"في اعياد الميلاد في باغرام اضواء وأنوار وفي عيدي، حتى شعاع الشمس ميت، فجأة في منتصف الليل، قنبلتك تضيء ليلنا، وفي بيوتنا حتى مصابيح الكاز تنطفئ" هذا مقطع لم يكتبه شاعر افغاني عادي وليس أغنية شعبية بل هو جزء من أدبيات حركة طالبان التي تقدم صورة أخرى عن الحركة التي حكمت افغانستان من عام 1996- 2001 ولم تترك في الذهن إلا صورا عن منع التعليم، وفرض النقاب، وتدمير تماثيل بودا في باميان، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي منعت الموسيقى وحرقت الكاسيت والفيديو كما فعلوا في هيرات، ولم تسمح إلا بالنشيد الذي يعتمد على الحنجرة أو يرفق بالدف أو آلة “الدائرة”.
صورة أخرى
لم يهتم احد من الباحثين بالجانب الجمالي للحركة على الرغم من كثرة الدراسات والكتب التي تحدثت عن الحركة وعالمها الرجعي، والبدائي. فيما تم النظر اليها على انها نتاج للمدارس الدينية وتمثل عرقية قبلية افغانية وهي البشتون، فالحركة تنبع من هذه الاثنية وليست بالضرورة حركة غالبيتها من البشتون. وبعيدا عن فهمنا للحركة عبر منظور سياسي او اجتماعي فان هناك بعدا آخر ظل مستبعدا في تعاملنا مع طالبان وهو الجانب الإنساني الذي يتمثل عبر ادبيات ثرية من الشعر والحكايات التي بدأ الباحثون فيها يلتفتون إليها وهذا التراث الادبي غني ومتنوع ولا يمكن النظر اليه كظاهرة معزولة بل هو جزء من التراث الشعري الافغاني بل ومن التراث الانساني خاصة “اشعار الحرب”. وهنا ايضا لا يمكن التعامل مع اشعار طالبان على انها اشعار جهاد او حرب على غرار شعر الخوارج، فالبعد الديني احيانا ليس حاضرا بقوة، فالتراث الشعري الطالباني يشتمل على اشعار الجهاد والخنادق- المعارك، وعلى اشعار رعوية وإنسانية وصوفية، و”غزل” وهو الشكل الشعري الاشهر في الشعرية الأفغانية وأشعار اللوعة وأثار الحرب على النفسية الأفغانية والتمسك بالأرض والوطن، اي اشعار قومية.
سقوط الاسطورة
وهذا التراث يهدم فكرتنا عن طالبان الحركة المشددة التي تظهر على انها بلا روح، وعلى خلاف هذا فالشعرية الطالبانية محملة بشحنة عالية من العاطفة والحنين والوفاء للبلد والصداقة والاستعداد للتضحية من اجل القضية. ومن هنا فأشعار طالبان ليست كلها عن الدعاية، بل هذا البعد لا يمثل إلا جانبا من جوانب التجربة الشعرية. وسر غنى اشعار الحركة انها تنهل من مصادر الشعرية الاوردية والفارسية والعربية، وتحفل بالرموز التاريخية والدينية والوطنية التي تشكل عالم افغانستان بلد العلماء والأولياء والأمراء المقاتلين، بلد محمود الغزنوي، احمد شاه دوراني، و مقاتلات دخلن في الوعي الوطني الافغاني ممن قاتلن الانكليز في معركة ميواند عام 1880 وهما نازو وملالي. اضافة لرموز الانبياء من ادم حتى محمد، وصحابة، خالد ابن الوليد، الحسين وعلي. ومن هنا فان الشعرية الطالبانية متجذرة في التاريخ اذا انها تتكئ كثيرا على التاريخ واستعادته لفهم الحاضر وتشريح واقعه. وما يميز التجربة الشعرية عند طالبان- ذكورية وأنثوية- هو التعلق بالوطن وحبه على الرغم من طبيعته الصحراوية القاحلة والجبلية الوعرة وقراه المبنية من الطين والفقر والجوع، فالشاعرة نصرت تقول في قصيدة “نصر” وهي رباعية “ نحب هذه البيوت المغبرة والطينية، ونعشق صحارى هذا البلد المعفرة، لكن العدو سرق النور، ومع ذلك نحب هذه الجبال السوداء الجريحة”، فالموضوع الوحيد والهام في معظم اشعار طالبان هو التركيز على انسانية الريف واهله والتعلق بالطبيعة الصعبة من جبال ووهاد ووديان التي تتعرض يوميا لهجمات قوات التحالف وطائراتهم والتي تغير على القرى وتقتل الفرح.
