شرط كتابة التاريخ الموضوعي الحقيقي أو-و يساهم في صناعة التاريخ الحقيقي فلا يحل انصاف الحقائق والاكاذيب مكان التاريخ.

وكان احمد بن حنبل حريا بان يلهم العالم من بعده ما شهد العالم الاسلامي من بعد من "صحوة فكرية بزعامة ابن تيمية (661–728) هـ (1263 – 1328)م وتلميذه ابن قيم الجوزية (691- 751) هـ (1292- 1350 م) وقد شهد القرن التاسع عشر وبداية العشرين حركة تصحيحية عظمى بزعامة علماء التجديد كجمال الدين الأفغاني وتلميذه الإمام محمد عبده، وعبد الرحمن الكواكبي، ومحمد رشيد رضا، وابن باديس.(3) بغض النظر عن ما اثير من جدل بشأن دور كل من الشيخين محمد عبده والافغانى الاول حول ما يمسى اصلاح الازهر ابان الانتداب البريطانى على مصر والثانى وقد لاذ بالباب العالى في فترة شديدة الحساسية والتركيب مما لم يقيض للافغانى معها تبريرا لما اقدم عليه على اواخر ايامه. فاين امثال بن جنبل من امثال بن ابي دؤاد؟

المعتزلة والمحافظون الجدد والزراية بالعامة:
اجادل في بحث طويل تعينت عليه سنوات طويلة ان بعض المعتزلة قد يعبرون عما يشارف اسلاف المحافظين الجدد الباكرين. فقد كان المعتزلة العباسيون يرددون مع اسلافهم الكلاسيكيين كالرواقيين ان الضلالة قسمة لا يملك البشر (بمعنى العامة فالبشرية انتقائية من وقتها) ردها" ويعود ذلك الى مغبة قصور البشر وبخاصة العامة الدهماء الغوغاء عن بلوغ العقل فالتعين على الخير" وهكذا. وقياسا تجد ان عصاة البابوية من الجماعات التي تعينت على ما يسمى التنوير (المتخاتل ذاك) كانت ممن يجأر بان "الرب وحده الذى يملك انقاذ اغلبية البشر وبخاصة عامتهم من مغبة التجديف". وبالمقابل حيث يركز بعض المعتزلة على الشر الفردي يجعلون من الشر الجمعي-اى شر العامة الرعاع أي خصومهم هم من الفئات الشعبية من الدهماء والغوغاء -امرا متضمنا وحسب قياسا على البروتستانتية الغربية التي تسقط الشر مباشرة وعلنا وبلا حاجة لتضمين على الخصوم وبخاصة مجاميع العامة بلا انتقاء. فالشر لدى المعتزلة "إما من الإنسان، أو لا يكون شرا. وعليه يقول المعتزلة متأثرين بالرواقيين ربما بالتمييز بين قيمة الخير وقيمة الشر- "هناك أشياء خيره وأشياء شريرة وأشياء بين البينين. ولعل هذه هي فكرة المعتزلة عن الحسن والقبح والخير والشر بالقول بمنزلة بين منزلتين إذ تأثروا بالرواقيين وقد تشكل الإعتزال باكرا كمذهب في القرن الثاني على ايام الفلاسفة الكلاسيكيين.

ولعله من المفيد تذكر ان المأمون الذى انحاز الى المعتزلة خصما على خاصة وعامة المسلمين كان قد وجد في قلبه قبيل موته تزكر الرعية فاوصى بهم خليفته المعتصم قائلا "لا تغفل الرعية، الرعية، الرعية العوام، العوام فان الملك بهم وبتعهدك المسلمين والمنفعة لهم الله، الله فيهم وفى غيرهم من المسلمين. المهم فورا لم يكن المعتزلة يذرون بالعامة وحدهم وانما بمن عداهم هم من المفكرين العرب والمسلمين وغيرهم فيما خلا فلاسفة اليونان الرواقيين. فمن اين جاءت الرواقية للمعتزلة؟

ابن رشد ونخبوية الامازيغ:
كانت حركة الترجمة من اليونانية الى العربية في القرن الثامن الى العاشر قد وفرت علوم وفلسفات كاملة حول معظم اهم فلاسفة الاثينيين بخاصة سقراط وارسطو وافلاطون وزنيوفون تلميذى ارسطو وغيرهم. وليس معلوم تماما ان كان بن رشد كان حريا بان يرجع بعض ما قاله المعتزلة من ذراية بمن عدى المعتزلية ونظرائهم من المفكرين والعلماء والشعراء العرب والمسلمين. فقد عرف عن المعتزلة انهم غلوا في الاعتداد " بانفسهم وبمبادئهم وافكارهم وبائتمانهم الفكري والفلسفية-المنزلة بين المنزليتن وخلق القران الى الحد الذى جعلهم يتهكمون على كل من عداهم ويسخرون من سلوك الاخيرين ومعتقداتهم وافكارهم"(4). ولعل ذلك الاعتداد وصل حد الصلافة فالتعالى على من عداهم وعلى العامة جميعا فما هو منشأ وموقف ابن رشد؟ كان ابن رشد قاض وكان طبيبا وفيلسوفا بالمعنى الواسع وعالما في الفلك والفيزياء والطب. وكان ابن رشد يقول ان البشرية لها عقل او فكر واحد او طاقم فكرى ومبادئ واحدة حول المدركات العامة والظواهر الطبيعية فالعاصفة هى العاصفة والريح هو الريح وغير ذلك مما يعبر عن نفسه في التماثل المعرفى بين الناس بشأن مفهومات عديدة وظواهر طبيعية. وحيث كان بن رشد قد ولد ابان عهد الامازيغ الموحدى وكان الامازيع يستقطبون المفكرين لاسباب تخصهم فان الامازيغ رغم تشددهم قد حضوا على الفكر ورعاية الفلسفة مما يعتبر امرا مثيرا للتساؤل. وكان ابن تالموط مؤسس الموحدية قد مأسس فكره على فهم ما يعنيه الله في كتابه مما انتج مكانا لم يكن موجودا للفلسفة لدى العروش وهو الفكر الموحدي. وكان بدوره على خصوصية معينة تقول بان صفوة صغيرة من الموحدين من اتباع ابن طالموت هم الاجدر بفهم القرآن وان العامة غير مؤهلين لذلك. وقد كرست الموحدية الفارق بين الصفوة والعامة من حيث الكشف الربانى حسب رأي الموحدين لمعنى النص القرآنى للصفوة خصما على العامة.

وقياسا حيث قال الموحدون بان الفلسقة من شيم قلة من النخبة فقد قال الغزالى في تهافت التهافت ان ليس ثمة تبرير لاقحام الفلسفة على البرابرة الهمج الجهلة.(5) وكان الكيندى وابن سينا بعد بن رشد والفارابي –الذى اكتشف ارسطو-بينهما- قد تبنوا فكر ارسطو. الا انه فيما قال المتكلمون والخوارج ونظائرهم بان كل من يخالفهم معتوه او معوق عقليا فقد كان معاصروهم من المعتزلة امثال ابن رشد يرون أن ينبغي التفريق فيما يتصل بقدرة العقل على الاستيعاب بين الخاصة والعامة.

