تقدم الباحثة الجزائرية في هذه الدراسة التحليلية الضافية لواحدة من روايات نجيب محفوظ المهمة كيفية تجسد مجموعة من الخصائص الفكرية والإنسانية والأدبية العامة القادرة على تجاوز إطار الرواية المحلي إلى البعد الإنساني الشامل، مما جعل الرواية جديرة باهتمام جائزة نوبل، وبتنويه لجنة الجائزة بها عند منحها لكاتبها.

خصائص جائزة نوبل للأدب

في رواية «أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ

هاجر بكاكرية

رجع نجيب محفوظ في (أولاد حارتنا) إلى أعماق التاريخ البشري، إلى الحياة الإنسانية في أولى مراحلها لمناقشة مجموعة من التيمات المهمة، يقول نجيب محفوظ في حوار له «فهي لم تناقش مشكلة اجتماعية واضحة كما اعتدت في أعمالي قبلها بل هي أقرب إلى النظرة الكونية الشاملة»(1). رغم هذا فهي لا تخلو من خلفية اجتماعية تستوحي من قصص الأنبياء توق المجتمع الإنساني للقيم النبيلة كالعدل والحرية، يطرح فيها قضايا فكرية جديرة بالحوار والمناقشة تهم إنسان العصر الحديث، فجعل من مادته الروائية معينا يبث من خلاله أفكاره وفلسفته تبعا لخلفياته وكذلك واقع الحياة التي يعيشها، لم يقتصر على مناقشة القضايا المحلية مع أنه لم ينصرف عن البيئة المصرية لكنه ربطها بمشكلات العصر الحديث فهو كما يقول صاحب الرمزية «قدم بطلا جديدا في إطار عالمية المشكلات هذا البطل الذي يبحث عن الخلاص من أزمات هذا العصر ولهذا فهذه المرحلة الروائية تحتوي على كثير من صور الواقع المصري وقد أضيفت إليه القضايا الفكرية العامة التي يمكن أن توجد في أي من المجتمعات الإنسانية»(2) وهنا تكمن ميزة هذه الرواية.

 1- التيمات الرئيسية في رواية أولاد حارتنا:
لذا سنستخرج مجموعة من التيمات الرئيسية، لأنه ليس في وسعنا أن نتناول كل القضايا التي يطرحها الكاتب ولهذا سنتعرض إلى أهمها من وجهة نظرنا وهي تيمات أربع:
- تيمة الصراع بين الدين والعلم.
- تيمة الحرية والعدل.
- تيمة الصراع الطبقي.
- تيمة الصراع بين الخير والشر.

أ- تيمة الصراع بين الدين والعلم: تعد تيمة الصراع بين الدين والعلم من أهم القضايا التي طرحها الكاتب في (أولاد حارتنا) بل تكاد تكون الفكرة الرئيسية فيها وهي منبع الجدل الدائر حولها، أولا لأهمية التيمة ثانيا لأنها تعد من الإشكالات الأساسية في القرن التاسع عشر والعشرين وكانت بدايتها في أوربا فهناك رؤيتان متناقضتان في الظاهر للوجود الأولى ميتافيزيقية ما ورائية غيبية والثانية مادية عقلانية علمية، والصراع بينهما متأجج خاصة في العصر الحديث، حيث لم تكن العلاقة بين العلم والدين تمثل مشكلة أو موضوعا للصراع في السابق ولكن ثورة الاكتشافات العلمية الحديثة مع جاليليو ونيوتن وغيرهما قلبت الموازين وأشعلت الصراع وسلطت الضوء على قضايا وحقائق عديدة كانت من المسلمات ثم تغيرت بسبب البحث والتجربة، فصورة العالم التي نقلتها الديانات الكبرى وكتبها المقدسة لا تتناقض ومقولات العلماء الأوائل الذين كانوا بدورهم رجال دين على عكس ما يحدث في العصور الحديثة، فالعلم يرفض أي تفسير للعالم والوجود بالعودة إلى قوة غيبية لا يمكن إثباتها علميا وتجريبيا، إذن حاول نجيب محفوظ في الرواية طرح هذه القضية ومعالجتها من خلال تاريخ البشرية ونقدم أمثلة من الرواية توضح هذه التيمة:
- ما جاء على لسان نجيب محفوظ وهو الراوي في افتتاحية الرواية «هذه حكاية حارتنا أو حكايات حارتنا وهو الأصدق لم أشهد من واقعها إلا طوره الأخير الذي عاصرته »(3) بمعنى أن ما نقله عن الأنبياء (المصلحين) كان عن طريق الرواة أما ما سجّله عن عرفة فشهد بعضا من أحداثه كونه يعايش المرحلة ويلمس أحداثها بنفسه فيقول «شهدت العهد الأخير من حياة حارتنا وعاصرت الأحداث التي دفع بها إلى الوجود عرفة ابن حارتنا البار وإلى أحد أصحاب عرفة يرجع الفضل في تسجيل حكايات حارتنا على يده »(4)

استهل نجيب محفوظ قصة عرفة ممثل العلم بما يلي «المتأمل لحال حارتنا لا يصدق ما تقول الرباب في القهوات عن جبل وعرفة وعن قاسم، وأين الآثار التي تدل عليهم خارج نطاق القهوات»(5) البداية قوية تشكيكية وهي منبع الصراع في الرواية بين الدين المتمثل في الجبلاوي ورسله للحارة (جبل ورفاعة وقاسم) وبين العلم المتمثل في شخصية عرفة، يرى عرفة أي العلم أنهم مثلوا حدثا وقتيا زال برحيلهم عن هذه الدنيا ولم يبق منهم إلا قصص وحكايات لا تفيد واقع الحياة بشيء، حيث عادت الحارة إلى دهليز الظلام والظلم، فما جاء به قاسم، جبل رفاعة ذهب أدراج الرياح لأنه لم يعد يطبق وغابت القيم التي أسسوها مثل الحارة الواحدة والمساواة والوقف المبذول للجميع، وعادت تركيبة الحارة إلى سابق عهدها ناظر وفتوات وبطش وظلم.

يصور نجيب محفوظ واقع الحارة عند مجيء المصلحين وانتكاسها بعد وفاة كل منهم بما فيهم قاسم آخر مرسل من الجبلاوي، وكأن شيئا من القديم لم يتغير ما كان صادما لكثير من النقاد المناهضين للرواية ما جاء على لسان أولاد الحارة في قصة عرفة عن كل من قاسم وجبل ورفاعة والأهم ما جاء على لسانهم عن الجبلاوي توقفوا أيضا على ما تلفظ به عرفة عنهم، من هنا انطلقت قراءتهم ورأوا أن نجيب محفوظ يقصد ترجيح كفة العلم على الدين ويرى فيه الحل الأمثل للقضاء على حياة البغي التي يعيشها الإنسان، فهو يذكر أن ما جاء به المصلحين الثلاثة لم يعد إلا ذكريات تلوكها الألسنة أما التجسيد الفعلي لدعواتهم ولّى، كما أن عودة الحال إلى سابق عهده يعكس فشلهم بشكل من الأشكال، في حين أنه ختم فصل عرفة بأمل وتفاؤل عريض «لا بد للظلم من آخر والليل من نهار ولنرين في حارتنا مصرع الطغيان ومشرق النور والعجائب»(6) بدل اللازمة التي اعتمدها في الفصول السابقة (جبل، رفاعة، قاسم) وكانت آفة حارتنا النسيان.

نذكر بعض الأمثلة الموضحة لهذه الفكرة:
- عندما يشتد الكرب بأحدهم يقول «المكتوب مكتوب، لا جبل أجدى ولا رفاعة ولا قاسم حظنا من الدنيا الذباب ومن الآخرة التراب».
- يعرف عرفة نفسه قائلا«ما أنا فتوة، ولا برجل من رجال الجبلاوي ولكني أملك قوة لم يحز عشرها جبل ورفاعة وقاسم مجتمعين».
- عرفة «أنا عندي ما ليس عند أحد، ولا الجبلاوي نفسه وأستطيع أن أحقق ما عجز عنه جبل ورفاعة وقاسم مجتمعين ».
- أولاد الحارة: «لا شأنا لنا بالماضي (التاريخ الديني لبشرية) لا أمل لنا إلا في علم عرفة ولو خيّرنا بين الجبلاوي والسحر لاخترنا السحر ورفعنا اسمه فوق أسماء جبل ورفاعة وقاسم بالرغم من أنه قاتل الجبلاوي».
- عرفة «في كل شبر من هذه الحارة تجد دليلا على وجود الفتوات ولكنك لن تجد دليلا واحدا على وجود أناس مثل جبل أو رفاعة أو قاسم، ولكنهم وجدوا أليس كذلك؟ وبعد حديث حنش أعاد عرفة السؤال «لكنهم وجدوا أليس كذلك؟» الشك في وجودهم.
- عرفة «كل واحد منهم –أولاد الحارة- يفاخر برجله بغباء وعمى يفاخرون برجال لم تبق إلا أسماؤهم ولا يحاولون قط أن يجاوزوا الفخر الكاذب بخطوة واحدة.»
- عرفة «نعم أبوك يتحدث عن قاسم، وقاسم حدّث عن جدنا هكذا نسمع، ولكن لا نرى إلا قدري وسعد الله وعجاج والسنطوري ويوسف».
- قال عرفة «جدنا الواقف كل مغلوب على أمره يصيح كما صاح أبوك يا جبلاوي ولكن هل سمعت عن أحفاد مثلنا لا يرون جدهم وهم يعيشون حول بيته المغلق».
-« ليس غريبا على مجهول الأب أن يتطلع بكل قوته إلى جده وحجرتي الخلفية علمتني ألا أؤمن بشيء إلا إذا رأيته بعيني وجربته بيدي».
- قال حنش همسا:«كان رفاعة يقف في مكاننا عندما ترامي إليه صوت الجبلاوي وفي هذا الخلاء كلّم بنفسه جبل وأرسل خادمه إلى قاسم» أجابه عرفة «هكذا تقول الرباب وسوف أعرف حقيقة كل شيء » وأردف بامتعاض «وفيه أيضا قتل رفاعة واغتصبت أمنا وضربت ولم يحرك جدك ساكنا».
- قال حنش: «ألم تلمح الجبلاوي أو تسمع صوته، فهز رأسه في ضيق كلا، لكنك رأيت في الظلام فراشه، قال عرفة كما نرى بيته»
- « إن كلمة من جدنا كانت تدفع الطيبين من أحفاده إلى العمل حتى الموت موته أقوى من كلماته إنه يجب على الابن الطيب (يقصد نفسه) أن يفعل كل شيء أن يحل محله أن يكونه أفهمت».(7)

نتوقف بعد هذه النماذج على جملة من النقاط:
- يمثل عرفة مسألة العلم والمعرفة.
- يسير على نهج (جبل ورفاعة وقاسم) برفض الظلم وتحكم الناظر والفتوات يريد أن تنعم الحارة بالرخاء عن طريق العلم.
- يرى عرفة أن قوة العلم أقوى من قوة الجبلاوي نفسه (ممثل صورة الله في وعي أولاد الحارة) ومن كل ما بذله جبل رفاعة قاسم لذلك يستهزئ بهم في كثير من المواضع.
- يشك في حقيقة وجود الجبلاوي وكذا المصلحين لذلك غامر برحلته إلى البيت الكبير ليتأكد.
- عرفة(العلم) يؤمن بالتجربة والرؤية العينية ويرفض التسليم بما لم يختبر حقيقته بنفسه.
- شكه في الجبلاوي لم يكن شكا مطلقا لذلك بعد إعلان وفاته قرر أن يحل محله أن يكونه، ويعد هذا العنصر من أخطر ما ورد في الرواية ويتجلى فيه صراع العلم والدين.

إذن ما جاء على لسان عرفة وأهل الحارة في القصة الخامسة من الرواية عُدّ من قبل الدارسين المضمون الأساسي للرواية، ولذلك نلحظ نوع من الرتابة عند قراءة الفصول السابقة خاصة بعد نهاية حكاية أدهم لأننا ندرك باقي المسار الذي تنحوه القصص لكن مع مجيء قصة عرفة يعاودنا النشاط والاهتمام لنقف على مرام الكاتب بعد هذه الرحلة الطويلة مع الرسالات السماوية الثلاثة، لنقف على تيمة الصراع بين الدين والعلم ونقرأ من خلالها ميل نجيب محفوظ إلى الجانب العلمي كونه وضح صورة الحارة بعد قاسم وإفلاسها من القيم وتناسي جهد جبل ورفاعة وقاسم وكأنهم ما مّروا.