انسانية
وكما سنشير لاحقا فالقصيدة على الرغم من احتوائها على فكرة الامل والحب والسعادة إلا ان الطائرة الامريكية هي التي تقتل الحلم وتترك وراءها الجثث والدمار والعرائس اللاتي لم يفرحن بليلة الدخلة. الجمالية الافغانية وحضورها المتميز في شعر طالبان تستخدم ضد الوحشية الأمريكية ففي الوقت الذي يتغنى فيه شاعر طالبان بالجمال والأزهار والورود فان الامريكي يقتل ويدمر المشهد الإنساني استمع الى سميع الله خالد حسك في قصيدته “ الإنسانية “ “كل شيء انتهى في هذا العالم، العالم اصبح فارغا مرة أخرى الانسان الحيوان، الانسانية الحيوانية، كل شيء ذهب من العالم، لا ارى اي شيء، كل ما اراه هو خيالي” ويكتب عن وضعية الافغاني في “ انسانية العالم” حيث يقول” لا يقبلون بنا كبشر، ولا يقبلون بنا كحيوانات ايضا. الانسان له جانبان، بشري وحيواني، نحن خارجهما اليوم”. فحسك يحاول ان يعبر عن شيء اكثر من الايديولوجيا فهو كغيره من شعراء طالبان ليسوا معنيين بالعقائدية الدعائية بقدر ما تشغلهم فكرة الحرية الإنسانية وتصوير الانسان الافغاني في وجعه وشوقه وترحله وسط ركام ودمار يعيشه منذ عقود. ولا بد من النظر الى اشعار طالبان على انها تمثل في النهاية حنين قائليها ولا تعبر عن فكرة الحركة العقائدية إلا بقدر. ونستطيع ان نقول ان هناك وعيا عاما بأثر الحرب وتسجيل وقائع الاحتلال السوفييتي، ومواصلة احيائها اما باستخدام الكاسيت والفيديو والهاتف النقال وما الى ذلك.
الشعر خبز يومي
وتشهد القصيدة التي كتبها او غناها شعراء طالبان على واقع الشعر وأهميته في الحياة الأفغانية فالشعر حاضر في الحياة اليومية، كما العربي، فهو في الإذاعة ولديهم مسابقات شعرية (اهمها مهرجان نارجي غول وأنار غول في نانغنهار وقندهار)، وفي الاحاديث الليلية والسمر، في الأعراس في النقاشات السياسية، في الجنائز وفي ميدان المعارك. ولعل اهم شاعرين مجيدين في التاريخ الادبي الافغاني هما كوشال خان خاتك (1613- 1689) ورحمن بابا (1650 -1715) حيث يتم الاستشهاد بأشعارهما بشكل دائم. ويحترم الافغان على الاقل الجيل القديم من الشعراء ويبجلونهم ويعاملون كنجوم، فالشاعر عبدالباري جهاني استقبل كنجم كبير عندما اقام احتفالات شعرية في منطقة قندهار في الفترة ما بين عام 2011 -2012، فالشعراء في النهاية هم رجال الحكمة وحملة التراث ولهذا السبب لا تخلو قرية افغانية من رجل يعرف قصص وتراث القرية. وعليه فليس غريبا ان يكون لدى طالبان تراثها الشعري والذي وان قدم من خلال اسلوب وقصيدة “تارانا” وهو الشكل المفضل لدى طالبان لأنه يعتمد على الالقاء الايقاعي وطبقات الحنجرة وبدون حاجة الى الموسيقى التي تحرمها طالبان، بخلاف قصيدة الغزل التي قد تكون دنيوية مليئة بالأوصاف الحسية او دينية صوفية فيها من اشارات العشق الالهي وشهداء الحب من المنصور” الحلاج” الى ابن الرومي الذي يشار اليه في افغانستان بـ “البلخي”.