قياسات على المثقف الفاعل في الحياة والفكر(6)
تقابل نموذجان من الرجال على عهد العباسيين المعتزلة ومن سبق الاخيرين ومن لحق بهم او تبعهم من الخوارج وتخريجات الخوارج والمعتزل كالاشاعرة المرجئة والجبريين والجهيين والمشبهة والمجسمة والحلوليين. وكان الاشاعرة قد انقسموا عن المعتزلة ولعل الاخيريين تنويع على الخوارج مثلما باتت بعض فرق الاشاعرة تنويع على المعتزلة وهكذا. ومن فرق تلك الجماعات الاخرى الماتريدية لصاحبها ابى منصور وتقف الماتريدى- بين الاشعرية بخاصة اوائلهم والمعتزلة(7) وكالاباضية والمتكلمين الخ(8) موقفا يستحق التأمل بدوره. على ان ما يهمنا في هذه المجادلة هما تموذجان من رجال ذلك العصر هما الامام احمد ابن جنبل والمعتزلي قاضى قضاة معظم الخلفاء العباسين احمد بن ابي دؤاد.

1-    المفكر الانسان الجيد المترفع:
كان أبن حنبل مفكرا مكافحا مناصلا في تواضع غير مسبوق مقارنة مع معظم معاصريه من المعتزلة احفاد الجهميين الخ. فان كان احمد بن حنبل، احد ائمة السنة الاربعة، كاتبا وفقيها ومحدثا رائعا واوسع من سجل الاحاديث (جمعها اول من جمعها ابنه عبد الله في المسند) فقد كان انسانا رائعا ايضا ومترفعا عازفا عن المجد يستحي بل يغضب ان اشار احدهم الى علمه وهو الذي قيل فيه "من المحبرة الى المقبرة. فالكاتب او الشاعر او الراوى او الناثر الجيد انسان جيد. ولا يبدع بل لا يكتب ادبا او شعرا او رواية او نثرا جيدا انسان ردئ ناهيك عن مجرم مثل بعض معتزلة زمان المأمون وتنويعاتهم الاشد هوانا. فقد قاتل بعض معتزلة المأمون من لم يجاريهم وكتموا انفاس وغيبوا اى موهبة وابداع لمن عداهم هم ممن لم يكن اى منهم ليطاله ومن لم يملكوا الى منافسته سبيلا. وكان صمود وكبرياء امثال بن حنبل يفاقمان ضغينة وخيبة المتهافتين امثال ابن ابي دؤاد وغيظهم(9) وقياسا فقد كان ابن حنبل يعتبر تكريم من لا يرى فيهم ما يجمعه معهم محنة عليه ان يواجهها بمغبة ما قد يكون.

فقد بقى المتوكل يحاول تولية بن حنبل وهو يعلم ان الاخير لن يقبل الولاية وبقى الخليفة يسترضيه فيرسل له العطايا والمال. الا ان الامام بن حنبل ان لم يردها الى المتوكل فقد حرص على الا تدخل عطية الخليفة داره فراح يستقبلها عند عتبة داره ويتصدق بها فيوزعها من فورها.(10) وابن حنبل يترفع عن قبول العطايا وحسب وانما كان يفزع منها، لانه ما كان ليرضى لنفسه ان ترغمه العطية على التبعية او-و يغدو بالتكريم مأجورا بين المأجورين. فقد كان يدرك انه ان قبل عطية فقد رهن روحه للعاطي وهو الذى لم يقبل على نفسه شيئا من احد ليبقى حرا في قول ما يريد ان يقول بصدق الوفاء للمبادئ دون سواها. وقياسا لم يتزلف ابن حنبل ولا تنازل لاحد او ساوم مما دفع كثيرين الى الضغينة عليه كما الهم اخرين الكبر وعزة النفس والصمود في وجه غواية الكثرة والشهرة بالتشهير. وقد ظل بن حنبل تقيا زاهدا في الكثرة وفى الشهرة يخفي علمه ومقدار توفره عليه. وحين بلغ الخليفة المتوكل عزوف بن حنبل عن كل ما عرض عليه احترمه الخليفة وقدره ولم يناصبه العداء.

وحيث كانت الخشية من بطش خصوم بن حنبل وقدرة بعض الاخيرين امثال ابن ابي دؤاد الهائلة على انتقامية Vindictiveness-ابليسية فقد قعدت تلك الخشية بالكثيرين فلاذوا بالفرار. كما دفع الجبن والارتزاق بدورهما البعض الى الصمت فبقي ذلك الصمت يحيط بما حاق بالإمام بن حنبل خاصة ونظراءه عامة. ولعل مثل ذلك الصمت اشد شرا من التواطؤ والخيانة بل هما التواطؤ والخيانة بعينهما جبنا وطلبا للسلامة ولا سلامة. ولم تكن عبقرية ابن حنبل وتدفع عطاءه وحدهما وراء ضغينة ابن ابي دؤاد وانما كانت سرقة ابن ابئ دؤاد لاعمال من عداه وراء ذلك التعقب والعقاب لمن عداه.

للصوص الكلمة المسفسطون sophisticated robbers
بلغ اهل الاعتزال في عهد القاضي بن ابي دؤاد مبلغا غريبا من الثراء حتى يقال ان احمد بن ابى دواد قد فاق البرامكه ثراءا وسلطة وعزا-حتى تسلط الاخير على الخليفة ويقول عثمان المنشاوي الاموي الحويطي الحسيني الهاشمي ان ثراء وسلطة قاضي القضاة أحمد بن أبي دؤاد تجاوزا الحدود الا ان شيئا لم يبق من سيرة ذلك الكائن للباحث او المؤرخ ليبنى عليها تحليلا بقدر اذاه للإسلام ولابن حنبل واقرانه.(11) ورغم ثراء قاضي القضاة أحمد بن أبي دؤاد الا ان ثرائه لم يمنعه من ان يسرق مال الناس وينتحل املاكهم ويسطو على شعر ضحاياه من خصوم المعتزلة بعد زجهم في السجون او-و عزلهم حتى لا يسمع بهم احد من بعد حتى لا تنكشف السرقات فيما يشارف كما ذكرنا ايقاع حكم بالإعدام المدني بحقهم. وكان يتصور انه قد يقيض له بذلك شهرة متفردة في غياب اولئك الضحايا.

