عن دار الراية بالأردن صدر للقاص و الناقد السينمائي المغربي سليمان الحقيوي كتاب جديد في النقد السينمائي، موسوم بسحر الصورة السينمائية _خبايا صناعة الصورة_، ويقع هذا العمل في 140 صفحة، من القطع المتوسط، وهو يأتي كجزء أول ضمن مشروع سينمائي يهدف إلى تفكيك بنية الاشتغال السينمائي في السينما الغربية؛ وجاء في مقدمة الكتاب " تكمن روعة الفن في قدرته اللامتناهية على مد تجربتنا الحياتية بتجارب إنسانية أخرى ما كان لنا أن نلامسها ولا أن نتعرف عليها، كونها تسافر بنا وفينا نحو عالم خيالي مشترك، وما كان للسينما أن تتبوأ هذه المكانة الرفيعة، وتحقق هذا الإمتاع الإقناعي لولا مراهنتها على سحر الصورة وإيحاءاتها. غير أن تأشيرة هذا الترحال الوجودي ليست باليسيرة؛ إنها مقرونة بمخاطر شتى قد تجعلنا فريسة سهلة بين أنياب التعبئة الأيديولوجية التي تكشر عنها بعض التيمات السينمائية.
لقد وجدنا أنفسنا طوال عقود خلت أهدافا لهجوم شرس، تشارك فيه وسائط إعلامية مختلفة تتراوح بين المكتوب والمرئي والمسموع، مُشكِّلةً حلقة وثيقة، تحكم الحصار من حولنا باعتبارها قنوات ضخمة لتمرير المعلومة، وإذا كانت وسائل الاتصال هاته، قد تعددت وتطورت إلى حد كبير، فإن السينما تحظى بمكانة متميزة بينها، فهي تختزل مجموعة من الوسائل في الآن نفسه، حيث. "توظف مختلف الفنون الأخرى من رسم وموسيقى ورواية ومسرح"، مما يجعلها تتفوق على باقي الوسائل الأخرى، فقد قطع التعبير بواسطة الصورة أشواطا كبيرة من التقدم، حيث قفزت خطوات هائلة خالقة مسافة، شكلا ومضمونا، مع المنجز السابق، جعل السينما تعتلي هرم الفنون، و تسلب المتلقي إرادته وتشكل منافسا حقيقيا يفرض نفسه في بعض الحالات بديلا للمسرح منازعا إياه أبوته للفنون، وإذا أردنا أن نعقد مقارنة بسيطة بين عدد قراء الكتب وعشاق المسرح، وبين رواد السينما لوجدنا البون شاسعا، فالسينما هي المنبع الوحيد الذي يستمد منه عدد كبير من الشباب ثقافتهم في سنوات حياتهم الطويلة، التي لا تنقطع بانقطاعهم عن الدراسة، فهي لا تضع شروطا أو حواجز لولوج عوالمها، كما يفعل المسرح الذي يرتاده المثقف والمتعلم...، إنها تتحول في أحايين كثيرة إلى غزو على المستويين الثقافي والأخلاقي، ونحن هنا لا نعمم أحكامنا على وسائل الاتصال كلّها، كما لا ننعت السينما دون غيرها من وسائل الاتصال بكونها سلبية، بل نعني فقط تلك الأعمال المُوَجَّهة بطريقة أو بأخرى.
إن السينما بتعبير المخرج الإسباني كارلوس ساورا: " هي العالم الذي يتحول من خلاله المخرج إلى مستوى الإله، إذ يخلق من يشاء ويقضي على من يشاء، ويصنع السعادة ، ويدمر الحياة، ويخلق الصراعات، بانتصاراتها وإحباطاتها"، وما يهمنا من هذا الكلام هو هذه السلطة التي يتمتع بها المخرج داخل عالمه) الفيلم (، والتي تبدأ باختياراته للموضوع و الشخصيات و القصة...أثناء صنعه أو إبداعه للفيلم، فإنها ستتحول إلى عصا سحرية بعد عملية الإنتاج، من خلال التأثير الذي سيمارسه الفيلم على المتلقي، واستجابته لمضمونه، وقد سرد "بريان بيتس b.bates " في كتابه " طريق الممثل 1986" بعض الحكايات التي تجعل السينما والسحر وجهين للعملة نفسها، حيث يعدّ كلّ ما يقوم به المخرج من إبداع شكلا من أشكال السحر. حيث يعتبر ما يقوم به المخرج من إبداع ما هو إلا شكل من أشكال السحر، والسحر هنا مرتبط بالعلم وتقنياته المتقدمة.
إن هذا التأثير قد يتراوح بين السلب والإيجاب حسب قدرة المتلقي على حل رموز الفيلم البادية والخفية، هذا إذا افترضنا أنه يقوم بعملية النقد، لأن واقع الحال يؤكد عكس ذلك، وفي هذا السياق يأتي هذا العمل ليتيح للقارئ العربي التعرف على الخبايا والنوايا التي تتخفى وراء العمل السينمائي كي لا ينبهر فقط بالصورة في شكلها الظاهر، ولكن حتى يتمكّن بالإضافة إلى ذلك _وهذا هو الأهم_ من آليات التعامل مع الصورة السينمائية، والقدرة على تفكيك رسائلها البادية والخفية.