الصور النمطية
وهناك اكثر من نوع شعري مثل لاندي وساندارا حيث تقدم هذه الاساليب الشعرية عددا من الصور الشعرية التي اصبحت لصيقة بكل واحد منها من مثل الفراشة التي تقترب من النار لتحترق بها، النساء وهن يغسلن الملابس على ضفة الانهار او يجمعن الماء من الآبار. وإضافة الى ذلك صورة او قصة ليلى والمجنون العربية والتي ذاعت شهرتها بسبب القصيدة التي نظمها الشاعر الفارسي نظامي وهذه الصور حاضرة بمستوى او بآخر في اشعار طالبان. وعن اثر نموذج “تارانا” على المجتمع في مرحلة طالبان يتذكر الشاعر سراجي الذي كان مع محمد فقير درويش اهم من انشد قصائد تارانا اثر هذه القصيدة على المجتمع لانها تتحدث عن “الفخر والوطن والدفاع عن البلد وهزيمة العدو الأجنبي ولا بد من الاشارة ان القصيدة الطالبانية لا تختلف في شكلها وصورها عن القصيدة التقليدية، وقد يفاجأ القارىء ان الاشارة الى”طالبان” لا يحضر كثيرا مع ان هناك اشارات متكررة للمجاهد والغازي. وفي بعض الاحيان فقصيدة الجهاد لا تتوجه فقط الى المستمع المحلي بل تحاول ان تتصدى لهموم الامة في العالم، ويضع الشاعر افغانستان كجبهة لمقاومة القوات الأجنبية وعادة ما تتسم القصيدة الطالبانية بـ “الشخصانية”، فالشاعر يتحدث الى نفسه ويختمها عادة بتقديم اسمه وانه المعني بكل ما ورد فيها وفي احيان اخرى يشير الى صديقه الذي يرابط معه على الجبهة او شقيقه.
ديوان بالانكليزية
وبهذه المثابة فان فكرة توفر ديوان شعري للحركة وباللغة الانكليزية طموحة، فالديوان الصادر عن دار “هيرست اند كومباني” في لندن تحت عنوان “شعر طالبان” ويحتوي على 235 قصيدة بين طويلة وقصيرة، وتمثل التجربة الشعرية الطالبانية في فترة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي وفترة ما بعد عام 2001 وتمثل توجهات متعددة حيث تم تبوبيها حسب الموضوعات ديني غضب- شعر- ثمن انساني للحرب- ميدان المعركة. وقد جاءت الفكرة من خلال عمل كل من اليكس ستريك فان لينستونيشن وفليكس كوين مع ملا ضعيف احد قادة طالبان “ حياتي مع طالبان” والذي كتب نفسه قصيدة شعر وحملها معه من غوانتانامو بعد تجربة مرة. وجمعت من خلال رصد ومتابعة موقع طالبان الرسمي على الانترنت، حيث لاحظ محررا هذه المجموعة ان الشعر عند الحركة لم يكن ذا معنى “عملياتي” اي دعائي بل مظهرا بارزا من خلاله حاولت الحركة تقديم ما تريده عن نفسها. وجمعت قصائد اخرى من مجلات او افرغت من كاسيتات قديمة، وهذه المجموعة بمجالاتها المتعددة تموضع شعر طالبان في الوعي التاريخي والحاضر الأفغاني فالقصيدة وان تحدثت عن الفخر والبطولة إلا انها احيانا تنحو منحى النقد واللوم “يا حسرتاه.. لا يعرف الافغان كيف يتقدمون للامام، يتراجعون للوراء للغبار”.