وليس الشعر وحده اذ ينتحل بن ابي دؤاد كل ما لا يملك من متاع اقرب الناس اليه ومن اكثرهم حسنة فيه حتى الملابس والنعال. وكان صديقا اواه في بيته وكان الصديق مسافرا. فلم يلبث بن ابي دؤاد ان استباح كل ما في بيت الرجل بما في ذلك ما كان قد وضعه الرجل الغائب وزوجته في غرفة اغلقاها من دون أحمد بن أبي دؤاد. الا ان قاضي القضاة أحمد بن أبي دؤاد كسر باب الغرفة واستباح كل ما فيها بما في ذلك ملابس ونعال الرجل وزوجته قائلا "ماذا يريد هؤلاء بكل هذه الملابس والنعال" فاين ذلك من الامام ابن جنبل الذى طلب الى زوجته بيع نعال لها لم ير انها بحاجة اليها ليشتروا بثمنها ما يلزم لبيتهم واولادهم. وكان أبن ابي دواد قد سرق مع ذلك مال طالب فقير جاء بغداد للعلم، فلم يعد ابن ابي دؤاد للطالب ماله الا بعد توسط المعارف والاصدقاء. وكذا فعل بشعر امرأة انتحله، ولما كادت تفضحه ابتزها بالتهديد-مذيعا ان صديقة كبيرة له- كان ينعتها من وراء ظهرها بالتاجرة-نصحته بإذاعة زواج تلك السيدة من رجل متزوج دون علم زوجته وام اولاده. فلم تلبث تلك السيدة المسروقة ان تنازلت له. ولم ينفك ان جأر ما كل هذه الضجة ولم تزد قيمة قصائدها لدى الخليفة على 200 درهم؟

مع ذلك بقي كل ما يعمل بن داود او يترك لا يغيير من امره شيئا. بل ان امره افتضح لدى الكافة قبل الخاصة وكانوا يهزأون يتناقلون فضائحه من وراء ظهره فيما يظهرون له الود خشية لسانه السليط ورقاعته التي لا تقف عند حد. فلم بن ابي داود- في ضياعه بحثا عن مجد لم يكن ليقيض لامثاله-ان يعرف عن النبل او الشهامة او الرجولة الحقة شيئا. ويقال ان كان هوان نشأته كالكرباج وراء ظهره يسوقه الى محاولة اختراع نفسه، ولا يفلح مما زاد من قدرته على ان يحنق على من لا سبيل الى النيل منهم ممن لا يطالهم. ويزداد في كل مرة نكوصه الى الابتذال وقد غلبه عصاب تسلط افعال يشارف الزهان. وفيما كان يغيظه ايما غيظ الا يكتب فيه كاتب او ناقد مشهور فقد كان يتعقب الاخيرين مسترقا السمع يصبح كل يوم وقد شحذ اسلحة البحث عن اي خطأ ملفق او نشر عن خصومه شائعات غير صحيحة لدى الخليفة حتى ينفيهم الاخير الى بيداه المعارضين. فلامثال بن ابي دؤاد وسائل هابطة في التهوين من المهم والخطير. ومن خصائص ابن ابي دؤاد العجز عن النقد الموضوعي مما يدفعه لاختلاق عيوب لا صحة لها.

فان انفق ابن ابي دؤاد حياته يسرق عمل غيره ويقتفى اثر ويتعقب الامام ابن احمد فقد كان اول ما يفعله القاضي ابن ابي دؤاد ساعة ان يفيق من النوم-ان انام- هو البحث عن اخبار الامام ابن حنبل والتنقيب عن اي شيء يسئ به الى الامام ابن حنبل او يلصق به ما يمكن او لا يمكن لصقه به من القصور الذي تمناه ابن ابي دؤاد للامام احمد ابن حنبل. وكان بن ابي دؤاد المعتزلي متناقضا في نفسه فقد اشاع عن نفسه الشهرة بالجود والكرم ولكنه كان فاسد الروح والعقيدة خبيث الطوية. وكانت خصاله المعلنة تلك مصطنعة ليروج ويمدح عن الناس ممن لا يعرفونه فيسهل بذلك عليه نشر بدعته وضلاله وسفاهته وضعف صميره منقطع النظير. وقد ذمه الشعراء وقد ادركوا حقيقة مذهبه وخلقه وطبعه وقد قال فيه بعضهم:
نكست الدين يا بان دؤاد فاصبح من اطاعك في ارتداد
زعمت كلام ربك كان خلق أما لك عند ربك من معاد(12)

ولم يلبث ابن ابي دؤاد ان اصيب بالفالج فقتله بعد عذاب طويل. ويقول البعض ان مرض ابن ابي دؤاد جاء استفتاح من نسفه عليها عندما دعي على نفسه يوم ان قتل امام السنة احمد بن نصر. فقد قال ابن ابي دؤاد للخليفة الواثق يومها وكان الاخير قد سأله ان كان قتل الامام احمد بن نصر خطأ قال ابن ابي دؤاد للخليفة مؤيدا ان "حبسني الله في جلدي ان كان قتله خطأ" فجاءت الاجابة الربانية بالكرامة السماوية على صدق السنة وضلالة البدعة المعتزلية. فلقد هلك الضال المتبدع في 23 محرم سنة 240هجرية بعد ان عانى الامرين من المرض والطرد من المنصب. وقد روى الناس الكثير من المنامات السيئة التي تدل على سوء خاتمة ابن ابي دؤاد في حين تروى حتى اليوم سيرة ابن حنبل العطرة بين خاصة الناس وعامتهم ممن كان ابن حنبل يحب ويصطفي اكثر من غيرهم. وان كان الامام ابن حنبل قد احل من اذاه في المحنة الا انه لم يحل ابن ابي دؤاد. فلا جزاه الله خيرا.(13)

الابداع والنضال اليومي مع وبين الجماهير الشعبية:
كان الامام احمد ابن حنبل بارا بكل من عرف وحتى اولئك الذين اختلف معهم مثل الامام الشافعي. ولعل ذلك من شيماء الانسان التقي الطيب والجيد المبدع معا حتى لتخاله من سلامة طويته وطيبته وكأنه ساذج او ابله مما يغري به اللئام واصحاب القلوب السوداء. ومع ذلك فان الابداع الذي يعبر عن نفسه في سلامة الطوية وحسن القصد فيما ينفع الناس ان مثل ذلك الابداع نصف النبوة. فالذكاء والخيال والتسامي عن صغائر الامور حتى ليبدو المبدع اقرب الى الغفلة هي ميزات النبوة قياسا على الذكاء الغريزي الهابط بصاحبه ابتذالا الى مصاف السوقة. فمثلما يغدو المبدع الحق نصف نبى يغدو اللا معنى من ان يتساوى مبدع حقيقي اصيل ومن ينسخ كماكار ماكاروفيتش عبيط ديتويفسكى الذى قال عنه جاره وقد ارهقته نقنقة ماكارافيتس في الطابق السفي للعمارة "انه فأر ينسخ". ويقول المستعرب الاسباني بدرو مارتينث مونتابث(14)  احد كبار نقاد محمود درويش ما يصح اسقاطه على احمد ابن حنبل. فاحمد ابن حنبل مثال المفكر والفقيه –رغم انه كان يرفض ان يوصف بالفقيه- والمبدع والشاعر متعدد اللغات ومدارس الفكر الذى "تتداخل عنده أبعاد الابداع والنضال اليومي مع الناس والتوجه الكوني جميعا في سياق جدلي باستمرار.