بينما يقدم صورة إيجابية لعرفة فهو ابن الحارة البار، يعمل كل ما فيه فائدة للناس جعل له أهداف سامية يريد من وراء سحره القضاء على الفتوات وتشييد المباني وتوفير الرزق لكافة أولاد الحارة، ويؤكد نجيب محفوظ على دور العلم والمعرفة في تغيير واقع الحياة المأساوي في الحارة (العالم)، لذلك جعل عرفة يواجه مشكلات الحارة ويحاول إصلاح ما فسد بمرور الأيام وتعاقب الأجيال معتمدا على أبحاثه وتجاربه، جعل نجيب محفوظ العلم في مواجهة الدين:
- ففي حوار بين عرفة وزوجته تقول «ربك قادر على كل شيء فصمت مليا ثم غمغم قائلا: كذلك السحر فهو قادر على كل شيء»
- في موضع آخر تقول عواطف «في زمن قصير حقق قاسم العدالة بغير سحرك».
ولكن عرفة يرفض هذا فيجيبها «وسرعان ما ولت، أما السحر فأثره لا يزول».(8)

يجسد الكاتب الصراع بين العلم والدين ويرى في العلم الخلاص للبشرية بعد أن انتهت مهمة الدين بموت قاسم كآخر مرسل من الجبلاوي، دون أن يغير ذلك من واقع الحارة البائس، فالحل هو الاعتماد على العلم فهو أمل العالم والمنقذ له، ما يؤكد هذا الطرح أي تغليب العلم على الدين ما جاء في نهايتها على لسان أولاد الحارة قولهم «لا شأن لنا بالماضي ولا أمل لنا إلا في سحر عرفة ولو خيرنا بين الجبلاوي والسحر لاخترنا السحر».(9)

تيمة الصراع بين الدين والعلم لا تظهر مع بداية الرواية بل في جزئها الخامس والأخير ونرى في هذا ثغرة من ثغرات الرواية، والتمعن في الأجزاء الأولى يحيلنا إلى تيمات أخرى ويسرد لنا تاريخ الحياة البشرية بنظرة نجيب محفوظ انطلاقا من حارته حيث يخفي البعد الديني الميتافيزيقي في الأجزاء الأولى ويغلف سرده بطابع اجتماعي فكري فلا معجزات للمصلحين (الأنبياء) وكل الأحداث تقع في قالب اجتماعي يظهر في مسار الرواية، وبالتالي لا نجد البعد الديني الماورائي إلا في علاقتهم بشخصية الجبلاوي فقط، مجيء عرفة في الجزء الخامس ممثلا للعلم مواجها للبناء الغيبي المفترض يخلق نوع من التناقض فالبناء الذي قدمه نجيب محفوظ في البداية بعيد عن الماورائيات لهذا تبدو الثورة عليه من قبل العلم محيرة، لكن هذه الثغرة بقدر ما خلقت تناقضا في الرواية بقدر ما جددت نفسَها لأنه لو اكتفى بالقصص الأولى دون الأخيرة تعد الرواية بلا معنى لأن تاريخ الرسالات السماوية مطروح في كتب كثيرة وبجودة أعلى فلا ينتظر من روائي أن يسردها إلا إذا كان له هدف من ورائها، حتى إن لم نتفق مع وجهة نظره المهم مناقشة وطرح القضايا المسكوت عنها، تيمة الصراع بين الدين والعلم تيمة حساسة بالنسبة للعالم العربي للاعتبار الذي يمثله الدين في واقع حياتهم فتجنب الخوض في مثل هذه الإشكاليات يعد من باب التسليم وأخذ الأمور على أنها بديهيات مع أننا نجد أصوات كثيرة تبنت الأفكار الغربية وانتهجت سبيلها في الفصل بين الدين والحياة وكأن الدين سبب التخلف الذي يعانيه الشرق فلا بد من وقفات مع هذه الإشكالات لخلق جو ثقافي مفيد.

يناقش نجيب محفوظ تيمة أخرى في هذا الإطار تتعلق بسيطرة السلطة على العلم تظهر في الرواية عبر سيطرة الناظر على عرفة وسحره من أجل خدمة أهدافه فقضى على الفتوات بفضل اختراعه، وتحكم في الحارة واستأثر بوقفها وحده وجعلها تحت نير بغيه وظلمه، هذه السيطرة أفقدت العلم (عرفة) حريته فأصبح تابع للناظر وسار سيرته وتخلى عن الأهداف النبيلة التي أرادها عند رجوعه للحارة، وفي هذا رمزية تحيل على تحكم الدول القوية في العلم وتوظيفه لاستغلالها وهيمنتها، تتجسد هذه التيمة في واقع حياتنا اليوم وهنا تكمن أهمية هذه الرواية رغم ما تتعرض له من انتقادات فمن الناحية الفنية يعدها النقاد من أسوء ما كتب نجيب محفوظ وحتى من الناحية الفكرية فهي تطرح أفكار مستهجنة من قبل المجتمع، مع ذلك نرى أن التيمات التي تناقشها واقعية ومهمة وتتماشى مع حياة الإنسان فالاختلاف في وجهات النظر لا يعني تفاهة ما يناقش.

ثم ينتقل نجيب محفوظ إلى جزئية أخرى وهي تخلص عرفة (العلم) من ربقة السلطة المسيطرة وعودته إلى أحضان أولاد الحارة، لتحقيق هدفه والقضاء على الظلم وسيطرة الناظر، ويقصد نجيب محفوظ أن العلم يتطلب حرية كي يستطيع أن يغير ويحسن من حياة الناس، لكن أسره وحصاره لصالح فئة معينة يجعله أداة قمع وخراب ويجعله خادما لأهداف خاصة لا تعود بالنفع على البشرية، مع أن عرفة فشل في الوصول إلى هدفه حيث استطاع الناظر أن يقتله لكنه ترك كراسته التي تمثل الأمل لأولاد الحارة « المهم أن الناس عرفوا الرجل (عرفة) وما كان ينشده من وراء سحره للحارة من حياة عجيبة كالأحلام العجيبة ووقعت الحقيقة من أنفسهم موقع العجب فأكبروا ذكراه ورفعوا اسمه حتى فوق جبل ورفاعة وقاسم»(10) إضافة إلى ما سبق هناك فكرة أخرى أثارت الجدل متعلقة بهذه التيمة وهي فكرة موت الإله، ربط الدارسون بين موت الجبلاوي وموت الإله في الثقافة الغربية. ورأوا أن صراع الدين والعلم تجلى من خلال هذه الفكرة، و أن ميل نجيب محفوظ إلى تغليب العلم على الدين أكدته هذه الفكرة خاصة وأنهم قارنوا بين الأوصاف المتعلقة بالجبلاوي في الرواية وبين صفات الإله ووجدوا تشابها كبيرا بالإضافة إلى تجرأ على ذاته العلية عبر ألفاظ جاءت على لسان إدريس وغيره من أولاد الحارة حتى المصلحين الثلاثة، وأكدّوا ذلك من خلال السؤال المتكرر طيلة أحداث الرواية وهو: أين أنت يا جبلاوي؟ وكأن هناك شكا ينتاب أولاد الحارة في وجوده، وإلا لماذا يصمت عن الظلم والبغي. لكن فريقا ثانيا يرفض أصلا أن يكون الجبلاوي ممثلا لله ويعتبر هذا قصورا في فهم الرواية، وسواء أكان الرأي الأول أم الرأي الثاني الصائب، فالمهم قراءة لجنة نوبل للرواية وشخصياتها وسبق أن أشرنا إلى تحليلها فموت الجبلاوي من وجهة نظرها موت للإله.

منشأ الصراع من وجهة نظر مثيريه أن الأديان تؤكد على حقيقة شمولية أبدية أزلية ثابتة لا تتغير وتشمل كافة نواحي الوجود من الطبيعة إلى الإنسان مرورا بقوانين الكون وقصة خلقه ومصيره، بينما العلم يؤكد على أن الحقيقة نسبية جزئية مؤقتة قابلة للتطوير والتغيير دوما كما أنهما يشغلان نفس الفضاء وهو الفكر البشري، في القرون السابقة كانت الغلبة للأديان السماوية على العلم لأنها اعتبرت حقيقة مطلقة لا نقاش فيها لكن الأمر تغير مع العصور الحديثة بحيث نشعر أن العكس هو الحاصل والغلبة للعلم فهو يشغل مركز العالم وجوهر التفكير الإنساني المعاصر وله اليد الطولى في حركة الحياة المعاصرة، و تجلى هذا الصراع بداية في أوربا ولأن العالم العربي مستهلك متميز لكل المذاهب والصرعات الفكرية الغربية كان لهذه التيمة نصيب فتجلت في الأدب لأنها قضية مهمة وتطرح إشكالات وتساؤلات كانت طي الصمت لمدة طويلة أثارت كثير من المثقفين والمطلعين على الحركات الغربية من بينهم نجيب محفوظ.

مثلت تيمة الصراع بين العلم والدين المحور الأساسي في (أولاد حارتنا) يقول نجيب محفوظ «أنا أعتبر العلم رسالة يجب أن تسخر لخدمة الإنسان ولسعادته، فالبحث العلمي يجعل الإنسان في النهاية إلى حظيرة الإيمان وكذلك فلا ننسى أن عرفة كان يعمل لإحياء الجبلاوي من جديد»(11). ترك نجيب محفوظ نهاية الرواية مفتوحة وتمسك بالأمل، وصور رضى الجبلاوي عن عرفة يريد أن يوصل للقارئ أن مرحلة العلم مرحلة طبيعية تلي مرحلة التدين والرسالات السماوية كما جاء عند فرويد المهم أن يتغلب الخير على الشر. أما قراءة نجيب محفوظ لهذه التيمة في الرواية فمختلفة، يرى أنها استهدفت قضية الدين والعلم في العصر الحديث بسبب الأزمة التي يعيشها العلم المتمثلة في العدمية أو العبث كما هو الحال في أوربا فقد كانت «تؤمن بالعلم ثم فقدت الإيمان به وبدأت تتجه من جديد إلى الميتافيزيقا في هذه الرواية ظن العلم أنه في غنى عن الجبلاوي (الله، الدين) فقتله وهذه النهاية توصله إلى الخواء والإحساس بمرارة الحياة » لذلك يعمل على إحيائه من جديد.

ب- تيمة الحرية والعدل: ناقش نجيب محفوظ تيمة الحرية والعدل من خلال الأحداث الاجتماعية والتاريخية في أولاد حارتنا، وذلك من خلال ثورات أولاد الحارة والمصلحين على استبداد وذل الناظر والفتوات رغبة في حياة أفضل وأرقى تحت سلطة حكم عادل يبعث الأمن والاستقرار والعيش الكريم في الحارة هذه التيمة من جملة التيمات الأساسية المطروحة في الرواية ركز عليها نجيب محفوظ منذ بداية القصة إلى خاتمها. تعد الجملة الأولى في افتتاحية الرواية العنوان العريض للتيمة ثم نجد تفصيلها داخل الرواية يقول: «الناس تحملوا البغي في جلد ولاذوا بالصبر واستمسكوا بالأمل وكانوا كلما أضربهم العسف قالوا: لا بدا للظلم من آخر ولليل من نهار ولنرين مصرع الطغيان ومشرق النور والعجائب».

يهتم نجيب محفوظ بمثل هذه القيم وقد تحدثنا عن هذا في عنصر السياسة عنده حتى أنه يقول: «أجد أني نشأت على اهتمامات محددة مثل مشكلة العدالة الاجتماعية، الفن، العلم»(12)، جسّد لمناقشة التيمة بناء اجتماعي مماثل لما نجده في واقع حياة الشعوب المظلومة اليوم فأسس شخصية الناظر والفتوات وأعطاها دورا رئيسا طيلة أحداث الرواية من جبل إلى عرفة، لها صفات القمع والبطش وتحت قبضة هذه الفئة نجد جموع أولاد الحارة مطحونين، تقول فاطمة الزهراء محمد سعيد: «لهذا كانت (أولاد حارتنا) هي وجدان المؤلف إزاء قضية الحرية المهدورة وهي تعبير عن ألمه العميق لقضية الانتكاس الذي يلحق بأعظم القيم والمبادئ التي تحقق الحياة الإنسانية الكاملة للبشر، وهي أخيرا تعبير عن شفقته العميقة على الجموع المطحونة تحت قبضة الطبقة التي تحكم بالسوط والإرهاب»(13).