الوان القصيدة وشيطان واحد
القارئ للمجموعة الشعرية بفصولها يتوصل الى ان قصيدة طالبان يمكن ان تقسم الى ثلاثة أقسام قصائد ذات بعد دعائي واضح وتعبر عن الخط الرسمي، وتلك التي تعبر عن نفس الخط لكنها ليست رسمية والثالث قصائد تعبر عن وجهة فردية. وعند هذه النقطة لا بد لنا من الاشارة الى ملامح عامة ومهمة في قصيدة طالبان من ناحية المصدر التاريخي والعلاقة بالوطن، والبعد التراجيدي والساخر فيها. فقصيدة طالبان وان كانت الحرب السوفييتية مركزها إلا ان اهميتها تظل اقل من اهمية الحرب الافغانية الانكليزية في القرن التاسع عشر، والتي نظر اليها كمثال عن قوة وتحمل الافغان وبالتالي انتصارهم. وبهذه المثابة فان دحر الافغان للانكليز يعني قدرتهم على سحق وهزيمة السوفييت او غيرهم من الغزاة الجدد. نقطة اخرى تتعلق بعلاقة الكفاح الافغاني بالكفاح الاسلامي العالمي، فالصورة الشعرية التي لا تذكر او تشير من قريب او بعيد الى اسامة بن لادن او ملا محمد عمر وان ظلت تعبر عن وعي محلي إلا ان لغتها تحتوي على مفردات لها علاقة بالمواجهة بين الاسلام والغرب- الحرب الصليبية مثلا-، كذلك وعي الشاعر بمأساة الفلسطينيين، وذكر اسرائيل وأمريكا وشيطنة الشاعر للعدو من خلال الحديث عن رموزه البيت الابيض كعلامة للاضطهاد وحضور غوانتانامو. ومع ان صورة العدو تتغير، قاتل وسارق إلا ان اثاره واحدة، دمار وحزن ودماء واغتيال للطفولة، استمع لخالد حيدري وهو يرثي مسجد قريته في “صديق مسافر” “ لن تسألني عن ما حدث لرواد المسجد الصغير: المسجد الرمادي المغبر، ذلك الذي يقع في وسط القرية، المسجد الجميل بلا باب، و”الطالب” الرقيق جاء، صاحب الشعر الطويل، الطالب الفتي الذي كان يغسل القلوب بصوته الجميل وهو يصدح بالاذان” دمار ما بقي من المسجد دمار، هذا ما تصفه القصيدة، وفي حالة العدو الضيف استمع الى نجيب الله اكرمي الذي سرق المستعمر الجديد بيته ومعه ذكريات وتواريخ أجيال بيت صغير، ليس قصرا جديدا من قصور النخبة المتعاملة مع الأمير بيت من الطين ولكنه محل السعادة “بيت صغيرـ ورثته عن جدي وفيه عرفت السعادة، انا وحبيبي عشنا هنا، تلك كانت اجمل الأوقات كنا نضحي من اجل بعضنا البعض، ولكن فجأة حل ضيف علينا، دعوته لداخل البيت يومين، مر يومان اصبح الضيف مضيفا، وقال احضر اليوم وتأكد من ان لا تحضر غدا”.
هنا قتلت العروس
وكما قلنا فان اي تمظهر اتخذه العدو فهو دائما وحشي، استمع الى قصيدة العرس “العروس الشابة قتلت هنا” وتصور حفلا قرويا هادئا وحميميا لكن الموت القادم من السماء جاء اليهم منهيا “قصة كلها حب” بين عروسين اصبحا شهيدين “العروس الشابة قتلت هنا، العريس وكل امانيه استشهدت هنا، نهبت القلوب المفعمة بالامل هنا، ليس الاثنين لكن كل الجمع استشهدوا هنا”. ويمضي الشاعر ساخرا من كل حقوق الانسان عندما جرحوا حقوق الشهداء فقتلوا الحيبب والمحبوبة، ويصور الشاعر عروسا وقد تعفرت بدمها وثيابها المبللة بدمها ومعها استشهدت مجوهراتها، وبدلا من ان تكون يداها مخضبتين بالحناء اصبحت مخضبتين بدمها “ عاصفة جاءت وضربت حياتها”، والقصيدة طويلة وتحطم قلب قارئها لكن القاتل في باغرام والمستهين بحياة الافغان يصدر بيانا ويقول “قتلنا ارهابيين”، ويضيف “قتلنا كثيرا من الافغان” ويشير الشاعر تحديدا الى تلك الكلمة المحملة بتاريخ الفظاعة الغربية ضد الاسلام “الحملة الصليبية” فالشهداء هم “تهديد لحملتنا” الصليبية.