فالمبدع كما يقول الاسباني بدرو مارتينث مونتابث تتوفر له ابعاد تنظيمية وفكرية وسياسية ويغيب ذلك المعيار للأصالة عن كل من لا يملك ناصية الابداع فينتحل ما لا يفهم خارج السياق اعمال غيره ويسرق ما يبدع عداه. فأمثالهم يعيشون على السرقات حتى يكاد بعضهم ان يسرق القرآن فيسرق بعضهم محمود درويش ويسرق اخرون صلاح عبد الصبور في اشهر ما كتب. وغالبا ما يسرقون الموتى وان لا يخشون الاحياء باعتقاد في قدرتهم على التهديد والترويع والابتزاز ان وجد ما يوفر لهم من ذلك سبب. ورغم ان بعض اؤلئك اللصوص مدفوعي الاجر يملكون الاقتدار المادي على كراية من يساعدهم في الكتابة بالقروش في زمان الجوع والعوز الا أن مال الاخيرين يستهويهم بجنون. فهناك تلك التي تسرق حتى ابحاث طلابها وتنشر كما تفتح صنبور ماء. ذلك انها والناشر على يقين من التوزيع حيث تجبر طلابها كل عام على شراء ما تكتب مما لا يرقى الى مقال في جريدة يومية بحال.

والى ذلك فان تخلصت تلك الجماعات من خصومها المثقفين الشرفاء احتكرت تلك الجماعات المنابر والهواء بلا منازع فيما تروح تلك الجماعات تنشر أفكارا واراءا مغشوشة ومعارف منتقصة فيما تجاسر بعض اصحاب المشاريع -البقالات الصغيرة-منهم فيزعمون انهم اشد الناس ديمقراطية . ويصادر الاخيرون حرية ويكتمون-نيابة عن تجار جملة بيع الكلام -الذى لا يقول شيئا-انفاس صبيتهم و"موظفيهم" ومعظم الاخيرين في الواقع مجبور- بمغبة ضعف الحيلة امام أصحاب البقالات الصغيرة والكبيرة -على التبرع او-و قد يكون الواحد(ة) منهم مؤمن في غفلته بالبقالة تلك فبأهمية المشروع.(15)

وقياسا كيف لامثال ابن ابي دؤاد وتنويعاته من المتثاقفين اياهم –ادعاء الاقتراب من امثل ابن حنبل في شيء. فقد كان الاخير يجيد اللغات، يلم بالفقه والجدل والعلم، فيما كان يتواضع لله وللعلم. وبالمقابل كان ابن ابي دؤاد الى ضعف شعره الذى كان يركض وراء كل صاحب مصلحة عنده حتى يكتب عنه وفيه كان ابن ابي دؤاد يدعى الالمام باللغاة وهو جاهل جهلا مطبقا يشارف الامية بل العمى نفسه مثلما يجهل الوطواط كل شيء الا ما خلا الظلام. وحيث بقي ابن ابي دؤاد تعوزه اجادة لغة اجنبية لتقيض له بطاقة تلك اللغة ان يمر من ابواب الارتزاق فقد ثابر على اشاعة انه يجيد الرومية والفارسية بادعاء مقابلة روم وفرس له واجراء حوارات معه باللغات. كيف لمتثاقف بهذا الوصف ان يتنافس مع ابن حنبل وابن حنبل سيد العارفين والمناضلين نضالا يوميا من اجل الاسلام والمسلمين ناهيك عن ان يتطاول على احمد ابن حنبل؟ فابن حنبل مفكر وعالم وفقيه وشاعر كوني. فان كانت من ابعاد الابداع الكونية فمن اين لذلك المتثاقف ابن ابي دؤاد السبيل الى اى كونية وهو لا يملك ناصية لغة توصله الى كون ابعد من محدودية لغته وحدها ؟

ولا يعنى ذلك استهتارا باي لغة اطلاقا الا ان العالم كان على ايام الخلافة العباسية قد بات اكثر تركيبا وقد تحدث الشعراء العرب الكبار وكتبوا بلغاة عدة. فقد كانت بغداد مركزا عولمة عباسية باكرا. ولعل مفهوم العولمة كان حريا بان يبدأ هاهنا وببغداد من يومها. ويتضح ذلك فيما يتضح من حركة العلماء والمفكرين والمثقفين وبخاصة من حركة المال والمصرفيين والتجار وكبار الحرفيين من كل الاجناس والجماعات الفائقة للحدود وكأنهم الشركات متعددة الجنسيات.

والواقع ان أولئك الافراد وتلك الجماعات كانت تتنقل بجوازات مرور-سفر- من كل مكان الى كل مكان بجوازات مرور وبامتيازات كعهدهم على مر السنين. فقد كان الخيبريون مثلا يترحلون بين ارجاء الخلافات الاسلامية وكانت لهم امتيازات كالإعفاءات الضريبية أو/و الضرائب المنخفضة.(16) فقد يعيش المفكر والشاعر والكاتب والتاجر والدارس والرحال والمصرفي الخ منهم في القرن الحادي عشر مثلا متنقلا ما بين مصر او بيزنطة او القدس وقد حمل معه رسالة ضمان أو حماية من النبى (صلعم).(17) ورغم ان تلك حالات لم تكن نادرة بل كانت شائعة الا انها بقيت غير مسجلة او غير متنبه عليها.(18) وقياسا فقد كان يعيش في بغداد العباسيين ابان عز الاخيرة خليط من اجناس مختلفة من العرب والفرس والترك والزنج والديلم والروم والنبط والارمن والكرج (الجورجيون) والسلاف والاكراد والبربر.(19)

المهم فورا كان المنبتون ينخرطون بلا ضمير على الاطلاق بل يبررون لانفسهم فظائع اعمالهم ويسايرهم اصحابهم –ينخرط اولئك الانغال في سرقة اعمال من عداهم تعويضا عن قصورهم الفكري والثقافي واللغوي ثم ما ينفكون ينفقون حياتهم في التعين على اصدار حكم بالاعدام المدني Civil Death بحق صحاياهم من المجني عليهم بسرقة ابداعاتهم-ان كان الاخيرون احياء-اخفاءا للجريمة.(20) وقد استدعي امثال هؤلاء باكرا ما باتت الرأسمالية والصهيونية تفعلانه من بعد وتباعا بخصومهما.(21) ذلك انه اذا لم يملك السارق احراق المسروق منه فانه يسعى بجنون الى مصادرة وجود ذلك الخصم او-و التشكيك في مصداقيته To discredit him of her.

اما اذا كان الضحايا امواتا فان اؤلئك الادعياء ينتحلون اشهر مقولات الاموات. وكاني بهم ينتحلون القرآن مثلما يسرق عاطلون عن الموهبة مقولات محمود درويش او صلاح عبد الصبور او-و ادعاء معرفتهم-بعد موتهم طبعا- بالتلصق بهم فيجأر احد أولئك الرقعاء بلا حياء "ان الشاعر يولد ويموت مع كل قصيدة وان لم يفعل فقد ما يكتب قيمته". وحيث يجزم بدرو مارتينث مونتابث المستعرب الاسباني ان الشاعر العظيم مفكر وناشط والاهم ناثر عظيم يؤكد مونتابث ان الشاعر والكاتب العظيم مفكر وناشط والاهم ناثر عظيم يتميز كمثل ما يتميز المبدعون حقا بأبعاد ثلاث يفصلها المستعرب الاسبانى وليس هذا مجال الاسترسال فيها فورا.