بدأ نجيب محفوظ قصته بتصوير الحالة الاجتماعية لأولاد الحارة وذلك لوصف حالة البغي والقمع فيقول: «اعتاد الناس أن يشتروا السلام بالإتاوة والأمن بالخضوع والمهانة ولاحقتهم العقوبات الصارمة لأدنى هفوة في القول أو الفعل بل للخاطرة»(14) تحكي الرواية تاريخ الصراع بين العدل والظلم والحرية والقمع وتعود إلى تاريخ ضارب في القدم منذ بدء الحياة البشرية مع أدهم. كان العدل أساس الحياة في الحارة فالجبلاوي يرعى توزيع ريع الوقف بنفسه بالتساوي بين الناس حتى عندما أسند إدارة الوقف لأدهم كان كل شيء يسير تحت إشرافه، لكن بعد أن أغلق بابه بدأت إشكالية الحرية والعدل تبرز في الحارة حيث ظهر اختلال التوازن بين العدل والظلم، القمع والحرية وكلاهما نقصد العدل والحرية مكملان لبعضهما فالقيم لا تتجزأ، الجبلاوي كان حريصا على أن يعم العدل والمساواة وكل القيم خارج البيت الكبير، لكن أحفاده انقلبوا على هذه القيم وعاثوا في الأرض فسادا وقمعا، لذلك كان اشتداد الظلم والقمع يؤدي إلى تمرد واحتجاج وثورات من قبل أولاد الحارة ومصلحيها (جبل، رفاعة، قاسم) بهدف إحياء هاتين القيمتين لينعموا، فتأخذ عهدا من الزمن ثم تعود تدريجيا إلى الانتكاس فيشيع الظلم وتهدر الحريات والكرامات.

ونعرض مجموعة من النماذج الدالة على هذه التيمة:
- «تجري الحارة على سنة الإرهاب لأن حارتنا لم تعرف يوما العدالة والسلام وهذا ما قضي به علينا منذ طرد أدهم من البيت الكبير ألا تعلم ذلك يا جبلاوي».
- «كنت أتساءل أين جبل، وعهد جبل، أين القوة العادلة ماذا أرجع آل جبل إلى الفاقة والذل».
- يقول جبل عن أولاد الحارة:«ما إن يأنس أحدكم في نفسه قوة حتى يبادر إلى الظلم والعدوان».
- «لبث جبل بين أبناء قومه رمزا للعدالة والنظام حتى غادر الدنيا»،«وكان أول من ثار على الظلم في حارتنا».(15)

طرح نجيب محفوظ هذه التيمة لما لها من أهمية في حياة البشر فبفضلها يتسنى لهم التقدم والتطور وبفقدها يسود الاضطراب والفوضى ونقدم بعض صور القمع في الحارة:
- «ما إن يجد شاب في نفسه جرأة أو في عضلاته قوة حتى يندفع إلى التحرش بالآمنين والاعتداء على المسالمين فيعرض نفسه فتوة على حي من أحياء الحارة».
-« مضى زمن غير قصير دون أن نحرك نبوتا أو نسفك دما».
- زقلط «سأدوسهم بقدمي كالصراصير».
- قال أبو سريع «لو شئت جعلنا آل حمدان ترابا تمشي عليه بحصانك».
 نجد دائما عبارات تدل على الظلم والقمع مثل: «هل يرضيك هذا الظلم يا جبلاوي؟».
- جبل يقول: «ومن عجب أن أهل حارتنا يضحكون؟ إنهم يهتفون للمنتصر أيا كان المنتصر ويهللون للقوي، ويسجدون أمام النبابيت، يدارون بذلك كل الرعب الكامن في أعماقهم غموس اللقمة في حارتنا الهوان، لا يدري أحد متى يجئ دوره ليهوى النبوت على هامته ».
- دعبس قال لجبل: «لا تحزن فالقتل في حارتنا مثل أكل الدوم».
- أحد الفتوات «نحن لا يهمنا عقاب القاتل بقدر ما يهمنا إرهاب الآخرين».

مثّل العدل هاجس أبناء الحارة وأرادوا أن ينعموا فيه وتتحقق لهم الحرية والحياة الكريمة: جاء على لسان أهل الحارة بعد انتصار جبل وآل حمدان «نريد العدل يا سيد حارتنا ». قال جبل متأسفا «ما كان أيسر أن يقوم العدل دون إراقة نقطة من الدم».(16) هذه بعض النماذج التي تحفل بها الرواية عن القمع والظلم الذي يعيشه أولاد الحارة من قبل الفتوات والناظر، يلي هذا الواقع ثورة لتغيير المأساة وترسيخ قيم العدل والحرية. (أولاد حارتنا) تدور حول صراع الشعب (أولاد الحارة) ضد السلطة المستبدة وضد غياب العدالة الاجتماعية والتمعن في دراسة الرواية يجعلنا نقف على واقع أحداث اليوم في العالم العربي حيث صراع الشعوب ضد حكامها ناتج عن غياب مثل هذه القيم من حرية وعدالة فالزمن يتحرك والأحداث تعيد نفسها، بذات القالب تقريبا الاختلاف يكمن في تعاقب الأجيال فقط، إذن تيمة العدل والحرية قضية رئيسية في الرواية فلا بد أن يأخذ كل إنسان حقه وأن ينعم بحياة سعيدة.

ج- تيمة الصراع الطبقي: الصراع الطبقي ظاهرة اجتماعية ملازمة لانقسام المجتمع إلى طبقات متباينة فهو ظاهرة حتمية وضرورية إلى درجة يمكن اعتباره قانونا طبيعيا كسائر القوانين الطبيعية التي تحكم سير المجتمع وتطوره، ولكن عادة ما يرفض الإنسان الفوارق ويسعى لتقليص الهوة بين الطبقات المتصارعة، رواية (أولاد حارتنا) ناقشت هذه التيمة حيث يتشكل مجتمع الحارة من طبقتين رئيسيتين طبقة تستولي على إنتاج الحارة وتوزعه وفقا لمصالحها والإنتاج هنا هو وقف الجبلاوي الذي هو حق محفوظ لأبناء الحارة فردا فردا، وطبقة كادحة مستضعفة محرومة من الوقف، ممثل الطبقة المسيطرة الناظر والفتوات ووسيلتهم في الحفاظ على هذا الفارق قوة الفتوات ونبابيتهم المرعبة، أما ممثل الطبقة الفقيرة فهم أولاد الحارة وقد أبعدهم الضعف وقلة الحيلة عن الرغبة في الصراع والاكتفاء بالاستسلام وتبعية الناظر والفتوات.

عرض نجيب محفوظ هذا الصراع بشكل واسع وعلى نطاق كبير شمل التاريخ البشري ولنبين تجلي هذه التيمة في الرواية نأخذ مجموعة من النماذج: مدار صراع الطبقتين هي أموال الوقف، وتبدأ الرواية بتصوير المساواة في أعلى مراتبها عندما كان الجبلاوي يقوم على الوقف بنفسه ونفس الحال مع أدهم لكنها تنتقل مباشرة إلى مرحلة جبل حيث انتكست المساواة وسيطر الناظر والفتوات على الوقف ومنعوا الناس حقوقهم ففشا الفقر والعوز، يربط نجيب محفوظ إشكالية الصراع الطبقي بالحالة الاقتصادية، جاء في الرواية قد وعد الجبلاوي أدهم بأن يكون الوقف (الأموال، وسائل الإنتاج) لخير ذريته وشيدت الربوع ووزعت الخيرات «ولما أغلق الأب أبوابه واعتزل الدنيا احتذى الناظر مثاله الطيب حينا ثم لعب الطمع بقلبه فنزع إلى الاستئثار بالريع، بدأ بالمغالطة في الحساب والتقتير في الأرزاق، ثم قبض يده قبضا مطمئنا إلى حماية فتوة الحارة الذي اشتراه».(17)

هكذا إذن تشكلت بذرة الطبقية في الحارة، ربطها بالوقف أي بالاقتصاد وهذا إقرار بأن الحالة الاقتصادية هي المسؤول الأول عن خلق الفوارق الاجتماعية بين البشر، كما أن قوة المال تستطيع أن تخضع بقية القوى لصالحها كما فعل الناظر مع الفتوات، ثم ينطلق في وصف الطبقة الكادحة الفقيرة فيقول «ولم يجد الناس بدا من ممارسة أحقر الأعمال وتكاثف عددهم فزاد فقرهم وغرقوا في البؤس والقذارة وعمد الأقوياء إلى الإرهاب والضعفاء إلى التسول كان الواحد يكد ويكدح نظير لقيمات يشاركه فيها فتوة لا بالشكر ولكن بالصفع والسب واللعن الفتوة وحده يعيش في بحبوحة ورفاهية، وفوق هذا الفتوة الأكبر والناظر فوق الجميع أما الأهالي فتحت الأقدام»(18). هذه هي الصورة الكاملة للحالة الاجتماعية في الحارة وتصوير دقيق لطبيعة الطبقتين وعلاقتهما، وهي تتكرر في باقي الفصول الأخرى فلا داعي لإعادتها فهي النواة والموتيف الثابت في كل فصل من فصول الرواية وكأننا بنجيب محفوظ يصف واقع حالنا اليوم في الوطن العربي فهناك رئيس وحكومة وهناك شعب يرزح تحت وطأة الفقر والمهانة فلو عكسنا شخصيات (أولاد حارتنا) على واقعنا المعاش لوجدنا لكل طبقة مقابل حي، هذا يعود كما قلنا في البداية إلى طبيعة الصراع فهو سنة كونية حتمية، كما أنه يعد المحرك للتاريخ في نظر ماركسيين وبها ينتقل المجتمع من حالة إلى حالة أخرى، عملية التغيير في المجتمع (الحارة) هي نتيجة حتمية للصراع بين الطبقتين الطبقة المالكة لوسائل الإنتاج والثروة والمهيمنة على السلطة والطبقة الفاقدة لهذه الصلاحيات وتعامل كإحدى وسائل الإنتاج، عكس نجيب محفوظ هذه التغيرات من خلال مجئ المصلحين الثلاثة وجعل وظيفتهم القضاء على الظلم الاجتماعي، حيث أبعدهم عن طابع الدعوة الدينية إلا في بعض اللفتات لكن الهدف الأساسي لهم هو تحقيق المساواة والتخلص من استئثار الطبقة الغنية بكافة صلاحيات الحياة المرفهة مقابل طبقة بائسة لا تجد لقمة العيش.

ولأن الضغط يولد الانفجار كان لابد من صراع طبقي لتغيير الحياة الاجتماعية في الحارة ونقدم بعض الأمثلة:
- «ونفذ صبر آل حمدان فاصطخبت في حيهم أمواج التمرد».
- «آل حمدان ضاع حقهم في الوقف، آل حمدان تمرغوا في تراب القذارة والبؤس آل حمدان تسلط عليهم فتوة يصفع من يشاء ويأخذ الإتاوة ممن يشاء لذلك نفذ صبرهم واصطخبت أمواج التمرد في حيهم»(19).
نشأ الصراع كرد فعل للظلم والفوارق الاجتماعية والاقتصادية الشاسعة فلاحت بوادر التمرد في الحارة كان قائدها جبل بأمر من الجبلاوي وكان الصراع المفتاح الرئيسي للتغيير الاجتماعي، فالطبقة الحاكمة المتنعمة بأموال المحرومين سيطاح بها عن طريق ثورة الطبقة الكادحة لرفضها للاستغلال والتهميش.

يقص نجيب محفوظ بكثير من التفاصيل كيف انقلب آل حمدان بقيادة جبل على الناظر وفتواته ويتكرر الصراع ذاته مع رفاعة وقاسم وحتى عرفة وإن كان رفاعة لم يتحدث عن الوقف بل عن إصلاح النفوس، لكن ذلك الإصلاح هدفه تحقيق المساواة وإلغاء الطبقية فلو صلحت النفوس تيسر تقسيم الوقف بالتساوي. نسرد بعض ملامح الصراع وسنركز في هذه التيمة على قصة جبل لأنها الأبرز في تحديد معالمه هنا بعض الجمل المعبرة عن الفارق بين الطبقتين وكيف اشتعل الصراع:
 - نحن أسرة واحدة جميعنا أبناء أدهم وأميمة.
 - فقال الناظر بامتعاض
 - ذاك تاريخ مضى رحم الله امرءا عرف قدر نفسه
 - نحن في كرب من الفقر وسوء المعاملة
 - أكثرنا متسولون، أطفالنا جياع، أيليق ذلك بأبناء الجبلاوي ومستحقي وقفه؟
 - أي وقف هذا؟
 - مضى زمن غير قصير دون أن نحرك نبوتا أو نسفك دما (يحيل هذا المثال على القمع كوسيلة لفض التمرد والمطالبة بالحقوق).
 - تذكري أنه إذا نجح جبل في استخلاص حق آل حمدان في الوقف فلن يهدأ أحد في الحارة حتى ينال حقه أيضا يضيع الوقف ونضيع جميعا منبع الصراع المال(20).
 ثم جاءت ثورة آل حمدان تسلم جبل حصة آله في الوقف وأحصى ما في كل أسرة من أنفس ووزع الأموال بالتساوي فيما بينهم حتى شخصه لم يخصه بامتياز.

