يقربنا الناقد الفلسطيني المرموق من أحد الكتب الفارقة التي تمثل ثمرة مجهود قام به رئيس التحرير صحيفة "القدس العربي"، كتاب «ما بعد بن لادن: القاعدة، الجيل القادم» هو رحلة في تمظهرات القاعدة وتنوعاتها الاقليمية والمحلية واستراتيجيتها، وهو أيضا قراءة لحركات القاعدة وجيلها الجديد مع ما يؤشر انحسار مشروع الجهادية العالمية إذا ما نجح أفق الربيع العربي.

رحلة في عالم الجماعات الجهادية

إبراهيم درويش

كان هناك شبه اجماع بين المحللين والمراقبين ان الجيل الغاضب من الشباب العربي الذي خرج للشوارع في تونس مصر وحمل السلاح للاطاحة بنظام معمر القذافي، ويحمله الان للتخلص من نظام بشار الاسد اثبت فشل ايديولوجية القاعدة واعلن نهايتها. فالجيل الجديد كان يدعو للحرية والعدالة والخبز، اما ناشطو القاعدة فعادة ما يدعون للتغيير الجذري بالقوة وينظرون اليه من خلال الجهاد العالمي واقامة الحكومة الاسلامية العالمية.  

وقد ادى الربيع العربي بالمحللين الغربيين للقول ان شعارات الحرية والديمقراطية تمثل رفضا لايديولوجية القاعدة التي كانت في نظرهم تخسر في «الحرب على الارهاب» والتي اعلنها جورج بوش بعد تفجيرات 9/11. عشية الربيع العربي كانت القاعدة وبناتها واخواتها تعيش تحت ضغط شديد، فرجالها في باكستان يهربون من مكان لاخر ومن بيت لبيت في مناطق القبائل الباكستانية، وفي اليمن والصومال تلاحق «الدرونز» رجال الشباب الاسلامي الذين يخوضون حروبا مع النظام المدعوم افريقيا وامريكيا والزوارق البحرية التي تراقب الشواطىء الصومالية والقوات الاثيوبية -الافريقية، وفي العراق انتهت دولة العراق الاسلامية، وفي ليبيا تاب القادة وخرجوا من السجون قبل الثورة. وفي السعودية هرب الناشطون عبر الحدود الواسعة الى اليمن حيث اندمجوا مع التنظيم هناك. كانت الصورة اذن معتمة وقاتمة للقاعدة مع بداية الربيع، رفض للايديولوجية وملاحقة وغضب من السماء عليها.
نظرية موت القاعدة
لكن هل كان هذا التحليل صحيحا، فالقاعدة او العمليات التي تعلن جماعات القاعدة مسؤوليتها عنها تعطي صورة اخرى عن تنظيم لا يزال قادرا على القيام بعمليات وتجنيد اجيال جديدة بل والتحدث بلغة غير العربية، الانكليزية، ونشر ايديولوجيته، بين الاجيال الجديدة من المسلمين في الغرب، حيث تأثر الكثيرون بأفكارها، ومن يتابع اخبارها على الاقل في بريطانيا يعتقد ان التنطيم على اهبة الهجوم على قصر الملكة او مقر الحكومة- قد تبالغ الاجهزة الامنية- لكن لا يعني ان التهديد ليس حقيقيا، فلم تعد هذه الاجهزة بقادرة على التحكم في آلية انتقال المعلومات ونشرها، خاصة ان خبراء القاعدة ماهرون في استخدام الانترنت ووسائل الاتصال الاجتماعي، وسير رجالهم في المعظم هم من المتعلمين من ابناء الطبقة المتوسطة الذين كانوا نتاجا للتغييرات الاجتماعية وتغير شكل المدن بفعل الحداثة ـ المشوهة- في العالم العربي والتعليم المجاني للجميع، ابناء الطبقة المتوسطة هم من عانوا من سياسات الانظمة الفاسدة، ويجب ان لا ننسى ان قادة القاعدة بن لادن والظواهري هم من عائلات بارزة، الاول ابن اثرى رجل في العالم العريي، والثاني ينتمي الى عائلة تبوأ احد رجالها منصب شيخ الازهر وكان من تلامذة رائد التنوير الاسلامي محمد عبده. القاعدة اذن ليست مجموعة من الآبقين وقطاع الطرق وان كانت افعالهم تقربهم اليها ولكنهم ايديولوجيون يؤمنون بالعنف كوسيلة للتغيير تماما مثل الحركات الفوضوية في تاريخ اوروبا الحديث. المهم في الامر وكي نجيب عن السؤال حول موت القاعدة، فلا بد من النظر الى خريطة تواجد القاعدة وتمددها في العالم، فالناظر سيعثر على تنظيم مثل الاخطبوط تمتد اذرعه من جبال هندكوش الى ارض الساحل في افريقيا ومن غابات اندونيسيا الى سواحل البحر المتوسط وارض الحضارة الاولى ـ العراق، والان ينشىء خلاياه ويعيد تنظيم نفسه في اقدم مدينة في العالم- دمشق، ونعود للسؤال هل انتهت القاعدة؟ من يفتح الصحيفة اي صحيفة يقرأ يوميا اخبارا عن تفجيرات انتحارية، تفكيك خلايا، اعتقال من يعتقد انهم ناشطون في القاعدة، وهذا لا ينحصر في الارض التي نشأت فيها القاعدة افغانستان وباكستان، بل في اي مدينة وعاصمة في العالم، فتايمز سكوير في نيويورك، هي مثل كراتشي او ارض القبائل وشمال نيجيريا ليست بمأمن عن غضب القاعدة.
صورتان
اعتقد ان هناك روايتين وصورتين عادة ما تشيران الى موت القاعدة، الاولى عملية « اناكوندا» التي انهت وجود القاعدة في تورا بورا عام 2001 اي بعد ثلاثة اشهر من "غزوة" نيويورك، لم يقتل زعيم القاعدة ولا مساعده ايمن الظواهري في تلك العملية بل هربا ولم تستطع الولايات المتحدة تعقب الاول الا العام الماضي، اما الثاني فلا يزال حرا طليقا يقود القاعدة وكل يوم يتلقى البيعة تلو البيعة. الصورة الثانية تلك التي ارادت امريكا نشرها عن باراك اوباما واركان قيادته وهم يجلسون في غرفة العمليات ـ يتابعون مشدوهين ما قالوا انها عملية القوات الخاصة ـ سيل- حيث اعلنوا بعد ذلك عن مقتل بن لادن في مواجهة مسلحة في مقره داخل ابوت اباد القريبة من كلية النخبة العسكرية، ونكتشف الان في كتاب «ليس يوما سهلا» لمارك اوين، وهو احد اعضاء المجموعة الخاصة التي قتلت بن لادن، ان الاخير لم يكن يحمل سلاحا وان مسدسه كان فارغا من الرصاص. ما يهم في الصورتين ان امريكا اعتقدت بتدميرها مغاور تورا بورا وبرميها جثة بن لادن في البحر انها انهت التنظيم ودفنته في البحر. المراقب لولادة وتطور تنظيم القاعدة يلاحظ ان امريكا ارتكبت خطأين الاول عندما دعمت الجهاد الافغاني في الثمانينات من القرن الماضي وتركت افغانستان رهن جماعات متناحرة وخرجت مئات الالاف من المقاتلين ـ الافغان العرب- اصبحوا جهاديين تحت الطلب، ينتقلون من جبهة الى اخرى، اما الخطأ الثاني فهو انها نكشت عش الدبابير واطلقته في كل انحاء العالم عندما ضربت معاقل القاعدة في افغانستان. فقد حولت القاعدة الى «ماركة» تجارية عالمية مثل كوكا كولا وماكدونالدز بل اشهر منهما، فلو قمنا بدراسة مسحية الان وحددنا معرفة الرأي العالم بالقاعدة واسامة بن لادن لوجدنا ان التنظيم وزعيمه اشهر من رئيس امريكا بل واكثر انتشارا في التاريخ الحديث من قيادات ورموز ثورية. بعد كل هذا لم تمت القاعدة بل صار لها اخوات وبنات ـ اي عائلة نسبية- مما يعني ان التنظيم الذي ولد على هامش مكتب خدمات المجاهدين العرب الذي انشأه الزعيم الاخواني الشهيد عبدالله عزام، واستاذ بن لادن اصبح الان عائلة بأبناء شرعيين. لكن قصة القاعدة، السرية والعلنية كتبت من خلال مليارات الكلمات، او تريليونات الكلمات التي توازي ما انفقته امريكا للقضاء عليها، وفي مكتبة الكونغرس التي تحوي التراث الانساني والمكتبات الوطنية للدول الاف العناوين عن بن لادن بشكل غير مسبوق في تاريخ الحركات الجهادية. وهي عناوين يبدو انها لن تنتهي، فعادة ما تتسيد حركة ثورية مرحلة تاريخيةـ خذ مثلا منظمة التحرير الفلسطينية كم كتابا كتب عنها في المرحلة الثورية، وكم كتابا يكتب عنها ورجالها الذين يحملون البنادق؟ لكن القاعدة تحظى كل يوم بعنوان ومرشحة للاجيال القادمة لماذا؟