الشهرة بالتشهير:
أجادل ان تلك النماذج تنويع على نظائر في تاريخ الاسلامي منذ فتنة عثمان وربما منذ حياة النبى صلعم. ويذكرك صاحب البقالة بالقاضى ابن ابي دؤاد. فقد كان بن ابن دؤاد شاعرا ضعيفا يسرق شعر وعمل غيره، ويحنق على كل مترفع وصاحب شرف وكبر، وعلى كل من لم يكتب عنه ويصب عليه جام غضب مجنون. وقياسا تجد(ين) ان قلائل فيما خلا الخوارج والمعتزلة مثلا لم يكتب لهم صيت يذكر. فقد تعين بن ابي دؤاد والمعتزلة السياسيون على ألا يذكر من عداهم هم الا من شهر المعتزلة بهم فاشتهر الاخيرون جراء تعقب المعتزلة لهم بتهمة التطرف والاصولية. ولقد اشتهر انبل رجال زمانهم واجلهم واشدهم كبرا كالامام احمد بن حنبل جراء وصمة بالتطرف فباتت الحنبلية بالمفهوم المعتزلي المشبوه مرادف للاصولية او حتى السلفية.

وكان رجال افذاذ قد بقوا من اشهر من صمد امام التعذيب والمهانة في سجون الخلافة العباسية الاسراتية الرشيدية ومنهم وعلى رأسهم الى جانب الامام احمد بن حنبل ونظرائه كاحمد بن نصر الى الحلاج والغفاري وابو يعقوب البويطى وغيرهم من الرجال الصالحين فقد كان أولئك الافذاذ ممن الصقت بهم صفة الغلاة والمتطرفين. فقد استدعى المعتزلة والمتكلمون ما شارف اختراق وتشويه الاسلام فيما وقف الأمام أحمد بن حنبل في وجه غلواء المعتزلة وفي مواجهة حملة تشويه الاسلام والمسلمين. ولقد خرج بن حنبل متنصرا وهو الذى كان عليه ان يتحمل منفردا خصمة بن ابي دواد باسم الخلافة والمعتزلة وقد اجتمعت عليه الخلافات الرشيدية من المأمون حتى بداية عهد المتوكل.

ولقد كان لمذهب الإمام أحمد زيادة على استعصاءه على الهزيمة الفضل في حماية الاسلام من التطرف والبدع المعتزلية اذ تمييز بين المذاهب السنية الاخرى بالتوفيقية فكان الدعامة التي قيضت لقيام حركة اصلاحية في العالم الاسلامي كما هيأ لظهور وانتشار توفيقية مبدعة. وحيث اصدرت توفيقية بن حنبل عن ابي الحسن الاشعري الذى كان قد "أنسلخ عن المعتزلة مما قيض لابن حنبل- بمذهبه السمح-خلق شرط نهاية الاعتزال. ذلك انه ان استخدم الاشعري أدلة خصومه المعتزلة في نقض آرائهم وكانه بادر باكرا بايقاف الجدل على قدميه-فقد كان لابن حنبل الفضل في نشوء مذهب سني كلامي جديد"،

ابن ابي دؤاد: كائن بنفسية دودة
كان رجاء النقاش رحمه الله يصف مثقفا كبيرا يتمتع بقدرة ابداعية على الوضاعة بانه كائن بنفسية دودة. ولا غرابة فثمة شاعر كبير عرف بانه يضرب زوجته وعرف اخر بالبخل على بيته وكان اخر لصا علنا واخر يجبر زوجته على ايفاء حقه عليها غير عابئ باحتقارها له وهكذا. وليس ثمة ما يمكن ان يفسر بعد مثل ذلك الهبوط. ولم يكن بن ابي دؤاد شاعرا ضعينا وحسب بل كان عنيفا في خصومته لمن هم اهم واشرف واكثر منه ابداعا مثل احمد بن حنبل ومنصور والشافعي وغيرهم. ولعلها ضغينة المنبت على المبدع ممن لا يطال امثال بن ابي دؤاد ان يطاله قامة. وأتسائل ان كان المعتزلة امثال القاضي ابن ابي داوود تنويع باكر على يوسف ابن نغزالة اليهودى وزير باديس ام علي طبيب صلاح الدين الخاص ومستشاره عشية الصليبية الثانية الذي اغوى الايوببين بوضع نجمة داوود السداسية على عملتهم في 568 هجرية؟ ام كان تنويعة على امثال ايتاح الخزرى والمملوك صالح بن وصيف مستشارى المتوكل ومصعب الزبيرى واسحاق بن ابى اسرائيل وقد تعينوا بدعوة من الخليفة المتوكل على المساهمة في "الادلجة المذهبية الجديدة" وقد راحت الاخيرة تحل مكان فكر المعتزلة؟

كان ثمامة وابن ابي داوود من بعده قد اصبحا يرشحان للمأمون الوزراء، فرشحا الاخير للمأمون أحمد بن أبي خالد خاصة ثم يحيى بن أكثم، وعن طريق الاخير تعرف المأمون بأحمد بن أبي داوود فبات ابن ابي داوود مستشار المأمون والواثق والمعتصم الخ. وكنت قد جادلت في دراسة اخرى ان المأمون لم يكن يبرم امرا دون القاضي ابن ابي داوود وزميله بشر المريسي وثمامة بن أشرس. ولم يلبث الخليفة المأمون ان اصبح-بايعاذ من ابن ابي دؤاد-يخير الناس بين خلق القرآن من ناحية وينقد وقع ذلك لبعض المفكرين مثل الحلاج وابن حنبل. وكان ابن ابى داوود ومحمد ابن نوح من اشد المناوئين لابن حنبل وكان ابن ابى داوود وراء تغريب احمد ابن حنبل والحلاج ومحمد ابن نوح تعذيبهم وقتل من قتل من خصوم المعتزلة’.

اليس غريبا ان يغدو بن ابي دواد تنويع باكر على امثال توني بلير؟ والاخير مولود في مايو 1953 وقد تولى رئاسة حزب العمال من 1994 الى 2007 فجعله حزب العمال الجديد اى تنويعة على ما سمى وقتها الطريق الثالث وصولا الى الليبرالية الجديدة. وتوني بلير وامثاله من النماذج المعدلة جينيا يبرعون في اختراع انفسهم كل صباح. ويدعى توني بلير كمثل ما يدعى ابن ابي دؤاد الادوار التمثيلية حتى لم يعد احدا يتذكر له او يعرف عنه سوى ما قام به من ادوار وما احتله من مراكز. فقد قام توني بلير مثلا بالتواطؤ على قتل جون سميث رئيس حزب العمال بدءا توطئه لوصوله هو بلير لرئاسية حزب العمال الذى بات جديدا، وهو تنويع مبتكر محدث او ما بعد حداثى على خلق القرآن عبورا بدور توني بلير الرئيسى في غزو العراق ووصولا الى ترأس الرباعية فيما يسمى محادثات السلام في الشرق الاوسط.