ما يستوقف القارئ للرواية قدرتها على تصوير خبايا النفس الإنسانية وما يعتمل فيها من مشاعر وأفكار على سبيل المثال نجد أتباع جبل الذين ثاروا ضد الطبقية، وتغلبوا على الناظر، أرادوا أن يعاودوا سيرته بعد أن حققوا إنجازهم لولا جبل، فقد رفض دعبس المساواة الطبقية وفي هذا إحالة على تخبط النفس الإنسانية، فصدّه جبل وقال «أتريد أن تجعل من الأسرة الواحدة سادة وخدما»، لكن دعبس تشبث برأيه وقال: «فينا صاحب القهوة والبائع الجوال والمتسول فكيف تسو بين هؤلاء وأنا كنت أول من خرج على الحصار وأول من تحمس لرأيك»(21). يشير نجيب محفوظ إلى طبيعة النفس الإنسانية وميلها لما يخدم صالحها حتى ولو كان ظلما، كما أنه يظهر الصراع الطبقي كسنة من سنن الكون ومهما تحققت المساواة لابد أن يتجدد الصراع، وهو ما يحدث في واقعنا حيث نجد استئثار فئة معينة بالثورة وكأنها ملكية خاصة في حين ترزح الشعوب في الفقر والحاجة وفعلا«تلك الأيام نداولها بين الناس»فالاختلاف الوحيد هو تعاقب الأجيال لا غير أما جذور المشاكل والقضايا التي تهم الإنسان فواحدة.

ينتهي فصل جبل وتتجدد التيمة ذاتها مع باقي المصلحين، وتجسد تعاقب الصراع الطبقي إلى أن جاء قاسم رمز المساواة. حيث حقق انتصارا مبهرا نتج عنه تقسيم الوقف بالتساوي بين أولاد الحارة لا فضل لآل على آل كما كان مع جبل ورفاعة. يقول قاسم: «إذا أذنت الأقدار بأن يوزع الوقف كما نريد فلن تحرم منه امرأة سيدة كانت أم خادمة.»(22) وهذا يحيل على زوال الصراع الطبقي الاقتصادي وكذا الاجتماعي المتعلق بالفارق بين الرجل كطبقة عليا في الحارة (المجتمع) وبين المرأة المهضومة الحقوق.

صورت رواية (أولاد حارتنا) الرسالات السماوية على أنها ثورات يقوم بها الفقراء ضد الأغنياء، إذن يرى نجيب محفوظ أن تحقيق المساواة الاقتصادية وإلغاء الطبقية يؤدي إلى صلاح جميع الأصعدة، لكن ذلك لا يستقيم إلا لفترة وكأنها طبيعة الحياة الإنسانية. فبدون صراع لا يتحقق التغيير والتحسين. تلتقي هذه الأفكار في فلسفتها مع رأي المدرسة الماركسية التي ركزت على الصراع الطبقي. فالماركسية ترى أن تراكم الثروة عند أفراد الطبقة الرأسمالية هو الذي ساهم في تصميم شكل القوة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يسيطر بها هؤلاء على مصير الطبقات الاجتماعية الأخرى. ويعد الصراع الطبقي المحور الأساسي في الفكر الاشتراكي الماركسي ويسعى هذا الفكر لبناء مجتمع تذوب فيه الفوارق بين الطبقة الغنية ونقيضها عبر تحقيق مجتمع تتوزع فيه الثروة توزيعا متساويا، عبر الخيار الديمقراطي متمثلا من خلال الرواية في لجوء آل حمدان إلى الناظر يستجدونه أن يرفع الظلم عنهم ويعطيهم حقهم في الوقف وكذا حدث مع آل رفاعة وآل قاسم، أو عبر الخيار المسلح متمثلا في ثورات أولاد الحارة بقيادة المصلحين عن طريق القوة وبدا ذلك مع جبل وقاسم. يقول ماركس وانجلز: «إن تاريخ المجتمع الطبقي المتناحر إنما هو تاريخ الصراع الطبقي، فالصراع بين المستغلين والمستغلين كان دائما والحرب بينهم مستمرة أحيانا ظاهرة وأحيانا مستترة وهذه الحرب كانت تنتهي دائما إما بانقلاب ثوري يشمل المجتمع بأسره وإما بانهيار الطبقتين معا».(23)

تتجلى كذلك تيمة الصراع الطبقي في قصة رفاعة ولكن هناك بعض الاختلافات فكل من جبل وقاسم ثارا وأهل الحارة من أجل التخلص من الطبقية لكن ما أحدثه رفاعة غير هذا، فنجد دائما وفي كل الطبقات أناس يشكون في إمكانية الخلاص المادي أي الصراع الطبقي بشكله الواضح فيبحثون عن الخلاص الروحي بديلا عنه ليحفظهم من اليأس التام وهو ما فعله رفاعة مع آله، لم يضع الوقف ضمن أهدافه، وأراد تخليص الناس من شرورها ليحل محلها الحب والطمأنينة وبالتالي الابتعاد عن القلق والضياع فبدلا من التنازع والبغضاء بين الطبقتين يحل التعاون والتحاب.

بعض النماذج من قصة رفاعة:
- يقول عم شافعي: «ما نحن إلا عبيد أذلاء يا عبدة، ذهب جبل وعهده الحلو وجاء زنفل أحجمه الله فتوتنا وهو علينا لا لنا يلتهم أرزاقنا ويفتك بمن يشكوه».
- «مرغه زنفل في التراب أمام الخلق لا لشيء إلا لأنه جعل مرة من الوقف حديثه»
قالت عبدة عن بيت خنفس: «ما أفخم مسكنهم المقاعد الوثيرة، السجاد الفاخر حتى الستائر تنسدل فوق النوافذ والأبواب»(24) إحالة على انبهارها بالفارق بين مستوى عيش الفتوات ومن مستوى عيشها وأولاد الحارة، وهو إيضاح للهوة الشاسعة بين الطبقتين ويمكن أن نستخرج مئات الأمثلة الموضحة لتيمة الصراع الطبقي في الرواية لكننا نكتفي بالقدر الذي ذكرناه لأنه يعطي صورة كافية.

د- تيمة الصراع بين الخير والشر: شغلت تيمة الخير والشر تفكير الإنسان منذ فجر الخليقة حتى يومنا هذا لما لها من سطوة عل النفس البشرية من خلال تحديد سلوك الإنسان، وهو صراع أزلي لا ينتهي لأن الربح والخسارة يكون لطرف على حساب الآخر، بدأت هذه الثنائية تظهر مع ظهور التفكير الديني ففي تيمة الخير والشر يكمن التعارض بين الإيمان بالله كقوة كبرى وبين واقع الحياة فالاعتقاد بوجود إله قادر عالم خيّر نابذ للشر ومعايشة واقع يسوده الشر ويعلو أصحابه منبع الإشكال، بمعنى إذا كانت هناك قدرة إلهية خيّرة ثابتة لماذا يكون شرا؟ وقد ناقش الفلاسفة هذه التيمة وكانت أساسا في تفكيرهم ومناقشاتهم ولنا أن نأخذ بما ورد عن أبيقور في هذا الخصوص لبيان إشكالية هذا الصراع «لو أن الإله يريد أن يمنع الشر ولكن لا يستطيع، يكون غير قادر ولو أنه يستطيع ولا يفعل ذلك فهو شرير ولو أن له كلا من القوة والقدرة فلماذا يكون هناك شرا؟» اهتم أيضا كثير من أدباء العصر الحديث بهذه التيمة وعبّر كل عن وجهة نظره من بينهم نجيب محفوظ، نستطيع أن نجزم أنه لا يخلو عمل أدبي كما هي الحياة من قطب خيّر وآخر شرير وصراع بينهما.

 تتجلى التيمة بوضوح في (أولاد حارتنا) فلا يخلو قسم من أقسامها الخمس من صراع بين الخير والشر، قطب الشر في الرواية يمثله الناظر والفتوات وكذا إدريس في القصة الأولى وحافزهم استغلال الوقف والتمتع بخيراته دون أولاد الحارة وذلك باستعمال أساليب الشر من بطش وظلم وقوة، أما القطب الخيّر فيمثله أهل الحارة وهم ضعفاء يعانون الجوع والفقر والظلم ولا يستطيعون رد البأس عن أنفسهم بسبب خوفهم من الفتوات وبالتالي يركنون إلى عدم المواجهة والتسليم المطلق، ممثل الخير الثاني في الرواية هم المصلحون أصحاب الثورات الاجتماعية جبل، رفاعة، قاسم وحتى عرفة بنيته التي دخل بها الحارة، حيث مثّل المصلحون القطب المحرك للانتفاض على الشر والقضاء عليه لإحلال قيم الخير والدعة ونضرب أمثلة على ذلك:
يستهل القسم الخاص بجبل وحال الحارة بائس والبشر فيها على أسوأ الأحوال فيتساءل الراوي «كيف انتهى الأمر بحارتنا إلى هذا الحال »
ويجئ الرد: «لقد وعد الجبلاوي أدهم بأن يكون الوقف لخير ذريته وشيدت الربوع ووزعت الخيرات وحظي الناس بفترة من العمر السعيد ولما أغلق الأب أبوابه واعتزل الدنيا، احتذى الناظر مثاله الطيب حينا ثم لعب الطمع بقلبه فنزع إلى الاستئثار بالريع بدأ بمغالطة الحساب والتقتير في الأرزاق ثم قبض يده قبضا مطمئنا إلى حماية فتوة الحارة الذي اشتراه ولم يجد الناس بدا من ممارسة أحقر الأعمال وتكاثف عددهم فزاد فقرهم وغرقوا في البؤس والقذارة وعمد الأقوياء إلى الإرهاب والضعفاء إلى التسول والجميع إلى المخدرات».(25)

هكذا بدأ الشر الانتشار في الدنيا بعد أن أغلق الجبلاوي أبوابه على نفسه وقام الناظر مقامه في الوقف ولأن الإنسان بفطرته مجبول على الخير والشر ونوازع النفس تقرر إلى أي الاتجاهين يذهب فقد كان المال والسلطة حافزان قويان ليسوقا الناظر إلى طريق الشر والاستعانة بالقوة للحفاظ عليهما، بهذا نبتت وتفرعت جذور الشر وضرب بأطنابه كل مكان في الحارة ويستمر حال الشقاء والبؤس والشر، لكن الكاتب يصور محاولات الإصلاح والتغيير من قبل أقطاب الخير في الحارة فكان أولهم جبل حيث أخبره الجبلاوي بأن الوقف ليس حصرا على الناظر والفتوات بل لآل حمدان نصيب فيه وعليه أن يسترده، فجاهد وحارب وأبناء الحارة لانتزاع حقهم في الوقف واستطاع تحقيق ذلك بعد معاناة ومكابدة وحل الخير فترة من الزمن، لكن في كل مرة يعود الحال أسوأ مما كان فبعد انتصار قطب الخير في عهد جبل انتكس الوضع وتغلب الشر من جديد لأن آفة الحارة النسيان وهكذا تعاقب المصلحون الواحد تلو الآخر، يريد نجيب محفوظ أن يروي قصة البشرية من آدم إلى يومنا من خلال الصراع الأزلي بين الخير والشر الذي نجده حاضرا من جيل إلى جيل بين أدهم وإدريس، وبين أولاد الحارة والفتوات والناظر، وهذه بعض النماذج تبين صراع الخير والشر:
«وحين كان الزمن زمن رفاعة عاد كل شيء شرا وسوءا ففي كل يد مخلب وفي كل لسان سم وفي القلوب الخوف والضغائن أما الهواء النقي ففي خلاء المقطم وفي البيت الكبير حيث ينعم الواقف بالسلام وحده». استمرارية الشر في الحارة جاءت على لسان الجبلاوي نفسه حيث التقي مع رفاعة فقال «أما جبل فقد قام بمهمته وكان عند حسن الظن به ولكن الأمور ارتدت إلى أقبح مما كانت عليه»(26)