الجواب عند عطوان
الجواب عند عبدالباري عطوان، رئيس تحرير صحيفة « القدس العربي»؟ فكتابه الصادر حديثا عن دار «الساقي» في لندن «ما بعد بن لادن: القاعدة، الجيل القادم» هو رحلة في تمظهرات القاعدة وتنوعاتها الاقليمية والمحلية، تبدأ الرحلة من افغانستان وتلاحق القصة في مقديشو وابين {اليمن}  ووزيرستان {باكستان} وجبال الاطلس وشمال مالي ونيجيريا والعراق واخيرا سورية. اهمية الكتاب تنبع من ان كاتبه وخلال العقدين الماضيين اصبح من الخبراء المهمين في تنظيم القاعدة حيث اصبح يكتب عنها بمعرفة وعمق، كما انه متحدث بارع قادر على قراءة ما خلف السطور، اذكر اننا بعد بداية بث الصور عن التفجيرات فيما عرف بغزوة نيويورك، وكنا نحاول ان نفهم ما يحدث كان عبدالباري اول من قال ان الفاعل الذي يقف وراءها هو تنظيم القاعدة، فهو لم يكن يضرب بالرمل بل كان يعرف عقلية القاعدة ومديرها في ذلك الحين. لسبب واضح انه كان في ضيافة المدير لمدة ثلاثة ايام في تورا بورا، حيث نشر عطوان القصة اولا تفاصيل اللقاء في « القدس العربي» عام 1996 ثم «غيرت» تلك الرحلة مسار اهتمامه على ما افترض فقد اصبح من حينها مهتما او اجبر على الاهتمام بالقاعدة، ولا اعرف اين كان سيذهب اهتمام عطوان لولا تلك المقابلة، هل كان كفلسطيني سيظل يعلق على فلسطين والسلطة وحماس ام على مصر ومبارك. بن لادن اشغل عطوان في قضية اخرى مهمة اصبح المعلق الابرز عليها. كثيرون قابلوا بن لادن ، لكن عطوان كان الاقدر على التعرف على تفكيره لسبب بسيط انه لم يكن صحافيا عابرا بل كان ضيفا، تمشى معه واستمع اليه وهو ينشد الشعر ويقرضه نام في مغارته. ثلاثة ايام غيرت عطوان في ظني، ومنذ تلك الرحلة كتب كتابه المعروف "القاعدة التاريخ السري" ثم مذكراته «وطن الكلمات» وظل يكتب عن القاعدة في صحيفة « الغارديان» وصحف اخرى، وكتابه الجديد متميز من ناحية انه لا يركز على الاصول التاريخية والاجتماعية لحركة بعينها اعلنت انضمامها للقاعدة واندمجت فيها، بل هو طموح في المحاولة الجديدة لاعطاء دراسة مسحية «تايبولوجي» للحركات التي تبنت فكر القاعدة، اما بالانتساب او التقارب او الدعم، واما بالحصول على شرعية الولاء والبيعة الذي يعلن عنه عادة في خطابات زعماء القاعدة وارسال ممثلين عنها لدراسة التنظيم الجديد وتحديد برامجه حتى يظل مخلصا لافكار التنظيم العالمي، ومن هنا يفهم ان اي نظام محلي لا يجد شرعيته العالمية الا من خلال موافقة التنظيم العالمي على الانضمام اليه. ويظهر هذا التغيير من الاهتمامات المحلية الى العالمية في تبني التنظيم الجديد شعارات اسلامية وقضايا ساخنة كما في حالة حركة الشباب الاسلامي التي انشأت كتيبة القدس، وارسلت 150 مقاتلا من مقاتليها للمشاركة في حرب لبنان عام 2006 ولم يعد الا ثلثهم كما يشير عطوان. كما يظهر التحول من المحلية الى العالمية من خلال استقبال المجاهدين «الاجانب» والتمويل والقادة للتدريب والتنظير، كما في حالة حركة الشباب الاسلامي. وعندما يدخل التنظيم تحت مظلة القاعدة يصبح مسؤولا امامها واخطاؤه ترصد واحيانا يعنف كما حدث مع ابو مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، حيث ادت ممارساته الشرسة وعمليات الذبح الى ارسال رسالة من الظواهري تطلب منه التوقف عن ممارساته لانها تؤثرعلى القاعدة، هذا ما حدث في الحالة العراقية، حيث طفرت القبائل السنية التي دعمت وتعاطفت مع افكار الحركة منه ومن اتباعه الذين صاروا يروعون الاهالي، مما ادى لظهور «الصحوات» التي اخذت تقاتل القاعدة الى جانب الامريكيين، مما ادى الى ضرب الامارة الاسلامية في العراق واضعافها وليس القضاء عليها.  