فان كان ابن ابي دؤاد معدلا جينيا فقد كان توني بلير لقيطا فعليا وقد قام وامثاله من اللقطاء الافتراضيين وهم كثر بادوار مماثلة في تلفيق القضايا وسرقة افكار عظمية فاجهاضها مثلما فعل بن ابي داود حيث سرق فكرة اقرب اصدقائه اليه فلوثها ليخرجها مجهضة بلا قيمة سوى اسما لامعا استغل فيه احد اثرياء الخلافة العباسية فصرف عليه هو وعلى النصراء. اذا كان ابن ابي دؤاد يذكرك بتوني بلير فان توني بلير ربيب عولمة الصهيونية على نحو غير مسبوق. ومن المعروف انه كان لقيطا تبنته اسرة اسلكتلندية واحسنت تعليمه الا ان وصمة منبته لم تفارقه حتى ان لم يكن كثيرون يعرفون بها. فقد بقى هو كمثل الجائع الذي شبع لا يمكن الوثوق به ابدا فيما لا ينسى هو نفسه اصله ابدا.

انك عندما يثير ابن ابي دؤاد فيك الرثاء ينتابك الحزن فلا تملك الا ان تشعر بالشفقة على نفسك انت ايضا. وعندما لا تملك سوى ان تستهجنه فتكاد تكرهه يثير ذلك في نفسك الحزن مرة اخرى. فكون كلاكما ادمى معناه ان الانسان جدير بمثل ذلك الهبوط والخزي. سوى ان ما يحزن حقا هو ان من كانوا يحيطون بابن ابي دؤاد- أولئك الذين قد لا يكونوا بذلك القدر من وضاعة ذلك الكائن-يقفون –ولو مظهريا معه-وهم اللذين يعرفون عنه اكثر مما يذكر هو. فان عرفوه جيدا حاول احادهم تبرير افعاله بالجنون الذى يقال ان بعض افراد عائلته مصاب به. والا ان قاضي القضاة أحمد بن أبي دؤاد كان ما يبرح يهجس بسيرته وقد راح يعيد اختراع نفسه وكتابة سيرته المتواضعة فنسب نفسه لعلية القوم وادعى بطولات خارقة لم يلبث ان صدقها كمثل ما يفعل سكوبياتي ثقيل الظل ي اذ تصور انه خفيف الظل او كلقيط يتقرب الى منهي ليست امه او الي زوجة ابيه.

فقد كانت سيرة الامام بن حنبل العطرة تقض مضجع ابن ابي دؤاد-الى اخر حياته حيث حاقت به الصعقة جراء زلزال اقعده. فان كان الكاذب لا يملك سوى ان يكذب وبكذب ليخفي كذبته فالسارق قلما يملك-قياسا-التعين على الابداع سوى بمواصلة السرقة والتكاذب مثلما يفعل الغرب وقد بنى سيرته على التكاذب وبقي يسوق الاكاذيب وانصاف الحقائق صباح مساء. من سوء حظ بعضهم انني ممن عاصروا نماذج تشارف ابن ابي دؤاد منذ الستينات في المنطقة العربية وفى المنافي. هذا ولم اعاصر الاخيرين وحدهم. فقد عاصرت في المنافي نظائرهم الانجلو ساكسون والانجلو امريكان والفرنسيين والبرتغال والاسبان والروس والتشيك الى الافارقة والعرب طبعا. فلقد صبت كافة تلك التنويعات في قالب واحد والعياذ بالله ولهم تنويعات سابقة عليهم من نظائر ابن ابي دؤاد. وتراهم اليوم يزحمون فضاء الثورات المضادة يوصفهم عملاء وانتهازيين وغير اؤلئك ممن ييسر الوراثات الاستعمارية لاوطانهم في كل مكان منذ الثورات المخملية الى ما يسمى بالربيع العربي. ذلك ان تلك النماذج ليست سوى تنويع على ما اسميه الصهاينة العرب والاوربيين والامريكان والروس وغيرهم. وان اشد ما يثير حفيظتهم وغيرتهم هو الثورات الشعبية الموضوعية. فهم كارهون للشعوب منذ ان سأل موسي ربه من فوق جبل سيناء ان يمنحه شعبا اكثر طواعية فاقنعه الرب بان يصبر عليهم.

ايهما اسبق الاسلام السياسى ام انتشار فرق الاسلام الجهادي؟
زعمت في دراسة مطولة أن الحركات المنشقة عن الاسلام الرسمى والاسلام الشعبى بهذا الوصف كانت قد عبرت عن نفسها أول ما عبرت بصور منظمة مع نشوء الخوارج على عهد الامويين.(22) وكانت تلك الحركات قد تلفعت وما يبرح معظمها يتلفع بعباءة التطهرية او السلفية او الجهادية فيما اندفع معظم التكفيريين والجهاديين للدفاع عن العقيدة الإسلامية باصولية متطرفة فنشأ الاعتزال وعلم الكلام وغيرها من مدارس الخروج على السلطة القائمة مرة واحتواء شرائح السلطة في نفس الوقت او على صعيد اخر مرة اخرى. وكنت قد ناقشت هذه الظاهرة بصورة مستفيضة كانت احداها بحثا كاملا.(23) واجادل فيما يلى بان حركات الخوارج والمتكلمين والمعتزلة والاشاعرة كانت حرية بان تجد نفسها- بدرجات المقياس وفى مراحل مختلفة من نشوءها ونضوجها- في خلاف مع اهل السنة مما يلاحظ في العصر العباسي حيث عبر تيار السلفية العباسي عن نفسه بصورة ملحوظة في مدارس المعتزلة وتنويعاتهم في درجات المقياس. ولعل السلفيون راحوا ينتحلون تباعا اليوم عباءة المعتزلة متهمين من عداهم بما كان المعتزلة قد تعينوا عليه وكرسوه في مواجهة خصومهم. وازعم ان المعتزلة الجدد-و هم تنويع على السلفيين في تنويعة ما بعد ليبرالية تدعي العلمانية ما ينفكون يلصقون بابن حنبل ونظائره اللاحقة السلفية نكاية بهم جميعا. ومن المفيد ملاحظة كيف ان كلى الجماعتين وان بدتا وكأنهم في خصام ولا لقاء بينهما الا انهم تصدران عن العولمة وتتمأسسان فوق رأس المال المالي وتطيران من الاشتراكية بوصف الاخيرة بحق الرأسمالية المالية.

هذا ومن المفيد تذكر ان المعتزلة الجدد والسلفيون لم ينسوا صمود ابن حنبل وامثاله في وجه بدع اسلافهم الخوارج والمعتزلة ونظائرهم. فقد طور المعتزلة الجدد ومثلوا "تطوراً ملحوظاً لتيار السلفية" على الطريقة ما بعد الليبرالية. ورغم ان بدع المعتزلة كانت قد غدت ظاهرة عباسية الا ان الخلاف اشتد بين المعتزلة والسلفية. ويقول البعض ان الأمام أحمد بن حنبل كان افتراضبا قد مثل السلفيين في مواجهة غلواء بدع خلق القؤآن وغيره من تخرضات الخوارج والمعتزلة وتظائرهم. فقد تصدى الامام بن حنبل للمعنزلة منفردا في صراع ضار على مر سنين ورغم المعتقلات والتعذيب فصمد للمحنة وانتصر.