 يرى نجيب محفوظ أن الأصل في الدنيا الشر ومن حين إلى حين يبرز الخير لفترة وجيزة ثم يرجع الواقع إلى أصله، ولا يتوقف عند الطبيعة البشرية للخير والشر لكنه يأخذ مدى أوسع، فالشر من وجهة نظره أزلي متأصل في أساس الوجود حيث نجد هيكل ثابت في كل القصص برغم انفصالها. توقفنا في مقدمة هذا العنصر على السؤال التالي: «إذا كانت هناك قدرة إلهية خيّرة ثابتة فلماذا يكون هناك شر؟» هذا ما أراد نجيب محفوظ أن يطرحه من خلال هذه التيمة فصور جانب الشر في صمت الجبلاوي إزاء ما يحدث لأولاد الحارة ونتعرف ذلك من خلال عبارات ومواقف كثيرة في الرواية:

- يقول: «أليس من المحزن أن يكون لنا جد مثل هذا الجد دون أن نراه أو يرانا، أليس من الغريب أن يختفي هو في هذا البيت الكبير المغلق وأن نعيش نحن في التراب»
- قول أدهم مخاطبا أباه «لماذا كان غضبك كالنار تحرق بلا رحمة، لماذا كانت كبرياؤك أحب إليك من لحمك ودمك وكيف تنعم بالحياة الرغيدة وأنت تعلم أننا نداس بالأقدام كالحشرات والعفو واللين والتسامح ما شأنها في بيتك».
يردد أدهم «هذا الأب الجبار كيف السبيل إلى إسماعه أنيني».
- جاء على لسان قدري «إنه أبانا يكدح وراء عربته وأمنا تكد طوال النهار وشطرا من الليل ونحن نعاشر الأغنام حفاة شبه عراة أما هو الجبلاوي فقابع وراء الأسوار بلا قلب متمتع بنعيم لا يخطر على بال».
- تقول عبدة «جدك صاحب هذه الأرض كلها وما علها الخير خيره والفضل فضله ولو لا عزلته لملأ الحارة نورا».
- تساءل رفاعة نفسه عن ذلك قائلا «أين أنت يا جدي لماذا لا تظهر ولو لحظة لماذا لا تخرج ولا مرة، لماذا لا تتكلم ولو كلمة ألا تدري أن كلمة منك تغير حارتنا من حال إلى حال أم يرضيك ما يجري بها»
- يقول شكرون مثلا: «يا جبلاوي حتى متى تلازم الصمت والاختفاء ووصاياك مهملة وأموالك مضيعة أنت في الواقع تسرق كما يسرق أحفادك يا جبلاوي...يا جبلاوي ألا تسمعني ألا تدري بما حل بنا لماذا عاقبت إدريس وكان خيرا ألف مرة من فتوات حارتنا يا جبلاوي».
- في موضع آخر يقول عرفة «هل سمعت عن واقف يعبث الواقفون بوقفه على هذا النحو وهو لا يحرك ساكنا».(27)

 تمتلئ الرواية بمثل هذه الأمثلة فكل من حزبه أمر وانتفض قلبه ألما مما يقع في الحارة من شر وظلم تساءل عن الجبلاوي وقدرته وسبب استمرار صمته رغم ما يرى إلا ما كان من إرساله للمصلحين الثلاثة، لكن فشلهم في القضاء على الشر من جذوره كان يحتم من وجهة نظرهم على الجبلاوي أن يتدخل بنفسه لإحلال الخير بدل الشر، مما تقدم نجد أن ما يحير نجيب محفوظ ليس الشر في حد ذاته لكن صمت الجبلاوي على الشر، وعدم مجابهته برغم وجود القوة والقدرة فالصفات التي وسم بها الجبلاوي كفيلة أن تمكنه من التدخل كلما ساد الفساد والشر ليقضي عليه ويبعد أولاد الحارة عن العنف والظلم، فهو يعترف بوجود الإله خلاف ألبير كامي وغيره، لكن ما يربكه هو الصمت التام الذي يثير لديه التساؤل والتعجب يقول في هذا الصدد «أما أهل الحارة فانقلبوا إلى ما كانوا عليه في الزمان الأسود بلا كرامة ولا سيادة تنهكهم الفاقة وتتهددهم النبابيت وتنهال عليهم الصفعات وانتشرت القذارة والذباب وكثر المتسولون والمشعوذون وذوو العاهات ولم يعد جبل ورفاعة وقاسم إلا أسماء وأغاني ينشدها شعراء المقاهي».(28) الطريقة التي ناقش بها نجيب محفوظ هذه التيمة تحيلنا على تأثره بالأفكار الفلسفية الغربية.

نخلص إلى أهمية التيمات التي ناقشها نجيب محفوظ في روايته فأساسها عنصر الصراع ويبدو أنه ضرورة بشرية فحركة الصراع الدائمة بين المتناقضات الخير والشر، الطبقية، العلم والدين، القمع والحرية، الظلم والعدل تهدف إلى خلق التوازن فالصراع عنصر من العناصر الأساسية في عالم الإنسان وضرورة لا تستقيم الحياة بدونها، ونأخذ مثالا بالتيمة الأولى: فوجود الشر في الأرض حقيقة واقعة واضطرار الخير أن يصارعه لكي يثبت وجوده كذلك فهل أمكن في الواقع العملي القضاء على الشر ومحوه من الوجود؟وماذا يصنع الخير إزاء الشر الموجود إذا لم يكن له القدرة على الصراع ؟ إذن فجملة التيمات التي ناقشها نجيب محفوظ في الرواية تيمات إنسانية عالمية تتعلق بالضرورات البشرية وليست حصرا على الإنسان العربي المصري.

2- صدى هذه التيمات في الفكر الغربي:
تميزت (أولاد حارتنا) بتسجيلها لمراحل النشوء ثم التطور والارتقاء أو الانحدار تحدثت أيضا عن قيم الحق والعدل والحرية والعلم وتأثير هذه القيم على تحقيق الحياة المناسبة للإنسان، كما ألقت الضوء على دور الظلم وغياب العدل والطبقية في تعاسة الإنسان، مضمون الرواية مهم لأنه يناقش قضايا متعلقة بالإنسان، أي يناقش مشكلات المصير الإنساني لكن السؤال كيف تناول نجيب محفوظ هذه التيمات؟ هل ناقشها من وجهة النظر الغربية أم انطلق من المرجعية الدينية العربية؟ يقول نجيب محفوظ «كان لسلامة موسى أثر قوي في تفكيري، فقد وجهني إلى شيئين مهمين هما العلم والاشتراكية ومنذ دخلا مخي لم يخرجا إلى الآن».(29)

يرى فريق أن روايات نجيب محفوظ بما فيها (أولاد حارتنا) لا تخرج عن الفكر الاشتراكي ويصعب على الدارس أن يكوِّن صورة واحدة ثابتة عن نجيب محفوظ وأدبه حيث أن كثرة الدراسات بالإضافة إلى كثرة تصريحاته وحواراته يربك وبهذا يضيع الدارس في الحكم عليه، وهو نفسه يقر بذلك حينما قال:«لعل الاضطراب الناشئ عن قراء ة أدبي مصدره أن قلبي يجمع بين التطلع لله والإيمان بالعلم والإيثار للاشتراكية ومحاولة الجمع بين الله والاشتراكية مثار للظن بالإلحاد عند قوم وبالمحافظة عند آخرين».(30) لكننا نعتقد أن نجيب محفوظ من أبرز الأدباء تأثرا بالفكر الغربي خاصة وأنه قارئ شره لكل فلسفاتها ويظهر ذلك جليا في أغلب روايته حتى أنه يستشهد بأقوال الفلاسفة داروين ونيتشه وفرويد وآخرون على لسان شخصياته ويميل لمن يرفع شعار العلم والاشتراكية وهو لا ينكر ذلك، لكن عندما اشتد الجدل حول الرواية واتهم بالإلحاد وجد لها مجموعة تخريجات تقلل من حدة ردة الفعل، ونجد تلك القراءات في مقال لسعيد خرو وهو بعنوان نجيب محفوظ قارئا لروايته (أولاد حارتنا) يقول: «لم يدل نجيب محفوظ بأي رأي أو توضيح يهم المضمون العام لرواية (أولاد حارتنا) دفعة واحدة بل جاءت تصريحاته في هذا المقام لتكشف في كل مرة عن مضامين خاضعة لظروف زمنية، وبسيكولوجية وتاريخية واجتماعية».(31) وعدد سعيد خرو قراءاته من خلال ثلاث مراحل ما قبل 1975 وعام 1975 ثم مرحلة الثمانينات.

أقرّ نجيب محفوظ في أكثر من موضع إلى الأثر القوي لسلامة موسى في تشكيل فكره لهذا سنقف على فكر سلامة موسى لمعرفة الأفكار التي أثرت فيه. يمكن تلخيص ما آمن به سلامة موسى بمايلي: أولا: العقلانية والتمثل بالغرب آمن بأن تحقيق نهضة المجتمع يستوجب التمثل بالغرب فقال: «فلنول وجهنا شطر أوربا ونجعل فلسفتنا فلسفتها»(32)، ثانيا: إيمانه بالاشتراكية كسبيل لتحقيق العدالة الاجتماعية قال: «وأحب أن أعترف أنه ليس في العالم من تأثرت به وتربيت عليه مثل كارل ماركس».(33)

نبدأ مع تيمة صراع الخير والشر: الصراع بين الخير والشر قانون من قوانين الحياة الإنسانية وما من إنسان إلا وتتنازعه قوتان قوة الخير وقوة الشر وكذا المجتمع فإذا انتصر الشر كان المجتمع فاسدا وإذا انتصر الخير كان المجتمع صالحا، فالصراع سنة كونية وقد اهتم الفكر والأدب الغربي بهذه التيمة ولا تخلو الأعمال الأدبية -كما سبق وذكرنا- من ثنائية الخير والشر يعني أن صدى هذه التيمة مشترك بين جميع الأمم قاطبة لأنه يرجع إلى بداية الحياة الإنسانية منذ آدم وصراعه مع إبليس وقد صوره نجيب محفوظ بشخصيتي أدهم وإدريس، كذلك بين قابيل وهابيل ونجده في الرواية مع قدري وهمام ،من هنا انطلقت الحياة وفيها خير وشر وصراع بينهما ويستمر الحال هكذا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ولهذا اهتم الأدباء والفلاسفة والمفكرون به في العالم أجمع.

أما فيما يخص تيمة الصراع الطبقي نجد نزعة الصراع متجسدة في الوعي الغربي وساهمت في تشكيل حياة مجتمعاته، فهناك كارل ماركس والصراع الطبقي وكفاح العمال ضد الإقطاعية، وبلغت ذروة الصراع في أدب مكسيم غوركي وبوشكين وغيرهما حيث صارت رواياتهم ترجمة لما جاء به الفكر الاشتراكي. نعيد قول ماركس في البيان الشيوعي: «إن تاريخ المجتمعات التي عرفتها البشرية حتى الآن هو تاريخ صراع الطبقات.»(34) اكتسبت مقالة ماركس بريقا وأصبحت شعارا انتقل إلى العرب مع موجة الاشتراكية في العالم العربي خلال العقدين الخمسين والستين من القرن العشرين تزامنت مع فترة رئاسة جمال عبد الناصر في مصر وبالتالي فهي متزامنة مع ظهور الرواية، لذلك أغلب النقاد رأوا فيها انعكاس لكل المبادئ الاشتراكية الماركسية خاصة وأنه يصرح دائما بتوجهه الاشتراكي ويرى فيها حلا لمشكلات المجتمع يقول: «إن أقرب صفة تنطبق عليّ هي الاشتراكية»(35)، ويمثل الصراع الطبقي مبدأ من مبادئها حيث ظهر جليا في رواية أولاد حارتنا.