شبكة علاقات
تظهر قراءة عطوان لحركات القاعدة والجيل الجديد ان هناك علاقات شائكة ومعقدة عادة ما تنشأ في داخل السياق المحلي، من ناحية تقارب المصالح، قبلية واستخباراتية، حيث تستخدمها القاعدة في مواجهة العدو المشترك، ففي الحالة اليمنية مثلا كان علي عبدالله صالح يتلقى الدعم من امريكا لمحاربة القاعدة ولا يمانع دعم القاعدة لمواجهة الحوثيين في الشمال، وما يعقد صورة القاعدة هو تلاقي مصالح القبائل مع القاعدة مما يعني تمتع القاعدة بحماية القبيلة، وهذا الوضع واضح في كل امثلة القاعدة تقريبا في مالي والصومال واليمن وباكستان، واحيانا تنأكد القاعدة من وجود هذا الدعم او الغطاء، فبن لادن لم يكن ليرحل لافغانستان لولا علاقته مع شبكة حقاني ومولوي خالصي، وفي اليمن لم يكن انور العولقي قادرا على التحرك لولا حماية قبيلة العوالق له، والامثلة كثيرة ويحللها عطوان. وهناك ملمح اخر يظهر في التحليل هو علاقة القاعدة او بناتها بالمخابرات الباكستانية اس اي اس والتي يشير الى علاقتها بشبكة حقاني وامكانية معرفة بعض رجالها بوجود بن لادن في ابوت اباد. ايا كان الامر فالدعم يظل مرهونا بالظروف واحيانا تنكسر العلاقة بسبب تصرقات افراد القاعدة، فعدد من القبائل السنية في الانبار انقلبت على التنظيم بسبب مقتل احد ابنائها على يد القاعدة . على العموم يظل التعاطف المحلي مع القاعدة امرا مهما لانجاز مهمتها. ويذكر عطوان ان بن لادن في بحثه عن بديل عن جبال افغانستان تلقى دعوة وحماية من الصومال حيث فكر بنقل قاعدته اليها خاصة ان ابناء حركته قاتلوا الى جانب محمد فرح عيديد ضد الامريكيين، لكنه عدل عن ذلك بعد التقرير غير المشجع من مبعوثه اليها. ولا بد من الاشارة انه في الحالة السورية اليوم هناك حديث عن رفض السكان لفكر القاعدة نظرا لطبيعة السوريين «المعتدلة» دينيا، ومع ان هذا التحليل تبسيطي ولا يأخذ بعين الاعتبار العامل السلفي الذي شهد حركة احياء في العقود السابقة ونهوضا في عدد من الدول التي لم تكن مرشحة لان يتقوى بها مثل تونس، بل والضفة الغربية التي ظلت حكرا على الاخوان وحزب التحرير بشكل اقل.