 وحيث ان معركة بن حنبل مع السلفيين المتلفعين بعباءة التجديد كانت حرية بان تعبر عن "عاطفة التدين الشعبي التي آثرت الاعتصام بالسنن والآثار والابتعاد عن بدع المعتزلة وتنويعاتهم حول المنزلة بين المنزلتين الا ان بن حنبل كانت قد تعين على حماية الاسلام من التشويه والاختراق وكذا حمى العروبة معه.

ولعل غلواء المعتزلة والمتكلمين كانت حرية بان تدفع الناس للدفاع عن الاسلام والعروبة في مواجهة ما شارف تشويه الاسلام والعروبة. ذلك ان مذهب الإمام أحمد تمييز بجدارة عن مذاهب السنة التي تأثرت بالمعتزلة وغيرهم بان وقف بشدة وجسارة للمعتزلة والبدع التي راحوا يقحموها على الإسلام، وقياسا قاد الامام بن حنبل ما يعتبر"أول حركة إصلاحية في العالم الإسلامي في العصر الحديث" وذلك بالتوفيق بين المذهب كما هو وبين التطورات التي كانت حرية بان تطرأ عليه جراء حركة المعتزلة وتنويعاتهم العارمة من الافكار والتداعيات. ولعل توفيقية بن حنبل تلك هي التي افضت إلى خلافات اتصلت حتى اليوم "بين السلفيين والأشاعرة أو من لف لفهم. ذلك ان البعض يعتقد ان الامام بن حنبل هيأ لظهور وانتشار الاشعرية بوصفها حركة توفيقة.(24)

وقد يلاحظ ذلك فيما يلاحظ في مواقف بعض "الجماعات السنية الدعوية المعاصرة (أنصار السنة والإخوان المسلمين). هذا وقد استدعي الإمام الأشعري "أدلة خصومه المعتزلة في التعين على نقض آرائهم". وقياسا فان راح العالم الاسلامي يشهد "صحوة فكرية تحت زعامة بين الجليلين ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية فقد كان ذلك حريا بان يقيض مناخا ساعد على طلب التصحيح بعدما ان كانت البدع قد تفشت في المجتمع العثماني وقد ورث الاخير المماليك.(25) هذا ومابين فرق الخوارج والصفرية والإباضية والشيعة فقد سبقت الاخيرة غيرها الى بلاد المغرب ويشير بعض المؤرخين كالدكتور حسن احمد محمود(26)  في دراسة الدكتور مهدي ساتي الى ان المرابطين كان لهم دور محمود وهام في شمال إفريقيا، بشأن الحفاظ على التيار السني. ويقول مهدي ساتي في حديثه بشأن قيام دولة المرابطين بأن أصحاب الفرق صاروا ينفثون سمومهم في البلاد فيما عمل المرابطون على نشر الإسلام والدفاع عن حوزته واعلاء كلمته، ذلك ان الرباطات غدت ملاجيء يعتصم بها الناس غالبا من البدو والعربان وقت الفتنة. والى ذلك.

 وقياسا لم يكن غريبا ان يواجه التيار السني السلفي مصاعب على زمان الفاطميين. فلولا الربط والمرابطون لقضى الخوارج والصفرية والإباضية والبرغواطيون على التقاليد السليمة والسنن القويمة ولاسيما في عهد الفاطميين الذين مثلوا بفقهاء مالك شر ممثل حتى كان الاخيرون يفرون بأنفسهم وبدينهم إلى الرباطات ليتعبدوا فيصونوا تراث مالك حتى ليخيل َّ أن أهل الرباطات هؤلاء هم الذين حملوا لواء المقاومة السنية... في افريقية والمغرب".(27)

وربما صح الزعم بان مثل توفيقية الامام بن حنبل ودفاع المرابطين عن حوزة الاسلام واعلاء كلمته كانت حرية يومها بان تقف سلاحا في وجه قوى الثورة المضادة على الاسلام وعلى العروبة مثلما قد تقف اليوم قوى الدفاع عن الفكرة العربية-و المشروع القومي العربي-فى مواجهة مخططات وارادات اقليمية ودولية تتربص بالعرب والمسليمن الدوائر وتتعين على الاساءة الى الاسلام والعروبة بغاية القضاء عليهما بفعل فاعلين من تنويعات ابن ابي دؤاد خصما على تنويعات احمد ابن حنبل.

واجادل انه ان تعيين امثال ابن ابي دؤاد من النخب الخائبة على احتكار الفكر والتنظيم فقد بات العجر في موازنة الفكر والتنظيم بهذا الوصف حريا بان يعبر عن قدرة ومثابرة تلك النخب و(المتثاقفون) بوعى او بلا وعى على تفريغ الفكر والتنظيم معا من كل طافة او رمق. ذلك ان النخب والمتثاقفين يبقون في التحليل الاول والنهائى جزء من الثورة المضادة. فقد كانوا كذلك على مر التاريخ الحديث وما سبقه. من المفيد ملاحظة كيف ما ينفك الاخيرون يلحقون انفسهم اليوم علنا بالصهيونية العالمية مما بات معه اشر صهاينة زمان العرب الماثل هم الصهاينة العرب. فان يطرح النخب والمتثاقفون انفسهم بوصفهم معارضة لحكام بلادهم يدعون مناهضة الاستبداد ويجأرون بالدمقرطة فان الناس تلاحظ في كل مكان كيف بات الصهانية العرب-و قد راحوا يكرسون خصائص الاستبداد وهم يجأرون بالديمقراطية ما بعد الليبرالية وينبطحون عند اقدام الرأسمالية المالية- يقترفون ما هو اشد استبدادا من الحكام.

ويبقى التساؤل واردا ما اذا كانت بعض حركات المقاومة السنية-الجهادية المضادة معنية بتكريس شرط جمود المجتمع؟ وهل ثمن صون السلفية والجهادية السنية للتراث الاسلامي السنى يخلق انتفاء شرط او-و استباق شرط نضوج التشيكلات الاقتصادية الاجتماعية في الوطن العربي الاسلامي؟

 

أكسفورد 7 مايو-ايار 2012

 

مراجع وقراءات:
(1)  انظر(ي) حسين مروه:1979:النزعات الماديية في الفلسفة العربية الاسلامية:الجزء الاول: دار الفرابى بينوت ص:853.

(2)   يقول الدكتور يوسف حسن يوسف ان نخب المهمشين لا تخلو تخب الجماعات المهمشة او الاقليات من الانتهاز والتسلق ذلك انها تلك النخب ربما ترغب اكثر من غيرها في تحقيق مصالحها الخاصة ولو كانت على حساب المجتمع نفسه. انظر(ي) يوسف حسن يوسف 2011: حسن الترابى بين عباءة الدين والسياسة: الدار العالمية للكتب والنشر: ص:94.

(3) انظر(ي) حسن أحمد محمود، قيام دولة المرابطين القاهرة 1956م في مهدي ساتي.

(4)   انظر (ى) فالح الربيعى: 2001: تاريخ المعتزلة: فكرهم وعقائدهم: القاهرة: ص: 65-66.

(5) Armstrong Karen: 2007: The Great Transformation: The World in the Time of Buddha، Socrates، Confucius nd (14) Jeremiah: Atlantic Books: London: PP: 251-2.

