التخييلي والوثائقي في الأدب
صدر عدد جديد من مجلة ألف ، وهي مجلة سنوية ترأس تحريرها د/ فريال جبوري غزول وفريق من الأكاديميين ، تصدر عن الجامعة الأمريكية بالقاهرة – مصر، وتنشر مقالات مكتوبة باللغتين العربية والإنجليزية (وأحيانا بالفرنسية ) ضمن محور محدد ، متبعة نظام التحكيم التخصصي المتعارف عليه في الدوريات الأكاديمية .
وقد جاء هذا العدد ( 32- 2012) في 620 صفحة بقسمين عربي وإنجليزي ، شارك فيه 23 باحثا من مصر وأمريكا والمغرب وإنجلترا وإيرلندا والعراق ...
ومما جاء في تقديم العدد أن العلاقة بين الخيال والمتخيل من جهة والوثيقة والموثق من جهة أخرى تبدو " تضادية بلا تقاطع بينهما .ولكن ، عند التمعن في بحوث فكرية ودراسات تاريخية وإبداع أدبي أو فني أو سينمائي ، سنقع على تلابس الخيال بالواقع وتلامس المتخيل بالوثائقي .فلا الإبداع خيال منفصم عما يجري ولا التأريخ نقل أحداث الماضي دون إعمال ملكة التخيل في ربط ما كان ...".
وقد جاءت المشاركة المغربية من خلال ثلاثة باحثين :
شعيب حليفي (كلية الآداب – الدار البيضاء ) وبحثه " أرشيف المتنكر: قراءة في تقاطعات الثقافي والسياسي " ، والذي يحلل فيه تيمة واحدة ذات تشعُّبات مُعقدة وردت في كتابات أحد الرحّالة الإسباني "ضومينْكو باديّا" والذي تنكر في زي عربي مُتخذا له اسم علي باي العبّاسي علامة ثقافية وسياسية يحيا بها في المغرب وعدد من الدول العربية خلال العقدين الأولين من القرن التاسع عشر . تيمة وردت في ثلاثة من كتبه ( رحلة ،مسرحية ، دستور)كُتبت ما بين 1812 و1817 ،يتقاطع فيها التخييلي بالتسجيلي ضمن دائرة تشابك الثقافي بالسياسي في سياق تاريخي ، خارجي مرتبط بطموحات أوربا في البحث عن جغرافيات جديدة للتوسع؛وداخلي معقد بإرثه الخاص والعام ...مما نتج عنه جدل بين قِوى وقِيم مُتناقضة ومتصارعة .
ويقود هذا التحليل نحو قراءة وتأويل أحلام علي باي باعتباره كتبَ مؤلفاته انطلاقا من خلفيات ذاتية – حلمية - وغيرية متنكرة - سياسية – من جهة ، ثم الواقع الذي عاش فيه مُختبرا كل تلك الخلفيات التي تحولت إلى نصوص يمتزج فيها التخييلي بالتسجيلي بالحُلُمي .
حسناء اللبادي ( كلية الآداب – الرباط ) وبحثها " النساء في شمال المغرب : بين التسجيلي والتخييلي " وهي مقالة تقوم باستقراء دور المرأة في شمال المغرب ، موظفة مراجع مختلفة وروايات متعددة ، منها ما يرتبط لنساء حقيقيات في تاريخ المنطقة ، ومنها ما ينطلق من أساطير وحكايات متداولة في المنطقة .وعير هذا التكامل المعرفي بين المعلومات المستقاة من مصادر مسجلة ومحققة وأخرى ذات طابع شفهي وتخييلي يمكن أن ندرك إسهام المرأة في الثقافة ودورها ومنزلتها ، أكثر مما كان بالإمكان أن يتضح عند الاقتصار على الوثائق التاريخية .
العربي طواف ( كلية الآداب – وجدة ) وبحثه " الهوية الثقافية بين المعنى واللامعنى في روايات محمد خير الدين " هذا الأخير الذي يطرح في رواياته المكتوبة باللغة الفرنسية مسألة الفضاء الثقافي – اللغوي في علاقته مع الهوية من منظور يختلف عن المنظور السائد الذي ينظر للعالم على انه معطى قبلي ولاتاريخي . فمسألة الهوية في كتاباته لا تنبني على العرق أو الإثنية أو اللغة أو الدين أو التاريخ ، بل هي الموقف المتحول من الآخر.وتبعا لذلك يحدث الروائي اضطرابا كبيرا في النظام الثقافي – الاجتماعي القديم الذي تنبني عليه نظرة الناس وفهمهم لأنفسهم بوصفهم مجتمعا .