جيل شرس
ما يميز الجيل الجديد من قادة القاعدة حسب عطوان انه اكثر شراسة وقوة ونزعة نحو التطرف وايضا نحو الاختراع ومواصلة البحث عن طرق للتحايل على الظروف الامنية، كما في الحالة اليمنية، التي شهدت اكثر من عملية تعبر عن هذا المشهد مع انها لم تنجح كما في حالة مفجر السروال ـ عمر فاروق عبدالمطلب ـ ومحاولة اغتيال مساعد وزير الداخلية السعودي الامير محمد نايف عام 2009 وقتل فيها عبدالله العسيري شقيق خبير المتفجرات ابراهيم العسيري. ومع ان الربيع العربي كان تعبيرا عن تحرك سلمي قمع في بعض الاحيان بيد من حديد كما في الحالة الليبية والسورية ومثل انتصار الشباب وشبكات التواصل الاجتماعي الا ان الخارطة الجهادية العالمية تظهر ان حركة الشباب لم تتوقف، فكلما سنحت فرصة للجهاد وجدت اعدادا كبيرة منهم يذهبون للقتال، ليبيا والعراق وسورية اليوم والصومال وافغانستان والباكستان، وهناك جيل في الغرب ايضا ينتقل للساحات الجهادية من فرنسا وبريطانيا والصومال. وفي كل رحلة انتقال لهم يحملون معهم خبراتهم القتالية، والانتحاريين وصناعة المتفجرات محليا. صحيح ان القاعدة تستفيد احيانا من الخبرات المحلية والعسكرية في تطوير الخبرات كما حدث في العراق حيث سافر ضابط عراقي من الجيش الذي حله بول بريمر عام 2003 كي يقدم خبراته للقاعدة. ويجب ان لا ننسى الاشارة الى الاساليب الاخرى التي تتبعها القاعدة من الاختراق للمؤسسات الامنية وارسال شخصيات متنكرة، وخداع، وحالة همام البلوي الذي خدع المخابرات الاردنية وسي اي ايه وفجر نفسه واخذ معه مسؤوله الاردني وعددا من كبار الضباط في المخابرات الامريكية في عملية خوست عام 2009.  

استراتيجية القاعدة
كل هذا يؤشر الى ان الجيل الجديد قادر على مواصلة الرسالة الجهادية للقاعدة، وان استراتيجية زعيم القاعدة الظواهري «تسويق» التنظيم دوليا تنجح، وان برنامج القاعدة لتغيير العالم لم يتغير وهو الذي اشار اليه عطوان في بداية الكتاب والقائم على سبعة مراحل: استفزاز الفيل الامريكي لمواجهة تقود لاحتلال دولة اسلامية، يقظة الامة الاسلامية من سباتها، مواجهة المجاهدين مع الناتو والقوات الامريكية، نقل القاعدة من سياقها المحلي الافغاني الى شبكة دولية، واشغال الولايات المتحدة وانهاكها من خلال دفعها للقتال على اكثر من جبهة، والاطاحة بالانظمة الديكتاتورية العربية، واقامة دولة الخلافة الاسلامية في الشرق الاوسط واخيرا صدام الحضارات بين المسلمين واعدائهم ينتصر فيها المسلمون وتقود الى الخلافة العالمية.

من يقرأ عطوان الذي يجيب على اي مهتم بالقاعدة التي لم تعد « ظاهرة» يرى انها عوضا عن ان تموت تخرج مثل الفينيق من رمادها وتتشكل مرة اخرى، فهي تتمدد الان في مناطق لم تكن تحلم بها مثل غزة بل صار هلالها يمتد جنوبا وغربا من افغانستان ارض الساحل في افريقيا وشمالا من اوزبكستان الى خلاياها في اوروبا. في قراءته لمشهد الربيع العربي واثره على القاعدة يرى انه لم يكن نقمة كما توقع محللون بل هدية من السماء، فكما اشرنا اعلاه استفادت القاعدة في بناء او اعادة بناء قواها بل وجدت بعض تنظيمات عانت من ضربات في الربيع العربي فرصة لمواصلة هجماتها من جديد كما في الحالة العراقية. ويشير عطوان بالتحديد الى الحالة اليمنية التي لعبت القاعدة دورا فيها، فهي كما ينقل عن سعد الفقيه، المحلل السعودي تقوم بتحقيق انجازات على الارض عبر دعم الثورة وليس قيادتها.
كتاب عطوان منجم من المعلومات وغابة من اسماء التنظيمات التي يجد القارىء عونا في متابعتها من خلال القائمة الطويلة من المختصرات.