العدو الداخلي
ان كان العدو الاجنبي هو الحاضر الغائب في صور الشعراء فالعدو القريب والداخلي هو الأخطر فمن يخدم الأفغان ويسهل تسليم الافغان لإرسالهم الى غوانتانامو، ومن يسرقون الاموال والفاسدون هم اعداء الشعب، ولعل قصيدة مطيع الله شرشاوال تعبير ساخر عن هؤلاء العملاء، ففي قصيدة “ كم هو عدد المنظمات غير الحكومية؟” والتي يسرق عملاء الاجنبي اموالها ، وتلمح القصيدة الى ان كل من يعمل في كابول هو عميل، وهذا لا يكتفي بنفسه بل يشغل جماعته وأقاربه وعندما تتقدم بنت الى العمل تحصل على تأشيرة سريعة، لا يعملون ويضيعون الوقت ويملأون جيوبهم بالأموال. ونلاحظ في القصيدة لازمة “كم هو عدد المنظمات الغير الحكومية”، “يضيعون أوقاتهم يجلسون في مكاتبهم لا يفعلون شيئا”، “رواتبهم اكبر من رواتب الوزراء” ثم اللازمة “من لا واسطة معهم منسيون”، “وعندما تذهب للمقابلة (من اجل وظيفة) يطلبون منك واسطة”، “عندما تشغر وظيفة يفضلون الأولاد “وان تقدمت فتاة يقبلونها بدون مقابلة”، “ النساء كثيرات والرجال قلة”، “كل الرجال الذين يختلفون مع الحكومة يعملون في المنظمات غير الحكومية”، “ السبب هو الدولار”. ويحضر الدولار كثيرا في قصيدة طالبان، لأنه عنوان العمالة والفساد، فالزمن الافغاني الجديد هو “وقت الدولارات” كما في قصيدة زاهد الرحمن مخلص “استغرب من زمن الدولارات” ويربط الوضع بالدم المسلم النازف في كل مكان من العالم الاسلامي ويقول انه فقد اصدقاء كثرا لأنه فقير وهم اغتنوا، وان تكون فقيرا في هذه الاوقات سبة، وعلامة على الاهانة.
تعزية لكرزاي
ورغم غناهم فهم ليسوا إلا دمى للغريب، استمع الى هذه الصورة الساخرة لحوار بين بوش وكرازي بعد مغادرة الاول البيت الابيض “عزاء لكرازي” الذي يندب حظه “الحياة صعبة بدونك يا عزيزي، اشاركك أحزانك انا ذاهب معك” يرد بوش “ اما عن الموت كلنا سنموت، يا حسرتاه سنكون الاول والتالي” ويأتي دور كرزاي “ اعطني يدك وأنت ذاهب، التفت الي وأنت تغيب” ويقول بوش “ الاسى يخيم علي ويغمرني، عزيزي، اهتم بنفسك وسأعتني بنفسي” ويصرخ كرزاي حزنا “ الجبال تفصل بيني وبنيك، بلغ سلامي للقمر الشاحب وسأفعل كذلك”. من المناسب القول ان بوش يحضر كمفردة في القصيدة كرمز للشر ومحل للتهديد والوعيد، ومصاص الدماء.