(6) معظم التحليل الوارد حول محود درويش وشعر المقاومة من حديث للناقد الاسبانى بدرو مارتينث مونتابثز مع أثير محمد على بالكلمة الشهرية العدد بتاريخ يولنيو 2011 فلهما جزيل امتناني

(7)  انظر(ى) فاضل الانصاري:2000:قصة الطوائف"الا سلام بين الذهبية والطائفية: دار الكنوز الادبية: دمشق: الفصل الثانى:ص:230.

(8)  موقع الدكتور محمد باسل الطائي- قسم الفيزياء-جامعة اليرموك اربد-الأردن على شبكة المعلومات.

(9)  لم يجد بعضهم محاولة قتل بن حنبل دبيا. ولولا قيمة وشهرة احمد بن حنبل لقتوله فيزيقيا .ذلك ان تلك الكائنات تحاول مماثلة قتل ضحاياها ادبيا بقتلهم فيزيقيا. فالواحد او الواحدة منهم يعيش على الجثث والفضلات السامة.

(10)  كان بعض الخيرين قد نصحوا بن حنبل بالا يرفض عطايا الخليفة

(11)  انظر(ي) عثمان المنشاوي الاموي الحويطي الحسيني الهاشمي "بقدر ماتتدفق سيرة الامام بن حنبل بقدر ما يعز العثور على اي شئ مهما كان قليلا حول احمد بن ابي داود منتديات مكتوب على الشبكة

(12)   انظر(ي) مفكرة الاسلام الجمعة 13 جمادي الثاني 1433.

(13)   انظر(ي) مفكرة الاسلام الجمعة 13 جمادي الثاني 1433

(14) في لقاء مع أثير محمد على بالكلمة الشهرية العدد بتاريخ يولنيو 2011

(15)  فصاحب البقالة الصغير تنويع على اقطاعى صاحب ابعادية افتراضية يسخر من يعمل معه-بوصف الاخيرين اقنان بامتياز-بالمجان فيما لا يتجاسر هو على تقديم جل فائض وخالض عمل الاقنان لتاجر الجملة الكبير. فرغم ان البقال الصغير يعيد افتراضا انتاج "انا الدولة والدولة انا" امام صبيته وامام الكاميرات الا انه يبقىحسبما يعم ليل نهار- اجيرا بلا اجر احيانا سوى العشم في رضى ىسيده فيما يكفل له الاخير رمز الواجاهة الاقتراض من كل كان. فهو دائم الشكوى-ربما تكاذبا-من الفقر.

(16)  . أنظر(ي) Goitein، SD:1900:A Mediterranean Society، An Abridgment in one Volume::184P:

(17)  . جويتين:1900:ص:185

(18)  كانت الصفوات الاوليجاريكيات المالية قد خلقت شرط مراكمة رأس المال الخاص حتى راكموا في القرن السادس عشر الى التاسع عشر رساميل خاصة قيضت منذ ما بين الحربين على الاقل لهم السيطرة على سوق المال. وكانت رساميلهم محصلة نشاط لا اقتصادى او اقتصاد افتراضى Virtual Economy تمأسس فوق السلع الاستراتيجية بايجار رساميل النفط والماس والذهب والفضة أو رأسمال ريع او ايجار تلك السلع الاستراتيجية وبيع المال كسلعة.

و لم تلبث الرأسمالية المالية ان قضت على شرط مراكمة رأس المال السلعى القومي الخاص لحساب رأس المال المالى عابر القوميات-تخاتلا. فمعظم الاخير مالهم هم بقدر ما يتفرقون هم انفسهم يتبدونون كطبعهم بين قوميات العالم من الشعوب المستقرة في كافة القارات سواء غربية او شرقية حيث الشعوب المستقرة المذكورة كانت قد استضافتهم على مر التاريخ وما تبرح تستضيفهم تباعا.

(19) انظر(ي) حسين مروة شرحه.

(20)   ذلك ان السارق قلما يملك التعين على الابداع الا بمواصلة السرقة والتكاذب مثلما يفعل الغرب وقد بنى سيرته على التكاذب يسوق الاكاذيب وانصاف الحقائق صباح مساء.

(21)   فان استحوذت روما على كل شئ في قرطاج لم تنفك روما ان اشعلت النار 3 سنوات طوال في قرطاج فاحرقتها عن بكرة ابيها تدميرا للدليل على السرقة. ومن المفيد تذكر ان روما السابقة على الامبراطورية لم تكن سوى قرية من اكواخ الطين والقش حتى اتنصرت روما على قرطاج فتعلمت روما كل شئ من قرطاج.

(22)   انظر(ي) تنويعات المعتزلة والمعتزلة الجدد بحث منشور اليكترونيا على موقعى NileOnLine: http://www.NilesOnline.net وتحت الطبع.

(23)   بحث بعنوان المعتزلة والمعتزلة الجدد يعد للنشر

  (24)  ذلك ان ظهور تيار الأشعرية الذي أنسلخ عن المعتزلة "بقيادة أبي الحسين الأشعري- المتوفي سنة 333 هـ- كتب نهاية"الاعتزال بهذا الوصف. "وبظهور المنهج التوفيقي الذي سار عليه أبو الحسن الاشعري بين افكار السلفيين والمعتزلة، ظهر مذهب سني كلامي جديد": انظر(ي) ساتي شرحه.

(25)   يقول مهدى ساتي ان القرن الرابع عبورا بالقرن التاسع عشر حتى عشية ظهور حسن البنا في بداية القرن العشرين شهد "صحوة فكرية تحت زعامة ين الجليلين ابن تيمية (661 – 728) هـ (1263 – 1328)م وتلميذه ابن قيم الجوزية (691- 751) هـ (1292- 1350 م) وبوراثة العثمانيين للمماليك وتفشي البدع ومحدثات الأمور في مجتمعات المسلمين مرة أخرى، تطلب الأمر تصحيحاً لتلك الأوضاع فشهد تاريخ الفكر الإسلامي صحوة فكرية عظمى بزعامة الإمام محمد بن عبد الوهاب (1115- 1206هـ) (1700- 1792) م ثم سارت على ذات الطريق كوكبة من الأعلام كان من أشهرهم الإمام محمد علي السنوسي (1202 – 1276) هـ (1787 - 1859 م) فالإمام محمد أحمد المهدي(1260- 1302 هـ) (1844 – 1885 م)ومن قبله الإمام عثمان دان فوديو (ت 1817م) ثم لحقت بهم كوكبة أخرى من العلماء الذين جمعوا بين السلفية والتجديد من أمثال جمال الدين الأفغاني وتلميذه الإمام محمد عبده، وعبد الرحمن الكواكبي، ومحمد رشيد رضا، وابن باديس، وحسن البنا، وغيرهم من الأعلام في اليمن وشبه القارة الهندية. كذلك   انظر(ي) -د. حسن أحمد أحمد محمود، قيام دولة المرابطين القاهرة 1956م في مهدي ساتي.

(26)   انظر(ي) -د. حسن أحمد أحمد محمود، قيام دولة المرابطين القاهرة 1956م .

 (27)  انظر(ي) مهدي ساتي شرحه