كيف ستنتهي
كيف ستنتهي القاعدة يتساءل عطوان ويشير الى دراسة اعدها معهد راند الامريكي الذي قدم عددا من السيناريوهات حول نهاية القاعدة وتراجعها كفكرة جهادية: منها تدميرها عسكريا وهو حل يبدو انه بعيد المنال نظرا لتوزع القاعدة جغرافيا. القاعدة تتراجع، فمن يتابع اخبار الصومال يرى ان هناك املا بعودة الحياة الطبيعية للبلاد بعد عقدين من الحرب الاهلية والتدخل الغربي والاقليمي، وهناك مؤشرات لكن لا يعني تراجعها والقضاء عليها وعلينا الانتظار. اما السيناريو الثاني فهو الانهيار داخليا نتيجة للخلافات الداخلية، هذا الخيار استبعده التقرير، خاصة ان القيادات الشابة وايمن الظواهري يمكنهم التدخل لحسم اي خلاف. اما السيناريو الرابع فهو مقتل القيادات الرئيسية المحركة للتنظيم مما سيؤدي لانهياره، لكن طبيعة القيادة الافقية وتفويض القيادة وجاهزية ملء الفراغ تجعل من الخيار مستبعدا. في النهاية يرى عطوان ان الخيارين الاخيرين يمكن حدوثهما، لكنه مع خيار رابع وهو ان تتحول القاعدة الى الساحة السياسية خاصة انها فشلت في تقديم البديل وملء الفراغ الذي شغر بسبب فشل المشروع القومي العربي وهزيمته عسكريا عام 1967، فالقاعدة ومعها الحركات الجهادية لم تنجح في الاستجابة لتطلعات المسلمين وهي بناء حكومة عادلة وشريعة لا تحيي الامثلة الدموية في تاريخنا الاسلامي، ويرى في النموذج الايرلندي مثالا عن امكانية دخول التنظيم معترك السياسة. وقد اخالف استاذي عطوان في هذه النظرة لان ما حدث في التجربة الايرلندية انه كان لها جناحان عسكري وسياسي. كما انه طالما ظلت الظروف مهيأة لنشر افكار القاعدة- فلسطين والظلم الواقع على المسلمين في العالم، فالقاعدة ستواصل حضورها بمستويات مختلفة، صحيح ان بن لادن في عزلته الاخيرة كان يفكر في انشاء تيار سياسي، حيث اشارت اوراق بيته التي نشرتها سي اي ايه انه وضع اكثر من اقتراح لاسم التنظيم. وهذا لا ينفي ان التيار السائد هو التيار الجهادي بزعامة الظواهري تماما كما انتصر التيار هذا على التيار الاخواني في الجهاد الافغاني، فطالما ظل الظواهري على رأس التنظيم فلا تغيير في مسار الحركة، ونضيف الى ان نهاية او انحسار مشروع الجهادية العالمية هو رهن نجاح الربيع العربي فإن حققت الانظمة الجديدة طموحات وآمال المواطنين فهناك امل في تراجع الحركات الجهادية وموت النزعة الخارجية. في الوقت الحالي من الباكر ان نتحدث عن امكانية استبدال افراد القاعدة شروال قميز والكلاشينكوف ببدلة النواب وكرفتاتهم تحت قبة البرلمان. واخيرا يجب ان نقرأ محاولة عطوان وقراءته للقاعدة وبناتها- لسن جميلات على ما اعتقد.


After Bin Laden: A-Qaida , The Next Generation,Abdel Bari Atwan,Saqi- 2012


ناقد من اسرة القدس العربي