انطلاقا من دلالات العناوين باعتبارها العتبات الدالة والموجهة للتلقي الأدبي، وتعريجا على خصوصية اللغة وشعريتها، ينطلق الكاتب والقاص الأردني في تناوله لهذه المجموعة القصصية اللافتة لقاصة أردنية مرموقة نشرت لها (الكلمة) كثيرا من قصصها، وبعض من قصص المجموعة محل الدرس هنا.

قرآءة في قصص محاسن الحمصي

في مجموعة «لم يعد لي إلا أنا»

سمير أحمد الشريف

لا خلاف على أن نظرية السرد القصصي ما زالت محل خلاف، و المدارس النقدية ما زالت تتنازعها الرؤى والتحليلات إزاء هذا المنجز.
لا خلاف على أن العنوان في النص ُيحقق الكثير في معادلة المضمون والجمال، وهو المفتاح الأول لولوج المتن وينظر له كعتبة أولى كونه يمثل التلخيص والإختزال لمجمل فضاءات المنجز، ويرى فيه البعض محطة الإنطلاق الأولى للغوص في بنية النص وكشف دلالاته والوقوف على مضامينه.
تم الإلتفات أخيرا لعتبة النص كمحمول ثري، بعد أن أُهمل ردحا من الزمن وقد منح الاعتبار والأهمية من مختلف المدارس النقدية نظرا لأهميته، ولعلنا نستذكر ثلة الباحثين في هذا الحقل (كجيرار جينيت وهنري متران ولوسيان كولدمان) وغيرهم ممن أجمعوا على أن العنوان ُيمثل جدائل من لسانيات تُثبتُ في بداية النص بهدف جذب المتلقي وأخذه لأعماق المضامين والرؤى.
في مجموعتها القصصية " لم يعد لي إلا أنا " تأخذنا "محاسن الحمصي"عبر نصوصها التي تتراوح بين القصة بحجم الكف والقصة القصيرة لهواجس المرأة المسكونة بعذابات الوحدة وأوجاعها، فتمزج بين العام والخاص في رصد تشظيات الساردة التي تحاول إيجاد توازن يصب في تحقيق الذات ويتحدى الواقع، بحثا عن خيوط تلتئم بها ذات الساردة.
الكشف عن عورات الواقع وتعريتها، وإضاءة بؤر النزف والتشظي، والعزف على أوتارر الفردانية التي أنتجها غياب التواصل الإنساني الذي سبب عزلة الساردة التي حرقها البرود العاطفي وتفسح المجتمع ويدين جفاف علاقات أفراده، و هاجس الخوف من الموت الذي يُطارد الساردة بعد رحيل الشريك وضعفها عن مواجهة الحياة.
هم الأنثى ومجموعة التداعيات والمناجآة التي ُتطلقها في فضاء النصوص، ُيعطي بطولة مطلقة للمرأة وغياب فادح للرجل، مع ملاحظة غياب المكان و انتظام خيط فلسفي وجودي يلظم النصوص.
شخصيات قلقة مضطربة تتكلم بضمير المتكلم فتعلي من وتيرة بوحها وتقف بنا على نهايات مدهشة للنصوص، وتقدم مشهدية تتسلل اليها بعض المباشرة والتجريدية والذهنية أحيانا، لتظل جدلية الخوف والأمل تتنازع فضاءات النصوص وُتلح على وعي ولا وعي السارد.
ولئن كان الأصل في القصة القصيرة جدا ألا يحتمل عنوانها أكثر من كلمة، مسايرة لبنيتها، ولكون عنوان النص يشكّل بؤرة المتن فيه، فإن بعض النصوص عُنونت بأكثر من كلمات ثلاث، وإن التزمت الكاتبة في نصوصها الثانية بذلك أكثر.
نعود للعنوان " لم يعد لي إلا أنا "الذي يتضافر مع الإهداء الذي تلخصه الكاتبة بقولها " يا ربيعا كسا ُغصني العاري فأزهر" لنقف على عُمق الفقد والوحدة وغياب الرفيق، وتوتر علاقتها بالآخر في نصوصها التي أثارت الأسئلة أكثر مما قدمت من إجابات، وهذا شرط الفن المبدع، مع ملاحظة أن نصوص المجموعة الطويلة لا تمتلك شرط القصة القصيرة، بل جاءت أقرب لكشف الذات والغوص في أعماق البطلة التي وقفت أمام مرآة المكاشفة والبوح...أتمدد في المغطس، يمتزج بدني الملتهب بالماء .. فيلسعني، أفرك .. أفرك ذلك الملعون المجنون .. أغتسل من ظلي...أبحث عني في المرآة فلا أجدني...أركل قلبي..ألكم نافذة عمري المهدور...
يرصد المتلقي إنغماس عناوين النصوص بالشعرية التي كادت أن تكون بيتا كاملا من الشعر كما في ص75/85/93/113/123أو استعارة أبيات من الشعر العربي كنص"على قلق كأن الريح تحتي" للمتنبي والبصيري في "يا لائمي في الهوى العذري معذرة.."ولقيس بن الملوح وفدوى طوقان.
حضور الرجل في نصوص المجموعة جاء سالبا، فبينما هو خائن في نص "عكاز"نجده مثار تهكم وسخرية واتهام في نص" العائلة السعيدة/ قبضة عصيان/ فوتوشوب/ الريح / أسبوع.
كما اشتملت النصوص على رصد التغيرات التي اجتاحت المجتمع في نص " من وحي الأخبار" والوقوف على الفضاءات السياسية في نص" تفتيش/ مقامات / لكن ما ُيلفت أن المتابع لإبداع "الحمصي" سيقف بلا شك أمام ظاهرة تتجلى في نصوصها وهي وجود الكثير من المحذوفات التي تحترم ذوق وعقل المتلقي، وتترك له فسحة الذهاب لما بعد النصوص كنص "إحباط" على سبيل التمثيل.
يتضافر العنوان الرئيس في مجموعة القاصة " لم يعد لي إلا أنا "مع ما أكدنا عليه من تمثيله لمجمل فضاءات الكتاب، ولعل نص "شيخوخة" الذي يعبّر عن رثاء الذات والخوف من هجوم الزمن هو ما يمثل بصدق ما ذهبنا إليه: تتشابك الأيدي حول خصري..
تنهال القبلات على وجهي في "لمّة" ُعُمرٍ عائلية
يضحك قلبي..
وأنسى أنّ بساط َشعري قد غدا أبيض.

 

قاص وناقد من الاردن