نتنقل إلى تيمة الصراع بين الدين والعلم، لم يعرف التاريخ الإسلامي صراعا بينهما لكنه يعد مشكلة من أعقد المشكلات في التاريخ الفكري الأوربي، ظهر في عصر النهضة بدأ ومازال رحاه يدور إلى عصرنا الحاضر وتمثل في ثورة العلماء على سيطرة الكنيسة خاصة بعد الاكتشافات العلمية التي توصلوا من خلالها إلى أخطاء كثيرة كانت حقائق بديهية مطلقة في ظل السيطرة الكنسية، بهذا تجلى الصراع حتى بلغ أوجه مع فكرة موت الإله أو عدم الإيمان بوجوده أي الإلحاد، خاصة وأن العلم انتصر في البداية وحقق كثيرا من آمال المجتمعات الغربية منها الحرية، وانتشرت مذاهب غربية تنادي بهذه الأفكار وصل صداها إلى العالم العربي وتأثر بها عدد من المثقفين والأدباء خاصة مع انبهارهم بموجة التقدم والتطور في العالم الغربي مقارنة بالتخلف والرجعية عندهم وكأنهم وجدوا الحل الذي غاب عنهم فتأثروا بالعلمانية وكذا الاشتراكية العلمية وغيرها من المذاهب.

فنحن عادة ما نستهلك معلبات الغرب الفكرية والحياتية حتى وإن لم تتوافق مع خلفياتنا ومحيطنا، نجيب محفوظ تبنى مذهب الاشتراكية العلمية وجسده في كثير من رواياته منها (أولاد حارتنا) ولاحظنا هذا مع تيمة الصراع بين الدين والعلم ولا ينكر تأثره بمذاهب وفلسفات غربية لكنه يرفض أن تكون (أولاد حارتنا) دعوة للتخلص من الفكر الديني وتعويضه بالفكر العلمي ويُرجع الخطأ إلى قراءة بعض النقاد العرب ويشيد بالقراءة النوبلية، جاء في حوار له مع مصطفى عبد الغني ما يلي قال: «إن هذا يعني ببساطة أن هناك إشارة إلى إنكار العلم للدين في فقرة وعودته إليه بعد ذلك، إن شرط الحضارة المعاصرة أن يكون لها أساس من عمودين تقوم عليهما العلم والإيمان، إن هذه الرواية اتهمت ظلما بأنها تقتل القيم الروحية في وقت هي رواية تبحث عن القيم الروحية، ولا أريد أن أذكر أن الفقرة الأخيرة في هذه الحيثيات (حيثيات منحه جائزة نوبل) تقول أن الرواية تناول صاحبها بحث الإنسان الدؤوب عن القيم الروحية وهذا تقدير جاء من الأغراب أليس هذا شيئا محزنا؟»(36)
تيمة الحرية والعدل تنحو منحى تيمة الصراع بين الخير والشر، فهي قضية تهم الإنسان ومن طبيعته أن يبحث عنهما ولا يستطيع أن يستمر في حياة القمع والظلم لابد أن يثور ليحقق حريته وعدالته، شغلت التيمة فكر الإنسان لذلك نجد صداها في كثير من الروايات والقصص وأيضا المناقشات الفكرية والفلسفية، واهتم بها نجيب محفوظ في الرواية فالعدالة الاجتماعية والحرية من القيم النبيلة التي تضمن للإنسان الحياة السعيدة، وهما مبدأين من مبادئ الاشتراكية كذلك واستكمالا لقول سابق له «أن أقرب صفة تنطبق علي هي الاشتراكية وما ذلك إلا لأنها لا تضيق بالحرية» فما جذبه للاشتراكية قيمة الحرية التي تنادى بها والعدالة الاجتماعية وذلك بتركيزها على فكرة المساواة الاجتماعية التي هي أساس العدالة الاجتماعية وهي فكرة أولاد حارتنا. وبالتالي فتيمات (أولاد حارتنا) تيمات إنسانية، ناقشها نجيب محفوظ من وجهة نظر الاشتراكية ومبادئها، لأن كتابتها تزامنت مع موجة الاشتراكية في العالم العربي بالإضافة إلى تأثر نجيب محفوظ بالفلسفات الغربية وبفكر سلامة موسى.

3- خصائص جائزة نوبل للأدب في أولاد حارتنا:
الاستحقاق لأي جائزة في أي مجال هو حاصل فلسفة المعايير والخصائص بمعنى أنه يساوي قيمة مخصوصة متعلقة بمجموعة تلك الخصائص أي أن القيمة التي تحقق الاستحقاق هي مجموعة خصائص، جائزة نوبل للأدب بدورها تقوم على مجموعة من الخصائص والمعايير المتمثلة عند أغلب الدارسين في ثلاثة خصائص أساسية جاءت في وصية نوبل وهي العالمية، العمق، الإنسانية أما الباقي فكانت نتيجة دراسات وقراءات متعلقة بالأدب النوبلي، قد تختلف من دارس إلى آخر وقد يتفاوت عددها لكننا اخترنا ما نراه أهمها وهي: المجموعات والشمول والابتعاد عن التعصب والحلول التمرد بالشك، فهل تتطابق (أولاد حارتنا) مع هذه الخصائص أم تبتعد عنها ؟ هذه الخصائص متعلقة بإبداعات الكاتب الفائز أي لا علاقة لها بالعوامل الخارجية المؤثرة في الجائزة كالبعد السياسي، ونبدأ مع خاصية:

أ ـ المجموعات: وتعني هذه الخاصية أن الرواية النوبلية لا تعتمد بطلا واحدا ومهما جرى التركيز على بطلها فالمحصلة فيها تصوير المجموعات البشرية في مواجهة الوضع الصعب، تسند البطولة في (أولاد حارتنا) إلى الشخص العام الذي هو الإنسان في قضاياه الكلية الرئيسية بدل الشخص الخاص المحدد كما في الرواية الواقعية، لأنها تعرض الوضع البشري منذ القديم حتى اليوم فلا يمكن أن نعوض عنوان الرواية بجبل أو رفاعة أو قاسم أو عرفة أو حتى الجبلاوي بدل (أولاد حارتنا) في حين نجد هذا ممكنا في روايات أخرى لأنها تعتمد البطل الواحد مثل (زقاق المدق) نستطيع أن نطلق عليها عنوان حميدة، (بين القصرين) أحمد عبد الجواد وهكذا، يؤكد هذا ترجمتها إلى اللغات الأجنبية، فعندما ترجمت إلى الانجليزية ترجم العنوان بأبناء الجبلاوي، وأبناء تحيل على مجموعة كذلك ترجمتها للفرنسية جاءت تحت عنوان أبناء المدينة ذلك أن الرواية تصور حياة البشرية على الأرض وتطرح من خلالها جملة من القضايا المهمة سبق وتحدثنا عنها. البطل هو أولاد الحارة هو الإنسان أي الشخص العام، لا يستقيم في (أولاد حارتنا) أن نأخذ شخصية واحدة من الرواية ونقول أنها الشخصية الرئيسية لأن ذلك يلغي مضمونها الثابت، البطل هو الإنسان في الحارة بينما المصلحون والفتوات والنظار يتعاقبون من جيل إلى جيل لكن في روايات البطل الفردي نجد استمرارية للبطل من بداية الرواية إلى ختامها، على العموم البطل في روايات نجيب محفوظ الأخرى للمكان فأغلب رواياته أسماء أمكنة مع ذلك يمكن تعويضها بالشخصية البطلة يقول جورج طرابيشي « إن ما أراده نجيب محفوظ من (أولاد حارتنا) هو أن يعيد كتابة تاريخ البشرية منذ أن وجد الإنسان الأول».(37)

ب ـ الشمول والعمق: تقدم (أولاد حارتنا) النسيج البشري منذ آدم في علاقاته المتشابكة المتداخلة نجد علاقة الجبلاوي بأولاد الحارة وعلاقة الفتوات بالناظر والعكس وعلاقة الفتوات والناظر بأولاد الحارة، كذلك علاقة المصلحين بالجبلاوي وبأولاد الحارة وبالفتوات والنظار، يسلط نجيب محفوظ الضوء على كل هذه العلاقات بالتفصيل فيرسم صورة كاملة لهم وهم يتحركون في الحارة وبرغم وجود هيكل ثابت في جميع القصص إلا أنه يعيد تفصيله في كل قصة على حدى ليصل القارئ إلى شبكة العلاقات في الحارة، و يستوعب المضمون المراد كما لا يقتصر على مناقشة ظاهرة واحدة بل يناقش عدة ظواهر وضحناها من خلال التيمات حتى إن طغت ظاهرة على الباقي كصراع العلم والدين لكنه لم يكتف بها، فأولاد حارتنا تناقش تجربة كاملة وهي تجربة الحياة البشرية وليس حالة واحدة، وهنا يظهر الشمول، أما بالنسبة للعمق فنرى غيابه في الرواية فهناك طابع مجاني كما يقول طرابيشي نجد كثير من التفاصيل عديمة الدلالة، ونستطيع حذفها دون أن تؤثر في محتوى الرواية وهذا ما يجعل الملل يتسلل للقارئ خاصة في قصة جبل، رفاعة وقاسم لأن مسار الأحداث يظهر بمجرد قراءة قصة ادهم، فالرواية في نقل أحداثها أقرب إلى السطحية منها إلى العمق لأنها إعادة سرد لقصص الأنبياء المتعارف عليها لكن في قالب الحارة، و هذا أدى إلى غياب النفس الدرامي ويرجع هذا إلى معرفة الأحداث سلفا تطورها وخاتمتها، وبالتالي فخاصية العمق من وجهة نظرنا غائبة أما الشمول موجود وهو ناتج عن طبيعة موضوعها.

ج ـ الابتعاد عن التعصب: يعني نبذ التعصب والانحياز والميل لقارة أو وطن أو قوم أو شعب أو عرف أو مذهب أو إيديولوجية على غيرها، أي التوازن في الطرح ونزاهة النظرة، نعقب بداية على هذه الخاصية لا يمكن أن نجد أديب دون خلفيات وانتماءات وإيديولوجيات مسبقة، لذا تحقيق التوازن في الطرح في عمل أدبي شيء صعب لأن هدف الكاتب التعبير عن أفكاره ووجهة نظره ومنها نستنتج كقراء إيديولوجيته ووجهات نظره تجاه القضايا التي يعالجها، أما إن كان المقصود بالابتعاد عن التعصب، التعصب الجنسي والعرقي والديني فالأمر يختلف، وهو من القيم التي تدعو لها الإنسانية جمعاء لهذا لا بد أن تتجسد في أعمال الأدباء العالميين.

في رواية (أولاد حارتنا) جملة من صور التعصب ولكن في إطار تسليط الضوء على الظاهرة وهي لفتات بسيطة، أشار لها نجيب محفوظ في الرواية عرضا، لأنها كانت جزءا من واقع التاريخ البشري الذي نقله، دون أن يميل لجنس أو عرق أو دين نذكر بعض النماذج المتعلقة بالتعصب في الرواية.
- « انتفخ (إدريس) كالديك المزهو ليعلن للأبصار فوارق الحجم واللون والبهاء بينه وبين أخيه (أدهم) وانطلق الكلام من فيه كما ينطلق نثار الريق عند العطس بغير ضابط: إني وأشقائي أبناء هانم من خيرة النساء أما هذا فابن جارية سوداء شحب وجه أدهم الأسمر دون أن تند عنه حركة»
- « ولعل الأشقاء الأربعة كانوا يضمرون لأدهم شيئا من الإحساس بالفارق بينهم وبينه، ولعل أدهم كان أشد إحساسا منهم بهذا الفارق ولعله قارن كثيرا بين لونهم المضيء ولونه الأسمر» هذه عبارات تشير إلى ظاهرة التعصب العرقي أما بالنسبة للتعصب الجنسي، فلم يظهر في كل فصول الرواية إلا في إشارة واحدة في قصة قاسم أحالت إلى وجود تمييز بين الرجال والنساء في الحارة بقوله « إذا أذنت الأقدار بأن يوزع الوقف كما نريد فلن تحرم منه امرأة سيدة كانت أم خادمة » الرواية تستهجن هذا التمييز من خلال تثمينها لفعل قاسم الإصلاحي كما لا تميل الرواية لأي مصلح على حساب الآخر، بل تنقل قصصهم بتفاصيل وردت في الكتب المقدسة مع بعض التغيير والتحريف الذي يدخل في باب الرمزية، فهي تركز على هدفهم المشترك وهو إنقاذ أولاد الحارة من ظلم الفتوات والناظر، أما ما جاء من تمييز بينهم فكان على لسان أولاد الحارة، فآل جبل يرون جبل أفضل مرسل من الجبلاوي ونفس الأمر مع آل رفاعة وآل قاسم وهي وقائع نجد مقابلها في التاريخ وهي لا تعبر عن وجهة نظر كاتب الرواية، ما أخذ على الروائي استخدامه لألفاظ ونعوت سيئة ارتبطت بالمصلحين ولم يتقبل النقاد أن ينعتوا على هذا النحو حتى وإن كان ذلك يدخل في باب التمويه عن الشخصيات المقصودة، التعصب الوحيد الذي ظهر في الرواية إن صح القول هو التعصب للعلم وهذا تعصب تتقبله لجنة نوبل وترى فيه ميزة من ميزات روايات نجيب محفوظ.