البامير الشاهق
قصيدة وراء قصيدة ينشد “الطالب” قصائده عن الوطن الضائع والحب والمقاومة “قوات الحركة الاسلامية تزرع الرايات البيضاء وتتقدم” وتلعن الفاسدين، وتصب جام غضبها على القتلة سارقي البراءة، وتتغنى بتقاليد افغانستان من العلماء والأولياء والمتصوفين، وتجدل الحزن بجمال الريف وشموخ الابطال والجبال “بامير” فيضاني “اعرف الجبل الأسود الأسود اعرف الصحراء ومصاعبها، بيتي هو الجبل، وقريتي هي الجبل واسكن الجبال، اعرف الخنادق السوداء، منها اهاجم دائما العدو، اعرف الحرب، النزاع والصراع، لن اقول الحقيقة حتى لو علقت على منصة الإعدام اعرف منصة الاعدام وحبل المشنقة، لا يهمني ان كنت دافئا ام باردا... اعرف من يضحون من اجل الدين، فيضاني، انا عارف بهؤلاء الشباب”. ونفهم غربة الافغاني عندما يتبعد عن جباله ومناظر بلده الجميلة، فهو غريب في ارض الغرباء استمع الى سعيد وهو يصف حياته في لندن “هناك غيوم وامطار لكن ليس لها شخصية، الحياة هنا لا فرحة فيها او سعادة، بازاراتها ومتاجرها مليئة بالبضائع وهي بدون قيمة، الحياة هنا ضائعة بين الأفراد لا حب بين الاخ والأخ والابن والأب علمهم واسع وينقبون عن البترول في البحار، لكن هذه المعرفة لا تعطيهم سمعة جيدة، اشاهد اخطاءهم وقيمهم بأم عيني ولكن ما أقول يا سعيد قلبك لا قدرة له على الصبر وتحمل كل هذا”. صورة سعيد الضائع في المدينة لا تماثل صورة “المجاهد في الجبال الشاهقة” لعزة الله بيزهاند، النسيم الذي يهب، النور الذي يفتح عيونه، خيوط الدخان المتصاعدة من تلك القرية، صوت الأذان منظر جميل لمجاهد يفتح عيونه على الفجر، يذهب للنبع يتوضأ ويرفع يديه مفتتحا الصلاة “الله اكبر”، الشاعر هنا يتخيل حياة المجاهد اليومية ويطلب منه في النهاية “ايها المجاهد حمل الريح سلامك وستحضره لنا”، تبدو قصيدة طالبان في شكلها ولغتها الجسر الذي يربطها بالعالم ويموضعهم في التجربة الانسانية، رعوية وجهادية. وقد اذهب في تقديم اشعار طالبان، لكن الاطالة قد تمل وقد تقطع جمالية القصيدة وغنى القاموس الشعري، واختم باشارتين الاولى ان الشاعر الطالباني يحتفي بالعيد كموعد للفرح والسعادة لكن حبوره يأتي محملا عادة بالحزن والحنين الى الاهل والمجاهد في خندقه وكما في قصيدة خيبولواك التي افتتحنا بها هذه المقاربة فنزهات العيد ميتة، وميتة ليلة العطاء “برات” والعيد يأتي محملا بأصوات الطائرات وانتظار الغارات. في نقطة اخيرة نختم بها فقد فكرت امريكا بمواجهة تارانا طالبان بتقديم شكل موسيقي على شكل اغاني الريف “كانتري ميوزيك” لكن الحرب الثقافية هذه خاسرة كما هي الحرب في الميدان، و “عسكرة الشعر” امر خطير ومن المستحيل ان يستمع ملا عمر الى اغاني الامريكيين حتى لو كانت “مبشتنة”، ملا عمر نفسه لم يكن يستطيع منع نفسه من الاستماع الى الاغنية المؤثرة فقد قال احد مساعديه انه عندما كان يرحل في سيارته “اس يو اف سوف” الامريكية كان يضع اغنية افغانية حربية ويطأطئ رأسه ويغوص في افكاره. شعرية طالبان هي عن الحرية والدمار والحب، والأيتام الذين يصرخون خواجامان، يقول ان “اليتيم هذا لأي شهيد ينتمي، اي فقير هذا الشهيد المستضعف، اليتيم بشعره المنفوش وثوبه الممزق والمشرد يصرخ يصرخ”، هذه اذن افغانستان.
ناقد فلسطيني من أسرة "القدس العربي"
Poetry of the Taliban
Translated by : Mirwais Rahmany& Hamid Stanikzai
Editors:Alex Strick Van Linschoten &Felix Kuen
Hurst & Company,London/ 2012