خ ـ الحلول: من الخصائص النوبلية، وتعني تجنب إيجاد الحلول فلا حل لمشكلة البشرية التي مرت بكل المراحل من آدم إلى اليوم ولم تجد حلا ناجعا نجد هذه الخاصية متجسدة بصورة واضحة في أولاد حارتنا، ويبدو ذلك من خلال التيمات التي استخرجناها فالصراع مستمر طيلة الرواية ولم تصل إلى حل مشكلة البشرية برغم تعاقب المصلحين الواحد تلوى الآخر واستعمالهم لكل حتى عرفة بسحره ولم يخلص البشرية، فلم يظهر للمشكلات حل واضح في ختامها بل تركت مفتوحة بنظرة تفاؤلية لا أكثر، فجميع المحاولات باءت بالفشل في إيجاد حل نهائي مع أن الإنسان دائم الصراع من أجل تحقيق هذا الهدف، بقي هناك شر وظلم وقمع، وصراع طبقي، يختفي لفترة مع موجة الإصلاح والتغيير ثم يعود إلى سابق عهده، ويدل هذا على أنه لا وجود لحل جذري فطبيعة الحياة الإنسانية على هذا الشكل منذ أن وطأ آدم الثرى، وبالتالي لم يبتكر نجيب محفوظ شيء خارج عن المألوف بعدم تحديده لحل جازم وإن رأى في العلم أملا للمستقبل وهذا هو المطلوب، فانتهت كل قصة من قصص الرواية الثلاثة ب: وكانت آفة حارتنا النسيان ونستطيع أن نقول بدلا منها وكانت آفة الحياة الإنسانية أن لا حل لمشكلاتها برغم اجتهاد الإنسان على مر التاريخ فأساس الحياة صراع لا حلول.

د ـ الشك: يعد من الخصائص البارزة في الروايات النوبلية نجده عند أناتول فرانس وسلمى لاغرولوف وألبير كامي وصموئيل بكيت وغيرهم، ويقصد به تحليل الأمور بالابتعاد عن التسليم الذي يعتبر غباء بشريا والغرض من الشك في رواياتهم هو التوصل إلى اليقين الموضوعي الذي يريح الإنسان في تلهفه المستمر للبحث عن ذاته وعن الحقيقة المطلقة في كل جوانب الكون. رواية (أولاد حارتنا) تسير في منحى الشك بطريقة رمزية خفية خاصة وأنها تعرض تاريخ الحياة الإنسانية من آدم إلى العصر الراهن، و يبدو أن الشك يحتل موقعا جوهريا في الحياة الإنسانية، فالفكر الإنساني أمضى مراحل عدة باحثا عن اليقين المطلق وسعى لذلك عبر الشك وعصر التنوير خير مثال، فقد أصبح الشك فيه شعارا لكل شيء معرفي، فالعلم الذي ميزه كان مرتبطا بالشك وأخضعت المعتقدات الرائجة إلى الفحص العقلي قبل التسليم بها، وهو نفس الموضوع الذي تناقشه الرواية وبينا ذلك في تيمة الصراع بين الدين والعلم إذن محفوظ اعتمد الشك في (أولاد حارتنا) وغيرها من الروايات الفلسفية الرمزية ونعرض مجموعة من العبارات المتعلقة بالشك فيما يخص شخصية الجبلاوي وفاعلية ما جاء به جبل ورفاعة وقاسم.
- « في كل شبر من هذه الحارة نجد دليلا على وجود الفتوات ولكنك لا تجد دليلا واحدا على وجود أناس مثل جبل أو رفاعة أو قاسم»
- « نحن نرى أمثال سعد الله ويوسف وعجاج والسنطوري ولكننا نسمع فقط عن أمثال جبل ورفاعة وقاسم، ولكنهم وجدوا أليس كذلك ؟ »هذا السؤال يوحي بالشك في وجودهم خاصة أنه يعيد السؤال مرة ثانية.
- «يقولون إنه في وصية جدنا الواقف (الجبلاوي) – أين جدنا؟»
 «يا جبلاوي ألا تسمعني ألا تدري بما حل بنا»
- يقول عرفة بضجر «جدنا الواقف! كل مغلوب على أمره يصيح كما صاح المرحوم أبوك يا جبلاوي، لكن هل سمعت عن أحفاد مثلنا لا يرون جدهم وهم يعيشون حول بيته المغلق، وهل سمعت عن واقف يعبث العابثون بوقفه على هذا النحو وهولا يحرك ساكنا!»
- «وشكرون كجده الخرافي الذي يؤمن به شيخ هرم مخرف لا يحسن الحديث تهزأ منه المارة»

يتكرر في الرواية السؤال الأتي: أين أنت يا جبلاوي؟

وهناك أمثلة كثيرة أشرنا إلى أهمها وأوضحناها في التيمات وهي تحيل إلى عنصر الشك في الرواية فمرة الشك في وجود الجبلاوي والمصلحين بمعنى الله ورسله مع أنهم من الحقائق المطلقة المسلم بها في عرف البشرية، ومرة الشك في قيمة ما فعلوه من إصلاح وتغيير في حياة الناس مع إقرار بوجودهم.

أولاد حارتنا في موضوعها الرئيسي الصراع بين الدين والعلم تشكك في جدوى الدين والرسالات السماوية ما لم تحقق التغيير الذي يخدم البشرية وهذا الشك ليس مطلقا لكنه يتمثل في طرح الأسئلة التي تدور في وجدان بعض الناس ولعل نجيب محفوظ من بين هؤلاء خاصة مع موجة التأثر بالفلسفات الغربية، أزمة الشك تأتي من سبب أساسي هو المعرفة العقلية مقابل الإيمان القلبي المترسخ فطريا فتحاول أن تختار الأجدى في حياة الإنسان في حين أن الواقع يؤكد أنهما متكاملان ولا صدام بينهما، لم يكتف نجيب محفوظ بالمنهج الريبي في روايته هذه فقط بل أعقبها بروايات مشابهة ولكن بحبكة أعقد ورمزية غير دالة على مدلولها مباشرة أي تحتمل وجوها كثيرة مثل الطريق والشحاذ وغيرها.

لعل إعجاب نجيب محفوظ بالاشتراكية العلمية جعلته يتأثر بكثير من أفكارها حتى المناقضة للواقع العربي أي بما فيها الدين أفيون الشعوب ومثيلاتها من العبارات التي أطلقها ماركس وإخوانه، ويعترف بأنه مر بمرحلة شك في حياته يقول: «مررت بلحظات الشك حين أردت في مقتبل حياتي أن أخضع عقيدتي للعقل والمنطق والعلم كانت تلك فترة طويلة وأليمة لكن خرجت منها كما خرج الغزالي خرجت بقلبي لا بعقلي، ولقد استمرت مرحلة الشك أربع أو خمس سنوات ولقد انعكست هذه الفترة في روايتي»(38) وهذا بالفعل ما تجسد في رواية (أولاد حارتنا) وغيرها من رواياته، و حتى إن كان نجيب محفوظ مؤمن بغير ما يظهر في رواياته وإنما يعكس أفكار فلسفية أثارت فضوله فالمهم أن رواياته تحتوي عنصر الشك وتبتعد عن التسليم الذي ترفضه لجنة نوبل، لأنها ترى فيه عجزا فكريا فالمهم إثارة الأسئلة ومناقشة الطروحات المختلف فيها والمسلم بها في الآن ذاته وحقق نجيب محفوظ ذلك خاصة في روايات المرحلة الثالثة.

هـ ـ العالمية: لن نتحدث عن رواية (أولاد حارتنا) حصرا ولكن سنتحدث عن أدب نجيب محفوظ وكيف تجلت عالميته؟ اهتم نجيب محفوظ بهموم البيئة المصرية ويعتبر أدبه محلي لكن فوزه بنوبل أثبت أن المحلية إذا تعمقت في مناقشة قضايا الإنسان وهمومه وآلمه ستصل إلى العالمية إن الإنسان واحد مهما اختلفت الظروف والمحيط، فالقضايا التي تتناولها قصصه ورواياته قضايا مصرية إلا أن معالجته لها كانت معالجة إنسانية بمعنى أنه ركز على الفرد المصري الذي يلتقي في أسئلته وحياته مع الإنسان العام في العالم من دون أن يفتقد خصوصية البيئة التي ينتمي لها، فمثلا التيمات التي عالجتها (أولاد حارتنا) هي محل تساؤل ورغبة عند الإنسانية جمعاء وليست حصرا على تلك الحارة في حي المقطم بمعنى أن العدل، الحرية الخير، إزالة الصراع الطبقي والبحث عن الحل المناسب لتغيير الحياة سواء بالعلم أو الدين هي مطالب وقضايا عالمية، يرغب في تحقيقها الإنسان في اسكندنافيا وفي فرنسا في اليابان في مصر وهنا تكمن العالمية.

فرواية نجيب محفوظ وإن تحدثت عن موضوعات محلية وتفاصيل خاصة بالبيئة المصرية دون باقي البيئات ففي طياتها يلمس القارئ عالمية الموضوع، وأنه مماثل لما تبحث عنه باقي الأمم. ونعتقد أن المناهضين لنجيب محفوظ وأدبه لا ينكرون اهتمامه بالإنسان في أعماله واجتهاده في سبيل إبراز مشاكله واهتماماته وطموحاته من خلال الإنسان المصري فالاختلاف معه يكمن في كيفية تعبيره عن تلك الأفكار أي وجهة نظره الخاصة. فإذا كانت المحلية رصد للواقع السياسي والاجتماعي في تحولاته وتناقضاته وظروفه وكيفية معالجته، ففي جانب آخر تتجه هذه المحلية وتتحول إلى عالمية إذا انطلقت من الواقع وأطلقت لسان الأديب عن رؤاه الفلسفية تجاه الإنسان ومصيره وقضاياه وموقفه من هذا الكون، و بدا ذلك واضحا في (أولاد حارتنا) التي ركزت على تاريخ البشرية الديني وما بعده وناقشت جملة من التيمات المهمة فقيمة (أولاد حارتنا) ليست في إبداع الكاتب أدبيا لأنها من خلال قراءتنا لا ترقى إلى ذلك المستوى العالمي المطلوب ففيها كثير من الثغرات منها إحساس القارئ بالملل والفتور أثناء قراءتها وغيرها أشرنا لها سابقا لكن قيمتها في تيماتها التي يهتم بها أصحاب نوبل وكذا النقاد والدارسون.

إن عالمية نجيب محفوظ نشأت من توافق الرؤى خارج الحدود مع أدبه، بمعنى أن القارئ الغربي يجد في أدبه مرآة يتطلع إليها وكانت بيئة الحارة أنسب الأرضيات المساعدة لإبراز أفكاره ومعتقداته وأهمها ما جاء في تيمات الرواية العدالة الاجتماعية، الحرية، والحقائق العليا التي تتحقق من خلال مسرح الحارة الذي أتقن تقديمه فتحول مكانا عالميا شموليا، وتاريخ جائزة نوبل حافل بأسماء كنجيب محفوظ كتبت عن بيئتها المحلية وتمكنت عبرها من الوصول إلى الجائزة الأدبية الأولى في العالم مثل هيرتا مولر وآخرون ويبدو أن عالميتة بدأت مع فوزه بالجائزة أما قبلها فلم يعرفه إلا المتخصصون في الآداب الشرقية، هذا يعني أن أدبه المحلي أخضع لخصائص العالمية بعد الفوز انطلاقا من دراسات وبحوث سأل أحدهم نجيب محفوظ: هل المحلية والعالمية وجهان لعملة واحدة اسمها الإبداع ما تعليقك؟ قال: إن الاستغراق في المحلية والاهتمام بالنفس الإنسانية بكل متطلباتها يصل بك إلى العالمية التي يتمحور اهتمامها أيضا بالإنسان دون التفريق بالعرق واللون والدم واللغة والدين وكل العوائق التي تجعل الأدب محليا محبوسا.

و ـ الإنسانية: يخلد الناس الأعمال العظيمة التي تساهم في تطوير الإنسان وتعطي اعتبارا للمثل العليا من خير وحق وتسامح ودعوة إلى السلم ونبذ الحروب وتشجيع العلم والابتعاد عن أنواع التعصب الجنسي والعرقي والديني وترصد الجوائز العالمية لمثل هذه الأعمال، وكما شرحنا في المدخل فالعمل النوبلي لا بد أن يكون عالميا عميقا وإنسانيا، فالتيمات التي يناقشها الكاتب في الرواية والمضمون الذي يستنتجه القارئ منها هو الهدف، فالتيمات تمثل روح الرواية وهي غاية الروائي، فمهما تميز الشكل الفني من حيث البناء والتناسق وروعة وإتقان الجمل والألفاظ يبقى دون فائدة إذا لم يحمل تيمات إنسانية تفيد القارئ أغلب روايات نجيب محفوظ تتعلق بالإنسان وتصور همومه ورغباته وتطرح تساؤلاته المختلفة حتى ما تعلق منها بمشكلات المصير الإنساني، فهو يطرح مشاكله الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتربوية والدينية وغيرها.

تتساءل (أولاد حارتنا) مثلا عن كيفية تحقق إنسانية الإنسان في الأرض من خلال تصويرها انتهاكات وتجاوزات الفتوات والناظر للقيم الإنسانية وتسعى إلى إيجاد الحل المناسب لتتغلب قوى الخير على الشر، وتظهر الإنسانية من خلال مكافحة أولاد الحارة والمصلحين للظلم والفقر والصراع الطبقي، إذن الأدب يكون إنسانيا إذا عبر عن القيم النبيلة التي تخدم الإنسان كالحرية وقيم الخير وتصدى للشر وهذه القيم لاحظناها من خلال تيمات الرواية وبالتالي فرواية (أولاد حارتنا) إنسانية لأن بطلها الرئيسي هو الإنسان. وبما أن قدوة نجيب محفوظ الأولى سلامة موسى فسنسوق قولا له عن مميزات الأدب الإنساني يقول سلامة موسى:« ليس الأدب الإنساني أن تؤلف القصص وتكتب القصائد كي تبعث في الأثرياء العطف على الفقراء والتصدق عليهم وإنما هو أن تنظر بعين الفنية للمشكلات الإنسانية والاجتماعية ولكن من موقف الشعب نفسه أي من الموقف الإنساني وليس من موقف الأثرياء فلا تطلب التصدق وإنما تكافح للعدل والمساواة».(39) فقد ركز نجيب محفوظ على هذه النقاط التي جاءت في قول سلامة موسى في (أولاد حارتنا)، ونقل المشكلات الإنسانية والاجتماعية من موقف أولاد الحارة أنفسهم في تذمرهم ورفضهم لواقعهم مع قلة الحيلة في بلوغ مرامهم كما ركز على مكافحتهم والمصلحين من أجل إحقاق الحق بدل الباطل والخير بدل الشر.

ي - غزارة في الإنتاج: أبرز مميزات نجيب محفوظ كأديب غزارة الإنتاج والعطاء المتواصل برغم كبر سنه إذن فهذه الخاصية واضحة من خلال كم الأعمال التي قدمها وكانت من بين الأسباب التي جلبت الأنظار وأدت إلى الاهتمام به، فمن بداية إبداعه إلى عام 1988 نشر أربعة وثلاثين رواية وثلاثة عشر قصة قصيرة، بالإضافة إلى ترجمات وحوارات وسير ذاتية نحو أصداء السيرة الذاتية وعجائب الأقدار ومجموعة كبيرة من المقالات جمعت في كتب على سبيل المثال حول الدين والديمقراطية حول الشباب والحرية كما كتب بعض المسرحيات.

نستخلص مما سبق أن رواية (أولاد حارتنا) تلتقي مع خصائص جائزة نوبل للأدب في كثير من النقاط كالمجموعات والشمول والشك والحلول والإنسانية وغيرها كما أن باقي الروايات تحتوي على هذه الخصائص إن لم تكن كلها فبعض منها ولكن السؤال الذي يطرح أيكفي توفر هذه الخصائص في الأعمال الأدبية حتى تفوز بنوبل ؟ وهل كانت هذه الخصائص النوبلية الأدبية سببا في فوز نجيب محفوظ بنوبل ؟ هنا تكمن الإشكالية ليست إشكالية جائزة نجيب محفوظ وحدها وإن كانت هي التي تعنينا ولكن إشكالية جائزة نوبل للأدب بأكملها؟

 سنحاول الإجابة عن السؤال الأول: هل يكفي توفر هذه الخصائص للفوز بنوبل؟ تجسدت هذه الخصائص في أعمال عدة أدباء بجودة ومستوى عالي، فتتطابق الخصائص مع (أولاد حارتنا) لا يعني أنها رواية في القمة، فتلك المعايير توفرت في الرواية ولكن في المقابل ومن وجهة نظرنا وإطلاعنا البسيط هناك روايات عربية كثيرة تتمثل هذه الخصائص وبمستوى أعلى مما هو متوفر في (أولاد حارتنا) وروايات نجيب محفوظ الأخرى ككتابات جبران خليل جبران، عبد الرحمن منيف وتوفيق الحكيم وآخرون هذا لا يقلل من مستوى نجيب محفوظ ولكن لنقل أنهم أنداد في مجال الأدب فلماذا هو بالذات من بينهم، إذا كان حكم الفوز مبني على هذه الخصائص فقط، ونزعم أنها ليست المعيار الوحيد الذي تعتمده لجنة نوبل في منحها جائزتها توجد خصائص وميزات خارجة عن نطاق الأدب تساهم في دعم الأديب والروائي بالإضافة إليها (جملة الخصائص الأدبية) وبالتالي هذه الخصائص ليست السبب الوحيد الذي مكّن نجيب محفوظ من الجائزة وغيره من الفائزين بنوبل مع ذلك لا تخلو القائمة من أسماء أدباء كانت حيثيات فوزهم أدبية بحتة بشهادة النقاد والدارسين خاصة أن فوزهم لم يصاحب بموجة ردود فعل تشكيكية كماركيز. ونلاحظ اضطراب الخصائص التحكيمية للجنة مع مصطلح المثالية الذي جاء في وصية نوبل، وقد حار في معناه الكثيرين ولم يستطيعوا أن يحددوه فجمعوه في الخصائص الثلاثة الرئيسية، و على المستوى الأدبي يجب أن لا يفهم أن الأديب الفائز بنوبل أقدر أدباء عصره أو حتى وطنه ونعود إلى قول سوينكا « مثل الفائز بجائزة نوبل كمثل الفائز بعرش الجمال العالمي ترى لجنة التحكيم أحقيتها لذلك بينما يرى الكثيرون أن هناك من تكون أجمل منها».

نستنتج من تحليلنا لرواية (أولاد حارتنا) جملة من النقاط:
1-الاستقبال الأدبي لرواية (أولاد حارتنا) في العالم العربي ومصادرتها أدى إلى لفت نظر الغربيين لها.
2- خرقت رواية (أولاد حارتنا) أفق توقع القراء انطلاقا من التيمات التي ناقشتها فهي تيمات إنسانية مهمة وذات إشكاليات.
3- يبدو واضحا أن القراءة العلمانية للرواية لعبت دورا في اهتمام لجنة نوبل بها واعتبارها مفاجأة، فعادة ما يتجنب الكاتب العربي الخوض في المقدس والقضايا الخلافية الشائكة.
4- يناقش نجيب محفوظ تيمة الصراع بين العلم والدين من منطلقات فكرية غربية تأججت مع عصر التنوير ويبدو جليا ميله للعلم واعتباره الحل المناسب لمشاكل الإنسانية.
5- يعد موضوع الرواية عاملا أساسيا في الاحتفاء برواية (أولاد حارتنا) ومن ثم اعتبارها من حيثيات منحه الجائزة.
6- توفرت في (أولاد حارتنا) جملة من العناصر، ساهمت بشكل أساسي في اعتبارها رواية المفاجأة
أولا: موضوعها وإشكالية تيماتها فهي تقوم على الصراع.
ثانيا: خرقها لأفق توقع القراء
ثالثا: الطابع الرمزي التجريدي المختلف عما كان سائدا في الروايات العربية.
رابعا:الحرية والانفتاح في مناقشة مواضيع إشكالية كصراع العلم والدين، الصراع الطبقي، و صراع الظلم والعدل، و الحرية والقمع.
7- تتوافق رواية (أولاد حارتنا) مع مجموعة الخصائص النوبلية، لكن ذلك لا يعني تميزها الأدبي، بمعنى أن ما أثار لجنة نوبل والمتلقين الغربيين ليس الجانب الفني في الرواية وإنما الجانب الموضوعاتي المختلف عن البيئة العربية، و الذي يلتقي مع العديد من الأفكار والمذاهب الغربية كالعلمانية والاشتراكية العلمية.

 

أستاذة جامعية من الجزائر

 

المصادر والمراجع:
(1) رجاء النقاش، نجيب محفوظ صفحات من مذكراته أضواء جديدة على أدبه وحياته، مركز الأهرام للترجمة والنشر، القاهرة ط1، 1988، ص141.
(2) فاطمة الزهراء، الرمزية في أدب نجيب محفوظ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1 1981، ص133.
(3) نجيب محفوظ، رواية أولاد حارتنا، دار الآداب، بيروت، ط6، 1986.
(4)المصدر نفسه.
(5) المصدر السابق.
(6)المصدر السابق.
(7)المصدر السابق
(8) المصدر السابق.
(9) المصدر السابق.
(10) المصدر السابق.
(11) عبد المحسن طه بدر، الرؤية والأداة نجيب محفوظ، دار المعارف، القاهرة، ط3، 1984، ص65.
(12)غالي شكري، نجيب محفوظ إبداع نصف قرن، ، دار الشروق، القاهرة، ط1، 1989، ص13 - 14.
(13) رواية أولاد حارتنا.
(14) فاطمة الزهراء، الرمزية في أدب نجيب محفوظ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1 1981، ص 137.
(15) نبيل فرج، نجيب محفوظ وأدبه، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط1، 1986، ص37
(16) رواية أولاد حارتنا.
(17) المصدر نفسه.
(18) المصدر السابق.
(19) المصدر السابق.
(20) المصدر السابق.
(21) المصدر السابق.
(22) المصدر السابق.
(23) ماركس-انجلز، بيان الحزب الشيوعي، الطبعة العربية الصادرة عن دار الطبع والنشر باللغات الأجنبية، موسكو، دط، 1848، ص8.
(24) رواية أولاد حارتنا.
(25) المصدر نفسه.
(26) المصدر السابق.
(27) المصدر السابق.
(28) المصدر السابق.
(29) جمال الغيطاني، نجيب محفوظ يتذكر، دار المسيرة، بيروت، ط1، 1980، ص88.
(30) محمد حسن عبد الله، الإسلامية والروحية في أدب نجيب محفوظ، دار قباء للطباعة والنشر القاهرة 2001، ص15.
(31) سعيد خرو، نجيب محفوظ قارئا لروايته أولاد حارتنا، مجلة فكر ونقد، العدد85، المغرب2007، ص90
(32) سلامة موسى، اليوم والغد، المطبعة العصرية، القاهرة، ط1، 1927، ص241
(33) سلامة موسى، تربية سلامة موسى، مكتبة المعارف، القاهرة، ط2، 1958، ص313
(34) نبيل فرج، نجيب محفوظ حياته وأدبه، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط2، 1986، ص36
(35) مصطفى عبد الغني، نجيب محفوظ الثورة والتصوف، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط1، 1994، ص215.
(36) جورج طرابيشي، الله في رحلة نجيب محفوظ، دار الطليعة، بيروت، ط3، 1988، ص8
(37) منير عتيبة، نجيب محفوظ أديب الحارة والحرافيش، موقع إسلام أون لاين في 28/08/2006، تاريخ الدخول للموقع (15/2/2011).
(38) محمد حسن كامل، نجيب محفوظ من الجمالية إلى نوبل إبداع وعطاء، كنانة أون لاين02/12/ 2009، تاريخ الدخول(6/3/2011).
(39) صاحب الربيعي، الأدب الإنساني وموقف الأديب، موقع الحوار المتمدن العدد 640، 02/11/2003 تاريخ الدخول(6/3/2011).